تعرضت الكثير من المدن عبر التاريخ إلى التخريب والهدم، واختلفت الأسباب التي أدت إلى فقدانها بين الكوارث الطبيعية والحروب والتغيرات المناخية وفقدان الاهتمام الاستراتيجي بها، فكانت النتيجة خسارتها بالكامل للأبد، أو التأمل بما تبقى من آثارها التي تذكرنا بالتاريخ المدفون في الرمال، وأهمها:
المدائن في العراق
تقع على نهر دجلة بالقرب من بغداد وتسمى بحدائق سلمان باك نسبة إلى قبر الصحابي سلمان الفارسي، وهي واحدة من المدن الأثرية العريقة التي كانت مركز مهم لجذب السياح، لكن اضطراب الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد أثر بشكل سلبي على الحركة فيها، عدا عن الحروب والصراعات التي مرت بها البلاد، خاصة أن الغزو الأمريكي اتخذ هذه البقعة لتنفيذ عملياته إلى أن أصبحت هذه الآثار مجرد أطلال تذكر بالتاريخ الذي كان.
بنيت هذه المدينة عقب عهد الساسانيين قبل آلاف السنين، وتشمل عدة مواقع تاريخية أخرى، أهمها ضريح الصحابي سلمان الفارسي وطاق كسرى، ووتكون قاعة هائلة مقببة، وما زال فيها أكبر قوس في العالم دون استخدام دعامات أو تسليح، لذلك يعتبر واحد من عجائب الهندسة المعمارية في التاريخ، حيث كانت غرفة عرش الملك خلفها بارتفاع 30 مترًا وطول 48 مترًا.
مدينة آني في تركيا
وهي مدينة أرمنية تاريخية مهجورة منذ القرون الوسطى، وتقع في قارص ضمن حدود تركيا، تعرف باسم مدينة الألف كنيسة وكنيسة ومدينة الأربعين بوابة، وأصبحت عاصمة المملكة الأرمنية التي سملت أرمينيا وشرق تركيا، وهي مليئة بالكنائس مثل سورب ستيفانوس وأمينابر كيتش.
تكمن أهميتها بموقعها الواقع على مفترق طرق تجارية واحتوائها للكثير من القصور والحصون، ولكن مع تدهور الأوضاع السياسية واحتلالها من قبل البيزنطيين والسلاجقة والفرس والجورجيين والمغول، فضلًا عن الزلزال الذي دمرها عام 1319، تحولت غالبية مبانيها إلى أطلال، فتراجعت قوتها لتبقى مدينة مهجورة تحمل رمزًا دينيًا للتراث الديني والثقافي الأرمني.
مدينة طيبة في مصر
تعد من المدن المصرية الفرعونية التاريخية، وإحدى عواصم مصر القديمة، وكانت مخصصة قديمًا لعبادة آمون -إله الشمس والريح والخصوبة في ديانة قدماء المصريين- لذلك تحتوي على الكثير من المعابد المبنية من الحجارة الثقيلة، بنيت بيوت وقصور الفراعنة من الطوب كونهم يعتبرون أن هذه البيوت ليست أبدية، ولهذا السبب سميت المعابد ببيت المليون عام لاحتفاظ هذه المباني على وجودها واختفاء المنازل بالمقابل.
يوجد فيها نحو 14 معبد أهمها معبد الملكة حتشبسوت ورمسيس الثاني وتحتمس الثالث ومجمع الكرنك، وبعد الفتح الإسلامي لمصر، أصبحت تعرف المدينة باسمها الحالي أقصر وهي جمع كلمة قصر.
مدينة برسبوليس في إيران
من أهم المدن التاريخية التي أسسها الملك الأخميني الثالث، بداريوش الكبير، في عام 518 قبل الميلاد، واستغرق انشاؤها. شمال شرق مدينة شيراز، أكثر من قرن. ويعتبر نموذج العمارة في برسبوليس نوعين من المباني السكنية والإدارية. بالنظر إلى التصميم الأساسي للمبنى نجد أنه يتكون من إيوان ذي عمد يؤدي إلى قاعة فسيحة ويسند السقف الخشبي أعمدة مضلعة ومقعرة الأوجه، كما يتكون تاج العمود من صور حيوانات وضعت ظهرًا لظهر.
ويزيد ارتفاع بعض هذه الأعمدة عن عشرين مترًا وكانت بعض قاعات المباني الإدارية تحتوي على عدد كبير من هذه الأعمدة قد يبلغ 121 عموداً. ورغم الفتحات والشببيك التي استعملت أحيانا فإن مباني برسبوليس كانت دائما مظلمة بسبب القاعات المليئة بالأعمدة، وفي كل واجهة نقوش مختلفة عن العبيد والملوك وأشخاص من الامبراطورية الفارسية.
مدينة قرطاج في تونس
أسس هذه المدينة الفينقيون لتصبح ميناءًا رئيسيًا ومركزًا تجاريًا مهمًا. تعرضت للكثير من الغزوات والنهب وخاصة من قبل الرومان الذين هدموا كل البيوت وأوقدوا النار فيها عام 146 قبل الميلاد، ولكنهم أعادوا تأسيسها في وقت لاحق لتصبح واحدة من أهم وأكبر المدن في الإمبراطورية في ذاك الوقت، وتم تدميرها مرة أخرى عام 698 أثناء الفتح الإسلامي، لكنها مازالت محتفظة ببعض المعالم التاريخية مثل حمامات أنطونيوس والمسارح والأحياء.
مدينة سانتشي في الهند
تقع في هذه المدينة أقدم الهياكل الحجرية التي بنيت من قبل الإمبراطور اشوكا في القرن الثالث قبل الميلاد، وما يعرف باستوبا، كما تحتوي المدينة على معابد وأديرة بوذية يصل عمرها إلى آلاف السنين، لكنها تدمرت وأعيد بناؤها بين القرن العاشر والحادي عشر، ومع تراجع الديانة البوذية في البلاد، تم التخلي عن هذه المدينة إلى أن اكتشفت من قبل ضابط بريطاني عام 1818.
مدينة حتوساس في تركيا
وهي عاصمة الحيثيين، تأسست في القرن السابع عشر قبل الميلاد، ودمرت مع انتهاء الدولة الحثية كجزء من انهيار العصر البرونزي فاختفت المساكن والمواقع التي بنيت بالخشب والطوب، ولم يتبق سوى أنقاض المعابد والقصور المبنية بالحجارة ليتم اكتشافها في بداية القرن العشرين من قبل فريق من علماء الآثار الألمانيين.
مدينة لبدة الكبرى في ليبيا
كانت من أبرز مدن الشمال الإفريقي في عصر الإمبراطورية الرومانية وعزز ميناءها من نموها التجاري لمركزها الرئيسي على البحر الأبيض المتوسط والصحراء، وكانت أيضًا سوقًا هامًا للإنتاج الزراعي وذلك لخصوبة تربتها في المناطق الساحلية، وكان الإمبراطور الروماني سيتبموس سيفيروس واليًا لهذه المدينة، لكنها تعرضت في القرون اللاحقة إلى الهلاك بسبب اعتداء الاستريانون عليها وتزايد أطماع الوندال -إحدى القبائل الجرمانية الشرقية- فيها، وقاموا بتخريبها وسلبها.
كما تعرضت لفيضان كبير من وادي عين كعام، فكان له أثر سلبي على نفوس الساكنين فيها، فأهملت وأصبحت مركز للفوضى والنهب، إلى أن وصلها الفتح الإسلامي وما وجد منها إلا بقايا بعض القصور العظيمة لتسقط آخر آثارها ومعالمها في طي النسيان.