بلغت نسبة حضور المرشحين الذين لم تتجاوز أعمارهم 35 سنة، في مختلف القوائم الحزبية والمستقلة المرشحّة لخوض غمار الانتخابات المحلية القادمة المزمع إجراؤها في الـ6 من مايو/أيار المقبل، أكثر من 52% من مجموع أعضاء القوائم المترشحة؛ الأمر الذي اعتبره البعض بداية مصالحة بين الشباب التونسي والعمل السياسي.
حضور قوي وفاعل
فضيلة الحامي، شابة تونسية تبلغ 23 سنة مرشحة عن حركة النهضة عن بلدية الحمامات، رغم يقينها أن مسالة عزوف الشباب عن السياسة أصبحت مسألة عالمية، فإنها تؤكّد في تصريح لـ”نون بوست” بداية ظهور بعض التحسن في علاقة الشباب بالسياسة في المجتمع التونسي وخاصة في ظل الانتخابات البلدية الراهنة.
تقول الحامي في تصريحها لـ”نون بوست”: “تعبئة المجهود الشبابي لا ينبغي أن يخضع لاعتبارات ظرفية، بل يتطلب الأمر بلورة سياسية شاملة باعتبار الشباب يمثل ركيزة أساسية للتنمية كونه يشكل شريحة ديمغرافية واسعة في المجتمع التونسي”.
انخراط الشباب التونسي في الحياة السياسية لن يكون ظرفيًا ولن يقتصر على هذه المحطة الانتخابية فقط، حسب فضيلة الحامي
وتضيف “رغم أن الانتخابات عامة ما زالت تمثّل عند بعض الشباب مناسبة صورية لإعادة نفس الطبقة السياسية للحكم، فإن هذا التصوّر بدأ يأخذ منعرجًا مخالفًا مع هذه الانتخابات المحلية التي على الأبواب”.
وتؤكّد فضيلة أنهم اكتشفوا ذلك من خلال “ردود فعل الشباب في الشارع خلال الحملة الانتخابية وأيضًا من خلال تنوع المشهد السياسي، فضلاً عن القوانين التي فرضتها هيئة الانتخابات التي تفرض وجود العنصر الشبابي في القائمات”.
وأقرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، قوانين ترشّح إجبارية، حيث يشترط في كل قائمة مترشحة أن تقدم على أساس التناصف والتناوب بين النساء والرجال وأيضًا وجوبية احتوائها على مرشح أو مرشحة لا يزيد سنه (ها) على 35 سنة وذلك من بين المرشحين الثلاث الأوائل، ومن بين كل ستة مرشحين تباعًا في بقية القائمة، طبعًا مع إجبارية أن يكون هناك مرشح أو مرشحة حامل (ة) لإعاقة جسدية مع وجوبية حمل بطاقة الإعاقة.
مشاركة بارزة للشباب في الحملة الانتخابية
انخراط الشباب التونسي في الحياة السياسية لن يكون ظرفيًا ولن يقتصر على هذه المحطة الانتخابية فقط، حسب فضيلة الحامي، بل سيتدعم بعد الانتخابات أيضًا عندما يلاحظ الشباب إنجازات تؤثر بصفة واضحة في واقعه المعيشي وعندما يؤخذ بعين الاعتبار اهتماماتهم ويسعى الساسة إلى تحقيق مطالبهم، فكل ما يسعى إليه الشاب حسب فضيلة هو “تقديم برامج واضحة وممكنة التحقيق والإنجاز”.
فرصة مهمة
من جانبها، اعتبرت رحاب جبالي (20 سنة) هذه المحطة الانتخابية “فرصة ثمينة لإصلاح العلاقة بين الشباب والسياسة ويبدو ذلك من خلال ممارسة حق الترشح للمجالس البلدية الذي يتمتع به كل ناخب بلغ 23 سنة على الأقل كما يمارسه الشباب من خلال حق الانتخاب أي بداية من سن 18”.
كما “يبرز دور الشباب المساند للقائمات المترشحة في أثناء الحملات الانتخابية إضافة إلى تكليف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لعدد كبير من الشباب للإشراف على الانتخابات البلدية انطلاقًا من قبول مطالب الترشح وصولاً إلى العملية الانتخابية نفسها”.
رحاب: ” الملفت للانتباه أن فئة لا يستهان بها من الشباب لا تدرك ما يحدث في البلاد”
وتقول رحاب في حديثها لـ”نون بوست”: “كل ما سبق دليل على مصالحة بين الشباب والسياسة وتطبيقًا لأحكام الدستور الذي ينص على أن الشباب قوة فاعلة، وينص الفصل الثامن من الدستور التونسي على أن الشباب قوة فاعلة في بناء الوطن، تحرص الدولة على توفير الظروف الكفيلة بتنمية قدرات الشباب وتفعيل طاقاته وتعمل على تحمله المسؤولية وعلى توسيع إسهامه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية”.
غير أنها استدركت القول واعتبرت أن “الملفت للانتباه أن فئة لا يستهان بها من الشباب لا تدرك ما يحدث في البلاد ولا تفرق بين مترشح وناخب كما أن عددًا كبيرًا من المترشحين لا يدركون الدور الذي ينتظرهم إذا ما حصلوا على أصوات تخول لهم المشاركة في المجلس البلدي”.
توظيف ليس أكثر
في مقابل ذلك، رأت روضة حمدي، شابة تونسية (23 سنة)، صعوبة التصالح بين الشباب والعمل السياسي في هذه الانتخابات رغم توظيف هذه الفئة في جل القائمات الانتخابية، حسب قولها، وتضيف روضة في تصريحها لـ”نون بوست”: “الخلل الاتصالي الحاصل فظيع ولا يرقى لمستوى حملة انتخابية متواضعة”.
تقول حمدي: “الدليل علی صورية الشباب في هذه الانتخابات عدم تأطيرهم علی فن الخطاب الأمر الذي لمسناها من خلال تقديم برامجهم ووعودهم الانتخابية في المنصات الإعلامية، هذا بالإضافة إلی التركيز علی صورۃ المرأة التي وضعتها الأحزاب والقائمات المستقلة علی حد السواء، كرهان سيبوء بالفشل حسب اعتقادي الذاتي كمواطنة تراقب باحتراز هذه المحطة الانتخابية الحاسمة والأولى من نوعها بعد 14 من يناير/كانون الثاني 2011.
تحاول بعض الأحزاب في تونس توظيف الشباب لخدمة برامجها الحزبية
واعتبرت حمدي أن نتائج هذه الانتخابات محسومة، وقالت: “للأسف المعركة تكاد تكون محسومة من البداية وسيتم إقصاء الشباب المستقلين عن الساحة السياسية مثلما حصل في الانتخابات التشريعية من قبل، وما ألاحظه من استقطاب لشباب عاطل عن العمل كمستقلين في بعض القوائم الحزبية سيعزز علاقة القطيعة بين الشباب والسياسة بعد استبعادها عن مواقع القرار.
وبعد الثورة التونسية، تم حل المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية تم تعيين أعضائها، وفي الـ6 من مايو/أيار المقبل، سينتخب التونسيون المجالس المحلية التي تسير حياتهم اليومية وتصادق على القرارات المهمة المتعلقة بالميزانية والصحة والتعليم والنقل والثقافة.
ورقة بيضاء
من جهتها، وافقت الشابة “أمنة البوسليمي” كلام روضة حمدي، واختارت يافرني وضع ورقة بيضاء حتى “لا تعطي صوتها لأي قائمة لا تمثلها”، حيث قالت لـ”نون بوست”: “لم أجد القائمة التي تقنعني بالتصويت لها، فأغلب القائمات لم تقنعني وقد وجدت فيها شبابًا لا أعرفهم، شباب لا ينشطون داخل مناطقهم السكانية، شباب غير فاعل، ويتلخص حضوره في القوائم في مجرد ملئ فراغ والاستجابة للقانون”.
يعد تمثيل العنصر الشبابي في مجالس القرار الحزبي والسياسي جد ضعيف مقارنة بنسبة الشباب في المجتمع التونسي
واعتبرت “البوسليمي” الشابة التونسية التي كانت تنتمي سابقًا لأحد الأحزاب الحاكمة، أن “جزءًا كبير من الشباب مستقيل عن الحياة السياسية وغير مهتم بما يجري ذلك أن الحملة الانتخابية لا تهتم بهم ولا تتطرق لمشاكلهم رغم أنهم فئة مؤثرة في المجتمع التونسي”، ويعتبر إدراج الشباب في القوائم الحزبية، الائتلافية أو المستقلة على حد سواء، شرط أساسي ومخالفته تؤدي إلى إسقاط القائمة أو حرمانها من المنحة العمومية.
ضرورة الأخذ بزمام الأمور
من جهته، أرجع الشاب كريم البوعلي البالغ من العمر 26 سنة، سبب عزوف الشباب عن العمل السياسي إلى عدّة أسباب، حيث قال في حديثه لـ”نون بوست”: “حسب رأيي فإن رغبة الكهول في الهيمنة على العمل السياسي وفق رؤية تقليدية عمودية بالأساس تدفع الكثيرين لمقاطعة النشاط خاصة حين يوظف الشاب في الحملات الدعائية والأنشطة الميدانية دون أن يكون له رأي أو مشورة في أخذ القرار ورسم السياسات العامة”.
عامل آخر ربما يحبط الشباب، حسب البوعلي، هو كثرة الوعود الزائفة والتسويف وعدم القرب من شواغل واهتمامات الشباب وتجاهل حاجيات هذه الفئة المتمثلة أساسًا في التشغيل والمساعدة في بعث المشاريع الخاصة لذوي الأفكار والمبدعين؛ مما يدفع أغلبية كثيرة من الأدمغة إلى الهجرة خارج تونس وهي مشكلة تفاقمت مؤخرًا إما بطريقة شرعية أو غير شرعية؛ مما يؤكد أن السياسات العامة للدولة لا بد أن توضع أساسًا لصالح إعادة الأمل للشباب وتشجيعه على المبادرة الخاصة ومساعدة الباعثين الشبان.
العديد من المؤشرات تؤكد وجود بوادر إيجابية تحفز الشباب للمشاركة أكثر في السياسة
يعتقد البوعلي أن الحل الأساسي يكمن في أخذ الشباب بزمام المبادرة والنشاط والبحث عن التأثير في الشأن العام بمختلف الطرق خاصة مع وجود حيز كبير من الحريات الأساسية واستثمار وسائل التواصل الاجتماعي في منحى إيجابي.
ويعرف المشهد السياسي في تونس، عزوفًا شبابيًا عن المشاركة السياسية المتمثلة في التنظيم الحزبي والمشاركة النشيطة في الانتخابات والمشاركة في صنع القرار السياسي، ويعد تمثيل العنصر الشبابي في مجالس القرار الحزبي والسياسي جد ضعيف مقارنة بنسبة الشباب في المجتمع التونسي.