أمهلت شرطة العاصمة السودانية، الأجانب، 15 يومًا، لمغادرة الخرطوم، وقالت إن القرار الذي أصدرته لجنة تنسيق شؤون أمن في الولاية في 11 يولي/تموز يأتي “حفاظًا على أرواحهم خلال فترة الحرب”.
لا توجد إحصائيات محدثّة عن عدد الأجانب في السودان، وإن كانت التقديرات التي أعقبت آخر إحصاء سكاني جرى في عام 2008، تقدرهم بمليونيّ شخص، يتركزون في العاصمة وضواحيها.
ويمتلك السودان حدودًا برية مفتوحة ويصعب مراقبتها مع 7 دول تشهد مستويات مقلقة من الاضطرابات، ما يجعله هدفًا للفارين من النزاع والفقر، علاوةً على أنه معبر مهم لأولئك الراغبين في الهجرة إلى القارة الأوروبية عبر دول البحر الأبيض المتوسط.
ومما فاقم مشكلات المهاجرين في السودان، عجز – وأحيانًا عدم رغبة – السلطات في رصد وضبط الوجود الأجنبي، وغياب الاستراتيجيات الخاصة بتقنين أوضاع المهاجرين وتحويلهم إلى قيمة مضافة للاقتصاد والمجتمع.
وفي الصدد، اضطرت السلطة الانتقالية المعزولة بقيادة المدنيين (2019-2021) إلى إجراء مراجعات واسعة شملت آلاف الأجانب الذين تحصلوا على جواز السفر السوداني إبان فترة الرئيس المعزول عمر البشير (1989 – 2019).
ولا شك، أن ما يزيد من مشكلات الوجود الأجنبي، ما يخص السلوك الشعبي في الاحتفاء بالأجانب، وسرعة إدماجهم في المجتمع، وغياب الحساسية في الإبلاغ عن المخالفات والسلوكيات المنافية للطبيعة السودانية، زد على ذلك وجود عامل اقتصادي متمثل في الانتعاشة الكبيرة التي يمثلها هذا الوجود لقطاع العقارات المملوك للمواطنين.
أحوال الخرطوم
تحولت العاصمة الخرطوم إلى شبه مدينة أشباح، بعدما غادرها معظم ساكنيها، فرارًا من القتال المسلح بين الجيش ومليشيا الدعم السريع منذ قرابة 16 شهرًا، الذي أودى بحياة ما يقارب 17 ألف سوداني، وأجبر 11 مليون على مغادرة منازلهم، فيما جرى تدمير غير مسبوق لمشروعات البنى التحتية، وذلك وفقًا لإحصائيات أممية.
وتعد أم درمان الخاضعة لسلطة الجيش، أكثر مدن العاصمة المثلثة اكتظاظًا بالسكان في الوقت الحالي، رغم عمليات القصف العشوائي التي تشنها المليشيا على الأحياء السكنية، وفي المقابل تقل أعداد الأهالي في الخرطوم وبحري اللتين تشهدان معارك محتدمة، وانتهاكات واسعة بحق المدنيين.
أسباب القرار
يقرأ قرار الشرطة السودانية، في مقتضى أقواله، ضمن النطاق الإنساني، فكلماته دالة على اهتمام غير خافٍ بسلامة الأجانب أنفسهم، لكن ذلك أمر يحتاج أن يصدقه الفعل.
بموازاة ذلك، وبلغة أقل دبلوماسية، عزا والي الخرطوم، الجنرال أحمد عثمان حمزة، القرار في حوارٍ مع موقع “الجزيرة نت“ إلى تورط الأجانب بالقتال الدائر في البلاد ضمن صفوف الدعم السريع، حيث تتهم السلطات السودانية، مليشيا الدعم السريع، بالاستعانة بمرتزقة من دول الجوار، أو عابرين للحدود، ضمن مشروع يستهدف إحداث تغيير ديموغرافي لصالح طرد السكان الأصليين، وتوطين من تصفهم بـ”عرب الشتات” محلهم.
و”عرب الشتات” مصطلح جرى إطلاقه على جماعات قبلية ذات طابع رعوي ويجوب عناصرها بدول غرب إفريقيا (تشاد، النيجر، ليبيا، إفريقيا الوسطي) بحثًا عن الماء والكلأ، وهو ما ينجم عنه صدامات مسلحة مع المزارعين، ومع جهات ضبط القانون في تلك الدول.
وأكد شهود عيان لـ”نون بوست”، انخراط لاجئين من دول جنوب السودان وإثيوبيا واريتريا واليمن في الحرب السودانية، وبالفعل أوقفت السلطات عددًا من الأجانب في الولايات التي يسيطر عليها الجيش بتهمة التخابر لصالح الدعم السريع.
ولعلَّ أبرز ما جاء في هذا السياق، كان الاعتراف المسجل لقيادي ميداني بارز في صفوف الدعم السريع، بوجود مرتزقة في صفوف مقاتليه.
حملات واسعة
تشهد الولايات السودانية الخاضعة لسلطة الجيش، حملات واسعة لضبط الوجود الأجنبي، وأبعدت سلطات الولاية الشمالية، قرابة 400 أجنبي، لدخولهم البلاد بطريقة غير شرعية. وأسوة بالخرطوم، أمهلت سلطات ولاية نهر النيل (شمال) الأجانب، 10 أيام لمغادرة حاضرة الولاية مدينة الدامر، وهددت الولايات الخاضعة لسلطة الجيش، بتوقيع عقوبات مغلظة على من يتستر على الأجانب المخالفين أو من يوفر لهم المأوى والوظيفة، أو يساعد في انتقالهم بين الولايات دون وثائق ثبوتية.
ونتيجة لكون معظم اللاجئين الأجانب فارين من الحرب والصراع، أو ساعين لتحسين معاشهم، فنجدهم ينشطون في السودان بالمهن الهامشية، مثل قيادة مركبات النقل من نوع (توكتوك)، أو بيع الشاي، أو تزيين شعر الرجال والنساء في الصالونات والكوافير.
بالقانون
نوه مقدم الشرطة، ساري حسين، من دائرة الأجانب في الشرطة السودانية، إلى أن القرارات الأخيرة ترمي إلى ضبط الوجود الأجنبي، ونفى بشكل مغلظ أن تكون هذه الإجراءات منافيةً لحقوق الإنسان، وأوضح لـ”نون بوست” أنه في ظل وجود أدلة تثبت تورط أعداد غير قليلة من الأجانب في الحرب الجارية، ومشاركتهم في ترويع المواطنين الأبرياء، وسرقة ونهب ممتلكاتهم، برزت الحاجة الملحة لرصد وتنظيم الأجانب وتحركاتهم، واتخاذ إجراءات بحق المخالفين، بجانب تقديم المتورطين في انتهاكات للعدالة الوطنية.
وكشف عن اتجاه لإخلاء المدن من الأجانب المقيمين بطريقة غير شرعية، ووضعهم في معسكرات لجوء، بالتعاون مع المنظمات الدولية، وإجراء تقييم فردي لكل حالة، وإبعاد غير المستوفين لاشتراطات الإقامة بالبلاد.
وشدد على أنهم في صدد إيقاع عقوبات رادعة بحق الأجانب المخالفين للإجراءات الهجرية تصل حد الإبعاد، وحذر الأهالي بأن كل من يعيق خطة ضبط وتنظيم الوجود الأجنبي، يعرض نفسه للمساءلة القانونية.
وأبدى أزهري فضل الله، سوداني مقيم بالشمالية – 33 سنة، ارتياحه للحملات التي تشنها الشرطة على الأجانب، وطالب بإجراء مراجعات موسعة لحملة الجواز السوداني عن طريق التجنس، قائلًا لـ”نون بوست”: “الأجانب تحولوا مؤخرًا إلى مصدر تهديد للمدن الآمنة، بسبب تعاون بعضهم مع عناصر مليشيا حميدتي الإرهابية”.
وأضاف: “كذلك يساهم الأجانب في انتشار جرائم المخدرات والدعارة وتزوير العملات، إضافة إلى مساهمتهم الواضحة في زيادة الضغوط الاقتصادية على المواطنين ورفع أسعار العقار، ومزاحمة الأهالي في حزم الدعم القليلة التي توفرها الدولة”.
وتحذر الأمم المتحدة من أن السودان في طريقه ليشهد أكبر أزمة جوع في العالم، وقال برنامج الغذاء العالمي إن أقل من 5% فقط من جملة 45 مليون سوداني قادرون على توفير وجبة كاملة لأنفسهم في الوقت الراهن.
مخاوف حقوقية
أبدت الحقوقية شاهيناز سليم، مخاوفها مما أسمته “خطاب الكراهية ضد الأجانب وسط أجواء مسلحة ومشحونة”، قائلة لـ”نون بوست” إن أجواء الحرب، والحديث المكرر عن مشاركة مرتزقة في القتال الدائر، يساعد في إذكاء فوبيا الأجانب، خاصة أن تلك المزاعم نابعة من طرف أصيل في الصراع هو الجيش السوداني.
وشددت على أنه حتى في حال ثبوت هذه المزاعم، فذلك أمر لا ينبغي سحبه على جميع اللاجئين، محذرة من أن يقود هذا الخطاب المُعمم لما لا يحمد عقباه، خاصة في ظل محاولات حثيثة من الطرفين لتحويل صراعهما العسكري من أجل السلطة إلى حرب أهلية من خلال تصوير ما يجري على أنه صراع وجودي من أجل البقاء.
بالطبع، يحق لكل دولة تنظيم الوجود الأجنبي والإفادة منه، لكن في حالتنا السودانية علينا أن نتذكر كيف يضيق اللاجئون من بني جلدتنا ذرعًا، مما يرونه من معاملة تمييزية ضدهم في بعض دول الجوار الإقليمي، ولذا علينا الحذر من أن نتحول في خضم هذه الحرب إلى الأشخاص الذين نكرههم.