تواصل الأحزاب والقوى السياسية في تونس لليوم الرابع على التوالي، حملاتها الدعائية للانتخابات المحلية القادمة التي ستجرى في الـ6 من مايو/أيار المقبل، وسط مخاوف من عزوف الناخبين عن صناديق الاقتراع، خاصة في ظل تواصل عدم الثقة بين السياسيين والمواطنين.
حملة انتخابية فاترة
بداية الحملة الانتخابية كانت فاترة جدًا، عكستها النشاطات القليلة التي قام بها ممثلو القائمات المترشحة وغياب أي تجمع كبير لهذا الطرف أو ذاك، حيث لم يسجل أي نوع من التواصل المباشر بين المرشحين والناخبين في العديد من المناطق، فضلاً عن اللامبالاة في أوساط الشارع التونسي.
هذه الحملة الانتخابية من المنتظر أن تستمر إلى الـ4 من مايو بمشاركة 2074 قائمة، تنقسم بين 1055 قائمة حزبية، و860 قائمة مستقلة، و159 قائمة انتخابية ائتلافية تضم أكثر من حزب سياسي، وتطمح هذه الأطراف في الفوز بـ7177 مقعدًا بلديًا، موزعًا على 350 دائرة بلدية؛ وذلك في انتظار الحسم النهائي في الانتخابات البلدية.
بلغ عدد الناخبين المسجلين في الانتخابات البلدية 5 ملايين و369 ألفًا
وعلى الرغم من اقتراب موعد هذه الانتخابات لم يشهد الشارع التونسي حراكًا كبيرًا مماثلاً للإجراءات التي تسبق الانتخابات التشريعية والرئاسية، ويحذر مراقبون من أن عزوف الأحزاب الكبرى عن إقامة فعاليات وتظاهرات لتأكيد أهمية تلك الانتخابات سيؤدي إلى عزوف كبير من الناخبين التونسيين على التوجه إلى صناديق الاقتراع.
وبلغ العدد الإجمالي للمترشحين في الانتخابات المحلية المقبلة، أكثر من 45 ألف شخص، 52% لا تتجاوز أعمارهم 35 سنة، إضافة إلى نحو 8300 شخص مسجّل في القائمات التكميلية، ويشترط القانون الانتخابي في تونس على كل قائمة مترشحة في الانتخابات البلدية أو التشريعية تقديم قائمات تكميلية لسد الشغور في حالات الانسحاب أو وجود موانع قانونية لترشح أحد أعضاء القائمة.
ووفق أحدث إحصاءات هيئة الانتخابات التونسية، بلغ عدد الناخبين المسجلين في الانتخابات البلدية 5 ملايين و369 ألفًا، دون احتساب الجالية بالخارج التي لا تشملها الانتخابات البلدية، ولأول مرة، سيشارك أكثر من 36 ألفًا من رجال الأمن والعسكر في الانتخابات البلدية التي ستمثل أول مشاركة لهم في العمل السياسي، ومن المنتظر أن يدلوا بأصواتهم في 29 من أبريل/نيسان الحاليّ، أي قبل أسبوع واحد من تصويت الناخبين المدنيين.
عزوف منتظر
مع اقتراب موعد إجراء هذه الانتخابات، عاد النقاش مجددًا إلى الساحة التونسية بشأن ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات، وفي وقت سابق اعتبر وزير العلاقة مع الهيئات الدستوريّة والمجتمع المدني وحقوق الإنسان المهدي بن غربية، أن مقاطعة التونسيين للانتخابات البلدية المقبلة ستعتبر في صورة حدوثها “تكريسًا للرداءة في المشهد السياسي ومقاطعة للديمقراطية وللمسار الديمقراطي الذي انطلق في تونس منذ سبع سنوات”.
واعتبر بن غربية في حديثه أن أكبر فشل قد يواجه تونس في الفترة المقبلة عزوف الناخبين عن التصويت في الاستحقاق الانتخابي المقبل المقرر في السادس من مايو 2018، مؤكدًا ضرورة دفع الجميع إلى المشاركة في تلك الانتخابات التي اعتبرها “أهم انتخابات في تاريخ تونس” من حيث عدد الدوائر ومشاركة أكثر من 2.5 مليون تونسي لأول مرة في الانتخابات البلدية.
انعدام الثقة في السياسيين وراء عزوف التونسيين
وكشف مقياس الشأن السياسي لشهر مارس/آذار، الذي تنجزه دوريًا مؤسسة “أمرود كونسلتينغ” بالتعاون مع مؤسسة “دار الصباح”، أن 54% من التونسيين لن يشاركوا في الانتخابات البلدية القادمة، فيما أكد 28% منهم نيتهم المشاركة، بينما تبقى نسبة 18% من المستجوبين مترددين بين المشاركة أو عدمها.
نتائج استطلاع الرأي قدمت أيضًا، معطيات لافتة عن نوايا التصويت، حيث أكد 46% من المستجوبين الذين ينوون المشاركة في الانتخابات أنهم سيصوتون لقائمات مستقلة و26% لقائمات حزبية، فيما يتردد 29% منهم بين الأحزاب والمستقلين.
انعدام الثقة في السياسيين
يرجع مراقبون للمسار الانتخابي هذه التخوفات إلى جملة من العوامل، لعل أهمها ما أسموه بـ”فشل” الأحزاب الحاكمة، في تحقيق قائمة الوعود الانتخابية الطويلة التي سبق أن رفعتها، ويؤكد عديد من الخبراء أن فشل الأحزاب الحاكمة في تحقيق وعودها الانتخابية، ضرب جزءًا من مصداقية الأحزاب السياسية، وتتخوف الأحزاب التونسية من عزوف المواطنين على المشاركة في هذه الانتخابات، بسبب انعدام الثقة في الأحزاب والسياسيين على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلد، ويُجمع مراقبون أن تعكر الوضع السياسي في تونس سيجبر المواطنين على هجر الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
يُردد التونسيون في معظم مناطق البلاد المطالب نفسها منذ سنوات
ويشعر العديد من التونسيين بعدم الرضا عن السياسيين، وعدم قدرة صناديق الاقتراع على تغيير اتجاهات الحكم لتصبح أكثر تعبيرًا عن انتظارات الناخبين، وتأكد ذلك عقب انتخابات 2014 التي فازت فيها حركة نداء تونس التي عجزت عن تحقيق أمال التونسيين، ويُردّد التونسيون في معظم مناطق البلاد المطالب نفسها منذ سنوات، منادين بالتنمية والقطع مع المركزية، وبتقريب المصالح والخدمات وبالحق في التنمية والعدالة الاجتماعية والتمييز الإيجابي لصالح الفئات والجهات المهمشة.
مسار ناقص
أهمية هذه الانتخابات تتجسد من خلال دورها في تركيز الحكم المحلي في البلاد، إلا أن هذا المسار سيظل ناقصًا، وفقًا لعدد من الملاحظين والأحزاب السياسية، وذلك في ظل عدم استكمال المصادقة على قانون الجماعات المحلية، باعتبار أنه يحدد آليات الحكم المحلي.
وإلى اليوم لم يتم المصادقة على مجلة الجماعات المحلية، مما سيضع حدًا لانتظارات التونسيين من هذه الانتخابات، وسيؤجلها إلى انتخابات أخرى، حسب عديد من الخبراء التونسيين، وتهدف مجلة الجماعات المحلية المنتظرة، إلى وضع إطار تشريعي موحد لعمل المجالس المحلية المنتخبة يستجيب للمبادئ العامة للدستور ومعايير الحوكمة المحلية، وتؤسس لمنظومة جماعات محلية على ثلاث مستويات: البلديات والجهات والأقاليم، ويضبط توزيع الصلاحيات فيما بينها، ترسي آليات الرقابة الإدارية والمالية والمشاركة المجتمعية في الشأن المحلي.
إلى الآن لم يصادق البرلمان التونسي على مجلة الجماعات المحلية
ويمنح القانون القديم لسنة 1975، ممثل السلطة التنفيذية (المحافظ) في المحافظة صلاحيات كبرى على حساب صلاحيات المجالس المنتخبة وهو ما يفرغ تلك المجالس من مضمونها، الأمر الذي سيؤجل تطبيق ما جاء في الباب السابع من الدستور من مبادئ واضحة للامركزية والحوكمة المحلية والديمقراطية التشاركية”.
وبحسب الفصل الـ131 من الدستور التونسي، وتحديدًا الباب السابع الخاص بالسلطة المحلية، فإن اللامركزية تتجسد في جماعات محلية تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون.
وتتمتع الجماعات المحلية استنادًا إلى الفصل الـ132 من الدستور بالشخصية القانونية وبالاستقلالية الإدارية والمالية وتدير المصالح المحلية وفقًا لمبدأ التدبير الحر، وتمكن للجماعات المحلية، في إطار الميزانية المصادق عليها، حرية التصرف في مواردها بحسب قواعد الحوكمة الرشيدة وتحت رقابة القضاء المالي.