الجمال في الجزائر لا يقتصر على مدنها الساحلية فقط، بل يتعدى إلى صحرائها ومدنها هناك أيضًا، ففي تلك الربوع حيث الرمال المترامية والواحات الخلابة، عديد المناطق التي تسحر القلوب وتأسر العقول لعظيم جمالها.
من هذه المناطق نجد مدينة “تاغيت” التي تعرف باسم “لؤلؤة الصحراء الجزائرية”، والتي تمتدّ على طول أكثر من 20 كيلومتر على ضفاف وادي زوز فانة، حيث النقوش على الصخر التي تعود إلى ما قبل التاريخ، والقصور القديم التي تروي قصة منطقة عظيمة.
تاغيت
على بعد أكثر من 1200 كيلومتر جنوب غرب العاصمة الجزائر، تتربّع “تاغيت” جوهرة الساورة بجمالها البهيّ وواحات نخيلها الخضراء وطبيعتها الغراء، ويشتقّ اسم تاغيت من تاغونت، وتعني بالبربرية الحجرة أو تغليت وتعني الهضبة إذ بنيت على ربوة، وآغل هو الذراع، والبعض قال هي المكان الضيق بين الجبل والكثبان الرملية.
عند زيارتك للمدينة لا تفوّت فرصة الصعود أعلى هذه الكثبان الرملية الشاهقة التي يتجاوز ارتفاعها 800 متر
كثبان رملية
تاغيت مدينة مليئة بكثبان رملية متموِّجة ذهبية اللون مائلة إلى الاحمرار، وتقابلها في الجهة الأخرى مجموعة من الجبال الصخرية على هيئة سلاسل متباعدة ومتلاحمة، إنَّها الصحراء في عذريّتها، في براءتها وجلال روعتها.
عند زيارتك للمدينة لا تفوّت فرصة الصعود أعلى هذه الكثبان الرملية الشاهقة التي يتجاوز ارتفاعها 800 متر، ويفضل القيام بهذه المغامرة عند ساعة الغروب حتى تتمتع بمشاهدة منظر غروب الشمس الذي يريح قلب الانسان ويبعث في نفسه الطمأنينة.
العلاج بالرمل
إلى جانب التمتّع جمالها، لك أيضا أن تتداوى بهذه الرمال الصحراوية، فحبات رمل المنطقة تتمتع بخصائص علاجية كبيرة لمكافحة العديد من الأمراض مثل الروماتيزم، والتهاب المفاصل، وآلام أسفل الظهر، وآلام العضلات والحساسية وغيرها.
وتتكون أحواض الرمل عن طريق حفر حفرة مقابلة لقياس حجم المريض إلى عمق لا يتجاوز عادة 20 سنتمتر، ويبقى الثقب مفتوحا لمدة نصف ساعة حتى يتم امتصاص الحرارة. بعدها يستلقي المريض بالحفرة على ظهره ومغطى بالكامل بالرمال الساخنة، باستثناء الرأس، لفترات تحدد بحسب حالة المريض الصحية، وسنه، وطبيعة مرضه، وقد تصل عند القادر على التحمل إلى 35 دقيقة، فيما لا تتجاوز 15 دقيقة بالنسبة للعجزة، تمتص خلالها الرمال كميات كبيرة من الماء الزائد في الجسم.
تعالج رمال الصحراء عديد الأمراض
ومباشرة بعد الانتهاء من تغطية الجسم بالرمل، تنصب خيمة أو شمسية تقي الأجزاء الظاهرة منه، لا سيما الرأس من الأشعة الحارقة، كما يزود بالماء كلما طلب، على أن يكون ببرودة معتدلة، وبعد انقضاء المدة المحددة يخرج المريض بلطف، ليغطى برداء صوفي، لضمان سلامته.
قصور تاغيت
أول ما تصل إلى المدينة، سيشدّ انتباهك تلك “القصور” المبنية بمادة الطين، والتي تروي قصص سكان صمدوا وقاوموا الحياة الطبيعية القاسية في قرون خلت، وتمكنوا من تأسيس حضارة ما تزال العديد من كتب المؤخرين تروي عنهم الكثير، فهذه القصور بمثابة كتب التاريخ المفتوحة أمام زائري المدينة.
ويعود السبب في استعمال الطين في بناء هذه القصور إلى قدرته على مقاومة الطبيعة القاسية للمنطقة، فهو يمنع دخول الحرارة في الصيف الساخن حيث تتجاوز درجات الحرارة في الصيف هناك الـ 50 درجة كما أنه يعدّل درجة الحرارة شتاء عندما تنخفض.
بنيت المنازل في قصور “تاغيت” بما يسمح للشمس بالدخول إليها
ورغم اختلاف هذه القصور في شكلها الهندسي فإنها تتشابه في طابعها العمراني، حيث يكون المسجد في مدخل المدينة وبعدها تأتي المنازل، أما سوق كل قصر فيقع خارج المدينة بهدف عدم السماح للأجانب بدخول المدينة.
وبنيت المنازل في قصور “تاغيت” بما يسمح للشمس بالدخول إليها، فهي مغلقة نحو الخارج ومفتوحة نحو الداخل والسماء من أجل الضوء والتهوية وفيها بضعة فضاءات، منها الفضاء المخصص للنساء وهو ما يسمى بـ”التيزفري”، وهو ضروري لكل البيوت.
عند تجولك بين أزقة القصور، ستلاحظ ضيق الشوارع هناك، وصغر نوافذ المنازل التي وضعت في أسقف البيوت والمسماة بـ”عين الدار”، والتي تستخدم في تهوية البيوت، ومنع انتشار الديدان التي تأكل خشب المنازل.
تم بناء قصور تاغيت بالطين حتى تقاوم الطبيعة
أهم هذه القصور، “القصر القديم” الذي بني من خشب النخيل والطين ويعود بناءه إلى ثمانية قرون مضت. وتحكي هذه المعلمة التاريخية فترة من الفترات المهمة التي عاشها الساوريون في خضم حضارة قامت بالمنطقة، وفي السابق كان هذا القصر بمثابة الحصن المنيع في وجه الأعداء.
ولهذا القصر بابان، أولهما أساسي لإدخال الزوار وباب خلفي يقود إلى ساحة واسعة بها واحات النخيل، حيث تسمع أهازيج وغناء “صحاب المايا” كما يسميها سكان تاغيت وهي مجموعة من النساء يرددن أغان شعبية يطلق عليها “الرحبة“.
النقوش على الصخر
فضلا عن كثبانها الرملية وقصورها القديمة، تشدّك في المدينة أيضا “النقوش على الصخر” التي عبّر من خلالها سكان المنطقة الأولين عن بيئتهم والحيوانات التي عاشت معهم بنقشها على الصخر، ويعود تاريخ هذه المحطات من 7 آلاف إلى 10 آلاف سنة قبل الميلاد، كما يعتبر الفن الصخري أهم وأقدم دليل إنساني وثقافي في المنطقة.
تحكي النقوش على الصخور تاريخ المنطقة
ويتفاوت تاريخ تلك النقوش الواقعة على كول واد زوز فانة، ما بين ست وتسع آلاف سنة قبل الميلاد، وهي نقوش تصور حياة الإنسان البدائي، ومن ضمن الرسومات الموجودة هناك، رسوم حيوانات، بعضها انقرض وبعضها الآخر ما يزال موجودا، منها الغزال ووحيد القرن.