لم يترك وزير الخارجي السعودي عادي الجبير الفرصة للكثير من التساؤلات بشان دقة ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال بشأن قوة عربية تسعى واشنطن لإحلالها مكان قواتها في سوريا، فقد أكد الجبير استعداد بلاده لإرسال جنود ضمن تلك القوات بشرط توسيع التحالف الذي يفترض وزير الخارجية السعودي أن الولايات المتحدة هي من سيقوده.
لقاء وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش
القوة العربية البديلة
لم ينتظر العرض الأمريكي كثيرًا حتى وجد من وافق عليه، وكأن السعودية كانت في انتظار تسريب إعلامي كالذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، بعد أن كان الانتظار هو المنهج لمعرفة رد الفعل السعودي الرسمي على أي حدث عربي أو دولي، بما في ذلك اتفاقات كامب ديفيد التي هزت المنطقة، واخترقت ثوابتها.
الآن تغير الحال، فبعد ساعات من إجراء الأمريكيين اتصالات مع أطراف عربية لإحلال قوات عربية بدلاً من الأمريكية في سوريا لتساعد في استقرار المناطق شمال شرقي البلاد بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، أعلنت المملكة العربية السعودية استعدادها لذلك على لسان وزير خارجيتها خلال مؤتمر صحفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
لكنها ليست المرة الأولى، فقد سبق للسعودية أن أعربت قبل حوالي سنتين عن استعدادها للمشاركة بقوات برية في سورية، شرط أن تكون أمريكا قائدة لها، وقال الجبير تعليقاً على المعلومات التي تضمنها تقرير لـ”وول ستريت جورنال”: إن هناك نقاشات مع الولايات المتحدة منذ بداية هذه السنة، وسبق للسعودية أن اقترحت الفكرة على الرئيس السابق باراك أوباما، لكنها لم تتخذ إجراء بخصوص هذا المقترح”.
كان ذلك قبل التحوّل في الموقف السعودي الذي أصبح أقرب إلى رواية النظام للحرب، لكن من وجهة النظر الأمريكية، تشير الصحيفة إلى أن جهود إدارة ترامب ليست الأولى التي تهدف إلى مشاركة قوات إقليمية في سوريا، فقد أعرب وزير الدفاع آش كارتر أثناء إدارة أوباما، مراراً وتكراراً، عن آماله في مشاركة قوات السعودية والإمارات العربية المتحدة، مع القوات الأمريكية الخاصة في الهجوم الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش”، لكنه لم يلق آذاناً مصغية.
يتوقع المسؤولون الأميركيون أن الدول العربية سترد بشكل أكثر إيجابية على طلب ترمب خصوصا فيما يتعلق بتقديم دعم مالي
وفي عهد ترامب، بدأ التحضير للخطة الأمريكية المتناغمة مع المبادرة السعودية، فقد سبق أن طلبت واشنطن تمويلا عربيا لانسحاب قواتها من هناك، وعادت تطلب تمويلاً مماثلاً لبقاء تلك القوات لاسيما من السعودية التي ترى فيه ما يحد من طموحات إيران في توسيع نفوذها، واتضح خلال الشهرين الأخيرين تعجل الرئيس ترمب للخروج من سوريا بسبب الكلفة المالية، كما ذكر.
واتضحت نية الرئيس الأمريكي أكثر بعيد تنفيذ غارات على مواقع للنظام السوري على خلفية هجوم دوما الكيميائي، فقد قال عشية تلك الضربات: “لقد طلبنا من شركائنا تحمل مسؤولية أكبر في تأمين منطقتهم، بما في ذلك المساهمة بمبالغ أكبر من الأموال”، وقبلها طلبت من دول خليجية المساهمة بمليارات الدولارات لإعادة إعمار الشمال السوري.
ويتوقع المسؤولون الأميركيون أن الدول العربية سترد بشكل أكثر إيجابية على طلب ترمب خصوصا فيما يتعلق بتقديم دعم مالي، إذ سبق أن ساهمت السعودية بنحو أربعة مليارات دولار لاستعادة المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة في سوريا، كما تساعد السعودية والإمارات في الوقت الحالي في دفع رواتب المقاتلين السوريين الذين تدعمهم الولايات المتحدة، كما صرح المسؤولون الأميركيون.
يخشى محللون أميركيون أن القوة الجديدة قد لا تكون قوية بما يكفي لمواجهة قوات النظام وإيران في حال حاولت السيطرة بمساعدة روسية على الأرجح على مناطق كانت في قبضة تنظيم الدولة القوة العربية
ذاك منطق يستقيم في ذهن رجال الأعمال، وترامب أحد هؤلاء، فليس شرطا أن تكون صاحب المكان حتى تتركه لغيرك، لكن ثمة الخطة البديلة في حال سحب الجنود الأميركيين الذين قدرهم البنتاغون 2000 من مناطق انتشارهم في شمال شرقي سوريا، وهي تحويل العبء إلى الشركاء الإقليميين، ويبدو أن الإدارة الأميركية تحاول بالفعل تجميع القوة العربية البديلة.
وإن صحت التسريبات تلك، وتصريحات الجبير تعزز بالفعل من احتمال صحتها، يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد استعاد بنوداً من برنامجه الانتخابي حول سورية، القائم على جعل دول خليجية تدفع فاتورة الوجود الأميركي في سورية وكلفة إعادة إعمار مناطق سورية دمرتها أميركا كزعيمة للتحالف الدولي ضد “داعش”، ثم استبدال القوات الأميركية الموجودة في سورية بقوات عربية.
مغامرة سعودية جديدة
اختصر الموقف السعودي على خطط ترمب كثيرًا، فعلى مدى سنوات ماضية، ظل الجبير يكرر مقولته الشهيرة “الأسد سيرحل بالحل السياسي أو بالحل العسكري إذا تعذر الأول”، لكن تصريحاته بأن بلاده مستعده لإرسال قوات برية سعودية إلى سوريا يجسد اليأس السياسي الذي عبر عنه ولي العهد بأن الأسد باق في السلطة.
وفي ضوء التسريبات عن القوات المرشحة للمشاركة في العملية، يبدو جليًا أن الهدف من التدخل يتعدى الذريعة المعلنة التي تتمحور حول القضاء على”داعش”، إلى فرض توازن جديد لميزان القوى ميدانيًا لصالح قوات المعارضة المحسوبة على الرياض.”
وحين تحاول السعودية فعل ذلك، تصبح أمام مغامرة عسكرية جديدة، مبعثها اليأس والإحباط من عدم القدرة على حسم الحرب في اليمن التي تحولت إلى حرب استنزاف مالي وبشري واستراتيجي، وعدم القدرة في الوقت نفسه على تشكيل تحالف “إسلامي سني” لمواجهة القوة الإيرانية المتصاعدة وهزيمتها، وحينها تصبح السعودية كالنمر الجريح الذي يوجه خبطات عشوائية هنا وهناك.
مع التقدم الميداني الكبير والمحوري الذي حققته قوات النظام السوري في حلب والغوطة ودرعا، وكسر الحصار عن بلدات استمر سنوات، تصبح القوات السعودية أمام تحدي المواجهة المباشرة ضد قوات النظام وحلفاؤه
وبالتالي يستعصي الخيار العسكري على السعودية، بحسب مراقبين، إذ تهدف الخطة الجديدة إلى تجنب حدوث فراغ أمني في سوريا يسمح لتنظيم الدولة بالعودة، أو يسمح بالتنازل عن المكاسب التي تحققت للقوات المدعومة من إيران، ما يعني أن السعودية –في حال مشاركتها- ستنتقل إلى المواجهة المباشرة مع إيران بعد أن كانت بالوكالة.
كما يخشى محللون أميركيون أن القوة الجديدة قد لا تكون قوية بما يكفي لمواجهة قوات النظام وإيران في حال حاولت السيطرة بمساعدة روسية على الأرجح على مناطق كانت في قبضة تنظيم الدولة القوة العربية.
ومع التقدم الميداني الكبير والمحوري الذي حققته قوات النظام السوري في حلب والغوطة ودرعا، وكسر الحصار عن بلدات استمر سنوات، تصبح القوات السعودية أمام تحدي المواجهة المباشرة ضد قوات النظام وحلفاؤه، بالإضافة إلى أن معركة حلب “ستقصم ظهر المؤامرة الكبرى التي أنفقت من أجلها السعودية مئات المليارات من الدولارات”.
لكن السعودية -ومعهما بعض الدول الخليجية- لا تخوض حربًا ضد الرئيس بشار الأسد وجيشه بعد تسليمها بوجوده في سوريا، وإنما ضد روسيا وإيران وحزب الله، وهنا يمكن التنبؤ بموعد بدء الحرب، لكن لا يمكن التنبؤ بتطوراتها والمشاركين فيها، ناهيك عن نهاياتها.
الطريق إلى سوريا محفوف بالمخاطر
رغم الموقف السعودي السريع المتجاوب مع نوايا ترامب، إلا أن هناك جملة من الوقائع التي تؤكد استحالة تنفيذ أي انتشار عربي لأسباب منها أن هناك فشلاً سعوديًا سابقًا فيما يتعلق بالحالة العراقية عام 2005، وأيضا في الحالة السورية منذ 2013 وحتى 2015، إضافة إلى تورط السعودية منذ أكثر من ثلاث سنوات في مستنقع اليمن وغير قادرتها على الخروج منه، بل إن الصواريخ الحوثية أصبحت تستهدف العاصمة الرياض.
يُضاف إلى ذلك أن تراجع قدرات المملكة الاقتصادية، بسبب انخفاض عوائد النفط، وانخفاض الميرانية لا تؤهلها لخوض حروب أخرى اكثر تعقيدًا، وفي مواجهة أعداء أحدث تسليحًا، وأكثر قدرات عسكرية، وأرسخ قدمًا على الأرض السورية.
وفي حال انتشار قوات عربية في المناطق التي تنتشر فيها القوات الأمريكية حالياً، وهي تنقسم إلى مناطق محاذية للحدود التركية، ومناطق أخرى شرق نهر الفرات قرب الحدود العراقية، في دير الزور وفي البادية السورية، وبناءً على ذلك، ستكون الموافقة التركية ضرورية على انتشار أي قوات عسكرية عربية هناك، لا سيما في ضوء الاتهامات الموجهة إلى الإمارات بدعم المسلحين الأكراد ضمناً لكونهم يكنون العداء لتركيا.
وغير الموقف التركي، يبدو أن الموقفين الإيراني والروسي المتماسكين حتى الآن، سيكونان حاسمين من مشروع كهذا، مع رفض متوقع من قبل طهران وموسكو لانتشار عسكري سعودي ــ إماراتي على حدود مناطق نفوذهما في سورية وفي العراق بالنسبة إلى إيران.
الولايات المتحدة ذهبت إلى سوريا لكي تبقى، فقد أسست أكثر من 16 قاعدة عسكرية تنتشر في شرق ووسط وجنوب سوريا
أما بالنسبة لمصر التي كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” إجراء اتصالات بين المسؤولين الأمريكيين والمخابرات المصرية، فيبدو أن الموقف المصري أكثر تحفظا في ظل الفشل العسكري في شبه جزيرة سيناء وغموض الأوضاع في الغرب المصري وعدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بخليفة حفتر الحليف الإستراتيجي لمصر، وبالتالي حاجتها لتأمين حدودها الغربية، وهناك علاقات إستراتيجية حقيقية بين روسيا والنظام المصري وكذلك النظامين الإيراني والسوري مع النظام المصري.
ومع اجتماع الأسباب المذكورة سيكون من الصعب إقناع الدول العربية بإرسال قواتها إلى سوريا، خاصة إذا لم يوافق الجيش الأمريكي على الاحتفاظ ببعض القوات هناك، بحسب تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط.
لكن الولايات المتحدة ذهبت إلى سوريا لكي تبقى، فقد أسست أكثر من 16 قاعدة عسكرية تنتشر في شرق ووسط وجنوب سوريا، وبالتالي فإن الحديث عن إعادة نشر القوات الأمريكية هو طرح من وسائل الابتزاز المالي الذي يمارسه ترامب، بالإشارة إلى تصريحاته بشأن انسحاب قوات بلاده من سوريا، وإلا على السعودية أن تدفع.
وفي كل الأحوال، ستكشف الساعات المقبلة ما إذا كان إعلان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عن استعداد الرياض لإرسال قوات عسكرية إلى سورية، مجرد بالون اختبار سياسي أو مناورة كلامية مكررة سبق للمملكة أن جربتها بلا فائدة قبل عامين، أم أنه سيكون بالفعل عنواناً جديداً سيقتحم الملف السوري وينقسم العالم إزاءه بين رافض المشروع ومؤيد له.