كشفت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، عن إصابة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بفيروس كورونا بعد حضوره لإحدى الفعاليات في ولاية نيفادا، لافتة إلى أنه سيعزل نفسه في منزله بولاية ديلاوير وسيواصل أداء جميع واجباته بالكامل خلال فترة العزل.
وعليه ألغيت كلمة بايدن التي كان سيلقيها أمام أكثر من 1500 من الناشطين والقادة في مؤتمر “متحدون من أجل الولايات المتحدة” السنوي، أمس الأربعاء، في ولاية نيفادا، إحدى الولايات المحورية في السباق الانتخابي نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
تتزامن تلك الوعكة مع انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي استمر لمدة 3 أيام (15-18 يوليو/تموز 2024) في ميلواكي بولاية ويسكونسن، الذي ناقش رؤية الحزب للمعركة الانتخابية، وذلك بعد الزخم الذي خيم على أجوائه عقب محاولة اغتيال ترامب في الـ13 من الشهر الجاري.
وتأتي إصابة بايدن بفيروس كوورنا وغيابه مؤقتًا عن خريطة فعالياته الانتخابية،في وقت يعاني فيه الرئيس الديمقراطي من ضغوط حادة من أنصار حزبه للانسحاب من الماراثون الانتخابي بسبب ظروفه الصحية، ومنح الشعلة لشخص آخر قادر على خوض المعركة الشرسة أمام دونالد ترامب والجمهوريين، فهل يكون الفيروس بوابة الخروج رسميًا من السباق أم سيواصل الرجل المغرور عناده وإصراره على استكمال المشوار، خاصة وهو الذي قال إنه لن ينسحب من الترشح إلا “إذا جاء الرب وأخبرني بذلك”؟
الضغوط تتزايد
يومًا تلو الآخر تتصاعد الضغوط التي تواجه الرئيس العجوز (81 عامًا) من أنصاره الديمقراطيين، بعدما استقر في يقينهم أنه لم يعد الشخص المناسب لخوض تلك المعركة بسبب أوضاعه الصحية التي أثرت بشكل كبير على أدائه السياسي، الأمر الذي أوقعه في حرج كبير خلال أكثر من مناسبة، ما كان له ارتداده السلبي على صورة الديمقراطيين.
يواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن ضغوطات قوية من الديمقراطيين لإفساح المجال لمرشح آخر لخوض الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في مواجهة منافسه الجمهوري دونالد ترامب المتفوق عليه جماهيريًا في استطلاعات الرأي الأخيرة.
وصلت تلك الضغوط مستوياتها القصوى عقب انتهاء المناظرة التلفزيونية التي جمعت بايدن وترامب في 27 يونيو/حزيران الماضي، وهي المناظرة التي خرج منها الديمقراطيون بنتيجة مفادها أن بايدن ليس المرشح القادر على هزيمة منافسه الجمهوري الذي بدا أكثر حيوية وقوة على مستوى الأداء والصحة العامة.
وفي أعقاب تلك المناظرة بدأ التحرك الرسمي من الديمقراطيين لحث بايدن على التنحي طواعية، حيث طالبه 5 نواب ديمقراطيين بشكل مباشر بالانسحاب من السباق الرئاسي، بعدما أصبح عبئًا على الديمقراطيين الذين يخشون من اتساع الفارق بينه وبين ترامب بشكل يهدد حظوظ الحزب في الانتخابات المقبلة، خاصة بعد استطلاعات الرأي التي كشفت تقدم المرشح الجمهوري على نظيره الديمقراطي بـ6 نقاط كاملة، مع ميل 5 ولايات رئيسية من الولايات المتأرجحة للتصويت للجمهوريين.
كما نقلت شبكة “إيه بي سي نيوز” الأمريكية عن زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تشاك تشومر، أنه أبلغ بايدن بشكل مباشر خلال اجتماع السبت 13 يوليو/تموز بأنه من الأفضل للولايات المتحدة وللحزب الديمقراطي إذا انسحب من السباق الرئاسي، وهو ذاته ما قاله العضو الديمقراطي البارز في مجلس النواب، آدم شيف، من ولاية كاليفورنيا، حين أشار إلى أن الوقت قد حان بالنسبة له “لتمرير الشعلة” إلى شخص آخر.
وذكرت الشبكة ذاتها أن رئيسة مجلس النواب السابقة، نانسي بيلوسي، أخبرت بايدن خلال مكالمة هاتفية معه، بأن نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت أنه غير قادر على هزيمة ترامب في الانتخابات القادمة، وأنه إذا أصر على الاستمرار، فإنه يمكن أن يدمر فرص الديمقراطيين في استعادة السيطرة على مجلس النواب.
وفي مقال له تحت عنوان “متى سيقف الديمقراطيون في وجه بايدن؟” نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، يرى الكاتب والمحلل، نيكولاس كريستوف، أنه لا يمكن التأكد من أن بايدن سيخسر لمجرد أن استطلاعات الرأي تظهر تأخره على المستوى الوطني، وفي معظم أو كل الولايات التي تمثل ساحة المعركة، لكن الأداء العام له وحالته الصحية تكشف عن الكثير من المسكوت عنه وأن الوقت يتطلب التحرك من الديمقراطيين لإثنائه عن خوض الماراثون.
ويعتبر كريستوف أن الخطر لا يقتصر فقط على احتمالية أن يخسر في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادم فحسب، بل أيضًا في أنه قد لا يتمكن من أداء المهمة على مدى السنوات الأربعة المقبلة، منوهًا إلى أن المسألة لا تتعلق بالسياسة فقط، بل بالأمن القومي أيضًا.
الميل نحو انسحاب بايدن من الماراثون الانتخابي لم يكن مطلبًا نخبويًا من البرلمانيين والساسة الديمقراطيين فقط، بل أصبح مطلبًا شعبيًا من أنصار الحزب الديمقراطي، فوفق استطلاع الرأي الذي أجرته رويترز/إبسوس الثلاثاء 16 يوليو/تموز الجاري، فإن نحو 40% من الناخبين الديمقراطيين المسجلين يرون أنه يتعين على الرئيس الحاليّ ألا يترشح لولاية رئاسية ثانية، وأيدهم في ذلك نحو 65% من الناخبين المستقلين المسجلين، بينما يرى 58% من الناخبين الديمقراطيين المسجلين أن عمر بايدن يجعله غير مناسب للعمل في الحكومة، ووافقهم في ذلك 70% من الناخبين المستقلين المسجلين، بحسب الاستطلاع.
محاولة اغتيال ترامب تُعمق الأزمة
ثم جاءت محاولة اغتيال ترامب في 13 يوليو/تموز الحالي لتلقي بظلالها القاتمة على حظوظ بايدن الانتخابية، حيث وجهت أصابع الاتهام ابتداء إلى الديمقراطيين وعلى رأسهم الرئيس بالضلوع في تلك الحادثة، إذ اعتبر الجمهوريون أن ما حدث كان نتيجة منطقية لما أسموه “البيئة السامة” التي خلقها بايدن بهجومه المستمر على ترامب، مستندين إلى التهديد الصريح الذي وجهه إليه خلال لقائه بالمانحين في 8 يوليو/تموز الجاري حين قال: “حان الوقت لوضع ترامب في مركز الهدف”.
وبطبيعة الحال وكما هو متوقع فلن يترك الجمهوريون تلك الفرصة دون توظيفها أيما توظيف، لخدمة أهدافهم الانتخابية وتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية من ورائها، حيث عزفوا على عدة أوتار متزامنة، الأولى خلل المنظومة الأمنية تحت ولاية الديمقراطيين في ظل الغموض الذي خيم على محاولة الاغتيال، كذلك ترديد سردية خوف وقلق بايدن من ترامب وبالتالي لم يجد حلًا سوى إزاحته من المشهد كحل وحيد لهزيمته في الانتخابات القادمة.
في المقابل صب كل ذلك في صالح ترامب الذي نجح في توظيف المشهد لصالحه من خلال أدائه الاستعراضي الواضح وقبضة يده التي تحولت إلى أيقونة للجمهوريين، ليتحول الرجل من مجرم مدان خارج الحسابات في 2020 إلى بطل قومي، وهو ما بدا واضحًا في فعاليات المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي اختار الرئيس الذي غادر البيت الأبيض قبل 4 سنوات بفضيحة كبرى، مرشحًا رسميًا للحزب في الانتخابات القادمة.
وأظهرت نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة وآراء الساسة والنخبة من الديمقراطيين والجمهوريين، تقدم ترامب بشكل ملحوظ على بايدن بشكل يهدد فرص الأخير ويقوض حظوظه إذا ما أصر على خوض السباق الانتخابي، الأمر الذي بلا شك وصل صداه إلى الرئيس الديمقراطي حتى وإن لم يعترف بذلك بشكل علني.
فيروس كورونا.. هل يكون بوابة الخروج؟
وفي ظل هذا المشهد الملبد بغيوم عدم اليقين بشأن قدرة بايدن على منافسة ترامب في المعركة الانتخابية القادمة، شهد الحزب الديمقراطي حراكًا سياسيًا خلال الساعات الماضية لحمل الرئيس على الانسحاب طواعية، ومنح الفرصة لأسماء أخرى قادرة على التصدي والصمود في مواجهة الجمهوريين.
وشارك في هذا الحراك أسماء لها ثقلها السياسي داخل الحزب الديمقراطي على رأسهم زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور شاك شومر، وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، حيث نُسب إليهم ولأول مرة تلميحات تشير إلى أن بايدن بات اليوم منفتحًا على البحث بوضعه الانتخابي مقارنة بما كان عليه الموقف سابقًا.
ومع تعرضه للوعكة الصحية الأخيرة وإصابته بكورونا والتزامه منزله، بجانب تصاعد الضغوط التي تطالبه بالانسحاب، سواء من قيادات الحزب أم مموليه، والقلق الذي يسيطر على الجميع من خسارة البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس خلال الانتخابات القادمة، بات بحث بايدن لفكرة الانسحاب مسألة لم تعد مستبعدة، خاصة أنها ستتم بطريقة تحفظ ماء وجهه.
وفي الأخير.. فإن مسألة ترك بايدن للسباق ليست عملية سهلة في ظل عناده وغروره، ومن ثم فإن الأمر سيتوقف على حجم وقوة واتساع رقعة الانتقادات والضغوط النخبوية والشعبية، خاصة مع ضيق الوقت أمام الحزب، إذ لم يتبقَ على الانتخابات سوى 4 أشهر فقط.. فهل تشهد الأيام القادمة مفاجأة جديدة يعلن فيها بايدن الانسحاب والدفع بمرشح آخر؟