شيّع ساكنو بلدة الخروب التابعة لمحافظة قسنطينة أمس الخميس، جنازة مناصر شباب قسنطينة إيسيل عبد الجليل البالغ من العمر 26 سنة إلى مقبرة البلدة، بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة في صبيحة نفس اليوم بمصلحة الإنعاش بالمستشفى الجامعي بالمحافظة، ليكون بذلك الضحية الثانية للقاء الجمعة الماضية الذي جمع شبيبة القبائل ومولودية الجزائر، حيث توفي الأول قبل انطلاق المباراة على إثر حادث مرور.
قتلى وعشرات الجرحى
حادثة موت إيسيل عبد الجليل دهسا بسيارة، أعادت الحديث مرة أخرى على ظاهرة العنف في الملاعب الجزائرية، خاصة وأن المباراة التي أصيب على إثرها عبد الجليل قد شهدت أعمال شغب كبيرة، في مدرجات الملعب خلال فترة الراحة بين الشوطين، وهو ما دفع بالحكم سعيد عوينة إلى تأخير انطلاق الشوط الثاني.
https://www.youtube.com/watch?v=UmqW8YAMiXs
أحداث العنف في مباراة بين أنصار مولودية الجزائر و شبيبة القبائل
وانطلقت المواجهات بين أنصار الفريقين، وفقا لوسائل اعلام محلية جزائرية، في وقت مبكر من صباح الجمعة، بسبب عدم تمكّن الآلاف من أنصار مولودية الجزائر من دخول الملعب لغياب التذاكر؛ مما أدى إلى محاولة الأنصار كسر الأبواب واقتحام الملعب، إذ تمّ إخراجهم منه من طرف قوات الأمن لتنتقل أعمال الشغب إلى محيط الملعب.
فى اليوم نفسه، أوقف الحكم مباراة مؤجلة في الدوري بين مولودية وهران وشباب بلوزداد قبل 12 دقيقة من نهايتها
واستمرت أعمال العنف قبيل انطلاق المباراة وخلالها أيضا، فقبل دقائق من نهاية الشوط الأولى لهذه المباراة التي لعبت في إطار الدور نصف النهائي من مسابقة كأس الجزائر لكرة القدم والتي انتهت بفوز وتأهل الشبيبة إلى النهائي بركلات الترجيح (5/4)، بسبب الرمي بالحجارة على منطقة مرمى حارس المولودية فريد شعال من طرف المناصرين.
أعمال شغب في مباراة مولودية وهران و شباب بلوزداد
وفى اليوم نفسه، أوقف الحكم مباراة مؤجلة في الدوري بين مولودية وهران وشباب بلوزداد قبل 12 دقيقة من نهايتها، بعد رمى مقذوفات من قبل مشجعين مولودية وهران تجاه الملعب، قبل ان يقوموا أيضا باجتياح أرضية الملعب إثر توقيع الفريق الضيف شباب بلوزداد للهدف الثاني عند الدقيقة 78.
لجنة تحقيق
أعمال العنف هذه استدعت إنشاء لجنة تحقيق عليا برئاسة المفتش العام لوزارة الداخلية، وخلفت المواجهات إصابة ما لا يقل عن 100 محب، و12 شرطيا، للنظر في ” أسباب هذه الانزلاقات الخطيرة، وتحديد المسؤوليات واتخاذ الاجراءات والقرارات الصارمة للحد من هذه الظاهرة الغريبة عن مجتمعنا” وفقا لنص بيان صادر عن وزارة الداخلية.
وأظهرت لقطات بثتها قنوات محلية، تدخل عناصر من مكافحة الشغب في مدرجات ملعب حملاوي في قسنطينة شرق الجزائر العاصمة، واستخدام المياه لتفريق المشجعين. وبحسب ما نقلت وسائل إعلام جزائرية عن مصدر في الشرطة، فقد تم توقيف نحو 50 شخصا من مشجعي الناديين.
أجلت اللجنة الفصل في مقابلة الدور النصف النهائي بين شبيبة القبائل ومولودية الجزائر
وكانت لجنة الانضباط التابعة لرابطة كرة القدم المحترفة، قد سلّطت عقوبة بأربع مقابلات دون جمهور على مولودية وهران مع معاقبة ملعب زبانة لمباراتين اثنتين، حسب ما أفادت به الرابطة اليوم الثلاثاء عبر موقعها الرسمي على شبكة الانترنت، فضلا عن اعلان اللجنة خسارة المولودية بنتيجة ثلاثة أهداف لصفر، وعليه دفع غرامة مالية تقدر بـ 1500 يورو، زيادة على حرمان النادي “من عائدات النقل التلفزيوني الخاصة بهذه المقابلة”.
https://www.youtube.com/watch?v=-UEJG2qvaSI
مشاهد عنف في مباراة مولودية الجزائر و شبيبة القبائل
في المقابل، أجلت اللجنة الفصل في مقابلة الدور النصف النهائي بين شبيبة القبائل ومولودية الجزائر، موضحة “أنها ستستمع في الجلسة المقبلة الى كل من رئيس شبيبة القبائل شريف ملال والمدير العام الرياضي لمولودية الجزائر كمال قاسي سعيد والمسير العام لشباب قسنطينة طارق عرامة.
ليست الأولى
أحداث الجمعة الماضية، لم تكن الأولى من نوعها في البلاد، فقد شهدت ملاعب الجزائر عديد الاحداث المشابهة، حتى أن ملاعبها سميت بـ “ملاعب الموت”، إذ تجتاح كل سنة موجة من العنف الجماهيري ملعب الكرة مخلفةً قتلى وجرحى، إضافةً إلى تحطيم منشآت وتجهيزات في الملاعب، وسط عجز من السلطات الرياضية عن وقفه رغم العقوبات المفروضة على الأندية.
وشهدت معظم ملاعب الجزائر أحداث عنف تراوحت الخسائر فيها بين المادية والبشرية، ولعلّ أبرز أعمال العنف التي شهدتها، هي حادثة مقتل اللاعب الدولي الكاميروني “ألبير إيبوسي” المحترف في صفوف نادي شبيبة القبائل الجزائري على يد مناصرين، وسط الملعب بعد قذفه بحديدة أصابت رأسه، في أغسطس 2014.
مقتل اللاعب الكامروني ايبوسي لاعب شبيبة القبائل
وقبل ذلك تم الاعتداء بالسلاح الأبيض ضدّ اللاعب الدولي السابق عبد القادر العيفاوي، وقبله مدرّب فريق جمعية وهران سالم العوفي الذي تلقى طعنة خنجر، فضلًا عن حوادث أخرى راح ضحيتها المناصرون داخل الملاعب وخارجها، كان آخرها مقتل مناصر سطيف في ديسمبر/كانون الثاني الماضي.
وكشفت إحصائية للشرطة الجزائرية شملت الخمس سنوات الماضية، عن مقتل سبعة مناصرين، وجرح 2717 من بينهم 1589 شرطيًا، إلى جانب خسائر مادية معتبرة تتمثل في تحطيم 557 سيارة، منها 270 تابعة للشرطة، مع تخريب العديد من المرافق العمومية.
استدعاء الأئمة
تجدّد أعمال العنف داخل الملاعب الجزائرية، يؤكّد فشل حملة التوعية التي أطلقتها الشرطة الجزائرية ورابطة الدوري في العام 2015، والتي تحث على أهمية اللعب النظيف ونبذ العنف في ملاعب كرة القدم، وفشل الإجراءات القانونية الردعية والمبادرات الشبابية، وجمعيات الأنصار في لجمها.
فشل هذه الحملة، جعل السلطات الجزائرية تقترح الاستعانة بأئمة المساجد لتحسيس مشجعي الفرق الجزائرية ضد الشغب وحثهم على نبذ العنف داخل الملاعب الرياضية. وجاء هذا الاقتراح من وزير الأوقاف والشؤون الدينية الجزائري، محمد عيسى.
خسرت الجزائر قبل ثلاث سنوات، أيضا، شرف تنظيم كأس أمم إفريقيا لكرة القدم سنة 2017 وسنة 2019، لعدم توفّر الأمن في ملاعبها الرياضية
وقال وزير الأوقاف والشؤون الدينية الجزائري: “سوف نطلب من أئمة المساجد الواقعة في محيط الملاعب أن يخصصوا خطبهم عندما تكون مقابلات فيه تشنج، للنهي عن هذا المنكر وأن يدعو الناس إلى الكلمة الطيبة“. وأضاف الوزير: “إذا كان لابد أن يحضر الأئمة في المدرجات ويلقوا كلمتهم فنحن مستعدون إذا ما دعانا المشرفون على ذلك.”
وذكرت وسائل إعلام جزائرية أن وزير الأوقاف والشؤون الدينية الجزائري، محمد عيسى، يفكر في إطلاق مبادرة لتكليف أئمة المساجد لمخاطبة المشجعين ضد الشغب، وذلك عقب أعمال عنف غير مسبوقة بين أنصار شبيبة القبائل ومولدية الجزائر.
فضلا عن هذه الخسائر البشرية والمادية، خسرت الجزائر قبل ثلاث سنوات، أيضا، شرف تنظيم كأس أمم إفريقيا لكرة القدم سنة 2017 وسنة 2019، لعدم توفّر الأمن في ملاعبها الرياضية، الأمر الذي يستدعي ضرورة العمل على وضع حدّ لهذه الظاهرة حتى لا تنزلق الأمور إلى ما لا يحمد عقباه.