قالت وزارة المالية المصرية إنها نجحت خلال الأيام الماضية في إصدار سندات دولية – لأول مرة في تاريخها – بقيمة ملياري يورو على شريحتين؛ الأولى 8 سنوات والثانية 12 سنة بأسعار عائد جيدة، في ضوء طلبات شراء تخطت 7.5 مليار يورو خلال الساعات الأولى من إعلان الطرح.
الاقتراض الخارجي وطرح السندات الدولية يبدو أنهما باتا السبيل الأيسر أمام الحكومة المصرية لسد عجز الموازنة الذي بلغ 714 مليار جنيه بينها نحو 438 مليار عجز كلى و243 مليارًا لسداد القروض المحلية و32 مليارًا لسداد القروض الأجنبية، دون النظر لما يترتب على تلك السياسات من أعباء إضافية في الديون وفوائدها.
تفاقم معاناة المواطنين الذين يتحملون الأعباء وارتفاع الأسعار والضرائب جراء الاقتراض الخارجي الذي بدوره يقلل من فاعلية الإجراءات الإصلاحية المزعومة، نظرًا لارتفاع الالتزامات المالية وغياب الاستثمارات الحقيقية، يضع الاقتصاد المصري في مأزق حقيقي، إذ بات محاصرًا بالديون من كل جانب لتدفع الأجيال القادمة والحاليّة وحدها ثمن اللجوء إلى الحلول السهلة التي تعتمد عليها القاهرة للهروب بعيدًا ولو مؤقتًا عن شبح العجز الذي تواجهه.
تسكين للواقع المتأزم
في الفترة من 3 إلى 6 أبريل الحاليّ عملت الحكومة المصرية ممثلة في وزارة المالية على الترويج لتلك السندات، حيث أدار عملية الطرح 4 بنوك أوروبية هي بنك بي إن بي باريبا وبنك الإسكندرية انتيسا ساو باولو ودويتشه بنك وبنك ستاندرد تشارترد، بينما قام بدور مساعد مدير الطرح، البنك الأهلي المصري وبنك مصر.
علاوة على ذلك وفي سياق الترويج للسندات، زار وفد من الوزارة المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وفرنسا؛ لعقد اجتماعات مكثفة ومقابلة العديد من المستثمرين الأوروبيين ذي الثقل، لعرض أهم نواحي الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي قامت بها الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة التي – من وجهة نظر المسؤولين المصريين – سيكون لها تأثير إيجابي على واقع الاقتصاد المصري خلال الفترة القادمة.
وعن منافذ إيداع حصيلة بيع تلك السندات، أوضح وزير المالية المصري أن العائد سيوجه إلى البنك المركزي لدعم الاحتياطي الأجنبي، أما المقابل النقدي بالجنيه المصري، سيوجه لتمويل أنشطة الموازنة العامة، لافتًا إلى أن هذه السندات الدولية تعد آلية من آليات التمويل، تمتاز بأنها تساعد على تنويع مصادر التمويل وسلة العملات لدى البنك المركزي، خاصة أن أسعار العائد السائدة في السوق الأوروبية تعد أقل تكلفة من أسعار الفائدة في السوق المحلية والسوق الأمريكية أيضًا.
قالت وزارة المالية المصرية إنها نجحت خلال الأيام الماضية في إصدار سندات دولية – لأول مرة في تاريخها – بقيمة ملياري يورو على شريحتين: الأولى 8 سنوات والثانية 12 سنة بأسعار عائد جيدة
مسؤولون مصريون يتوقعون تحقيق هذه السندات الأهداف المرجوة منها وهو سد العجز في الموازنة، مستندين في ذلك إلى حزمة من الفوائد التي ستنعكس على الاقتصاد المصري جراء هذا الطرح الجديد، منها الإقبال على شراء تلك السندات في طلبات شراء تخطت 7.5 مليار يورو خلال الساعات الأولى من إعلان الطرح، وذلك على الرغم من أنه الإصدار الأول من نوعه مقوم بعملة اليورو لمصر.
هذا بخلاف مشاركة أكثر من 350 مستثمرًا من 35 دولة ينتمون لـ5 قارات مختلفة، مما يلقي بظلاله على صورة الاقتصاد المصري خارجيًا، إضافة إلى أن الحصيلة ستوجه للبنك المركزي المصري لدعم الاحتياطي الأجنبي بملياري يورو تضاف إلى 42.6 مليار دولار إجمالي أرصدة الاحتياطي حاليًّا، أما مقابل طرح السندات بالجنيه المصري فسيوجه لتمويل أنشطة الموازنة العامة للدولة مما يخفض من قيمة العجز بين الإيرادات والمصروفات.
عمرو الجارحي وزير المالية المصري
زيادة الدين العام
في الوقت الذي تنتظر فيه حسابات وزارة المالية في البنك المركزي المصري وصول الدفعة الأولى من قيمة طرح السندات الدولية التي بدورها ستنعش أرقام الاحتياطي النقدي، إذ بذات السندات ترفع من الدين الخارجي بصورة تزيد من أعباء الدولة بما ينعكس سلبًا على واقعها الاقتصادي والمعيشي.
بلغت الديون في مصر قرابة 103.3% من إجمالي الناتج المحلي بنهاية يونيو 2017، بعد أن كانت في نهاية يونيو 2013 تمثل 84.7% من إجمالي الناتج المحلي، وارتفعت في نهاية يونيو 2014 إلى 86.3%، ثم ارتفعت مجددًا إلى 89% نهاية يونيو 2015، ووصلت إلى 96.9% نهاية يونيو 2016، وذلك حسبما أشارت نشرة بورصة لكسمبورج.
النشرة أوضحت أن مصر ملتزمة بسداد نحو 14.6 مليار دولار أقساطًا وفوائد للديون الخارجية في 2018، ونحو 11 مليار دولار في 2019، وهو ما يقابله استدانة خارجية لسداد هذه الفوائد التي أصبحت تمثل عبئًا كبيرًا على موازنة الدولة، حيث وصلت إلى 540 مليار جنيه في موازنة مصر للعام المالي القادم 2018/2019 التي تمثل ما يزيد على 30 مليار دولار.
في ظل ارتفاع عجز الموازنة ومحاولات خفضها وسداد الالتزامات الخارجية لم تجد الحكومة المصرية سوى الطريق الأسهل بالاتجاه إلى الاقتراض الخارجي
وبالنظر إلى خريطة الديون المصرية يلاحظ أن تركيبتها التفصيلية ما بين قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، يضع القاهرة في مأزق كبير، إذ تشكل الديون قصيرة الأجل جزءًا كبيرًا من إجمالي الدين العام الأجنبي، وفي ظل انخفاض موارد الدولار الحقيقية ليس أمام الحكومة سوى الاقتراض الخارجي من أجل تسديد ما تم اقتراضه في السابق، وهو ما ينطبق على السندات الدولية.
كما أن هناك أثارًا بالغة الخطورة على الموازنة العامة للدولة جراء زيادة الديون بالعملة الأجنبية، هذا في الوقت الذي توجه فيه حصيلة القروض إلى سداد عجز الموازنة والاستيراد، لا إلى مشاريع إنتاجية تأتي بعائد مادي يسمح بسداد الفوائد، وهو ما يضع العديد من علامات الاستفهام عن مستقبل الأجيال القادمة.
توقعات بزيادة الاحتياطي النقدي يقابلها أعباء جديدة في الدين الخارجي
بلغت الديون في مصر قرابة 103.3% من إجمالي الناتج المحلي بنهاية يونيو 2017، بعد أن كانت في نهاية يونيو 2013 تمثل 84.7% من إجمالي الناتج المحلي
مستقبل مقلق
في ظل ارتفاع عجز الموازنة ومحاولات خفضها وسداد الالتزامات الخارجية والمحافظة على الاحتياطي النقدي المكون من قروض وودائع، لم تجد الحكومة المصرية سوى الطريق الأسهل بالاتجاه إلى الاقتراض الخارجي، هكذا علق شريف الدمرداش الخبير الاقتصادي، على إعلان وزارة المالية طرح سندات دولية.
الخبير الاقتصادي في تصريحات لموقع “البديل” المصري أوضح أن “الحكومة تسير وفقا لاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي لم تفلح روشتته في خفض عجز الموازنة أو تقليل فوائد الدين التي وصلت خلال العام المالي الحاليّ إلى 438 مليار جنيه بعدما كانت في بداية الموازنة 380 مليار جنيه؛ نتيجة زيادة الاقتراض، وبالتالي تزداد خدمة الدين التي ستصل العام المقبل إلى ما يقرب من 540 مليار جنيه تقريبًا، في ظل زيادة القروض، خاصة أن مصر طرحت 4 مليارات دولار سندات دولية فبراير الماضي، بالإضافة إلى الدفعة الثالثة من صندوق النقد التي تسلمتها في يناير الماضي بقيمة ملياري دولار والدفعة الأخيرة من البنك الدولي والبنك الإفريقي في نفس التوقيت تقريبًا بقيمة 1.5 مليار دولار للقرضين أي أن الدين الخارجي حتى مارس 2018 قد يكون 88.3 مليار دولار، إذا لم تكن الحكومة سددت مستحقات خارجية”.
ومن ثم وبينما يعزف الإعلام الموالي للنظام الحاكم في مصر لتلك السياسات الاقتراضية المتنوعة التي تنتهجها الحكومة كطريق سهل لتسكين الواقع المؤلم التي ربما تزيد – ظاهريًا – في أرقام الاحتياطي النقدي داخل البنك المركزي غير أنه تجاهل الآثار السلبية المترتبة عليها التي ترفع من الدين العام للدولة الذي يقيد مستقبل الاقتصاد بسلاسل من حديد ربما يصعب التخلص منها في القريب العاجل، وتزيد من معاناة المواطنين الذين يتحملون الأعباء وارتفاع الأسعار والضرائب.