منذ أن أصبح الإنسان واعيًا وهو يحاول جاهدًا أن يجد سببًا لوجوده؛ لذلك فقد حاولت الكثير من الحضارات أن تُجيب على سؤال “كيف بدأ الخلق؟”، فرُبما بإيجاد جواب لذلك السؤال يستطيع الإنسان أن يعلم سبب وجوده.
أكتب لكم اليوم عن أغرب أساطير للخلق، آمن بها الإنسان في أماكن وأوقات مختلفة من تاريخ البشرية، سأحاول جاهدة أن أقدم أساطير من أماكن مختلفة، رُبما نستطيع أن نُكون فكرة عما يجمعهم كلهم غير كونهم أساطير.
أسطورة الخلق عند الزولو
آمنت قبائل قبائل الزولو الإفريقية في أسطورتها الخاصة بالخلق بـ (أنكلنكولو Unkulunkulu).. أو (الرجل الأول).
تقول هذه الأسطورة: في البدء كان هُناك الظلام، وفي الظلام كان هُناك بذرة كبيرة، غاصت تلك البذرة في الأرض، ومن تلك الحبة نمى القصب الطويل، وكان ذلك القصب سُمي “أوتلانجا”، ما يعني “مصدر كل شيء”.
أحد تلك الأعواد أزهرت رجلًا، ذلك الرجل كان “أونكلنكولو” أو الرجل الأول.. (خالق كل شيء)، وعندما بدأ يتجول على الأرض رأى عيدان القصب تتحول إلى رجال ونساء، “أونكلنكولو” قطف أول رجل وامرأة ، ثم قطف الأطباء، وبعدها قطف المواشي والأسماك والطيور والضواري.
صنع أنهارًا وجبالًا، وأجرى الريح، وأنزل المطر، ثم صنع الشمس والقمر.. (أونكولنكولو) صنع كل شيء من حولنا، ثم عَلَّم الرجل والمرأة كيفية الصيد وكيفية إشعال النيران، وكيفية تغطية عوراتهم بالملابس، ثم سمى الحيوانات بأسمائها، وعندما انتهى من كل هذا، أرسل حرباء للعالم برسالة “أن خلقه لن يموت أبدًا”.
لكن تلك الحرباء كانت متكاسلة وبطيئة، فبعد عدة أيام شعر (أونكلنكولو) بالملل؛ فأرسل سحلية سريعة للعالم برسالة “أن الموت في الطريق”، سبقت السحلية السريعة الحرباء المتكاسلة، ووصلت لأول قرية، وما أن سلمت السحلية رسالتها حتى تبعها الموت، ولم يرحل الموت عن العالم منذ يومها.
نجد اختلافًا ظاهرًا في رؤية قبائل الزولو لقصة الخلق؛ فقصة خلقهم تتحدث كون صغير محدود، هو “الأرض” والقمر والشمس”، تكون الأرض فيها مركز الكون، وأول البشر هو من أعطاها تضاريسها، وهو من أهداى أبناءه الخلود، ثم الموت.
أسطورة الخلق عند الآزتيك
ما الذي نعرفه حقًا عن الآزتيك؟.. إن أول ما نُفكر فيه حين نسمع بحضارات “أمريكا اللاتينية” هو دمويتهم المفرطة، وتنعكس تلك الدموية أيضًا في أسطورة خلقهم.
تقول أسطورة خلق الأزتيك: قبل أن تتكون الأرض كانت هناك “كوتيلكو” أم الأرض، كانت تسبح في مياه مظلمة، وُجِدت قبل أن يوجد الوقت، خلقت القمر والنجوم، ثم خلقت ابنتها “الأرض”، وأطلقت عليها “كويوزاوكي”.. انطلق أبناؤها إلى السماوات ليحكموها.
في يوم من الأيام وجدت “كوتيلكو” كُرة من ريش الطائر الطنان، فوضعتها في ردائها لتحتفظ بها، وبعد فترة اكتشفت أنها قد حبلت. أبناؤها في السماوات غضبوا وشعروا بالعار من أمهم، وسألوها من أبو ذلك الطفل؟.. أجابت “قد كانت كُرة من ريش الطائر الطنان”. وبالطبع لم يصدقوها، وقرروا أن يقتلوا أمهم من أجل العار الذي جلبته عليهم. وعندما عرفت “كوتيلكو” بنيتهم على قتلها حاولت الهرب ولكنها كانت متأخرة، وكانت تراهم يقتربون ناحيتها، وفجأة سمعت صوت يقول لها “لا تخافي فأنا مستعد”.. قد كان هذا صوت الطفل الذي في أحشائها.
حينها وضعت كوتيلكو “ويتزيلوبوتشتلي” إله الشمس الناري، خرج للعالم بدرعه وسيف من اللهب، وبضربة واحدة قسم الإلهة “كويوزاوكي”، وأرسل جسدها متدحرجًا ناحية بحار الظلام.
الجزء الأعلى من جسدها ارتفع إلى السماوات، والجزء الأسفل ارتطم بالبحر مكونًا الأرض، وبعد ذلك انطلق “ويتزيلوبوتشتلي” للسماوات ليحكم القمر والنجوم، ونزلت “كوتيلكو” تحت الأرض لتجعل الأرض تُزهر أشجارًا وفاكهة، وكان أحد أبناءها “كواتزاكوتل” (Quetzalcoatl) الثعبان المكسو بالريش، الذي خلق الإنسان الأول.
خلق الإنسان من الرماد، وأعطت الأرض كل خيراتها للإنسان، كانت الحياة سهلة بدون ألم أو تعب، لكن بعد فترة سيطر على الإنسان طمع، وتجاهل خالقه؛ الذي غضب غضبًا شديدًا، وقرر أن يأتي بطوفانٍ يمحي به البشرية.
فقط رجل وامرأة يدعان “تيتا” و”نينا”. قرر الإله أن يعفو عنهما. وطلب منهما أن يجدا أطول شجرة ليختبئا فوقها، وأن يأخذا معهما كوزًا من الذرة وليس أكثر. “تيتا” و”نينا” استجابا لتعليمات الإله، وعندها أرسل “كواتزاكوتل” الفيضان، غرق كل البشر الجشعين، وحولهم إلى أسماك.
تكمل الأسطورة: “تينا ونينا” بعد أن ذهب الفيضان بدءا في إعادة إعمار الأرض بسلالة جديدة من البشر، يؤمنون بالآلهة، ويتواضعون من أجلهم، ولكن “كوتيلكو” أم الآلهة أصبحت ناقمة على البشر، وأصبحت تُعرف باسم “الجدة”، وترتدي رداءً من الأفاعي، وعُقدًا من أيدي البشر وقلوبهم مُزين بجمجمة. وكانت متعطشة دائمًا لدماء البشر؛ ولهذا أصبح على البشر أن يضحوا بإنسان كل عام حتى لا تأخذ الجدة خيرات الأرض، ويموت البشر من المجاعة.
أسطورة الخلق اليابانية
وتقول هذه الأسطورة الأخرى: قبل أن يكون هناك سماوات وأرض كان هناك الظلام، دائمًا الظلام في البداية، ممثلًا العدم الذي يعجز الإنسان عن استيعابه. وفي قلب الظلام كان هناك جسم على شكل بيضة، يحتوي على كل شيء؛ بل كانت تلك البيضة هي الوجود ذاته، فمن دون تلك البيضة كان فقط العدم.
مرت أعوام وأعوام، وفجأة ومع مرور الوقت الجزء الأنقى والأخف من تلك البيضة فصل نفسه عن الجزء الأثقل، بينما الجزء الثقيل تحول إلى الأرض، وكان يُطلق عليه “الين”، أما الجزء الأخف فقد ارتفع وصنع السماوات وكان هو “اليانج”، ورُغم تضاد الين واليانج إلا أنه لا وجود لأحدهما دون الآخر.
كان الين مؤنث، واليانج مذكر، وكل الأشياء في العالم تحمل خواص من الاثنين. ومن الانقسام الذي حدث بين الين واليانج ظهر أول المخلوقات.. “إيزاناجي” الرجل الأول و”إيزانامي” المرأة الأولى.
وجد “إيزاناجي” و”إيزانامي” أنفسهما يطفوان على جسر في السماوات، وينظران إلى الظلمات من تحتهما، وكل ما يصل إلى سمعهما هو هدير الأمواج. قال “إيزاناجي”: “ألا توجد أرض تحتنا؟”
غرس “إيزاناجي” برمحه في الماء ثم رفعه، ومن القطرات المتساقطة من الرمح كونت جزيرة “أونوجوروجيما”. ونزل الإلهين إيزاناجي وإيزانامي على تلك الجزيرة، وقررا أن يكونا زوجًا وزوجة. واتفقا أن يمشي كلا منهما في الاتجاه المعاكس، وحين يعبرا العالم بأسره ويلتقيان مرة أخرى سوف يتزوجان.
انطلقا أيامًا وأسابيعًا وشهورًا حتى التقيا أخيرًا في منتصف الأرض، وعندها تحدثت إيزانامي أولًا قائلة: يا له من رجل جميل قابلته! ولكن “إزاناجي” شعر بالاستياء لأنه أحس أن الرجل هو الذي يجب عليه أن يتحدث أولًا.
فأعلن أن ذلك لقاءً سيء، ويجب عليهما أن يدورا حول الأرض مرة أخرى، فذهبا مرة أخرى في عكس الاتجاهات، وحين التقيا تلك المرة تحدث “إيزاناجي” قائلًا: يا لها من امرأة جميلة التي قابلتها!
قالت “إيزانامي” أن جسدها مكون من قوة “الين”، ولكن هناك جزء من جسدها فارغ، فأجابها “إيزاناجي” أن جسده كان مكون من قوة “اليانج” ولكن تلك القوة كانت زائدة عن احتياجه. فقررا أن يكملا بعضهما البعض، وأن يصبحا واحدًا كزوج وزوجة.
أول أبنائهما كان جزيرة “أهاجي”، ثم جاءوا بست جزر أخرى، وأصبحت اليابان بلدة الثمان جزء العظمى، كما تقول الأسطورة!
“إيزانامي” ولدت إلهة الشمس، التي بعثتها لتحكم السماوات، وأطلقت عليها “أوهوهيرو مينوماتشي”، ثم وضعت طفلها الثاني وأطلقت عليه اسم “تسوكيومي نوميكوتو” القمر، وأرسلته ليؤنث الشمس.
“إيزانامي وإيزاناجي” حظيا بعدة أطفال بعد ذلك، وأصبحت تلك الأطفال آلهة لتلك العناصر، وكانا سعداء جدًا لسنوات عديدة، وآخر أطفال “إيزانامي” كان إله “النار”، ولكنها أنثاء ولادته حرقها حتى الموت، وذهبت إلى “يومي”، أو العالم السفلي. في يأس ترك “إيزاناجي” كل أطفاله، وعاش وحيدًا حزينًا في جزيرة “تسكوجي”.
أسطورة الخلق عند الهنود الحمر
أن يكون العالم بيضة، أو ينبت الرجل الأول من عيدان القصب ليست أغرب الأساطير التي آمن بها البشر قديمًا.. فأسطورة الخلق عند الهنود الحمر قد تكون أغربهم جميعًا .
تقول الأسطورة: في البدء لم يكن هناك إلا الماك، وكان يعيش بداخل هذا الماء جميع الحيوانات البحرية، ثم فجأة سقطت من السماء فتاة شابة، حاملًا بتوأمين.
التقطت الفتاة بطتين طائرتين، واستدعيا حيوانات البحر لمعرفة أين عسى لتلك الفتاة أن تعيش، فبدأت سلاحف البحر بإخراج الطمي والرمال من الأعماق، ولصقته الفتاة حول سلحفاة ضخمة، لتصبح بعد ذلك أرضًا كبيرة مليئة بالخضرة.
حان جاء وقت ولادة تلك الفتاة، والتي تسبب أحد ولديها بموتها عند ولادته، وقد نبت من جثتها العديد من المحاصيل الزراعية كالبطاطا والذرة وغيرها.. وقد خلق ابنها الخَيِّر كافة الحيوانات المفيدة النفعة، بينما خلق ابنها الشرير الذي تسبب في موتها جميع الحيوانات الضارية والمؤذية.
وبهذا أكون عرضت لكم أغرب أساطير الخلق.. والآن أخبرني ما هي أغرب أسطورة للخلق سمعت بها أو قرأت عنها؟