اختتم الزعماء العرب، أمس الأحد، الـ15 من أبريل، قمتهم التاسعة والعشرين التي عقدت في مدينة الظهران بالمملكة العربية السعودية، وسط غياب 5 زعماء لأسباب متباينة، على رأسهم عاهل المغرب والرئيس الجزائري وأمير دولة قطر.
جاءت القمة التي لم تتجاوز 5 ساعات ونصف، وسط أجواء متوترة، ما بين الضربة الأمريكية الأوروبية لسوريا واشتعال الموقف الميداني في غزة مع جيش الاحتلال، واستمرار الأزمة الخليجية للشهر العاشر، ورغم ما كان يأمله البعض من احتمالية تحريكها للمياه الراكدة في تلك الملفات الساخنة التي تهدد أمن واستقرار الكيان العربي برمته، فإن كل التوقعات كانت تذهب إلى فشلها في تحقيق أي نجاحات تذكر على أرض الواقع، لتصبح رقمًا لا أكثر إلى جوار ما سبقها من قمم أخرى.
القمة وإن كانت محسومة النتائج لدى النخب السياسية ورجل الشارع على حد سواء، غير أنها نجحت في لفت الأنظار إليها، سواء قبل انعقادها أو خلال سيرها، فضلاً عن بيانها الختامي الذي حمل حزمة من التناقضات التي دفعت البعض إلى نعتها بـ”قمة الخطب والشعارات”.
لماذا الظهران؟
كان نقل مقر انعقاد القمة من الرياض إلى مدينة الظهران (شرق المملكة) علامة استفهام أثارت الكثير من التساؤلات عن الدافع والحكمة من هذه الخطوة غير المبررة رسميًا من السلطات السعودية.
التكهن الأول الذي فرض نفسه تعلق بلجوء الرياض إلى هذا القرار بسبب المخاوف من خطر الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون من الأراضي اليمنية، ولعل آخرها قبل عدة أيام، حين أسقطت قوات الدفاع الجوي السعودية عددًا من تلك الصواريخ فضلاً عن إصابة بعضها لأهداف في قلب العاصمة وفي مناطق حيوية للغاية منها مطار الملك خالد الدولي، وذلك بحسب وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية.
آخرون ذهبوا إلى أن اختيار الظهران التي تبعد نحو 200 كيلو متر من الساحل الإيراني، هو رسالة تهديد واضحة وجهتها المملكة لخصمها اللدود الذي تصدر جدول أعمال القمة، فقد ذُكرت إيران بالاسم في البيان الختامي ضمن الفقرات الثامنة والتاسعة والتاسعة عشرة والرابعة والعشرين، كما أنها ذكرت بشكل غير مباشر في فقرات أخرى عن اليمن وسوريا والبحرين.
تجاهلت القمة تمامًا توجيه أي انتقادات لممارسات جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين الذين يسقط منهم يوميًا العشرات بين شهيد ومصاب
اجتماع للخطب
“القمة العربية ساحة عريضة لاستعراض القدرات اللغوية والخطب الرنانة والشعارات عالية النبرة”.. لم تغب هذه الصورة الذهنية التي صاحبت القمم الثمانية والعشرين السابقة للجامعة العربية عن تلك التي عقدت أمس في السعودية، وهو ما جسدته كلمات الزعماء المشاركين التي ما تنفك أن تتبخر مع الانتهاء من إلقاء البيان الختامي.
القادة العرب في القمة أكدوا بطلان وعدم شرعية قرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وتعهدوا بالاستمرار في تقديم الدعم اللازم لنصرة القضية الفلسطينية، مع التشديد على أهمية تحقيق السلام الشامل والدائم مع تل أبيب.
كما شددوا في البيان الختامي على “الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة”، داعين إلى ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لحماية الفلسطينيين، وضرورة استئناف المفاوضات، مؤكدين أهمية السلام كخيار “إستراتيجي” في الشرق الأوسط على أساس مبادرة السلام العربية.
البيان الختامي دعا كذلك إلى العمل “على تسريع آليات العمل العربي المشترك”، و”عمل كل ما يلزم لتحصين أمننا من الإرهاب وصيانة أمننا العربي”، بالإضافة إلى “دعوة داعمي المليشيات إلى التوقف عن ممارساتها”، فضلاً عن التشديد على “التصدي بحزم لكل التدخلات الإقليمية في شؤون دولنا العربية”، مطالبًا إيران بالكف عن الأعمال الاستفزازية التي من شأنها أن تقوّض بناء الثقة وتهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، مدينًا “بأشد العبارات” ما تعرضت له السعودية من “استهداف لأمنها عبر إطلاق مليشيات الحوثي الإرهابية 119 صاروخًا بالستيًا” على أهداف مختلفة في المملكة.
تجنب إدانة “إسرائيل”
في الوقت الذي أولى فيه الزعماء المشاركين في القمة اهتمامًا واضحًا للقضية الفلسطينية، وهو ما اتضح سواء في كلماتهم الأحادية أو البيان الختامي، تكلل بتخصيص العاهل السعودي 200 مليون دولار لدعم برنامج الأوقاف الإسلامية في القدس ووكالة الإغاثة “أونروا”، إلا أن أحدًا لم يقترب نهائيًا من جرائم دولة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
تجاهلت القمة تمامًا توجيه أي انتقادات لممارسات جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين الذين يسقط منهم يوميًا العشرات بين شهيد ومصاب، لعل آخرهم استشهاد 35 متظاهرًا مدنيًا في مسيرات العودة التي يقوم بها الفلسطينيون منذ أيام احتفالاً بيوم الأرض.
الأمر لم يتوقف عند عدم توجيه أي إدانات أو انتقادات للكيان الصهيوني تتناسب والشعارات المرفوعة لنصرة القضية الفلسطينية فحسب، بل هناك حالة من التناقض تنتهجها الدول العربية في سياساتها تجاه تل أبيب، على رأسها مواقف ولي عهد السعودية محمد بن سلمان الذي اختطّ منذ استلامه المنصب مسارًا حادًا للتقارب مع “إسرائيل” كانت ذروته تصريحه أن من حق الإسرائيليين العيش “في أرض أسلافهم”، وهو ما اعتبره الإسرائيليون تصريح “بلفور” جديد وتنازلاً لم يقدم عليه زعيم عربي من قبل.
الجزر الإماراتية الثلاثة المحتلة من إيران تطالب القمم العربية وقمم مجلس التعاون الخليجي في كل لقاء بضرورة إرجاعها لأصحابها، في حين أن الإمارات تقيم أقوى علاقات اقتصادية مع إيران التي تحتل جزرها
الأزمة الخليجية وتناقض السياسات السعودية
بينما ترفع المملكة شعارات الوحدة ونبذ الخلاف والاصطفاف العربي في مواجهة التحديات الراهنة ورفض التدخل في شؤون الدول الأخرى، إذ بها تستضيف قمة للدول العربية في الوقت الذي تقفل فيه حدودها البرية والبحرية والجوية أمام الوفد القطري المشارك الذي اضطر إلى القدوم عن طريق الأردن، وهو الذي يفصله عن مقر عقد القمة ليس أكثر من دقائق معدودة.
هذا بخلاف إعادة دول الحصار تكرار مطالبها السابقة التي وصفت بـ”التعجيزية” قبيل عقد القمة، وكأنها رسالة ضمنية مفادها أن المشاركة في اجتماع الظهران هو عقد إذعان واستسلام وليس للتنسيق بين دول متساوية في الوزن والمكانة والكرامة.
من الأمور التي أثارت سخرية البعض أيضًا تناقض الرياض بين شعارات (حماية الأمن العربي من الأخطار المحدقة به) وسياساتها الممارسة على أرض الواقع، فبينما تتهم المملكة بعض دول الجوار بالتسبب في عدم الأمن والاستقرار، تناست ما تفعله قواتها في اليمن وسوريا على سبيل المثال، وهي التحركات التي أثارت حفيظة المجتمع الدولي برمته التي على إثرها اضطر ولي العهد إلى دفع المليارات لتجنب ملاحقته دوليًا وتحسين صورة بلاده أمام العالم.
لفتة أخرى أثارها البعض تعكس حجم التخبط في التوجهات السعودية، منها أن طائرات القادة العرب المشاركين هبطت في قاعدة الملك عبد العزيز الجوية التي بناها المهندس الأمريكي مينورو ياماساكي مصمم مبنى التجارة العالمية في نيويورك الذي تعرّض لهجوم عام 2001 قاده 15 سعوديًا وإماراتيين ومصري ولبناني وأدّى عمليًا إلى اجتياح أفغانستان والعراق وصولاً إلى أغلب الكوارث التي شهدتها المنطقة لاحقًا.
العاهل السعودي ينتقد قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس
“القمة العربية ساحة عريضة لاستعراض القدرات اللغوية والخطب الرنانة والشعارات عالية النبرة”.. لم تغب هذه الصورة الذهنية التي صاحبت القمم الثمانية والعشرين السابقة للجامعة العربية عن تلك التي عقدت أمس في السعودية
“قمة رفع عتب”
أمام علامات الاستفهام تلك التي رافقت القمة منذ الإعداد لها وحتى الانتهاء من إلقاء بيانها الختامي، كان التشكيك في قدرتها على تحقيق أي نجاحات تذكر هو السمة البارزة لتحليلات وتعليقات السياسيين والخبراء، ممن ذهبوا إلى أن قمة الظهران فشلت في أن تحرك ساكنًا في الملفات الساخنة التي تشهدها الساحة وهو ما يفقدها قيمتها بصورة كاملة.
عضو مجلس الأمة الكويتي السابق ناصر الدويلة، تعليقًا على البيان الختامي، وصف القمة العربية بالخجولة في أدائها وفي بيانها، معتبرًا “أنها كسابقاتها من القمم انتقدت إيران وألمحت إلى تدخلاتها في المنطقة العربية وتحميلها المسؤولية بدعم المليشيات، ولكن دون اتخاذ إجراءات عملية أو مواقف واضحة لإلزام إيران ووقفها عند حدها”.
وقال إن الجزر الإماراتية الثلاثة المحتلة من إيران تطالب القمم العربية وقمم مجلس التعاون الخليجي في كل لقاء بضرورة إرجاعها لأصحابها، في حين أن الإمارات تقيم أقوى علاقات اقتصادية مع إيران التي تحتل جزرها، هكذا أضاف في تصريحاته لـ “الجزيرة“، معتبرًا أن قمة الظهران أقل القمم العربية بريقًا وتأثيرًا حتى على المستوى الإعلامي، سواء العالمي أو الدولي، وأضاف أنها قمة واهنة ضعيفة يصلح أن تسمى “قمة رفع عتب”.
بينما ترفع المملكة شعارات الوحدة ونبذ الخلاف والاصطفاف العربي في مواجهة التحديات الراهنة، إذ بها تستضيف قمة للدول العربية في الوقت الذي تقفل فيه حدودها البرية والبحرية والجوية أمام الوفد القطري
الأمر لم يختلف كثيرًا عند الفلسطينيين، رغم تصدر قضيتهم جدول أعمال القمة، فها هي حركة “فتح”، وعلى لسان القيادي أمين مقبول، تشكك في جدوى نتائج هذه القمة التي رأت أنها “تعقد في ظروف صعبة في فلسطين والمنطقة العربية ككل، وبالتالي هناك الكثير من الشكوك في أن تخرج القمة العربية بقرارات تعالج القضايا المصيرية للشعب العربي والفلسطيني”، مضيفًا: “نحن في شكوك إن كانت هذه القمة، تستطيع أن تتخذ قرارات تواجه بها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهذا أمر في غاية الأهمية ومقياس بالنسبة لنا، حول نجاح أو فشل هذه القمة”.
أما حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وعلى لسان القيادي داود شهاب، رأت أن هذه القمة تعقد في ظل “تحديات كبيرة تواجه الأمتين العربية والإسلامية”، موضحًا أن “أخطر هذه التحديات محاولات دمج الكيان الإسرائيلي في المنطقة واعتباره جزءًا طبيعيًا منها، وذلك عبر الاعتراف بشريعة الاحتلال على أرض فلسطين والمساعي الحثيثة من بعض الأطراف العربية وفي مقدمتها السعودية لإقامة علاقات مفتوحة مع الاحتلال، وإقامة علاقات تنظر إلى المصالح التي تتناقض مع ثوابت ومصلحة الأمة”.
وعن رسالته للقادة العرب في القمة أكد قائلاً: “يجب أن نقف جميعًا ضد الهيمنة الأمريكية، ويجب العمل على غلق الأبواب كافة في وجه واشنطن وتل أبيب ووجه كل من يحاول أن ينال أو يستخف بهذه الأمة”، مذكرًا بتصريحات ترامب التي كشف فيها أن “عينه على المال والنفط العربي، وهذا استخفاف فاضح بوزن ومكانة الأمة العربية”، متسائلاً: “هل القمة بوضعها الحاليّ قادرة على ذلك؟”، مجيبًا عن نفسه قائلاً: “لا أظن أن القمة بوضعها الحاليّ يمكن أن يخرج منها شيء لصالح وحدة الأمة”.