كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، عن طلب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إرسال مصر عددا من قواتها العسكرية إلى سوريا، في خطوة وصفها البعض بـ “المفاجأة من العيار الثقيل”.
الصحيفة ذكرت أن جون بولتون، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس دونالد ترامب، تواصل مع رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، لاستطلاع مدى استعداد القاهرة للمشاركة في مبادرة لتشكيل قوة عربية مشتركة تعوض الانسحاب المحتمل للقوات الأمريكية من سوريا.
كما طلبت إدارة الرئيس الأمريكي كل من السعودية وقطر والإمارات بضخ مليارات الدولارات، وكذلك إرسال قوات عسكرية لاستعادة شمالي سوريا، حسبما نقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين مقربين من دوائر صنع القرار في البيت الأبيض.
الصحيفة تساءلت عن مدى إمكانية استجابة الجيش المصري للطلب الأمريكي خاصة بعد أن اعتبرت أن نية القاهرة دعم هذه المبادرة ما زالت غير واضحة المعالم، وإن نوهت إلى أن نادرًا ما تنشر مصر قوات مسلحة خارج حدود البلاد منذ حرب الخليج 1991، بالإضافة إلى أن الحكومة تؤكد أنها لا تنحاز إلى أي طرف في الأزمة السورية.
ليست المرة الأولى
الحديث عن إرسال قوات مصرية إلى سوريا ليس الأول من نوعه، خاصة في ظل العلاقات القوية التي تربط بين نظامي السيسي والأسد خلال السنوات الثلاث الأخيرة، والتي تعمقت بشكل أكبر بعد تهيئة موسكو الساحة أمام القاهرة ليكون لها موضع قدم في الملف السوري عبر المسار التفاوضي
في نوفمبر 2016 نشرت صحيفة “ايزفيستنايا” الروسية تقريرا؛ تحدثت فيه عن مشاركة عناصر من الجيش المصري في القتال “ضد الأرهاب” إلى جنب مع قوات النظام السوري، حيث أشارت إلى إن العلاقات السورية المصرية تشهد تطورا في الفترة الأخيرة، خاصة بعدما أكدت مصادر موثوقة؛ التعاون العسكري الذي يجمع بين الجانبين على الأراضي السورية.
الصحيفة نقلت عن مصدر من الجبش الروسي وجود عدد من القوات التابعة للجيش المصري في سوريا، موضحة أن جميع الأطراف المنخرطة في الحرب في سوريا؛ تدرك أن التدخل المصري في هذا الصراع، سيغير الكثير من المعطيات في المشهد السياسي والعسكري في سوريا، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر، وردت معلومات مؤكدة –بحسب الصحيفة الروسية- تفيد بهبوط طيارين عسكريين مصريين في مطار حماة السوري، في إطار عمليات الدعم العسكري، كما نشرت مجموعة من التقارير التي تؤكّد المحادثات التي جمعت كبار الدبلوماسيين المصريين مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم
كما نقلت أيضًا عن وسائل إعلام عالمية أنه لايمكن إنكار وجود قوات عسكرية أجنبية على الأراضي السورية، خاصة من تلك البلدان التي تحكمها مصالح إقليمية وجيوسياسية في المنطقة، على غرار مصر.
إرسال عسكريين مصريين ليس هو الحل الوحيد أمام القاهرة للخروج من هذا المأزق، إذ أن هناك حزمة من البدائل الأخرى التي من الممكن أن تغازل بها السلطات المصرية الرياض وواشنطن على حد سواء دون خسارة أي منهما
وفي السياق ذاته نقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية في نفس التوقيت تقريبًا، عن مصادر صحفية إيفاد قوات عسكرية مصرية إلى سوريا، في إطار مكافحة الإرهاب والتعاون والتنسيق العسكري مع الجيش السوري، إضافة إلى ما كشفته صحيفة “السفير” اللبنانية، من أن 18 طيارًا مصريًا، انضموا مؤخرًا إلى قاعدة حماة الجوية السورية
الوكالة استندت في التأكيد على تصريحات مصادرها إلى الزيارة التي قام بها اللواء علي المملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، للقاهرة بداية نوفمبر2016 ،في أول زيارة معلنة لمسؤول سوري بارز، حيث أجرى لقاءات مع كبار المسؤولين المصريين، ومن الممكن أن يكون الجانبان قد اتفقا خلال الزيارة على زيادة التعاون العسكري بينهما.
وفي المقابل استنكرت القاهرة حينها تلك الأنباء شكلا ومضمونا، كما جاء على لسان السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية: إن “الحديث عن إرسال قوات عسكرية مصرية إلى سوريا لا يمت للواقع بصلة”، نافياً “وجود أي قوات مصرية في سوريا”، مؤكدا أن بلاده ترى ان الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء الازمة السورية.
وفي ذات السياق أجاب دميتري بيسكوف، الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي، مجيبا عن سؤال بشأن احتمال مشاركة عسكريين مصريين في العمليات ضد الإرهاب في سوريا: “ليست لدينا أي معلومات حول هذا الموضوع”.
زيارة المملوك للقاهرة فسرها البعض تنسيق للتعاون العسكري المصري السوري
هل تستجيب القاهرة؟
رغم ما أثير في السابق بشأن إرسال قوات من الجيش المصري إلى سوريا حتى وإن نفته خارجية نظام السيسي، إلا أن التطورات الأخيرة والمستجدات التي طرأت على الساحة المصرية والإقليمية وحتى الدولية ، ساهمت بشكل كبير في إعادة رسم خارطة الأولويات لكافة الدول، ومنها القاهرة، ما يجعل من عملية المشاركة الفعلية في هذا التوقيت ليست بالأمر السهل كما يتوقع البعض.
وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري، النائب يحيى الكدواني، رغم ترحيبه بمشاركة قوات بلاده في سوريا، إلا أنه اشترط لذلك ضرورة أن يكون تحت المظلة الدولية ووفقاً للقرارات الأممية ذات الصلة، وهو ما عزاه البعض محاولة لإمساك العصا من المنتصف، خاصة وأن إصدار قرار دولي بضرب سوريا بات دربا من المحال في ظل وجود الفيتو الروسي المعرقل لمثل هذه القرارات الأممية.
أشارت الصحيفة إلى انشغال الجيش المصري، أحد أكبر جيوش الشرق الأوسط، في القتال ضد الجماعات المسلحة في سيناء والصحراء الغربية بطول الشريط الحدودي مع ليبيا
الكدواني في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” قال: “سنرحب بأي دور مصري في سوريا بهدف حماية التراب السوري والحفاظ على وحدة الأراضي السورية وتحقيق إرادة الشعب السوري، ولكن أي مشاركة مصرية على الأراضي السورية يجب أن تكون تحت مظلة المجتمع الدولي، أي عبر مجلس الأمن والأمم المتحدة”، مضيفًا أن “إرسال قوات مصرية للخارج أمر ينظمه الدستور، فيجب أن ينعقد مجلس الدفاع الوطني الذي ينظر في الأمر ثم يطرح الأمر على البرلمان ويتخذ القرار بناء على ذلك”، مؤكدًا : “حتى الآن لم يطرح على البرلمان شيء من هذا القبيل”.
عدد من الصحف المصرية تعاملت مع طلب ترامب بشيئ من الحذر، منها صحيفة “فيتو” الخاصة، والتي وصفت تصريحات الرئيس الأمريكي بـ “الفخ” الذي يستهدف توريط الجيوش العربية عامة والمصرية على وجه الخصوص في سوريا.
الصحيفة وإن كانت تخشى تداعيات انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في ظل تربص ميليشيات الأسد المدعومة إيرانيًا وروسيا، إلا أنها ترى في الوقت ذاته أن “حساسية المناطق التي تتواجد بها قوات أمريكية ويطالب ترامب بدخول جيوش عربية تحل محلها، تثير المخاوف من “فخ” ينصبه ترامب للدول العربية وخصوصا مصر بهدف توريط الجيوش العربية في مستنفع سوريا”.
يأتي هذا في الوقت الذي تشير فيه صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى انشغال الجيش المصري، أحد أكبر جيوش الشرق الأوسط، في القتال ضد الجماعات المسلحة في سيناء والصحراء الغربية بطول الشريط الحدودي مع ليبيا، وهي الحرب التي أنهكت الكثير من قدرات القوات المسلحة المصرية طيلة السنوات الماضية في ظل تمدد تلك الجماعات وتطور مستوى قتالها ما بين الحين والآخر.
بات من الصعب – وفق محللين – استنزاف المزيد من قدرات الجيش المصري في معارك أخرى، لاسيما وإن كانت خارجية
رغم إعلان الجيش المصري الحرب على تلك الجماعات في سيناء منذ 2014 وفرض حالة الطوارئ الكاملة، إلا أن مصر تعرضت خلال 3 سنوات فقط (2014-2015-2016) إلى ما يقرب من “1062”، وذلك بحسب دراسة لمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.
في تقرير سابق لـ “نون بوست” كشف عن ملامح التحول النوعي في عمليات التنظيمات المسلحة سواء المتعلقة بالتحول الجغرافي في العمليات والتي انتقلت من شمال سيناء إلى جنوبها كما هو الحال في استهداف كمين سانت كاترين في الـ18 من أبريل العام الماضي، أو الانتقال من سيناء إلى العاصمة وأجوارها، حيث استهداف كنيسة البطرسية بوسط القاهرة ديسمبر الماضي وكنيستي طنطا (غرب القاهرة) والإسكندرية منذ سبعة أشهر، هذا بخلاف مذبحة الواحات الأخيرة وما تلاها من مذبحة الروضة التي خلفت ما يزيد عن 300 قتيلا، وهو ما استنزف حصة كبيرة من قدرات الجيش المصري.
الاهتمام العسكري المصري الأن ينصب في المقام الأول على محاربة الجماعات المسلحة ولعل العملية الشاملة “سيناء 2018” والتي تدخل شهرها الثالث تعكس هذا التوجه الذي بات فيه من الصعب – وفق محللين – استنزاف المزيد من قدرات الجيش في معارك أخرى، لاسيما وإن كانت خارجية.
الحرب ضد الجماعات المسلحة في سيناء أرهقت الجيش المصري
التحفظ المصري على إرسال قوات عسكرية لسوريا ربما يضع نظام السيسي في موقف حرج مع حلفاءه في المنطقة، سواء كانت أمريكا من جانب أو الإمارات والسعودية من جانب أخر، خاصة بعد إعلان الأخيرة استعدادها للمشاركة في أي عملية داخل سوريا حالة توسعة التحالف وفق ما جاء على لسان وزير خارجيتها.
يمكن للقاهرة الإسهام بأساليب أخرى في هذا الأمر، بينها تدريب مقاتلين سوريين خارج سوريا، أو تقديم الدعم اللوجستي فقط
التجارب التاريخية لإرسال قوات مصرية للخارج في العصر الحديث قوبلت بهجوم حاد ما يدفع أي نظام سياسي مهما كانت خلفياته وأيديولوجياته أن يعيد النظر في الإقدام على مثل هذه الخطوة التي كان لها دورا محوريًا في تراجع شعبية الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر رغم ما كان يتمتع به من جماهيرية حين أرسل قواته إلى اليمن، حتى الرئيس الأسبق حسني مبارك حين فكر في إرسال قوات في حرب الخليج كان الأمر مربوطًا بمنح ودعم مادي ومع ذلك قوبل أيضًا باستهجان شعبي كبير، ولعل تحفظ الجيش المصري على إرسال قوات إلى اليمن- إلا في الحد الأدنى- استجابة للطلب السعودي في المشاركة في قوات التحالف يشير إلى أن هذا القرار ليس هينًا.
إرسال عسكريين مصريين ليس هو الحل الوحيد أمام القاهرة للخروج من هذا المأزق، إذ أن هناك حزمة من البدائل الأخرى التي من الممكن أن تغازل بها السلطات المصرية الرياض وواشنطن على حد سواء دون خسارة أي منهما، وهو ما أشار إليه عدد من الخبراء الذين اقترحوا إسهام القاهرة بصور مختلفة، حال رفضها إرسال قوات إلى سوريا، إذ يمكنها الإسهام بأساليب أخرى، بينها تدريب مقاتلين سوريين خارج سوريا، أو تقديم الدعم اللوجستي، وهو ما يحافظ لها على شعرة معاوية في علاقاتها مع حلفاءها في المنطقة.