بعد طول انتظار وترقب بين الخوف والأمل وجهت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة ضربات جوية عقابية للنظام السوري، ضربات كانت محدودة ودقيقة وعلى أهداف متعلقة بإنتاج الأسلحة الكيميائية وتخزينها، وتهدف إلى “ردع نظام الأسد من استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى، وإلا تكررت هذه الضربات”.
وفيما يلي سنتناول 7 قراءات لهذه الضربات حسب منظور الطرف الذي سنتناوله.
مجريات الضربة
بدأت الضربة في الساعة الرابعة بتوقيت دمشق فجر 14 من أبريل الحاليّ حين شاركت الولايات المتحدة في الضربة بثلاث سفن حربية على الأقل، أطلقت صواريخ توماهوك مُوجهة وبطائرات (B1) و(F15) و(F16) أطلقت صواريخ بعيدة المدى، وشاركت بريطانيا بأربع طائرات (Tornado GR4) أطلقت صواريخ (Storm Shadow) وبغواصة أطلقت صواريخ موجهة، كما شاركت فرنسا بفرقاطات متعددة المهام ترافقها سفن دعم وطائرات رافال وميراج انطلقت من قواعدها في فرنسا وأطلقت 12 صاروخًا، ليزيد مجموع الصواريخ التي أطلقت في العملية عن 100 صاروخ بقليل.
استهدفت الضربة بحسب وزارة الدفاع الأمريكية مركزًا بحثيًا في منطقة برزة بدمشق استُخدِم لإنتاج الأسلحة الكيميائية، ومنشأة لتخزين هذه الأسلحة غرب حمص بمسافة 15 ميلاً، وهدف مجاور للهدف الثاني يتضمن معدات تخزين أسلحة كيميائية ومركز قيادة.
ونقلت رويترز عن قائد ميليشيا مؤيدة للأسد أن الأهداف شملت أيضًا منطقة الديماس بدمشق، ومستودعات لقوات النظام السوري شرق القلمون، ومنطقة الكسوة، حيث يُعتقد أن إيران تبني قاعدة عسكرية، وموقعًا عسكريًا على جبل قاسيون، ومركزًا بحثيًا في مصياف شمالًا، كما أضاف المرصد السوري لحقوق الإنسان كلًا من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري.
أعلن وزير الدفاع الأمريكي أن الضربة الجوية “لمرة واحدة” لكن إعادتها مرهونة باستخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية مرة أخرى، وفي أثناء الضربة أعلن التليفزيون الرسمي لنظام الأسد أن السلاح الجوي للنظام اعترض 13 صاروخًا فوق منطقة الكسوة بريف دمشق وصواريخ أخرى فوق حمص، و3 أشخاص أصيبوا بسبب الضربة الجوية في حمص أيضًا، وزعم الجيش الروسي أن نظم الدفاع لنظام الأسد أسقطت 71 من أصل 103 صواريخ موجهة أطلقت من الولايات المتحدة وحلفائها.
أكد الروس بعد الضربة سطوتهم على المشهد والغرب لا يمكنه تخطيهم في أي خطوة يقدم عليها في سوريا
1- السوريون
انتظر السوريون المعارضون لنظام الأسد أو المضطرون لتحمل ظروف العيش في مناطق سيطرته الضربات بفارغ الصبر لعلها تكون العقاب المنتظر لوحشية النظام الذي يضع في الوقت نفسه حدًا لهذه الوحشية، ولذلك تلقوا ما حصل بين خيبة الأمل والتأكيد مجددًا على تخلي الغرب بقيادة الولايات المتحدة عن مأساتهم بحجة ساذجة تقول: كل أنواع القتل مسموحة إلا ما نختاره من الهجمات بالأسلحة الكيميائية.
أما السوريون في المعسكر الآخر إلى جانب نظام الأسد، فكانت الضربات بصورة غير مباشرة تأكيدًا آخر على رضى الغرب عن وجود النظام الذي يدعمونه أو كما يمكن القول: “قدرته على الصمود في وجه القوى المتآمرة”.
2- النظام السوري
تلقى النظام السوري الموغل في الوحشية في الضربة تطمينًا آخر على بقائه في السلطة ونجاح سياساته في قمع السوريين دون عقاب حقيقي، لم يخسر النظام الكثير مما لا يستطيع إعادة بنائه من قواعد جوية ومنشآت أخرى، وبات أكثر ثقة من أي وقت مضى في قدرة حلفائه الروس على حمايته.
3- روسيا
أكد الروس بعد الضربة سطوتهم على المشهد وأن الغرب لا يمكنه تخطيهم في أي خطوة يقدم عليها في سوريا، لم تتعرض المنشآت أو الجنود الروس في سوريا لأي ضرر يُذكر، وبقي الخلاف بينهم وبين الغرب محصورًا في العقوبات على النظام الروسي وشخصياته الفاعلة بعيدًا عن سوريا.
أدى ترامب العرض الإعلامي الذي كان يأمله لهوسه بالإعلام من جهة ورغبته في تثبيت موقف دولي ومحلي من جهة أخرى
4- صقور الحزب الجمهوري
خابت آمال صقور الحزب الجمهوري والمحافظين الجدد مثل جون ماكين ولينزي غراهام بتبني إدارة ترامب إستراتيجية معارِضة لإيران وروسيا وحلفائهما مثل النظام السوري، بعد أن أعلنوا تأييدهم لضربة ترامب واستبشروا بقرب العمل معه مجددًا في ملف الشرق الأوسط وإعادة الولايات المتحدة إلى الصدارة في المنطقة بعد سنوات من سطوة إيران وروسيا.
5- الحزب الديمقراطي
ربما كان الديمقراطيون – إلى جانب كثير من السوريين – أكثر الأطراف تشاؤمًا بشأن الضربة إذ دعوا حال إعلان ترامب نيته إلى تبني إستراتيجية شاملة في سوريا والمنطقة تعزز مكاسب الضربة وتخرج بنتائج ملموسة، وأكدوا بعد انتهائها صحة نظرتهم في إدارة ترامب وإساءتها لإدارة الملف من خلال ضربة غير مؤثرة.
6- ترامب
أدى ترامب العرض الإعلامي الذي كان يأمله لهوسه بالإعلام من جهة ورغبته في تثبيت موقف دولي ومحلي من جهة أخرى ربما يكمن بعضه في إبعاد الأنظار عن أزماته الداخلية مثل عدم استقرار الإدارة المتمثل بتبديل الموظفين بوتيرة غير معتادة وتحقيق إف بي آي بشأن التدخل الروسي الذي يطارده شبحه وفضائحه وآخرها فضيحته مع الممثلة الإباحية التي رشاها محاميه لكي لا تبوح بما تعرفه.
ربما يكون الأوروبيون الفائز الأكبر والوحيد من الضربات التي استهدفت مواقع النظام السوري
7- الاتحاد الأوروبي
أَمِلَ الاتحاد الأوروبي للحظة في العمل مجددًا إلى جانب الولايات المتحدة التي نسي رئيسها في خطابه بالقمة الأخيرة للناتو التذكير – الذي دأب عليه الرؤساء الأمريكان لنصف قرن منصرم – بأهمية الدفاع المشترك عن الحلفاء الأوروبيين مما دفع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى القول على إثر ذلك: “لم يعد لدينا أصدقاء ويبدو أن علينا أن نواجه الأمور وحدنا”.
ربما يكون الأوروبيون الفائز الأكبر والوحيد من الضربات التي استهدفت مواقع النظام السوري، فقد عادت الخطوط مفتوحة – أو تبدو كذلك – مع الولايات المتحدة التي بدت في العام الأول لرئاسة ترامب كأنها تخلت عن أوروبا، وذلك من خلال التنسيق لتوجيه الضربة وتثبيت الحلف الغربي مجددًا أمام العالم.
ولكن فيما يتعلق بأوروبا يبقى تساؤل مهم: هل يذهب التنسيق الأمريكي الأوروبي أبعد من الضربة ضد نظام الأسد ويتحول إلى تنسيق في الملف الروسي وربما في الشرق الأوسط أم يذهب أدراج الرياح؟