تضطلع منظمة هيومن رايتس ووتش (HRW)، بأدوار حقوقية بارزة على مستوى العالم، وينعكس تأثيرها في مشاركتها المكثفة في المؤسسات الدولية التي تؤكد على أهمية حقوق الإنسان، بما في ذلك الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.
وكفاعل عالمي استطاع اختراق الحدود السياسية والثقافية والاجتماعية، تساهم هيومن رايتس ووتش سنويًا في توفير ما يزيد عن 100 تقرير حول أوضاع حقوق الإنسان في 90 دولة، لتتمكن بذلك من لفت الانتباه عالميًا إلى عدد من القضايا، وتحظى بتغطية واسعة في وسائل الإعلام المحلية والدولية.
إلا أن تزايد وانخراط هيومن رايتس ووتش الأخير في عدد من القضايا المتعلقة بالفلسطينيين وصراعهم مع الاحتلال، يفتح تساؤلات جادّة حول قيم المنظمة والأهداف التي تسعى لتحقيقها، ومدى علاقتها بتوجهات حكومات معينة وفرص توظيفها لخدمة مصالح أطراف بعينها، فضلًا عن الجهات المانحة لهيومن رايتس ووتش ودورها في رسم الإطار العام للتقارير.
من المهم إعادة النظر في التصورات المتواترة عن هيومن رايتس ووتش، والوقوف على أوجُه الاختلاف والتشابه في أنشطتها الحقوقية في مكان وآخر، فكما تفترض هيومن رايتس ووتش أن الدفاع عن حقوق الإنسان هو غاية أدوارها في كل مكان بالعالم، وأنها ترتكز على منظومة كاملة من القيم والأهداف الإنسانية التي تسعى إلى نشرها وتطبيقها في كل مكان، إلا أن نفس المعايير التي تطبّقها على عملها في مكان ما، لا تطبّقها في مكان آخر، إلى حدّ أنها تتناقض بشدة مع معايير الخيرية وسياسة الحياد.
قلب المعادلة: التوقيت والمضمون والدلالات
بعد أكثر من 9 أشهر على جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، أصدرت هيومن رايتس ووتش بالأمس تقريرًا مطولًا مؤلفًا من 252 صفحة. وبشكل جذاب وموجّه، تم نشر التقرير بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي (لينكد إن – إكس – فيسبوك – انستغرام – يوتيوب)، وتضمين موسيقى وقوالب فنية ومؤثرات بصرية ومقاطع فيديو استعطافية للاحتلال مرفقة مع التقرير.
التقرير حمل عنوان “لا أستطيع محو كل تلك الدماء من ذهني: هجوم الفصائل الفلسطينية المسلحة على إسرائيل في 7 أكتوبر”، ويمكن أن نلاحظ بداية الانحياز في التقرير من عنوانه وصورة الغلاف، وكأن الهدف هو قلب العلاقة بين الضحية والجاني.
يأتي توقيت التقرير في وقت تدهورت فيه الثقة في الاحتلال عالميًا، وتنامت الشكوك في سرديته بعد أشهر من الإبادة، يبدو وكأن التقرير مصمّم في هذا التوقيت لدعم الاحتلال، واللعب على الروايات التي تسمح لـ”إسرائيل” بتبرير جرائمها ومواصلة الإبادة الجماعية، والأخطر من ذلك تضليل المواطنين الغربيين الذين يعتمدون بشكل كبير على مثل هذه المنظمات.
وبخلاف العديد من تقارير المنظمة التي تحمل أسلوبًا علميًا جادًّا، كان أسلوب تقريرها الأخير أقرب للعرض الدرامي وتوظيف الوسائل العاطفية لتشكيل وجهة نظر مسبقة، فبدلًا من إلقاء اللوم على جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في غزة، تمّ تجاهل المجازر الحالية المستمرة في غزة والتركيز فقط على ما حدث يوم السابع من أكتوبر، بجانب شيطنة المقاومة الفلسطينية وإلقاء اللوم عليها في كل ما يجري من إبادة.
تقول هيومن رايتس ووتش أنها اعتمدت في تقريرها على إجراء مقابلات مع 144 شخصًا، منهم 94 شخصية إسرائيلية شهدت هجوم السابع من أكتوبر، إضافة إلى أفراد عائلات الرهائن الإسرائيليين، وقلّة ممّن يسمّيهم التقرير بـ”المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل”. واعتمد الباحثون في تقريرهم على أكثر من 280 صورة ومقطع فيديو، تمّ التقاطها أثناء هجوم السابع من أكتوبر ونُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويذكر تقرير هيومن رايتس ووتش أن الحكومة الإسرائيلية رفضت طلباتها المتكررة لزيارة الكيبوتسات التي تعرضت للهجوم في السابع من أكتوبر، وبالتالي إن المعلومات والأدلة التي ستجزم بها هيومن رايتس ووتش ليست مأخوذة من معاينة على أرض الواقع، إنما مأخوذة من مقابلات مع عائلات الرهائن ومحللين سياسيين وصحفيين إسرائيليين وصور من وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي محاولة لتطبيق توازن ومعادلة زائفة، قالت هيومن رايتس ووتش إنها تواصلت مع حماس لإدراج روايتها في التقرير، لكنها في الحقيقة ورغم ردّ حماس، غيّبت الرواية الفلسطينية تمامًا في التقرير، مع العلم أن ردّ حماس كان واضحًا في شرح أهداف ودوافع السابع من أكتوبر.
في الواقع، کرّست هيومن رايتس ووتش تقريرها للتركيز فقط على يوم السابع من أكتوبر، وفضلًا عن كثافة المحتوى المتعلق بعائلات الرهائن الإسرائيليين، فإن اهتماماتها بيوم السابع من أكتوبر الأول بالتحديد حمل عدة دلالات حول منطلقات المؤسسة وغاياتها، ويمكن قراءة هذه الدلالات في ضوء 3 محاور أساسية ركّز عليها التقرير:
أولها الاستناد والتحيُّز إلى المعيار الغربي في قراءة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتأثر المنظمة بسياسة الولايات المتحدة، وثانيها التوصل إلى استنتاجات تتفق مع مواقف السياسة الخارجية الغربية.
فيما انصرف المحور الثالث إلى تصوير المقاومين الفلسطينيين على أنهم وحوش بلا قيم أو أخلاق ومجردين من كل صورة إنسانية، مقابل تقديم صورة في غاية المثالية للكيبوتس الإسرائيلي في غلاف غزة، والذي تم التعاطف معه بشكل مبالغ فيه، ويبدو أن ذلك كان من أجل حشد الدعم الدولي مرة أخرى.
وليست الإشكالية في تهميش التقرير للإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون، وتجاهل الجرائم اللاحقة والمستمرة التي قام بها الاحتلال بعد السابع من أكتوبر، إنما تبرير جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والابتعاد عن أسلوب البحث العلمي والموقف القانوني المحايد، فصار التقرير في الواقع أشبه برسالة دعائية إسرائيلية تكرر نفس الأكاذيب التي اختلقها الإسرائيليون لتبرير ذبح سكان غزة.
في حقيقة الأمر، قام التقرير بإحياء وتضخيم المواضيع التي أثبتت عدم جدواها، وقبل الادّعاءات الإسرائيلية بخصوص السابع من أكتوبر. لا يضيف هذا التقرير شيئًا ذا أهمية أو أي معلومات جديدة، لا مصادر جادّة ولا أدلة موثّقة، اللغة والعبارات المستخدمة في هذا التقرير كلها متشابهة مع ما ورد سابقًا، تكرارًا للإدانات نفسها والدعاية المفرطة التي تلقيناها منذ السابع من أكتوبر، وكأنه نصّ واحد يتم توزيعه.
وبالتالي من الممكن القول إن هذا التقرير يسعى إلى إعادة تدوير المواقف القديمة وتسجيل بعض النقاط الرخيصة، ربما لمواءمة غايات وإرضاء بعض المانحين المؤيدين لـ”إسرائيل”، وفيما يلي النقاط الرئيسية التي تناولها التقرير:
عدم وضع السابع من أكتوبر في سياقه الصحيح
كعادة الكثير من التقارير الغربية التي تناولت السابع من أكتوبر وكأنه بداية الصراع، كذلك كان تقرير هيومن رايتس ووتش الذي أصرَّ على اعتبار أن يوم السابع من أكتوبر هو بداية كل شيء، وأهمل كل ما قبله من التطهير العرقي والتعذيب الممنهج الذي يتعرض له الفلسطينيون منذ 76 عامًا، وكل ما يعانيه أهل غزة اليوم من حرب وحصار.
من المؤكد أنه لا يمكن الحديث عن السابع من أكتوبر دون وضعه في سياق القهر الذي يعيشه الفلسطينيون منذ ما يقرب من 8 عقود، السابع من أكتوبر نتيجة مباشرة للسياسة والإجراءات الإسرائيلية، لكن تقرير هيومن رايتس ووتش لم ينظر إليه على هذا النحو، وقدّم السابع من أكتوبر وكأنه هجوم بربري حدث من فراغ ومعزول عن أي سياق.
الفلسطينيون يُقتلون من أجل المتعة
تعمّد التقرير عدم ذكر الدوافع التي من أجلها قامت المقاومة بهجوم السابع من أكتوبر، وبمنتهي العشوائية خلص تقرير هيومن رايتس ووتش إلى أن هجوم السابع من أكتوبر كان مصمَّمًا وموجَّهًا لقتل المدنيين، يقول التقرير: “إن قتل المدنيين واحتجاز الرهائن كانا الهدفَين الرئيسيَّين للهجوم المخطط له”.
رغم أن هجوم السابع من أكتوبر يعتبر نجاحًا عسكريًا بالدرجة الأولى، وهذا ما تكلم عنه الكثير من الخبراء العسكريين، ورغم أن المقاومة هاجمت بالأساس الفرقة العسكرية المخولة لحراسة غلاف غزة، لكن لم يتناول التقرير الهجمات على أي مواقع عسكرية إسرائيلية أو ضد جنود إسرائيليين، وقدّم السابع من أكتوبر على أنه تعمّدَ استهداف للمدنيين.
وجدير بالذكر أن التقرير تجاهل كذلك قيام الجيش الإسرائيلي في السابع من أكتوبر بفتح النار على مواطنيه في مهرجان موسيقي لمنع الفلسطينيين من أسرهم أحياء، وبدلًا من اعتماد هيومن رايتس ووتش على التحقيقات التي أكدت أن القتل الذي جرى للمشاركين بالحفل كان بسبب قصف من الجانب الإسرائيلي نفسه، حملت المقاومة مسؤولية ما حدث وبرّأت الاحتلال، إذ قالت: “لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من الحصول على معلومات كافية حول الردّ العسكري الإسرائيلي على الهجوم على مهرجان سوبرنوفا الموسيقي”.
الاغتصاب والعنف الجنسي
لقد أراد تقرير هيومن رايتس ووتش وضع الرواية الفلسطينية أمام حرج شديد والتلاعب بالمشاعر العالمية، لذا زعمت المنظمة أنها تواصلت مع مراكز مختصة في الكشف عن العنف الجنسي في حالات النزاع، وجمعت أدلة عن وقوع حالات اغتصاب من قبل المقاتلين الفلسطينيين.
مع ذلك، فشل التقرير ولم يقدم أي دليل مزعوم حول هذه الادّعاءات، فقط ذكر أن “ضحايا العنف الجنسي ماتوا، وأن وصمة العار تمنع الكثيرين من التحدث علنًا، وأن الإسرائيليين لم يجمعوا الأدلة بعد”.
وهذا عجيب جدًّا، فإذا كان مثلما يقول التقرير إن الإسرائيليين لم يجمعوا الأدلة بعد، فكيف يتم الادّعاء بمنتهى القوة بحدوث اغتصاب. وجدير بالذكر أن هيومن رايتس ووتش اعترفت في التقرير نفسه أنها طلبت من الحكومة الإسرائيلية الوصول إلى معلومات حول العنف الجنسي والاغتصاب ولقاء الضحايا، لكن لم تتم الموافقة على طلباتها.
المحامي خالد محاجنة: صحفي التلفزيون العربي محمد عرب أبلغني عن حالات اغتصاب بحق الأسرى
إن النتائج التي توصلت إليها هيومن رايتس ووتش بشأن العنف الجنسي، والذي أصبح الموضوع الأكثر تناولًا في التقرير، ليست أدلة على الإطلاق، فباحثو التقرير أنفسهم لم يتمكنوا في النهاية من تحديد هوية أي ناجين من مزاعم العنف الجنسي والاغتصاب أو حتى شهود، ولم يقوموا بالأساس بعمل أي نوع من المقابلات مع ضحايا الاغتصاب المزعوم أو شهود عليه.
اللافت حقيقة أن أكثر من نصف التقرير كان عن الاغتصاب والعنف الجنسي المزعوم، مع ذلك لم يتمكن من تأكيد حالة اغتصاب واحدة، وبدلًا من ذلك عمد إلى مخرج وحيلة غير أخلاقية، فاعتمد على النتائج التي توصّلت إليها الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في الصراعات، والتي قالت في مارس/ آذار الماضي إن هناك “أسبابًا معقولة” للاعتقاد بأن المهاجمين تورطوا في عمليات عنف جنسي واغتصاب جماعي، دون أن تذكر أدلة أيضًا.
ويمكن بسهولة أن نلاحظ تضليل هيومن رايتس ووتش ومحاولة التلاعب بالأدلة بلا خجل، والأسوأ تبييض مثير للاشمئزاز لتأكيدات وادّعاءات الاحتلال التي قام بها لأكثر من 9 أشهر، وتوفير الغطاء والترويج لسرده بدلًا من مطالبته بتقديم أدلة على مزاعم الاغتصاب.
يقول تقرير هيومن رايتس ووتش: “لم توثق هيومن رايتس ووتش أي حالات اغتصاب، ولكن نظرًا إلى التحديات المنهجية والأخلاقية، فإنها لا تفسّر ذلك بأن مثل هذه الحالات لم تحدث… وبسبب عدد الضحايا الكبير، لم تجرِ السلطات الإسرائيلية تحليل الطب الشرعي بشكل منهجي لمسرح الجريمة أو فحوصات الطب الشرعي للذين قُتلوا في الهجمات، وهذا الأمر مفهوم نظرًا إلى حجم الهجوم وعدد الضحايا”.
وجدير بالملاحظة أن هيومن رايتس ووتش استشهدت في تقريرها بجهات معروفة بتقديم معلومات كاذبة ومضللة، مثل اعتماد التقرير على منظمة صهيونية تدعى “زكا”، رغم أن هذه المنظمة تم فضح قصصها الملفّقة حتى من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية. ورغم أنه في الحقيقة تم فضح مزاعم الاغتصاب والعنف الجنسي الذي وقع في السابع من أكتوبر من خلال العديد من التحقيقات المستقلة، مع ذلك لم يشر إليها تقرير هيومن رايتس ووتش.
الثقة في رواية الاحتلال
دعا التقرير حماس إلى إطلاق سراح الرهائن على الفور ودون شروط، بجانب وقف ما أسماه “الهجمات غير القانونية” التي تقوم بها المقاومة، في تجاهل تامّ للتدمير المستمر الذي يقوم به الاحتلال، وقتل أكثر من 10 آلاف طفل في غزة على يد الجيش الإسرائيلي.
من اللافت أن التقرير قدّم حماس على أنها هي من ترفض وقف إطلاق النار، ودعاها إلى الالتزام بالقانون الدولي والموافقة على وقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن.
إن قضية الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين بالنسبة إلى منظمة هيومن رايتس ووتش، هي مثال على الاستعلاء والتحيز، والجدير بالذكر أن الرهائن الإسرائيليين كانوا منذ فترة طويلة رمزًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، ولم تقم الأخيرة بحملة متواصلة بشأن الأسرى الفلسطينيين، أو على الأقل ذكر آلاف الفلسطينيين الذين يتعرضون للتعذيب منذ سنوات في السجون الإسرائيلية في تقريرها.
وفي الواقع، يكتسب تقرير هيومن رايتس ووتش أهميته من كون توصياته تتفق بشكل كبير مع مطالب الاحتلال، على سبيل المثال حثَّ التقرير الحكومات التي لها تأثير على المقاومة الفلسطينية الضغط من أجل الإفراج عن الرهائن وتقديم قادة حماس إلى العدالة.
يقول التقرير: “على إيران وتركيا وقطر وغيرها من الدول التي لها علاقات بحماس وجناحها المسلح والفصائل المسلحة الأخرى المشارِكة في الهجوم، أن تسعى إلى الإفراج الفوري عن بقية الرهائن المدنيين”.
حالة أخرى تفضح تقرير هيومن رايتس ووتش ومدى انحيازه إلى الاحتلال، هو مطالبة التقرير من المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال ضد قادة حماس، بما في ذلك القيادة السياسية بالخارج مثل إسماعيل هنية، الذي يتهمه التقرير بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
إلقاء الكرة في ملعب حماس
لقد برّر التقرير بشكل صريح وضمني في أكثر من موضع الإبادة والتدمير اللذين قام بهما الاحتلال، فالمشكلة ليست “إسرائيل”، إنما حماس هي السبب في كل الأحوال، على سبيل المثال يقول تقرير هيومن رايتس ووتش: “إن حماس قادت جماعات فلسطينية مسلحة لارتكاب مئات من جرائم الحرب في الهجوم المفاجئ على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والذي أدّى إلى اندلاع حرب غزة”.
وبذلك جرى تقديم التبريرات وإضفاء مشروعية ضمنية لكل الإبادة التي قام بها الاحتلال، والحقيقة أن تقرير هيومن رايتس ووتش لم يكتفِ بذلك، بل راح يضخّم ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر، ويشيطن الفصائل الفلسطينية بشكل قاسٍ جدًّا من خلال استحضار تمثيلات وخيالات مرعبة، فمثلًا يقول التقرير: “لقد أضرموا النار في بعض المنازل، وأحرقوا وخنقوا الناس حتى الموت، وأجبروا آخرين على الخروج من منازلهم، ثم أسروهم أو قتلوهم”.
رغم أن هيومن رايتس ووتش تعترف بعدم شرعية الاستهداف المتعمّد للمدنيين الذي قام به جيش الاحتلال، ولكن فحوى تقريرها الأخير هو أن المذابح التي ارتكبها الاحتلال كانت مبررة إلى حد ما، أو على الأقل يتم وضعها في سياق الردّ على حماس.
وفي حين أن علاقة هيومن رايتس ووتش مع “إسرائيل” كانت متوترة في بعض الأوقات، بسبب أن الأولى اتهمت الاحتلال بانتهاك القانون الدولي في عدة قضايا، وتناولت العديد من جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في غزة، لكن يشير تقرير هيومن رايتس ووتش الأخير إلى تغيير لافت في اتجاهها، ولذا كان هناك ترحيب إسرائيلي كبير خاصة على مواقع التواصل بهذا التقرير، فضلًا عن توظيفه إعلاميًا من قبل الاحتلال وداعميه.
ردّ الفلسطيين على تقرير هيومن رايتس ووتش
لقد أثار تقرير هيومن رايتس ووتش حالة من الغضب لدى القوى الفلسطينية، اعترضت حماس بشكل قاطع على النتائج والتوصيات التي قدمتها هيومن رايتس ووتش، وأصدرت بيانًا عقب صدور التقرير أمس الأربعاء قالت فيه: “نرفض ما تضمنه تقرير هيومن رايتس ووتش من أكاذيب وانحياز فاضح للاحتلال وافتقاد للمهنية والمصداقية، ونطالب بسحبه والاعتذار عنه”.
فيما وصفت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، بأنه منافٍ للحقيقة ويفتقر إلى الموضوعية والمهنية. كذلك استنكرت حركة الجهاد الإسلامي ما أوردته منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها، واصفة التقرير بأنه منحاز بالكامل إلى الجانب الصهيوني.
🔴طالبت حركة حمـ.ـاس، منظمة هيومن رايتس ووتش بسحب التقرير الذي اتهمها بارتكاب جـ.ـرائم حرب خلال عملية طوفان الأقصـ.ـى والاعتذار عنه.
📍وفندت الحركة الادعاءات التي قدمتها المنظمة، قائلة إن “التقرير لم يتطرق لما أصاب شعبنا في غزة من قتل وتدمير وتجويع وعذاب فاق الخيال، مما يكرس… pic.twitter.com/s8IWXwX9F0
— نون بوست (@NoonPost) July 17, 2024
أما مصطفى البرغوثي، أمين عام حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، فقد وصف تقرير هيومن رايتس ووتش بأنه رضوخ للإرهاب الفكري الإسرائيلي، ويمثل سقطة خطيرة لمنظمة كان يجب أن تلتزم بصدق بمعايير حقوق الإنسان.
وتابع: “التقرير فاقد تمامًا للموضوعية والمهنية العلمية، ويكرر دون مبرر أو إثباتات الرواية الإسرائيلية المزورة والأكاذيب الإسرائيلية التي نقضتها وأثبتت عدم صحتها وسائل إعلام غربية لا يمكن اتهامها بالانحياز إلى الجانب الفلسطيني”.
في النهاية، يحتم علينا تقرير هيومن رايتس ووتش الأخير البحث حول القيم المرجعية لهذه المنظمة وأهدافها وأدوارها، فعلى النقيض من المساهمة الجادة في إجراء تحقيق شامل أكثر صلابة وموضوعية ونزاهة، يثير تقرير هيومن رايتس ووتش الأخير تساؤلات حول مدى حيادية المؤسسة وبرامجها ومنطلقاتها القيمية.
وبناء على ما سبق، يمكننا استخلاص أن جوهر تقرير هيومن رايتس ووتش عن السابع من أكتوبر اختلف بشكل أساسي عن دورها في مواضيع وبلدان أخرى عملت عليها المنظمة، لقد كشفت عن محدودية رؤيتها للفلسطينيين، وأن حقوق الإنسان لا يتم تطبيقها على قدم المساواة، فروايتها تفتقد للمهنية وتنضح استعلاءً، والأخطر من ذلك أن قيمها المعلنة لا تتّسق مع أدائها في تقريرها الأخير.