“لماذا يهتم العرب بأخبار تركيا لهذه الدرجة؟”، هذا السؤال الذي وجهه إليّ صديقي التركي قبل مدة ما زال يحوم في ذهني كلما هممت بالكتابة عن تركيا.
الإعجاب العربي بالنموذج التركي الناتج عن غياب أي نموذج عربي مشابه، أو يوازيه في النجاحات الديمقراطية – ولو حتى أنصاف الديمقراطيات – جعل تركيا تطفو على سطح الاعجاب العربي، ساهم في ذلك بشكل كبير تصريحات ومواقف رئيس الوزراء أردوغان في القضية الفلسطينية والمصرية والسورية وغيرها.
حتى وقت حجب تويتر، رغم أن القرار كان خاطئاً – على الأقل كما أراه أنا- إلا أن البعض بدأ بمحاولة إيجاد المبررات المقنعة – حتى وهو بعيد عن الموقف، أو عن الصحافة والمواقع التركية وما يدور فيها – ، حبّ أردوغان وتركيا كفيل بخلق هذه المبررات .. أليس كذلك؟
وخلال أقل من أسبوع، تم البارحة حجب بعض المقاطع من يوتيوب – الموقع ما زال يعمل بانتظام، لكن التسجيل المسرّب قد حُجب وكتبت إدارة يوتيوب أسفله أنه حجب بطلب من الحكومة التركية، حيث احتوى على تسريبات لاجتماع أمنّي سريّ -.
لكن هل تريدون الصورة من داخل تركيا ؟
صباحاً يستيقظ الجميع ليذهبوا إلى أعمالهم مرتدين عادة بناطيل سوداء وقمصاناً بيضاء – هذا هو الشائع في لباس العمل الرسمي في تركيا – ، يستقلون مترو وباصات وسفناً كمواصلات غابت عن معظم الدول العربية، أو حتى أن بعضهم يستقل طائرة داخلية بسعر يقل عن سعر الباص أو يوازيه لمسافة تتجاوز مسافات بين البلدان العربية .. هل نجح العرب في أن تكون أسعار الطائرات رخيصة بينهم على قرب المسافات كما فعلت تركيا بين محافظاتها المترامية ؟
هذه فترة انتخابات بلدية ستجري نهاية مارس الجاري، هنالك مقرات انتخابية وسيارات وطاولات في كل مكان، تجاور بعضها البعض وكل يروّج لنفسه، هذه -حرب سياسية- ، حتى حجب تويتر ويوتيوب كانا ضحية هذا “الحرب” .. والتعاطف العربي وقياسه بأي من الحالات العربية السابقة للحجب سواء في مصر أو سوريا أو تونس أو غيرها لا أساس له من الصحة ..
وحدث من قبل أن حجبت تونس وفرنسا وتركيا وغيرها مواقع التواصل الاجتماعي للسيطرة الجزئية على بعض الاحتجاجات، ونجحت .. لا أقول هنا أن الحجب مبرر، ولكن هنالك أمثلة نجحت في السيطرة على الاحتجاجات بحجبه -وسبب الحجب في تركيا ليس الاحتجاجات وانما التسريبات-، وتعميم التجارب العربية بحجب مواقع التواصل يعني أن تتفاقم الاحتجاجات في ثورة عارمة لاسقاط النظام، ليس بصحيح!
حتى المعارضة اللدودة للحكومة التركية المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري قال زعيمها على أحد القنوات التلفزيونية تعقيباً على مقطع يوتيوب الذي احتوى تجسساً على الاجتماع الأمني أن على الحكومة التركية إجراء تحقيقات فورية حيال الأشخاص الذين قاموا بعملية التنصت على مؤسسات الدولة، وتسليمهم إلى القضاء، لافتاً أنه يتحتم على الحكومة إيجاد مرتكبي “خيانة التجسس”، في توافق نادر بين الحكومة والمعارضة التركية على إدانة جريمة التنصت والتسريبات – على الرغم من أن التنصت هذا أدّى لحجب جزئي ليوتيوب! –
وبعد حجب تويتر بيوم واحد، خطب أردوغان في منطقة “يني كابي” في اسطنبول، كنت على بعد 2 كيلو متراً من الموقع .. ولم أكن أستطيع المشي بحرية لكثرة الأفواج التي كنت أراها في الشارع، أكاد أدّعي أني لم أرَ في حياتي شيئاً كهذا .. والصور التي بثتها القنوات تقول أن أكثر من 2 مليون كانا في الميدان الذي خطب فيه أردوغان، هل تظنون أنهم كلهم خلقوا المبررات لأردوغان لحجب تويتر .. قطعاً لا ، بعضهم لا يهتم .. والاخر يهتم لكن ذلك لم يمنعه من حضور خطاب أردوغان .. قسم آخر مهم، هم من أخذ منهم أردوغان تويتر .. لكنه أعطاهم أشياء كثيرة أخرى.
على الطرف الآخر كانت المعارضة التركية “تناضل” من أجل حرية تويتر، في الوقت التي كانت هي أول من قيّد الحريات وأغلق الصحف ومنع العربية وتعليم القرآن و الصلاة وقت ما كانت على سدة الحكم .. فالظن أن المعارضة تهتم بالحرية وهم .. هي محاولة لكسب صوتين أو ثلاثة ممن قرروا عدم التصويت لأردوغان لحجبه تويتر!
شركات برامج التحايل على الحجب أو ما يعرف بـ VPN اختصاراً virtual private network بدأت اعلاناتها تنتشر في الفيسبوك والجوجل ويويتوب في محاولة لكسب زبائن أكثر.
ربما المثال الأخير لشركات الحجب هو مثال مشابه للوضع التركي من الداخل، محاولة لكسب أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات التي تعتبر الأهم في تاريخ الجمهورية التركية الثانية، التي تبدأ في في 30 مارس في انتخابات بلدية، تليها انتخابات نيابة ثم رئاسية في في 2015.
رسالتي للعقل العربي أن لا يقارن أبداً ، فأي من الحالات العربية المصرية أو التونسية لا تشبه تركيا لا في حجب تويتر أو يوتيوب، أو ما سواه.