ذكرت في مقال هنا في نون بوست بتاريخ 6 يناير 2018 أن خيار الانتخابات المبكرة في تركيا هذه الفترة هو خيار مطروح ووارد، وأن الذي يتحكم في هذا القرار قناعة الرئيس التركي رجب أردوغان والحسابات المتعلقة بفرص الفوز وفقا للظروف والتقديرات الداخلية والخارجية. ومع ما دار في الكواليس حول نية الرئيس السابق عبدالله غول الترشح مقابل أردوغان كان هناك عوامل زادت من احتمال تبكير الانتخابات وتراجعت مع تراجع هذا الأمر.
ولكن لم يكن هذا هو العامل الوحيد، فهناك عدة عوامل أخرى داخلية تتعلق بشعبية الأحزاب ومناورات المعارضة والعملية التي كانت جارية في عفرين وتكللت بانتصار تركي مع الجيش السوري الحر، وزادت من شعبية الرئيس أردوغان. إضافة للعلاقات الإقليمية والدولية بعيد استفتاء شمال العراق وبعيد عملية غصن الزيتون. وكذلك على وجه الخصوص العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وإيران.
موعد الانتخابات.. مفاجأة من العيار الثقيل
منذ اقتراح رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي أول أمس تقديم موعد الانتخابات من نوفمبر 2019 إلى 26 أغسطس 2018 طفا هذا الموضوع إلى أجندة المشهد التركي وأحدث فيه حراكًا سريعًا وردود متبادلة من كافة الفاعلين في المشهد، وقد برر بهتشلي دعوته بتقديم الموعد إلى أنه ليس من المنطقي إطالة موعد الانتخابات للعام القادم.
الرئيس أردوغان كان له قول آخر فاجأ أغلب المراقبين بل والأنصار وإن لم يكن كلهم بتاريخ الانتخابات في 26 حزيران 2018
ومباشرة بعد إعلان بهتشلي عن هذا المقترح توجهت له دعوة من الرئيس أدروغان لنقاش المقترح في المجمع الرئاسي، وبالفعل التقى الرجلان في اليوم التالي وبعد تصريحات متواترة خلال الأشهر الماضية من قادة حزب العدالة والتنمية، أن الانتخابات سوف تجري في موعدها المحدد في 2019، وأن الأمور تتجه بهذا السياق، انقلبت كافة التحليلات لتشير إلى أن الانتخابات سوف تجرى في موعد أبكر.
وقد ذكر بعض الصحفيون الأتراك أن الموعد الذي حدده بهتشلي موعد قريب، وأنه من الصعب القيام بالتحضيرات حتى شهر أغسطس وقد ربط عدد من المحللين هذا التاريخ بمنع (حزب الخير) من الترشح قانونيًا وفقا لهذا التاريخ، حيث يشترط مرور 6 أشهر على المؤتمر التأسيسي للحزب لكي يقدم مرشحين في الانتخابات.
وقد تابع الجميع المؤتمر الصحفي للرئيس أردوغان الذي تلا اجتماعه مع بهتشلي مع ترقب للموعد الذي سيحدده أردوغان والذي قال مقربون أنه في الغالب سيكون في نوفمبر، ولكن الرئيس أردوغان كان له قول آخر فاجأ أغلب المراقبين بل والأنصار وإن لم يكن كلهم بتاريخ الانتخابات في 26 حزيران 2018.
وحتى على صعيد الاعلام انتقلت ملكية العديد من المؤسسات الاعلامية التي كانت ضمن مجموعة دوغان إلى دميراوران رجل أعمال آخر يقال أنه مقرب من أردوغان
لماذا هذا التاريخ؟
من المؤكد أن الكل يسأل لماذا هذا التاريخ، وبالطبع فإن هذا الاختيار لم يأت من فراغ بل جاء نتيجة حسابات دقيقة قادت لهذا التوجه، فلدينا انتصار كبير في عفرين ومن الجيد أن يتم استثماره قبل أن يصبح ماضيًا في الذاكرة الشعبية. إضافة لوجود معارضة تسابق الزمن لتجميع نفسها، ومن الجيد عدم اعطاءها الفرصة للتوافق وحتى لترميز مرشحين، بل وحتى في القيام بحملة انتخابية قوية. فقد قام الرئيس ورئيس الوزراء بزيارة عدة مدن في مهرجانات الحزب أثناء عملية غصن الزيتون، كما تم اجراء الكثير من التعديلات في بنية حزب العدالة والتنمية والمؤسسات المرتبطة به من بلديات وغيرها.
وحتى على صعيد الاعلام انتقلت ملكية العديد من المؤسسات الاعلامية التي كانت ضمن مجموعة دوغان إلى دميراوران رجل أعمال آخر يقال أنه مقرب من أردوغان، وكانت المجموعة في السابق تصنف أنها معارضة ولهذا فإن جبهة الإعلام أصبحت أقل سلبية على الأقل في أي حملة محتملة.
وفيم لم يتناول الرئيس أردوغان هذه المحددات في خطابهـ فقد تناول مبررات الأمر بصورة عامة في ضرورة الإسراع في الانتقال للنظام الرئاسي خاصة أن التطورات الأخيرة دفعت تركيا إلى اتخاذ قرار تقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وذلك لسرعة تطبيق المواد التي تم تعديلها في الدستور باستفتاء 16 أبريل/ نيسان 2017 الخاصة بالانتقال إلى النظام الرئاسي بهدف التخلص من مشاكل النظام الحالي
هناك اجماع أن هذا القرار يشكل إرباكا لحسابات المعارضة وربما يساهم في خلط أوراقها ويقودها لخيارات محكوم عليها بالفشل مسبقًا
وقد عزا أردوغان ذلك أيضا للعمليات العسكرية التي تخوضها تركيا في سوريا والأحداث التاريخية التي تشهدها المنطقة التي تسبب حالة من الغموض توجب على تركيا تجاوزها في أسرع وقت ممكن.
وبالنسبة للمعارضة التركية وبالرغم من إعلانها أنها جاهزة لهذا الموعد ومتأهبة له فإن هناك اجماع أن هذا القرار يشكل إرباكا لحساباتها وربما يساهم في خلط أوراقها ويقودها لخيارات محكوم عليها بالفشل مسبقًا.
ما من شك أن هذا الموعد يشير إلى قرار تاريخي من الرئيس أردوغان، ومجرد إعلان هذا الموعد بهذه الطريقة وبهذا التاريخ، أعطى لأنصار أردوغان وللشعب التركي زخمًا إضافيًا حول كاريزمية الرئيس وحيويته المستمرة وحضوره القيادي في المشهد التركي وهذا سيرفع معنويات أنصار الحزب وسيربك المعارضة كما ذكرت آنفًا.
من المهم أيضا النظر إلى مشهد علاقات تركيا الدولية والإقليمية، فقبل أيام قال أردوغان “سنحافظ على تحالفنا مع أمريكا وعلى شراكتنا مع روسيا وعلى تعاوننا مع إيران”/ وبالتالي فإن إجراء الانتخابات في مثل هذا المشهد مع هدوء في العلاقات التركية الأوروبية مع استثناءات قليلة يشير أن هناك حرص على تهدئة المشهد الخارجي لصالح العمل داخليًا على الأقل حتى آخر أسبوعين قبيل الانتخابات.