في الوقت الذي تتوجّه فيه أنظار التونسيين إلى الحملة الدعائية للانتخابات المحلية القادمة المزمع اجراؤها في السادس من مايو/أيار المقبل، صعّدت المركزية النقابية في البلاد هجماتها ضد حكومة يوسف الشاهد التي تعدّ أيامها الباقية في القصبة وفقا لعديد المؤشرات التي تؤكّد قرب تغيرها بحكومة أخرى.
التحضير لسيناريوهات ما بعد الشاهد
هذا التصعيد تزامن مع اجتماع لجنة خبراء “وثيقة قرطاج2″، المكلفة ببحث مصير الحكومة وإعداد خريطة طريق وبرنامج عمل للحكومة التونسية القادمة، خلال الفترة التي تفصلها عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبرمجة لسنة 2019، خاصة ما يتعلق بالسياسات الاجتماعية وتمويل الاقتصاد، ودفع الاستثمار وخلق فرص العمل، ودفع النمو، من خلال تشجيع الاستثمار والتصدير.
إلى الآن لا يعرف هل سيشمل التحوير حكومي كامل الحكومة بما في ذلك يوسف الشاهد أم أنه سيقتصر على بعض الوزارات فقط
ولئن لم يخرج عن هذا الاجتماع ما يفيد الحسم في مصير حكومة يوسف الشاهد، فإن القضايا التي تمّ تناولها في هذا اللقاء يؤكّد التحضير لسيناريوهات ما بعد الشاهد، فهذه اللجنة قد أنهت صياغة الأولويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لـ”وثيقة قرطاج 2″، ومن المنتظر أن تقدمها إلى رئاسة الجمهورية والأحزاب والمنظمات النقابية والاجتماعية الموقعة على “وثيقة قرطاج”.
ووفقا لمتابعين للشأن التونسي، فإن قادة “وثيقة قرطاج2” من أحزاب ومنظمات سيشرعون مباشرة إثر تقديم اللجنة لخلاصة أعمالها، في رسم ملامح التشكيل الحكومي الجديد، غير أنه إلى الآن لا يعرف هل سيشمل التحوير حكومي كامل الحكومة بما في ذلك يوسف الشاهد أم أنه سيقتصر على بعض الوزارات فقط.
إلى ما بعد الانتخابات؟
إطالة أمد المداولات والنقاشات داخل لجنة وثيقة قرطاج، التي بدأت أعمالها في الـ 19 من شهر مارس/آذار الماضي، يؤكّد حسب عدد من الخبراء، رغبة ضمنية من قبل حركتي نداء تونس والنهضة لترحيل المسائل الخلافية المُرتبطة ببقاء أو رحيل الحكومة الحالية إلى ما بعد الانتهاء الانتخابات المحلية القادمة.
وتسعى حركتي النداء والنهضة الماسكتين بزمام الحكم في البلاد، للإبقاء على يوسف الشاهد رئيسا للحكومة إلى ما بعد الانتخابات المحلية، خوفا من أي طارئ يمكن أن يشكّل عائقا أمام انجاز هذه الانتخابات التي تعدّ الأولى من نوعها في البلاد بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011. وتخشى أطراف الحكم في البلاد من تمادي حالة الفراغ السياسي إن تم تغيير حكومة يوسف الشاهد الأن، كما تخشى أيضا التعطيل التي قد يطال مؤسسات وأجهزة الدولة، مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي.
يصر “النداء” و”النهضة” على تأجيل الحديث عن الحكومة لما بعد الانتخابات
يعتبر قرار الانتظار لما بعد الانتخابات، قرار حركة النهضة من البداية، حيث سبق أن عرض زعيم الحركة راشد الغنوشي على الرئيس الباجي قائد السبسي، هذا الموقف الذي يُشدد على ضرورة الانتظار إلى ما بعد الانتخابات المحلية بأسبوع أو أسبوعين ليُبنى على نتائجها من أجل تشكيل حكومة جديدة من صيغتين.
وتنصّ الصيغة الأولى على “حكومة كفاءات”، مثلما كان الشأن سنة 2014 ما حكومة مهدي جمعة، تكون خالية من أي تمثيل مباشر للأحزاب السياسية، وتكون مهمتها تنفيذ مقررات خارطة الطريق الجديدة، والتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية للعام 2019، والثانية تقول بـ”حكومة سياسية” تُشارك فيها الأحزاب على قاعدة تمثيلها البرلماني.
ويرى خبراء تونسيون، أن ولادة التعديل الوزاري ستكون عسيرة، نظراً إلى الاختلاف الكبير بين الأحزاب والمنظمات الوطنية (اتحاد الشغل، اتحاد الصناعة، اتحاد الفلاحة)، فأمام الرئيس السبسي مهمة شاقة تنتظره، تتمثّل في تقريب وجهات النظر بين قادة “اتفاق قرطاج 2” لرسم ملامح الهيكلة الحكومية الجديدة، قبل انطلاق المشاورات بشأن الأسماء والحقائب، ومن ثم التوصل إلى صيغة ترضي الأحزاب الحاكمة وهذه المنظمات على رأسها اتحاد الشغل.
اتحاد الشغل يصرّ على التغيير
قبل فترة قليلة، كان يوسف الشاهد يستمدّ قوته من اتحاد الشغل بالدرجة الأولى، حتى إنه كان يصرّح بذلك خلال لقاءاته مع المسؤولين، ولكن القرارات والإجراءات الأخيرة التي اتّخذها فيما يتعلّق بالوضع الاقتصادي ورضوخه لشروط صندوق النقد الدولي، عجّلت بتوتّر العلاقة بين الطرفين.
وحرص نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام للشغل، في جولاته الأخيرة في مختلف مناطق البلاد إلى تأكيد تمسّك المركزية النقابية بضخ دماء جديدة في حكومة الوحدة الوطنية، وإجراء تعديل حكومي يتم من خلاله استبعاد مجموعة من الوزراء والمستشارين وكتاب الدولة، الذين يمثلون عبئاً على الدولة، وباتوا مصدراً للتوتر والفتن، وفق قوله.
ترى أوساط سياسية في البلاد، أن الشاهد يدفع ثمن تمرده على السبسي، وثمن طموحه السياسي
وكان الطبوبي، قد أكد في تصريحات سابقة أن الاتحاد ملتزم بالحوار الوطني، وبإعداد ما يسمى “وثيقة قرطاج 2” بهدف تحديد الأولويات، ليتم على ضوء ذلك النظر في تشكيلة الحكومة للفترة المتبقية من الحكم. مبرزا أنه بعد الانتهاء من تحديد الأولويات سيبدأ حينئذ مناقشة ملامح الفريق الحكومي المرتقب، على حد قوله.
وقبل ذلك قال الأمين العام للاتحاد للشغل، إن “الحكومة تعاني العديد من المكبّلات، ما يجعلها حكومة تصريف أعمال”، وأضاف: “الفريق الحكومي يتحمل المسؤولية بما أنه يقود البلاد. النجاح والفشل يُنسبان إلى ربان السفينة”. وقال الطبوبي، إن “التعديل الحكومي سيتم اليوم أو غداً”، مشيراً إلى أن حكومة الشاهد “خالفت التعهدات التي قطعتها، ولم تتحرك لاحتواء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجه البلاد وتواتر موجة الاحتجاجات الاجتماعية وسلسلة الإضرابات في أكثر من قطاع، كالصحة والفسفات والتعليم”.
اتسمت العلاقة بين نور الدين الطبوبي ويوسف الشاهد مؤخرا بالفتور
ويدعو اتحاد الشغل إلى إلغاء كتابات الدولة (مساعدي الوزراء) وتشكيل حكومة مضيقة، والتعويل على التكنوقراط لتسيير الفترة المتبقية قبل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في العام 2019، إذ يعتبر الاتحاد أن المحاصصة الحزبية والتسميات على أساس الترضيات، أدت إلى انعدام الانسجام بين الفريق الحكومي.
الشاهد يفقد الحزام الداعم
هذه التطورات المتعاقبة، تؤكّد بما لا يعد مجالا للشكّ فقدان يوسف الشاهد آخر حزام سياسي داعم له ولحكومته، والمتمثل في اتحاد الشغل، بعد أن خسر سابقا أكثر من حزب (الحزب الجمهوري، آفاق تونس) انسحب من حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بموجب اتفاق وثيقة قرطاج.
وترى أوساط سياسية في البلاد، أن الشاهد يدفع ثمن تمرده على السبسي الذي رشحه على رأس الحكومة، وثمن طموحه السياسي غير المعلن في الترشح للانتخابات الرئاسية، رغم تراجعه عن ذلك وإعلانه عن دعم السبسي في حال قرر الترشح خلال انتخابات 2019.