30 دقيقة جمعت بين رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان، وزعيم حزب الحركة القومية، دولت باهجلي، كانت كافية لاتخاذ قرار إجراء انتخابات مُبكرة في تركيا بتاريخ 24 حزيران/يونيو القادم.
لقد جاءت فكرة إجراء الانتخابات المُبكرة على لسان باهجلي، خلال كلمته أمام أعضاء حزبه يوم الثلاثاء، 17 نيسان/أبريل، ولم يمضِ سوى يوماً حتى دعاه أردوغان للاجتماع الذي خرج بقرار الانتخابات المُبكرة. وقد أدى التوافق الكبير بين الطرفين إلى التساؤل عن أسباب هذا التحرك المفاجئ، وما هي السيناريوهات المُتوقعة لهذه الانتخابات؟
ـ أسباب تقديم موعد الانتخابات:
تعدّت الأسباب الواضحة والمُتوقعة للقرار المذكور، لكن يُمكن سرد أهم هذه الأسباب على النحو التالي:
ـ اقصاء “حزب الخير أو الصالح”: تناقلت بعض الصحف التركية وبعض الباحثين في الشأن التركي هذه النقطة على أنها السبب المباشر في تقديم موعد الانتخابات، حيث رمي باهجلي إلى، ربما، معاقبة أعضاء حزبه الذين انفصلوا عن الحزب بقيادة، ميرال أكشينار، التي أسست وتزعمت “حزب الخير”. تنص المادة 36 من قانون الانتخابات التركي على أن “الأحزاب التي تستطيع الانضمام إلى الانتخابات هي الأحزاب التي أضحت، على الأقل، قبل 6 شهور من موعد الانتخابات، تملك أعضاءً منظمين لديها، على الأقل، في نصف ولايات تركيا وبمعدل ثلث بلدات كل ولاية، وتكون قد نظّمت اجتماعات كُبرى في هذه الولايات، أو تملك كتلة برلمانية في البرلمان.”
مع تحقيق عملية “غصن الزيتون” أهدافها المنشودة، زادت هيبة أردوغان “كقائدٍ عام” للجيش وتركيا
انطلاقاً من معايير هذه المادة، يُشار إلى أن حزب الخير تأسس فعلياً في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2017، وقانونياً في 10 كانون الأول/ديسمبر 2017. بمعنى أن تاريخ تأسيس الحزب يتوافق مع المدة القانونية المُحددة لانضمامه وهي ست شهور. يبقى معيار امتلاك أعضاء منظمين في نصف ولايات تركيا؛ ويبدو أن الحزب يتوافق مع هذا المعيار، إذ يملك أعضاءً منظمين في 52 مدينة، بحسب ما أوضحه رئيس التنظيم ونائب الرئيس العام للحزب، كوراي أيدين.
ولم يخفِ المستشار السياسي الأول في الحزب، جيهان باتشاجي، احتمال اتخاذ اللجنة العليا للانتخابات قراراً بعدم دخول الحزب إلى الانتخابات، وحول ذلك صرح بخطتي ب وج:
ـ الخطة ب: الانضمام للحزب الديمقراطي ـ حزب صغير لكنه يوافي شروط المادة 36 ـ وتسمية الحزب، أي الحزب الديمقراطي، باسم جديد. وتحتاج هذه العملية لـ 15 يوم كحد أقصى. وتفي هذه المدة الغرض في اتخاذ حزب الخير قراراً بديلاً في حال أصدرت اللجنة العليا للانتخابات قراراً يقضي بعدم اكتمال أوراقه القانونية.
ـ تأسيس كتلة برلمانية: يتبع 5 برلمانيون انفصلوا عن الحركة القومية لحزب الخير، ولتأسيس كتلة برلمانية يحتاج حزب الخير لـ 15 برلماني آخر، ويمكن أن يؤسس الحزب هذه الكتلة بالاستعانة بحزب الشعب الجمهوري، بحسب ما بيّنه باتشاجي. وقد يقبل الجمهوري بهذه الخطة، لعدم تقديمه، حتى الآن، مرشحاً للرئاسة تتفق عليه أطراف المعارضة. بإيجاز، تُظهر المسوغات القانونية أنه لا عائق أبداً أمام انضمام حزب الخير للانتخابات. لكن تبقى “اللعبة القانونية” مفتوحةً لإيجاد ثغرة تمنع حزب الخير عن الانضمام للانتخابات.
تمر المناطق المجاورة لتركيا، وبالأخص سوريا والعراق، بتغيّرات تاريخية تحتاج فيها تركيا إلى استقرار سياسي داخلي في عملية اتخاذ القرار السياسي المواتي للتغيّرات المتسارعة
ـ مناخ عملية “غصن الزيتون”: خرج أردوغان الذي دأب على زيارة الجنود المشاركين في عملية “غصن الزيتون”، في قواعدهم القريبة للحدود السورية، ببزة عسكرية فتحت المجال أمام أسطوله الإعلامي لوصفه “بالقائد العام” الذي يقود الحرب بذاته. ومع تحقيق عملية “غصن الزيتون” أهدافها المنشودة، زادت هيبة أردوغان “كقائدٍ عام” للجيش وتركيا. وقد شكلت هذه الصورة قيمة سياسية ونفسية كبيرة لأردوغان في مخيّلة الشعب التركي. إذ بات اختيار هذا القائد الخيار الأمثل لنسبة كبيرة من الشعب التركي. ولا جرم في أن أردوغان وفريقه يعيان هذه النقطة، ومدى أهمية استغلالها في الوقت الذي يشهد الاقتصاد فيه تدهوراً ملموساً. ولا ريب في استناد الإعلام التركي الموالي للحكومة إلى الأسلوب “الديموغوجي” في الترويج لإنجازات أردوغان. أسلوب “ديموغوجي” يُظهره بأنه هو، ولا أحد سواه، الشخصية الأقدر على أن يكون حامي الحمى.
ـ تأثر منفعية المواطن التركي سلباً: يركن حزب العدالة والتنمية، في العادة، إلى أسلوب “الأداء والعزو” الاقتصادي في دعايته السياسية قبيل كل انتخابات. ولكنه فقد جزءً كبيراً من إمكانية الركون إلى هذا الأسلوب جراء التدهور الملحوظ الذي شهدته الليرة التركية في الآونة الأخيرة. وعلى الرغم من تحقيق الاقتصاد التركي نمواً بنسبة 7% في الربع الأول من هذا العام، إلا أن الحقيقة الاقتصادية تُشير إلى أن نسبة كبيرة من هذا النمو كان ناتجاً عن التضخم المالي “النظري” وليس التقدم الحقيقي الفعلي. ويلامس المواطن التركي، بكل يسر، هذه الحقيقة من خلال الارتفاع الملموس في الأسعار. فكان، على الأرجح، لا بد من تقديم موعد الانتخابات قبل تفاقم الأزمة التي قد تؤثر سلباً في نتيجة الانتخابات.
يُعتقد أن 40% من الشعب التركي صوت لصالح حزب العدالة والتنمية من أجل شعوره بالانتماء إليه. وإلى جانب الـ 40%، يُضاف 11.9% حصل عليها حزب الحركة القومية
ـ الظرفية السياسية الخارجية: تمر المناطق المجاورة لتركيا، وبالأخص سوريا والعراق، بتغيّرات تاريخية تحتاج فيها تركيا إلى استقرار سياسي داخلي في عملية اتخاذ القرار السياسي المواتي للتغيّرات المتسارعة، وهذا ما حدا بالحزبين “العدالة والتنمية والحركة القومية” لتقديم موعد الانتخابات.
ـ النتائج المُتوقعة لما بعد إصدار القرار:
ـ فوز أردوغان بالرئاسة: وتلعب الهوية الفكرية دوراً كبيراً في احتمال نجاح هذا السيناريو. إذ تُعدّ عاملاً مهماً في استقطاب ثلة واسعة من الشعب للتصويت لصالح مشروع سياسي معين، حيث أن كثير من الشعب يصوت لصالح حزب أو شخصية سياسية بدون الرجوع إلى فحوى البرنامج السياسي “العقلاني” المعروض من قبل الحزب الذي يحاكي تصوراتهم الفكرية. وفيما يُشار إلى احتمال حدوث سيناريو رفض للرئيس أردوغان مشابه لتلك التجربة التي حدثت في انتخابات 7 حزيران/يونيو 2015 البرلمانية، حيث فقد حزب العدالة والتنمية 9% من مجموع أصواته، ليصبح لديه 40%، نتيجة تراجع النمو الاقتصادي، والسياسة “غير المدروسة” تجاه سوريا.
ويُعتقد أن 40% من الشعب التركي صوت لصالح حزب العدالة والتنمية من أجل شعوره بالانتماء إليه. وإلى جانب الـ 40%، يُضاف 11.9% حصل عليها حزب الحركة القومية، في أسوء نتيجةٍ له بعد عام 2002، في انتخابات 1 تشرين الأول/نوفمبر 2015 البرلمانية، جراء سخط فيض كبير من مناصريه على قرار رفضه تأسيس حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية آنذاك. وباعتبار أن الـ 11.9% أيضاً صوتوا لصالح الحركة القومية من أجل انتمائهم إليه، وباعتبار أن أكشنار قد تستقطب نسبة جزئية من هذه النسبة، يصبح حزب العدالة والتنمية بحاجة إلى توافقات مع أحزاب أخرى.
تخوف المستثمرين الأجانب والمحليين من استمرار الحالة السياسية على حالها من جمود و”رأسي سلطة فعليين”، ما حدا بقسمٍ ملموسٍ منهم، لتحويل نقودهم نحو الخارج
فالنتيجة هنا يبدو أنها ليست مضمونة كما في استفتاء 16 نيسان/أبريل 2017 حول تغيير شكل نظام الحكم، حيث اكتفى العدالة والتنمية بالتحالف مع حزب الحركة القومية وحصل على نسبة 51.2%. وفي ضوء ذلك قد يسعى لعقد اتفاق مع حزب الاتحاد الكبير الذي يملك ما متوسط 0.75% من الأصوات بحسب نسبة انتخابات 1 تشرين الأول/نوفمبر 2015، والذي وافق على الاتفاق، وغيره من الأحزاب الأخرى المشابهة له في الفكر والهوية. ولا شك في انقسام المعارضة وتفككها يوفر لأردوغان فرصة جيدة للفوز. فالمنافس الأكيد لأردوغان في الفترة الحالية هو ميرال أكشينار، ولكن حزب الشعب الجمهوري لا زال يصرح بأن يبحث عن مرشحٍ له، أما حزب الشعوب الديمقراطي “الكردي” فرشح فيليز كرستجي أوغلو. ويُظهر ذلك تفكك المعارضة.
ـ اعتدال اقتصادي: “المستثمر جبان” مقولة مشهورة تُستخدم في توصيف تدفق رأس المال لدولةٍ ما أو انسحابه منها. وكانت حالة “الغموض” التي مرت بها تركيا خلال المرحلة الجارية جراء عدم تقديم موعد الانتخابات، عاملاً أساسياً في تدهور الوضع الاقتصادي في تركيا. إذ تخوف المستثمرين الأجانب والمحليين من استمرار الحالة السياسية على حالها من جمود و”رأسي سلطة فعليين”، ما حدا بقسمٍ ملموسٍ منهم، لتحويل نقودهم نحو الخارج. لكن بتأكيد موعد الانتخابات، والحديث عن انتقال تركيا لنظام رئاسي يتسم برأس سلطة واحد يوفر استقرار سياسي أفضل، تنفست البورصة وأسعار صرف العملة التركية الصعداء، متجهةً نحو اعتدال نسبي. ولكن التخوف لما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية، فأردوغان يحارب الفائدة العالية التي تُمثل العامل الأساسي لاستقطاب رؤوس الأموال التمويلية النقدية، وهذا ما يدفعنا نحو الاعتقاد باستمرار تدهور الليرة التركية بعد الانتخابات الرئاسية وتولي الرئيس أردوغان الرئاسة، ما لم يتم توفير بديل حقيقي لهذه الأموال.
الشيء شبه المؤكد هو فوز “تحالف الجمهور” الذي يربط بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية بالانتخابات الرئاسية، وبمقاعد واسعة في البرلمان، لانعدام البديل الحقيقي
ـ تحركات أكثر نشاطاً في سوريا والعراق: يتمتع النظام الرئاسي بآلية اتخاذ القرار السريع، ما يعني أن الرئيس سيصبح لديه إرادة سياسية أقوى، والإرادة السياسية تمنح الرئيس مساحة أوسع للتحرك على الصعيدين الداخلي والخارجي. يتسم النظام البرلماني بالبيروقراطية وانعدم الارتباط العضوي بين مؤسسات الدولة، على العكس من النظام الرئاسي الذي يتسم بالسرعة والارتباط العضوي اللذين يوفران مناخاً أكثر حيويةً في عملية اتخاذ القرار، وبذلك يمكن الإشارة إلى أن تركيا قد تتحرك بشكلٍ أكثر حيوية على الصعيد الخارجي، لا سيما في سوريا والعراق. وتحتاج تركيا لقراراتٍ سريعة وحيوية في الملف السوري على وجه الخصوص، لما يشهده الملف من عملية تسوية نهائية قد تؤثر سلباً على المصلحة القومية لتركيا، في حال لم تتسم سياستها الخارجية بالحيوية، لا سيما بعد الحديث عن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا.
في الختام، هذا عرض لأبرز ما قد ينتج عن قرار الانتخابات المُبكرة في تركيا، وتبقى الأحداث السياسية دوماً رهناً للأحداث الخفية المفاجأة، ما يعني احتمال تغيّر الوجوه العامة للسيناريوهات المُطروحة أعلاه، إلا أن الشيء شبه المؤكد هو فوز “تحالف الجمهور” الذي يربط بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية بالانتخابات الرئاسية، وبمقاعد واسعة في البرلمان، لانعدام البديل الحقيقي.