يبدو أن الأوضاع الفلسطينية الداخلية تتجه نحو مرحلة تصعيد سياسي لم يسبق لها مثيل يطرق به كافة أبواب الخطر، مستغلاً تحركات المصالحة “العرجاء” التي تقودها مصر ولم تحقق فيها حتى هذه اللحظة أي تقدم ينقذ الحالة من الانهيار وتآكل الشرعية.
تهديدات الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ضد قطاع غزة لم تتوقف عند حد العقوبات السياسية والاقتصادية المفروضة منذ شهر أبريل من العام الماضي، بل سيتجه لخطوات أكثر خطورة قد تساعد في تآكل الشرعية الفلسطينية وتغيير الدستور والقانون لخدمة مصالحه وتكريس سلطته.
وبشكل رسمي، كشف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حنا عميرة، عن مقترحات يجري التحضير لها في الاجتماع القادم للمجلس الوطني، بما يسمح بمنح المجلس المركزي صلاحيات تخوله باتخاذ قرارات تشريعية وقانونية في حال تم حل المجلس التشريعي.
الدستور في خطر
وأشار عميرة إلى أن الأفكار المطروحة تتضمن أيضا تعديل دستور دولة فلسطين بما يتلاءم مع التطورات السياسية الحالية، مستدركاً بالقول: “لكن القضية الأبرز هو كيفية تعزيز دور منظمة التحرير في الواقع السياسي والتشريعي الفلسطيني”.
تأتي هذه التأكيدات بعد تسريبات تناقلتها وسائل الإعلام عن طرح الرئيس عباس أمام القيادة الفلسطينية خيار حل المجلس التشريعي في الاجتماع القادم للمجلس الوطني؛ لقطع الطريق أمام حركة “حماس” للوصول لرئاسة السلطة.
المجلس المركزي الفلسطيني هو هيئة دائمة منبثقة عن المجلس الوطني، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية
وفي هذا السياق، يؤكد النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة، أن الحديث عن منح المجلس الوطني، في دورته المقبلة صلاحيات جديدة للمجلس المركزي، تتمثل باتخاذ قرارات تشريعية وقانونية في حال غياب المجلس التشريعي، استخدام سيء للمؤسسات الفلسطينية، سيؤدي إلى عبث بالساحة الداخلية.
ويقول خريشة: “ما يحدث محاولة لكسب الوقت في ظل غياب أي نصاب قانوني أو سياسي للمجلس، متسائلاً: “هل يأتي كسب الوقت للرهان على تسوية قادمة، أم لتحريض شعبنا وتشجيعه على الانتفاضة ضد المحتل؟”، متمنياً أن “يكون الخيار الأخير، ما ترمى له القيادة الفلسطينية من وراء أي قرارات تتخذها”.
ويضيف أن هناك العديد من القرارات اتخذت في المجلس المركزي “أعلى هيئة قيادية” في العام 2015، لم يتم تطبيقها، وفي العام 2018 تم إعادة التأكيد على هذه القرارات ولم يتم تطبيقها كذلك، بمعنى كل القرارات التي تتخذ في المؤسسات الفلسطينية يتم الاتفاق عليها بصورة أو بأخرى”.
وشدد خريشة على أنه لا توجد أي مؤسسة تنوب عن المجلس التشريعي الفلسطيني، باعتباره الجهة المنتخبة مباشرة من الجمهور الفلسطيني، في الوقت الذي يتوافق على عضوية المجلسين المركزي والوطني فصائلياً، الأمر الذي يتناقض مع الديمقراطية شكلاً ومضموناً.
وفي الثلاثين من أبريل يعقد الرئيس عباس المجلس الوطني للمنظمة بعيداً عن التوافق الفلسطيني الداخلي ومقاطعة من الفصائل بما فيها حماس والجهاد والجبهتين المشاركة فيها، وبحسب مراقبون فإن عباس يهدف من خلال اجتماع الوطني المقبل لفرض سيطرته وسيادة سلطته على آخر المؤسسات الفلسطينية الشرعية.
والمجلس المركزي الفلسطيني هو هيئة دائمة منبثقة عن المجلس الوطني، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية. تقرر تشكيله عام 1973، لمساعدة اللجنة التنفيذية للمنظمة في تنفيذ قرارات المجلس الوطني وإصدار التوجيهات المتعلقة بتطور القضية الفلسطينية.
تنص المادة 47 من القانون الأساسي المعدل على أن ولاية المجلس التشريعي القائم تنتهي عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية
واستدرك خريشة قائلا: “الشرعيات الفلسطينية تتآكل يوماً بعد يوماً، ولذلك بدلاً من الخطوات الالتفافية، الأصل أن نلجأ إلى الانتخابات النيابية، لكن يبقى المجلس التشريعي منتخباً، وفقاً للمادة 47 مكرر، التي تقول ” أن ولاية المجلس ممتدة حتى يتسلم مجلس تشريعي آخر منتخب”.
ونوه إلى أنه حتى نصل إلى مجلس وطني توحيدي، لابد من نصاب سياسي، بمعنى أن تتواجد القوى السياسية كافة، لأنه من غير المنطقي أن تسيطر جهة واحدة عليه، داعياً إلى ضرورة التريث في عقده.
تنص الفقرة الثانية من المادة 37 في القانون الأساسي الفلسطيني على تولي رئيس المجلس التشريعي مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتًا، لمدة لا تزيد على ستين يوما، تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقا لقانون الانتخابات الفلسطيني.
ووفقا لذلك، فإن رئيس المجلس التشريعي الحالي النائب عن حركة “حماس”، عزيز دويك، يتولى مهام رئاسة السلطة في حال غياب رئيس السلطة عن المشهد، تطبيقا لحادثة سابقة حينما تولى روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي في العام 2004 رئاسة السلطة بعد وفاة رئيس السلطة ياسر عرفات.
كما تنص المادة 47 من القانون الأساسي المعدل على أن ولاية المجلس التشريعي القائم تنتهي عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية.
خارج عن القانون
حركة “حماس”، وعلى لسان النائب في كتلتها النيابية بالمجلس التشريعي، ومسئول لجنتها القانونية، محمد فرج الغول، وصف خطوة الرئيس عباس بأنها “باطلة” وخارجة عن القانون الفلسطيني.
اتهم النائب محمد فرج الغول، عن حركة “حماس”، الرئيس عباس بتعمد تعطيل دور المجلس التشريعي
ويقول الغول: “عباس يحاول الاستفراد بالمؤسسات الفلسطينية، وخطوته الجديدة التي قد يتخذها بحل (التشريعي)، باطلة ولا أساس قانونياً لها، وتعتبر تعدياً على دور ومكانة المجلس التشريعي في الساحة الفلسطينية”.
ويوضح أن القانون الأساسي يمنع عباس من اتخاذ هذه الخطوة؛ لكون الأخير (الرئيس عباس) منتهية ولايته بشكل رسمي منذ تاريخ 9 يناير 2009، فأي قرارات تصدر عنه تعتبر قانونياً “باطلة”، وتندرج ضمن المناكفات السياسية؛ للاستحواذ على مؤسسات السلطة والاستفراد بالقرار.
وأشار إلى أن “المجلس التشريعي لا يجوز حله حتى في حالة الطوارئ، والطريق الوحيدة، حسب القانون الفلسطيني، تتم من خلال تمديد ولايته ضمن مجلس تشريعي جديد ومنتخب، ودون ذلك سيكون تجاوزاً خطيراً وغير مقبول، ويجب التصدي له بكل قوة”.
واتهم النائب عن حركة “حماس”، الرئيس عباس بتعمد تعطيل دور المجلس التشريعي، مؤكداً أن التنسيق الأمني مع إسرائيل أسهم في اعتقال معظم نواب “حماس” ووضعهم في السجون، في حين يرفض عباس مشاركة نواب “حماس” في “التشريعي” برام الله أو حتى فتح أبوابه للنواب المنتخبين من قِبل الشعب، وهذا كله ضمن خطة إنهاء دور “التشريعي” بأكمله؛ تمهيداً لحله بشكل رسمي، كما يقول.
إلى ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، عبد الستار قاسم، إن “الرئيس عباس يدرك أنه يعيش أيامه الأخيرة في هذا المنصب، لذلك يحاول من خلال قراراته الأخيرة إزالة كل العراقيل التي تقف في طريق خروجه ومنع منافسيه من الوصول لمنصب رئاسة السلطة، سواء من خلال حل المجلس التشريعي واستبدال المجلس المركزي به؛ بهدف قطع الطريق أمام حماس للوصول لمنصب رئاسة السلطة.”
وأضاف قاسم، أن “إقدام الرئيس على حل المجلس التشريعي سيكون له توابع قانونية ودستورية خطيرة على المشهد السياسي، وستكون حماس أمام امتحان صعب كون المجلس التشريعي آخر الورقات التي تمتلكها للوقوف في وجه الرئيس”.