يبدو أن مسلسل التصفيات في شرق ليبيا بدأ مبكرًا حتى قبل أن يُسدل الستار على مصير اللواء المتقاعد خليفة، وذلك ما كشفت عنه محاولة اغتيال اللواء عبدالرازق الناظوري رئيس أركان الجيش التابع لحفتر، والتي تضر بمساعي رأب الصدع في ليبيا، بينما تصب في مصلحة دول أخرى لا سيما مصر والإمارات.
وعلى وقع الغموض الذي يكتنف مصير حفتر ثارت التكهنات بشأن من سيخلفه، بات الناظوري مرشحًا لمنصب حفتر القائد العام لقوات “عملية الكرامة”، بل منافسًا للمرشحين المدعومين سياسيًا وعسكريًا من أبوظبي والقاهرة المواليتين لقوات حفتر، ما يثير التساؤلات حول المستفيد من محاولة اغتياله.
الناظوري.. الرجل الثاني في جيش حفتر
هذا الرجل وصل إلى بيته في مدينة المرج، لكن بعد أن قُتل طفل وأصيب شخصان أحدهما عسكري في انفجار سيارة مفخخة في المدخل الشرقي لمدينة بنغازي بمنطقة سيدي خليفة فور مرور موكب الناظوري، لكن الناظوري نجا من محاولة الاغتيال بحسب وصف أحمد المسماري الناطق باسم قوات حفتر.
ويعد الناظوري المنتمي لمدينة المرج (تبعد110 كيلو متر شرق طرابلس) الرجل الثاني في الجيش الليبي الذي يقوده حفتر، وهو أيضا الحاكم العسكري للمنطقة الممتدة من مدينة درنة شرقي ليبيا وحتى بلدة بن جواد غربي الهلال النفطي بقرار من مجلس النواب الليبي؛ وهي المنطقة الأخيرة المستعصية خارج قوات حفتر في شرقي البلاد.
الناظوري أحد مؤسسي قوات “عملية الكرامة” التي باتت تعرف بـ”الجيش الوطني الليبي”
شارك الجنرال ذو رتبة اللواء العسكرية في محاولة إسقاط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي سنة 1993، وعلى إثرها سُجن لمدة 13 عاما؛ ليخرج بعدها ويلتحق بالثورة الليبية عام 2011، التي أطاحت بحكم القذافي في العام نفسه.
سبق أن تقلد الناظوري منصب معاون الحاكم العسكري في الجنوب الليبي، وآمر كتيبة الردع في مدينة المرج، وفي بداية الثورة الليبية جمع الدبابات من المنطقة الشرقية وشكل كتيبة الأوفياء مع مجموعة من الضباط من ضمنهم أبناؤه الاثنين الذين قُتلوا؛ أحدهما في معركة تحرير بنغازي، والثاني على متن طائرة عسكرية في الأحداث الليبية.
كان الناظوري أحد مؤسسي قوات “عملية الكرامة” التي باتت تعرف بـ”الجيش الوطني الليبي”، حيث احتضنها في كتيبته بالمرج، ليتولى رئاسة أركان الجيش بتعيين من مجلس النواب الليبي في 24 أغسطس 2014، تحت قيادة اللواء الراحل عبد الفتاح يونس، إلى أن جاءت محاولة اغتياله.
كلمة الناظوري عقب نجاته من محاولة اغتيال في بنغازي
محاولة اغتيال الناظوري.. فتش عن المستفيد
تُلقي محاولة اغتيال الناظوري الضوء مجددًا على الانقسامات التي راج الحديث عنها في خريطة قوات حفتر، بما تتضمه من صراعات سياسية وعسكرية وقبلية، وهي انقسامات تسطيل لتشمل تكتلات البرلمان في طبرق والحليفين البارزين لحفتر وهما الإمارات ومصر.
وهناك معلومات ذات دلالة بالغة في هذا الصدد، إذ لا يمكن الفصل بين مصير حفتر ومحاولة الاغتيال، إذ سرَّع ما جرى لحفتر إلى عملية تقسيم الإرث التي أدت إلى حرب الأنداد بتصفية بعضهم البعض، رغم أن الوكيل يقع خارج المشهد الليبي، ما يفسر ظهور خيوط اللعبة التي تديرها الإمارات ومصر لترسيخ النموذج العسكري الوراثي القائم على الحاكم المتغلب على السلطة العسكرية المتعلقة بأجندات تقع خارج الدولة.
https://twitter.com/NabaaTVChannel/status/986615076177219584
صور متداولة للتفجير الذي استهدف موكب عبدالرازق الناظوري
كما تأتي محاولة الاغتيال عقب أيام من تدوال أنباء تفيد بصدور قرار بتكليف عبدالرازق الناظوري بمهام القائد العام للقوات المسلحة الليبية ورئاسة الغرفة الأمنية المركزية المشتركة بمدينة بنغازي، خلفًا للمشير خليفة حفتر، وهي أنباء نفاها مدير المكتب الإعلامي للحاكم العسكري في مدينة المرج شرقي البلاد، مالك الشريف.
ويرى مراقبون أن محاولة اغتيال الناظوري الفاشلة تقف وراءها أجهزة مخابرات لها نفوذ واسع بشرق ليبيا الذي تسيطر عليه قوات حفتر، مدعومة من أجهزة المخابرات التابعة للنظام العسكري في مصر، وكذلك المخابرات الإماراتية صاحبة النفوذ القوي على مليشيا حفتر، إضافة إلى المخابرات الفرنسية والإيطالية, صاحبتي النفوذ الكبير في ليبيا.
أبوظبي والقاهرة ترغبان في اختيار أحد ثلاثة أشخاص – ليس من بينهم الناظوري- لخليفة حفتر، وهم: اللواء المساعد لحفتر وأحد أبناء عمومته عوني الفرجاني، وقائد غرفة العمليات العسكرية لعملية الكرامة عبد السلام الحاسي
الناظوري خارج حسابات الإمارات ومصر
تتسابق أبو ظبي والقاهرة الزمن لترتيب مرحلة ما بعد حفتر، وشكلت البلدان، اللتان تدعمان حفتر، خلية أزمة بقيادة مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان، ورئيس اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا اللواء محمد الكشكي، للبحث عن بدائل لحفتر.
وتفيد الأنباء بأن أبوظبي والقاهرة ترغبان في اختيار أحد ثلاثة أشخاص – ليس من بينهم الناظوري- لخليفة حفتر، وهم: اللواء المساعد لحفتر وأحد أبناء عمومته عوني الفرجاني، وقائد غرفة العمليات العسكرية لعملية الكرامة عبد السلام الحاسي، دون أن يغيب عن المشهد خالد حفتر نجل اللواء المتقاعد والطامح لخلافة والده ولو بعد حين، فهو يقود ميليشيا قوية دعمتها الإمارات خلال الفترة الماضية بالمعدات والأسلحة وهي الأقوى على الأرض في المنطقة الشرقية.
وتدخل الاستخبارات الفرنسية على الخط للبحث عن بديل، وكشف الكاتب والسياسي الليبي محمد بويصير، المستشار السياسي السابق للواء خليفة حفتر، أن الفرجاني مع أربعة من أولاد المشير حفتر، منهم ابنه صدام، يبحثون الآن بإشراف المخابرات الخارجية الفرنسية، حسم موضوع الخلافة، وهم لا يريدون رئيس الأركان الحالي، عبد الرزاق الناظوري، ويرشحون اللواء عبد السلام الحاسي، آمر غرفة العمليات بقوات حفتر.
وترفض الإمارات ومصر أن يحل الناظوري محل حفتر حيث يعتقد الإماراتيون خصوصا أنه محسوب على رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الذي أكد مقربون منه أن الناظوري هو المعني حاليًا بتسيير العمليات العسكرية، وهذا مؤشر على احتمال انهيار “عملية الكرامة” من داخلها بعد أن اتضح أنها كانت قائمة على شخص لا على منهج أو مشروع لبناء مؤسسة عسكرية.
الإمارات ترى في خالد حفتر أنه الأفضل، رغم أنه ليس عسكريًا
ويرى البعض أن هناك خلافًا بين مصر والإمارات حول التفضيل بين البدائل الثلاثة، فمصر ترى في عبدالسلام الحاثي خليفة لحفتر لأنه رجل عسكري ويتمتع بعلاقات جيدة مع القيادة العسكرية المصرية، وحفاظًا على مصالحها لن تفرط في نفوذها الكبير بالمنطقة الشرقية.
أما الإمارات ترى في خالد حفتر أنه الأفضل، رغم أنه ليس عسكريًا فقد ألبس رتبه عسكرية برتبة رائد، إلا أنها لا تريد أن تفرط في أسرة حفتر التي أنفقت فيها ملايين الدولارات عبر طحنون ابن زايد الذي تشير المعلومات أنه يجتمع مع صالح لإقناعة بتكليف خالد خفتر بدلا من والده.
كما دفعت أبوظبي أموالاً ضخمة لتحقيق مصالحها ومكاسبها وعلى رأسها قاعدة عسكرية على البحر المتوسط تمتلكها وتديرها، وتقع في منطقة خربة على بُعد 120 كيلو متر تقريبًا من بنغازي، لذلك تريد تكليف خالد حفتر ليكون صمام أمان للمشروعات الإماراتية في المنطقة الشرقية.
قيادات عملية الكرامة بمقرها في بنغازي عام 2016
خليفة لحفتر.. الناظوري في المقدمة
مع هذا الكم من الممحاكات السياسية التي يديرها حلفاء حفتر، تبدو حظوظ الناظوري عالية من حيث التقاليد العسكرية، لكن قربه من عقيلة صالح قد يدفع به خارج السباق بسبب الجفوة التي تبطنها أبو ظبي والقاهرة لصالح، والتي لم تمنع استدعاءه إلى أبو ظبي في زيارة سرية بطلب من الإمارات، وهي زيارة حاول مقربون منه ثنيه عن المضي فيها والاستجابة لأبو ظبي تجنبا لتعرضه لأي ضغوط.
لكن غياب حفتر ربما يفتح المجال أمام عقيلة صالح وعبدالرازق الناظوري للعودة إلى المشهد بعد أن احتكر حفتر على مدار السنوات الماضية التفاوض مع رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج من خلال وسطاء وزعماء دوليين، ويمنع في الوقت نفسه القادة العسكريين والأمنيين من التعامل والتواصل مع حكومة الوفاق لعدم شرعيتها.
وكان صالح مكبلاً بالسيطرة العسكرية لخليفة حفتر، وله تجربه مريرة مع تهمشه سياسيًا في الشرق الليبي، وهذا واضح من الموافقة السريعة لصالح على دعوة الرئيس الجديد للمجلس الأعلى للدولة خالد المشري للقائه في الصخيرات منذ أيام.
لعل ما يؤكد أن صالح تحرر من قيود حفتر، أن المشري هو مرشح حزب العدالة والبناء المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنت عملية الكرامة الحرب عليها، وكانت الدول الثلاث (الإمارات والسعودي ومصر) تدعم حفتر ماليًا وعسكريا في إطار سعيها للقضاء على أي نفوذ لإخوان ليبيا؛ في موقف يصب ضمن توجهها العام المعادي لكل جماعات الإسلام السياسي، وللقوى التي قادت ثورات الربيع العربي في 2011.
تزيد فرص الناظوري لخلافة لحفتر مع دعم قبيلة العواقير -إحدى كبريات قبائل بنغازي في الشرق الليبي
وذكرت مصادر مقربة أن عقيلة صالح أبلغ مقربين منه أن الناظوري هو المعني حاليا بتسيير العمليات العسكرية، وأضافوا أن صالح قد يلغي منصب “القائد العام للجيش” ويبقي على منصب رئيس الأركان، في إشارة إلى تمسكه بالناظوري.
كما تزيد فرص الناظوري لخلافة لحفتر مع دعم قبيلة العواقير -إحدى كبريات قبائل بنغازي في الشرق الليبي- التي من المتوقع أن تستعيد نفوذها بعدما عمل حفتر على إقصائها وتهميشها، في الوقت الذي يحاول فيه أبناء اللواء المتقاعد دعم رئيس غرفة عملية الكرامة اللواء عبد السلام الحاسي.
في المقابل، فإن قبائل الشرق ترى قبيلة الفرجان التي ينتمي إليها حفتر وتعود جذورها لغرب ليبيا “أقلية”؛ مما سيجعل فرص المدعومين من قبلها كنجل حفتر “ضعيفة”، الأمر الذي يعزز يغزز التوقعات حول اصطدام الكتيبة 106 بإمرة خالد خليفة حفتر، بعدة كتائب أبرزها كتيبة الصاعقة وقبيلة العواقير، بسبب دعم الناظوري كقائد عام للجيش.
إلى جانب ذلك، فإن تصدعات عدة اعترت معسكر عملية الكرامة في شرق ليبيا، منها ما أبداه رموز من التيار الليبرالي المعروف بدعمه لحفتر من تبرمهم من طمسه مدنية الدولة وحرية التعبير، وذلك بإنشاء وحدات أمنية لمكافحة ما يسمى الإرهاب الإلكتروني وإطلاق يد التيار السلفي لمصادرة الحريات الشخصية فضلا عن إقالة عمداء بلديات منتخبين وتعيين عسكري بدلا منهم أحمد خليفة الجزيرة طرابلس.
وبغض النظر عن الشخصية التي ستخلف حفتر، فإنها ستفتقد للطموح السياسي، بحسب مراقبون، يرون أيضًا أن حفتر أراد أن يكون رئيسًا لليبيا، أما البديل له فسيكون أقصى طموحه أن يكون له دور ما في المرحلة المقبلة.