ترجمة وتحرير: نون بوست
مؤخرا، اتخِذ إجراء قانوني نادر الحدوث ضد مسؤولين حكوميين إيطاليين ومصنع أسلحة كبير في أوروبا، على خلفية المزاعم التي تفيد بتورطهم في القصف الجوي الذي أودى بحياة الآلاف من المدنيين في اليمن. ومدعوما بمكتب المدعي العام في روما، تقدم تحالف يضم منظمات حقوق إنسان من ألمانيا وإيطاليا واليمن، يوم الثلاثاء الفارط، بشكوى ضد مسؤولين من وزارة الخارجية الإيطالية وفرع شركة “راينميتال” الألمانية في إيطاليا “آر دبليو إم”، بسبب بيع أسلحة إلى المملكة العربية السعودية.
في الواقع، لقد تم الإعلان عن هذه الخطوة في مؤتمر مشترك لهذه المنظمات عُقد في روما يوم الأربعاء الماضي. وتقود المملكة العربية السعودية تحالفا يدير حملة قصف موجه ضد اليمن. ويبدو أن عمليات القصف الممنهجة كانت بمساعدة مستشارين عسكريين بريطانيين وموجهة بصفة أساسية لاستهداف الحوثيين.
في المقابل، أخفقت المواجهات الأخيرة التي قادتها منظمات حقوق الإنسان والمنظمات المناهضة للتسلح في المملكة المتحدة وبلدان أوروبية أخرى، لأنها كانت تميل لأن تكون على نطاق واسع للغاية. وفي خضم هذا التحدي القانوني في إيطاليا، تأمل المجموعات الحقوقية التي تصعّد من نشاطها أن تحقق ما تصبوا إليه، من خلال التركيز على حادثة معينة. وفي هذه الحالة، يسعى القائمون على هذه الدعوى القضائية إلى التركيز على عملية قصف جدت في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر سنة2016 وأسفرت عن مقتل ستة أشخاص، من بينهم أربعة أطفال.
لقد رُفعت الدعوى القضائية بشكل مشترك بين المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان الذي يتخذ من برلين مقرا له، ومنظمة مواطنة لحقوق الإنسان اليمنية، فضلا عن شبكة نزع السلاح الإيطالية. كما بادرت هذه الجماعات الحقوقية بمطالبة المدعين العامين بالتحقيق فيما إذا كان لمسؤولي وزارة الخارجية الإيطالية المكلفين بتفويض صادرات الأسلحة، ومديري شركة “آر دبليو إم إيطاليا”، يد في مبيعات الأسلحة المزعومة إلى التحالف الذي تقوده السعودية. وفي الأثناء، سعى مراسلو صحيفة الغارديان إلى الاتصال بشركة “راينميتال” للرد على هذه المزاعم، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
صرحت المحامية الهولندية ليندي بريك، بأن “ما يجعل هذه الحالة استثنائية هو الشظايا التي عُثر عليها في الموقع الذي تعرض للقصف الجوي.”
في سياق متصل، أفادت منظمة مواطنة أنها عثرت على عروة تعليق لحمل القنابل أثناء تفتيشها لموقع الهجوم الذي شُن على قرية دير الجاري في الحديدة شمال غرب اليمن، سنة 2016. وطبقا لما ورد في الشكوى، تم التعرف على الرقم التسلسلي الموجود على العروة وتبين أنه جزء من مجموعة تم تصنيعها من طرف شركة “آر دبليو إم إيطاليا” في شهر حزيران/ يونيو سنة 2014. والجدير بالذكر أن المقر الرسمي للشركة يتمركز في مدينة غيدي شمالي إيطاليا، فيما تحتضن جزيرة سردينيا مرافق الإنتاج.
خلال السنة المنصرمة، عملت منظمة مواطنة اليمنية، التي أكدت أن ممثليها وصلوا إلى موقع القصف بعد يوم واحد من الحادثة بغية إجراء مقابلات مع شهود عيان وجمع الأدلة، على إرسال الصور التي التقطتها إلى الوكالة القومية المشتركة للأنباء الإيطالية.
حيال هذا الشأن، صرحت المحامية الهولندية ليندي بريك، التي سبق لها العمل في جمهورية كوسوفو وتعمل حاليا مع المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان، بأن “ما يجعل هذه الحالة استثنائية هو الشظايا التي عُثر عليها في الموقع الذي تعرض للقصف الجوي. وتكتسي هذه الحادثة بعدا رمزيا لأنها لا تقتصر فقط على دور إيطاليا، بل تطرح تساؤلات حول مسؤوليات الحكومات الأوروبية ومصنعي الأسلحة الأوروبيين في العواقب التي تنجر عن تصدير الأسلحة التي يستخدمها التحالف الذي تقوده السعودية لقصف اليمن”.
إلى جانب ذلك، استطردت المحامية قائلة إن المغزى من هذه القضية تسليط الضوء على حقيقة أن مجرد الحصول على إذن تصدير حكومي لبيع الأسلحة لا يحمي هذه الشركات ويجعلها بمنأى عن تحمل المسؤولية. وفي حين يتمتع السياسيون والمسؤولون العسكريون بدرجة عالية من الحماية ضد الملاحقة القضائية، يأمل أولئك الذين رفعوا الدعوى صدور قانون ينص على عدم استثناء المسؤولين، الذين يسيرون صادرات الأسلحة والشركات التي تصنعها، من المحاكمة.
في شأن ذي صلة، صرح فرانشيسكو فيغناركا الذي ينشط في شبكة نزع السلاح الإيطالية بأنه “رغم الانتهاكات التي تم التبليغ عنها في اليمن، واصلت إيطاليا تصدير الأسلحة إلى أعضاء التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، وهو ما يبدو مخالفا للقانون الإيطالي 185/1990 الذي يحظر تصدير السلاح إلى دول مشاركة في نزاع مسلح. علاوة على ذلك، يتناقض هذا الأمر مع الأحكام الملزمة للموقف الأوروبي المشترك بشأن مراقبة صادرات الأسلحة والمعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة”.
رفض المدعي العام متابعة القضية، فيمكن لهذه المجموعات الحقوقية النظر في إدراج ملف القضية لدى المحاكم العليا، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية
والجدير بالذكر أن الحرب الأهلية في اليمن قد اندلعت بعد طرد الحوثيين المدعومين من قبل إيران حكومة عبد ربه منصور هادي، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، من صنعاء سنة 2015، وهو ما أدى إلى التدخل العسكري السعودي. ومنذ ذلك الحين، عصفت بالبلاد ما اعتبر أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يحتاج ثلاثة أرباع السكان البالغ تعدادهم 22 مليون نسمة إلى المساعدات، وذلك حسب تقديرات الأمم المتحدة.
عموما، إذا رفض المدعي العام متابعة القضية، فيمكن لهذه المجموعات الحقوقية النظر في إدراج ملف القضية لدى المحاكم العليا، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المحكمة الدولية المرموقة لم تباشر بعد بإجراء تحقيقات حيال الأحداث الجارية في اليمن.
الجدول الزمني للحرب الأهلية في اليمن
سنة 2011: أدت انتفاضة مستلهمة من الربيع العربي إلى إجبار الرئيس اليمني المستبد، علي عبد الله صالح، على الموافقة على ترك منصبه.
سنة 2012: تولى عبد ربه منصور هادي، الذي كان في السابق نائبا لصالح، رئاسة الجمهورية عقب انتخابات كان هو المرشح الوحيد فيها. وقد ناضل هادي لتوحيد المشهد السياسي الذي تشوبه الانقسامات داخل البلاد، واضطر للتعامل مع انعدام الأمن الغذائي والتهديدات الصادرة عن تنظيم القاعدة.
سنة 2014: تقدم الثوار الحوثيون، الذين ينتمون إلى الطائفة الزيدية الشيعية، وبدأوا بفرض سيطرتهم على شمال البلاد، وهي المنطقة التي لطالما سيطروا عليها على مر التاريخ. وخلال شهر أيلول/ سبتمبر، تمكنوا من الدخول إلى العاصمة صنعاء، مما أدى إلى فرار الرئيس هادي إلى عدن.
في شهر حزيران/ يونيو من سنة 2016: تم إدراج التحالف الذي تقوده السعودية على قائمة الأمم المتحدة السوداء للدول والمجموعات التي تنتهك حقوق الأطفال أثناء النزاعات
سنة 2015: أجبرت قوات الثوار المتجددة الرئيس هادي على الفرار إلى المملكة العربية السعودية، التي تعتبر الحوثيين بمثابة وكلاء لإيران. وبدأت السعودية في قصف ما وصفته بالأهداف العسكرية المرتبطة بالحوثيين والقوات الموالية لصالح. وتلقت الحملة الجوية السعودية دعما من تحالف أقامته الدول العربية السنية، فضلا عن الدعم اللوجستي من طرف الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا.
في شهر حزيران/ يونيو من سنة 2016: تم إدراج التحالف الذي تقوده السعودية على قائمة الأمم المتحدة السوداء للدول والمجموعات التي تنتهك حقوق الأطفال أثناء النزاعات، مشيرة إلى تسبب المملكة العربية السعودية في حوالي 60 بالمائة من إصابات ووفيات الأطفال في اليمن.
أمام احتجاج السعودية على هذا التصنيف، اضطرت الأمم المتحدة إلى التراجع عن هذا القرار. على خلفية ذلك، حذرت منظمة هيومن رايتس ووتش من “التلاعب السياسي”. وخلال هذا العدوان، قتل ما لا يقل عن 6200 شخص، فيما نزح 2.8 مليون شخص آخر.
في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2016: أصابت ضربة جوية شنتها قوات التحالف جنازة في صنعاء، ما أسفر عن مقتل 140 شخصا. وبموجب ذلك، أعلنت الأمم المتحدة عن وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة، ولكنه خُرق من كلا الطرفين حسب بعض المزاعم.
سنة 2017: وصفت الأمم المتحدة اليمن بأنه البلد الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بعد عامين من القتال والدمار. وخلال هذه الحرب، واجه الملايين من المواطنين شبح المجاعة والتهديدات التي مثلها داء الكوليرا.
في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2017: فرضت المملكة العربية السعودية حصارا على الموانئ اليمنية عقب إطلاق صاروخ من الأراضي اليمنية، التي يسيطر عليها الثوار، تجاه الرياض. وبموجب ذلك، منعت السعودية دخول إمدادات الأدوية واللقاحات والمواد الغذائية إلى البلاد. وفي ظل هذه الأوضاع، حذر رؤساء برنامج الأغذية العالمي واليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية من أن آلاف الضحايا غير المعلن عنهم، بمن فيهم الكثير من الأطفال، سيلقون حتفهم في اليمن.
المصدر: الغارديان