في أواخر القرن الـ19 وبداية القرن الـ20، عانت القارة الإفريقية من إحدى أكثر الفترات دموية في تاريخها، حين اجتمعت القوى الاستعمارية الأوروبية على هدف واحد وهو استباحة القارة السمراء وتقسيمها ونهب ثرواتها واستعباد شعوبها، بعد اعتبارها أرضًا لا صاحب لها.
أسفرت هذه الحملات الاستعمارية عن تقطيع أوصال إفريقيا، وإبادة العديد من الشعوب، واندثار حضارات قديمة، كما اضمحلت دول وسلطنات كانت قد بسطت نفوذها لقرون على مساحات شاسعة من القارة.
وأدى الاجتياح الأوروبي إلى نشوء دول جديدة ذات حدود مرسومة على نحو يفرقها أكثر مما يجمعها، ما أدى إلى تغيّر جذري في الخريطة الجغرافية للقارة، وعلى الرغم من انسحاب القوى الاستعمارية عسكريًا بعد الحرب العالمية الثانية، فإن تأثيرها بقي حاضرًا، حيث واصل الغرب سيطرته على القارة من خلال وسائل أخرى، مستغلًا هذا التقسيم لتعزيز نفوذه الدائم.
نستعرض في ملف “ممالك إفريقيا قبل الاستعمار“ تفاصيل هذه الحقبة الزمنية المهمة، وتسليط الضوء على الدول والإمارات الإسلامية التي كانت قائمة في القارة الإفريقية قبل الاجتياح الاستعماري الأوروبي، وتاريخها وحضاراتها، وأدوارها البارزة في تشكيل هوية القارة، وكيفية تعرضها للتفكك والاضمحلال بسبب الاستعمار الأوروبي الذي لم يعتمد على العمليات العسكرية فقط، وإنما على عقد الاتفاقات والمعاهدات مع سلاطين الصومال كما سيمر لاحقًا.
مؤتمر التقسيم
على مدى القرون الماضية شهدت القارة الإفريقية موجات متتالية من الغزو الأوروبي منذ بداية القرن الـ15، حيث كانت بداية هذا الغزو مع احتلال البرتغاليين لمدينة سبتة المغربية عام 1415، في حين كان تركيز الأوروبيين في هذه الفترة على المناطق الشمالية والغربية من إفريقيا.
واستمرت هذه الهجمات حتى القرن الـ19 عندما قررت الدول الأوروبية تقسيم إفريقيا ووضع حدود للنفوذ الاستعماري، عبر عقد مؤتمر في برلين بين منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 1884 ونهاية فبراير/شباط 1885.
دعت إلى هذا المؤتمر ألمانيا بقيادة المستشار أوتو فون بسمارك، وشاركت فيه 13 دولة أوروبية، وكان هدفه تنظيم عملية تقسيم واستعمار القارة الإفريقية، ومهّد الطريق لنهب ثرواتها واستباحتها بالقوة العسكرية، وهو ما سيُعرف فيما بعد باسم “التدافع من أجل إفريقيا”.
كان الدافع الأساسي وراء عقد هذا المؤتمر هو تجنب الصراعات العسكرية المباشرة بين الدول الأوروبية بشأن السيطرة على أراضي إفريقيا، حيث كان لكل دولة طموحاتها الاستعمارية، وكانت تخشى من أن تتحول هذه الطموحات إلى حروب مكلفة، فاجتمع ممثلو الدول وتم خلاله تحديد مناطق النفوذ لكل من الدول المشاركة في المؤتمر، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا.
عقب هذا المؤتمر وخلال بضع سنوات استعمرت القوى الأوروبية معظم القارة الإفريقية، متجاهلة الحقوق والوجود الفعلي للسكان الأصليين والحضارات القائمة هناك، وأبيدت خلال موجة الاستعمار العديد من الدول والإمارات الإسلامية، حيث سعى الغرب تزامنًا مع السيطرة على الثورات الإفريقية إلى وقف انتشار الدين الإسلامي في القارة لصالح انتشار المسيحية وتمكين الكنيسة.
وسنحاول في ملف “ممالك إفريقيا قبل الاستعمار” تسليط الضوء على أبرز هذه الدول التي اختفت، وهي “دولة الدراويش” الإسلامية في منطقة القرن الإفريقي، وسلطنة “ماجرتين”، تلك القوة الإقليمية الكبرى التي تربط البرّ الرئيسي الصومالي بغرب المحيط الهندي، فضلًا عن مملكة “جيما” التي تعدّ آخر الممالك الإسلامية التي أسسها شعب الأورومو بأرض الحبشة.
إضافة إلى السلطنات “العفرية” التي أحكمت سيطرتها على إثيوبيا من القرن الـ18 إلى القرن الـ20 على طول الساحل الجنوبي للبحر الأحمر، وسلطنة “وداي” التي كانت واحدة من أقوى الممالك الإسلامية في السودان الأوسط، وخلافة “صُكُتُو” التي اُعتبرت لفترة طويلة مركز جهود تجديد الفكر الإسلامي في غرب السودان.
إلى جانب الإطاحة بمملكة “الكونغو” في وسط غرب القارة بالخداع والحيل، وكذلك الإطاحة بإمبراطورية “موتابا” التي تعد واحدة من أكثر الممالك شهرة واستمرارية في التاريخ الإفريقي، وإمبراطورية “بينين” صاحبة أهم الأعمال الأثرية المنهوبة في إفريقيا، فضلًا عن مملكة “الزولو” التي هزمت البريطانيين وسادت مناطق واسعة في جنوب إفريقيا، وإمبراطورية “أشانتي” الدولة الأقوى في غرب إفريقيا، ودول عديدة أخرى.
دولة الدراويش
بعد 3 سنوات من انعقاد مؤتمر برلين، وبعد توقيع سلسلة من المعاهدات بين القوى الأوروبية والسلطنة الصومالية، قسم الصومال إلى 3 مناطق جغرافية هي: أرض الصومال الفرنسي، وأرض الصومال الإيطالي، وأرض الصومال البريطاني.
لم يستسغ سكان البلاد الأصليين قدوم المحتل الغربي إليهم، فواجهوا المستعمر بأشكال نضالية مختلفة، وكان من ضمن المقاومين محمد عبد الله حسن، الذي أخذ على عاتقه مواجهة المحتل وجمع الأهالي إلى صفه.
تمكن عبد الله حسن من تأسيس دولة الدراويش التي تعد دولة واحدة من أبرز الحركات التحررية في القارة الإفريقية خلال أوائل القرن الـ20، حيث نجح في توحيد القبائل الصومالية تحت راية الإسلام، وأسس جيشًا قويًا مكونًا من أنصاره الذين دافعوا عن أرضهم وديانتهم ضد القوات الاستعمارية.
جاءت حركة الدراويش كاستجابة طبيعية لموجات الاستعمار الأوروبي التي اجتاحت إفريقيا، واستطاعت تحقيق إنجازات عسكرية في وقتها، ورغم أن هذه الدولة الوليدة لم تستمر لفترة طويلة فإنها تمكنت من مقاومة محاولات الاستعمار المتكررة لفرض سيطرتهم على المناطق الداخلية من الصومال، وأصبحت رمزًا للصمود ضد القوى الاستعمارية.
الملا المجنون
وُلد محمد عبد الله حسن، الذي لقبه البريطانيون بـ”الملا المجنون“، سنة 1856 في قرية “فوب فردوت” التي تقع في إقليم الصومال الغربي أو إقليم “أوجادين” في منطقة “حوافر الخيل”، من بطن “بهجري” وهي إحدى فروع أو بطون قبائل الأوجادين التي تعيش في منطقة قرب ولورال وواردير، وهما منطقتان تقعان في إقليم أوجادين، الذي يُعرف أيضًا بإقليم الصومال في إثيوبيا.
وكعادة أهالي المنطقة بدأ محمد حياته في حفظ القرآن الكريم وفهم تعاليم الإسلام الحنيف، فخلال طفولته الصعبة تنقّل بين منطقة الأوجادين في غرب الصومال والصومال لاند في الشمال، وتتلمذ على يد أساتذة المنطقتَين وتعلم منهم اللغة العربية وأصول الدين.
سرعة بديهته ونبوغه مكّناه من التدريس في الصومال لاند، وهو إقليم يقع في شمال غرب الصومال ويُعرف هذا الإقليم حاليًا بجمهورية أرض الصومال، وهناك لُقّب بـ”الفقيه البارع”، إلا أنه اختار مواصلة طلب العلم والتنقل إلى مساجد مقديشو (عاصمة الصومال حاليًا)، التي كانت في تلك الفترة قِبلة طلاب العلم من سكان منطقة القرن الإفريقي، قبل أن يشدّ الرحال إلى نيروبي والسودان، وقاده طلب العلم أيضًا إلى مصر واليمن وفلسطين والحجاز.
وصل محمد إلى مرتبة الشيوخ، الذين كانوا في تلك الفترة يحرصون على الحج إلى بيت الله الحرام، أداءً للركن الخامس من الإسلام وطلبًا للعلم، إذ كان موسم الحج بمثابة ملتقى علمي لتبادل المعارف العلمية والخبرات.
في سنة 1890، ذهب الشيخ محمد إلى مكة للحج وهناك ألمَّ بالعلوم الإسلامية من فقه وتشريع، والتقى بعلماء الإسلام منهم الشيخ أحمد صالح الرشيدي، وعند عودته إلى الصومال بدأ الترويج للطريقة الصالحية الصوفية في المدن الحضرية والمناطق الداخلية، حيث وجد نجاحًا كبيرًا.
يُذكر أن الطريقة الصالحية التي تُعرف أيضًا بالطريقة الرشيدية، قد أسّسها إبراهيم بن الرشيد وابن عمه محمد بن صالح في منتصف القرن الـ19، وانتشرت هذه الطريقة – التي عملت على إحياء الروح الإسلامية وتعميق فهم الإسلام ونشر الإسلام وثقافته – فيما كان يُعرف بالصومال البريطاني، ولعبت دورًا رئيسيًا في مقاومة الاستعمار الغربي الذي كان يملك أحدث الوسائل الحربية في ذلك الوقت.
تزامنت عودة الشيخ محمد من الحج مع نزول البريطانيين في سواحل بربرة الصومالية الواقعة على خليج عدن، وكانت بربرة تعدّ أكبر وأهم مدن إقليم “أرض الصومال” في تلك الفترة، حيث مثّلت حلقة تجارية بين المنطقة والعالم الخارجي.
ادّعى البريطانيون في البداية أن سبب قدومهم إلى المنطقة هو التجارة، إلا أنهم أخذوا في بناء الكنائس، ونشر دين المسيحية والسيطرة على الأراضي الخصبة، مستغلين انسحاب السلطات المصرية من شرق القرن الإفريقي.
أقام الشيخ محمد عند عودته في عدن اليمنية قرابة 6 أشهر ثم نزل في ميناء بربرة، وفي الأثناء كان يلتقي بأبناء وطنه يحثّهم على الجهاد في سبيل الله وصدّ المحتل البريطاني الطامع في أرضهم، وكان أكثر مريدي الشيخ أهالي قبيلة البهانتة، وهي من أهم القبائل الصومالية.
تمكّن الشيخ في وقت قصير من جمع عدد كبير من الأنصار حوله، والقضاء على الفتن والاختلافات بين الأهالي معتمدًا على الإقناع بالحجّة والاستشهاد بالقرآن الكريم وأحاديث النبي محمد مستغلًا قوته في الإقناع والبلاغة.
آخى الشيخ محمد بين الأهالي وخلق تكتلًا صوماليًا جديدًا يقوم على أسس دينية سليمة، ونادى لمحاربة العصبية والقَبَلية وأنشأ مؤسسات قانونية وتشريعية، وأطلق على أنصاره لقب الدراويش.
خلال تنقله بين القرى والمدن، أنشأ ابن الصومال المساجد للعبادة، كما تمكّن من بناء جيش قوي من المتطوعين لتثبيت أسس الحكم في دولة الدراويش الإسلامية ومقاومة المحتلين المتربّصين بالبلاد، وحتى يضمن وحدة البلاد اختار من كل قبيلة قوة عسكرية.
يقول الشيخ محمد عبد الله حسن في رسالة أسماها “مباحث المنافقين”، كما ورد في كتاب “أضواء على الصومال” للأستاذ عبد الصبور مرزوق: “نحن قوم قاموا بالعزم والإيمان، وعقدوا نيتهم على أن يدافعوا عن دينهم ووطنهم وشرفهم بآخر قطرة من دمائهم، يجاهدون في سبيل الله تعالى لإعلاء كلمة الإسلام إلى أن يحققوا أغراضهم أو يستأصلوا من فوق الأرض”.
ويضيف: “نحن قوم نكافح لتطهير جميع أنحاء بلاد الصومال من الأعداء الكافرين المستعمرين لأننا نعلم تمامًا أنه لا يمكن أن نعبد الله في أرض آمنين مطمئنين، ولا أن نقيم أحكام كتابه ولا أن نستثمر خيراتها ولا أن نستنشق نسيم الحرية بها إلا بعد تحقيق الغرض المذكور”.
سيطرة الدراويش
سيطر الدراويش على أنحاء واسعة من منطقة القرن الإفريقي، وتمكنوا من بناء الحصون لتأمين الدولة، وفي سنة 1913 تمّ تشييد عاصمة دائمة للدولة في تاليح، التي تقع في محافظة سول شمال الصومال، وعُرفت فيما بعد باسم “عاصمة السيد” أو “عاصمة الملا”، في إشارة إلى مؤسّس دولة الدراويش محمد بن عبد الله حسن.
ذاع صيت الدولة الوليدة بين الأمم المجاورة، واستقدم الشيخ محمد المهندسين المعماريين والبنّائين ومصنّعي الأسلحة من دول كثيرة لتطوير دولته، كما لم يغفل عن الجانب الزراعي، إذ اُستحدثت الأراضي للزراعة.
إلى جانب ذلك، سيطر الدراويش على الطرق التجارية المهمة في منطقة القرن الإفريقي، وهيمنوا على التجارة المارّة من هناك التي تشمل الواردات المهمة من الأسلحة النارية والخيول ومواد البناء، واستغلوها لبناء عشرات الحصون في شبه الجزيرة الصومالية.
واصطدم الشيخ محمد بعراقيل كثيرة منها الزعامات المحلية التي كانت لا تريد أن يزاحمها أي سيد جديد في الملك والجاه، وانتشار البدع والجهل بين الأهالي، إلا أن الصعوبات الأبرز كانت ممثلة في القوى الاستعمارية التي كانت تطمح في استعمار البلاد.
مثلت مقاومة المسلمين للاستعمار في إفريقيا وآسيا مصدر إلهام كبير للشيخ محمد، فوجّه جيش الدراويش إلى حرب القوات البريطانية، وتمكن من صد هجومها 4 مرات متتالية، وأجبروها على الانسحاب نحو الساحل.
رأى الشيخ ضرورة الجهاد والكفاح والصبر للوصول إلى الغاية السامية التي يدعو إليها، وهي الصومال الإسلامي المتحد المتحررة، فمكّن جيشه المكون من آلاف المتطوعين من الأسلحة التقليدية والمتطورة والخيول، وقرر محاربة المستعمرين.
من أشهر المعارك التي خاضها الدراويش كانت معركة بهر طبغ (حوض الدم) التي وقعت في مايو/أيار 1901، وسُمّيت بهذا الاسم لكثرة الدماء البريطانية التي ملأت بقاع مدينة أفبكيلي (تقع حاليًا في إقليم أرض الصومال)، وكانت هذه المعركة الأولى التي يقودها الشيخ محمد حسن على رأس جيش منظَّم.
وبعد شهر التقى جيش الدراويش بالقوات البريطانية في مكان يُدعى قرطدن، بالقرب من منطقة لاس عانو (مدينة تقع في شمال شرق الصومال وتعد عاصمة إقليم سول)، وكان النصر هذه المرة أيضًا حليفًا للدراويش، وارتفعت حصيلة خسائر البريطانيين الذين جن جنونهم.
وفي أبريل/نيسان 1903، اجتمع البريطانيون والإيطاليون مرة أخرى لمهاجمة الدراويش ومحاصرتهم من الشمال والجنوب، وقرروا ضرورة إنهاء ثورة الصوماليين، وحدثت “معركة عفاروينه”، وكان النصر مرة أخرى حليفًا لأصحاب الأرض، وفي معارك أخرى استنجد البريطانيون بالفرنسيين، لكن النتيجة كانت نفسها.
بالتوازي مع ذلك، عملت بريطانيا على تشويه صورة الشيخ محمد بين المسلمين في الصومال، من خلال إشاعة أنه مجنون وأطلقت عليه لقب “الملا المجنون”، كما عملت على تأليب القبائل الصومالية ضده ودفعها إلى محاربته، ومع ذلك لم يتوان الشيخ في خططه ومسعاه.
نتيجة هذه الضربات العسكرية المتواصلة من الدراويش، أُجبرت القوات البريطانية على الانسحاب من المناطق الصومالية الداخلية، والاكتفاء بمواقعها على الساحل، خاصة ميناء بربرة، وسيطر الدراويش على أغلب مناطق الصومال البريطاني (أرض الصومال) ومنطقة الأوجادين.
أمير الصومال
بالتزامن مع حرب البريطانيين والإيطاليين، حارب الشيخ محمد الجيوش المسيحية القادمة من أرض الحبشة (إثيوبيا حاليًا)، حيث كانت رغبة الأحباش المسيحيين كبيرة في ضمّ أرض الصومال إليهم، لما لها من مكانة استراتيجية مميزة على طول البحر الأحمر الذي يعتبر عصب التجارة العالمية في تلك الفترة، فمن يسيطر على هذا المكان يسيطر على التجارة.
في سنة 1899 هاجم الأحباش مدينة جكجكا في إقليم الأوجادين الصومالي حينها، وقام الدراويش على الفور بصدّهم، وتمكن جيش الملا من قتل المئات من جنود الأحباش، ما ترك في نفوس المسيحيين الخوف والرعب من القوات الصومالية المسلمة.
كما هزم الدراويش القوات الحبشية في يوليو/تموز 1901، وذلك في معركة فرطدان التي وقعت في بادية بين مدينتي جروي ولاسعانود، وفي هذه المعركة تحالف الأحباش مع البريطانيين، لكنهم لم ينجوا من هزيمة نكراء كبّدتهم مئات القتلى.
وعلى مدى 20 عامًا تمكن الشيخ محمد من صد المد الحبشي في البلاد، ووقف تغلغُل الوفود التبشيرية الساعية إلى تنصير الأهالي وإبعادهم عن الدين الإسلامي.
ودفعت انتصارات الشيخ محمد ضد البريطانيين والإيطاليين والأحباش، الباب العالي في إسطنبول إلى الاعتراف بحكم الشيخ محمد ودولته الوليدة، وفي سنة 1916 قبل الشيخ الانضواء تحت لواء الخلافة العثمانية، ومنحه السلطان العثماني محمد رشاد لقب “أمير الصومال”.
خلال الحرب العالمية الأولى تحالفت دولة الدراويش مع الألمان ضد دول الحلفاء (بقيادة بريطانيا العظمى والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي)، الراغبين في مد سيطرتهم على الدول الإفريقية ونهب ثروات القارة.
واستقبل الدراويش في عاصمة دولتهم الوفود الدبلوماسية الإسلامية والأجنبية الراغبة في التحالف معها، فقد كانت السلطة المسلمة الوحيدة المستقلة على أرض القارة الإفريقية في ذلك الوقت، ونجح الشيخ محمد في إقامة علاقات دبلوماسية مع دول عديدة.
سقوط الدولة
تحدى الدراويش بقيادة الشيخ محمد عبد الله حسن القوى الاستعمارية الخارجية من البريطانيين والإثيوبيين والإيطاليين في شمال شبه الجزيرة الصومالية، وأنشأوا دولة صومالية فعالة نسبيًا، ومبنية على قيم الدين الإسلامي الحنيف، إلا أن دولتهم سرعان ما سقطت.
في ظل عدم تمكُّن القوى الاستعمارية من هزيمة الدراويش بالطرق التقليدية، عرضت بريطانيا على الشيخ محمد الصلح والتخلي له عن إدارة بعض المناطق، مقابل الاعتراف بسيادتها على الصومال وقبوله بعدة شروط مذلّة، لكنه رفض.
لجأت بريطانيا إلى سلاح الطيران والأسلحة الميكروبية للقضاء على الدراويش، وبدأ القصف في يناير/كانون الثاني 1920 حيث قصفت عشرات الطائرات التابعة لسلاح الجو الملكي عاصمة البلاد تاليح.
لم يستثن القصف البريطاني المنازل والأهالي، فكان الأمر بمثابة الإبادة الجماعية، إذ قُتل المئات من الأطفال والشيوخ والنساء واعتقل الآلاف، بينما اضطر الشيخ محمد للانسحاب مع جنوده إلى الصومال الغربي لتنظيم أساليب المقاومة والتحضير للجولات القادمة من الحرب.
بالتوازي مع القصف الجوي، عمدت بريطانيا إلى استخدام الأسلحة البيولوجية وتسميم آبار المياه لوقف ثورة الدراويش، فانتشرت الأمراض والأوبئة بين الأهالي، وزادت أعداد الوفيات في صفوف الدراويش وتراجعت قوتهم.
في عام 1920، جُرح الشيخ محمد في إحدى المعارك توفي على إثرها، لتسقط بوفاته دولة الدراويش، آخر دولة إسلامية مستقلة في إفريقيا، وعقب ذلك تمكّن البريطانيون من بسط سيطرتهم على مناطق حكم الدراويش.