يشهد العراق سباقًا محمومًا منذ 14 من أبريل الحاليّ وهو اليوم الذي انطلق فيه المرشحون لعضوية البرلمان العراقي بدعايتهم الانتخابية، حيث يتنافس أكثر من 7000 مرشح على 329 مقعدًا (عدد مقاعد مجلس النواب العراقي).
السباق على أصوات الناخب العراقي خلق حالة من الفوضى في ظل غياب العمل السياسي المقنن وتطبيق للقانون الخاص بالدعاية الانتخابية الذي وضع من مفوضية الانتخابات، حيث وصف مدير بلدية مدينة الموصل المهندس عبد الستار الحبو الدعاية الانتخابية المتجاوزة على أرصفة شوارع المدينة بـ”الاغتصاب” من المرشحين لطريق الناس.
قدرت مفوضية الانتخابات السقف الأعلى للصرف على الحملات الدعائية الانتخابية 41.5 تريلريون دينار عراقي، يعتبر هذا رقم مهولاً مقارنة بواقع العراق الاقتصادي الصعب الخارج من حرب قبل أشهر قليلة، ورغم هذه الأرقام فإن إدارة الحملات الانتخابية ووسائلها لا تزال تدار بالطريقة البدائية التي لا ترتقي لأي عمل مهني حقيقي، وهذا الذي دفعني لكتابة هذا المقال الذي سوف نطرق فيه إلى تعريف الحملات الانتخابية وأليات تشكيل فريق إدارة الحملة الانتخابية والوسائل والأليات المتبعة في عملية الترويج الانتخابي.
رجل عراقي يقف متأملاً لفوضى الدعاية الانتخابية للدورة البرلمانية السابقة
ماذا نعني بـ”إدارة الحملات الانتخابية”؟
سابقًا كان تداول السلطة يتم بفرض القوي إرادته على مجموعة من الأفراد ليكون الحاكم بالغلبة، ثم تطور مفهوم الحكم ليظهر مفهوم الحكم الوراثي وغيره من أشكال الوصول للسلطة وصولاً لنواة الديمقراطية في روما القديمة؛ حيث يُقدم مرشحون يخوضون سباقًا لنيل ثقة المجتع لتمثيلهم في السلطة وهذه العملية تقوم على تعريف المرشح للجمهور ثم إقناع الجمهور بتفويض المرشح لتمثيله وتتم عبر مجموعة من الآليات المتاحة هي بالضبط “الحملة الانتخابية” وإدارة هذه العملية يطلق عليها إدارة الحملة الانتخابية التي تطورت منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا بالوسائل والآليات، لكن الفكرة ما زالت كما هي والهدف عينه.
أما إذا أردنا التوصيف العلمي لمصطلح، تعرف “الحملات الانتخابية” على أنها تلك الأنشطة الاتصالية السياسية المخططة والمنظمة الخاضعة للمتابعة والتقويم، إذ تستعمل فيها وسائل الاتصال المختلفة وأساليب استمالة مؤثرة تستهدف جمهور الناخبين يمارسها مرشح أو حزب سياسي وتمتد في الغالب لمدة زمنية محددة بهدف تحقيق الفوز بالانتخابات عن طريق الحصول على أكبر عدد من الأصوات.
وتعريف آخر للحملة الانتخابية هي العملية الدعائية المنظمة والمخططة التي تتم بعناية فائقة من المرشح نفسه أو الحزب نفسه أو الكيان السياسي وذلك باستخدام إمكانات وسائل الإعلام المتاحة والأساليب الإقناعية المختلفة لإيصال رسالة معينة (البيان – البرنامج الانتخابي) إلى الجمهور المستهدف (الناخبين) والتأثير على عملية التصويت لصالح المرشح أو اللائحة الانتخابية التي يمثلها.
مرحلة الإعداد والتخطيط للحملة الانتخابية
هي المرحلة التي تسبق انطلاق نشاطات الدعاية الانتخابية وتعتبر المرحلة الأولى والأساسية التي سيُعتمد عليها بشكل كامل فيما بعد باعتبارها الأساس الذي يبنى عليه.
تشكيل الفريق الأساسي
بعد حسم قرار الترشح من الشخصية أو الحزب أو الكيان السياسي فإن أول مهمة يجب التوجه لها هي تشكيل فريق إدارة الحملة الانتخابية مدرب ويمتلك خبرة جيدة وسيقع على عاتقه تحقيق هدف الحملة بدفع الجمهور للتصويت لصالح المرشح كشخص أو حزب أو كتلة، ولهذا الفريق صفات محددة يجب أن تتوفر ليتمكن من إدارة حملة ناجحة دون معوقات منها أن يكون مؤمنًا برسالة المرشح أو الحزب أو الكتلة، وأن يكون من نفس الدائرة الانتخابية للمرشح وأن يكون الأعضاء أصحاب سمعة جيدة في المجتمع لعدم التأثير سلبًا ويفضل أن يكون لديهم شعبية وموزعين من مناطق مختلفة من الدائرة الانتخابية ليحققوا أكبر قدر من الانتشار، إضافة للباقة وحسن التصرف، إضافة لهذه الصفات العامة فإن الفريق يجب أن يحتوي ضمن شخوصه على خبرات خاصة أبرزها:
1- أن يتضمن الفريق شخصيات تمتلك دراية كاملة بالدائرة الانتخابية “وفي العراق تعتبر كل محافظة دائرة انتخابية”، وهؤلاء الاشخاص من المهم أخذ آرائهم في الرسائل الموجهة للجمهور لما يمتلكون من خبرة كافية بواقع الجمهور ومتطلباته وأيضًا لديهم شعبية جيدة تكون مساعدة ومساندة لشعبية المرشح.
2- أن يتضمن الفريق شخصيات لديها فهم بالواقع الإعلامي والاتصال الجماهيري وخبرة بالتحرير وكتابة البيانات والشعارات والتعامل مع وسائل الإعلام والتحدث بتمكن أمام الكاميرا.
3- أن يتضمن الفريق شخصية تجيد التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة “الفيسبوك” لما له تأثير وقدرة للوصول إلى شرائح كبيرة من الناخبين في العراق.
سيقع على عاتق هذا الفريق الأساسي وضع الخطة الأساسية لطريقة سير الحملة ويمكن لهذا الفريق أن يستعين بعناصر إضافية لإنجاز نشاطات معينة مثل تعليق اللافتات أو المساهمة في النشاطات الجماهيرية لكن تبقى مهمة المتابعة والإشراف حصرًا بيد الفريق الأساسي
4- أن يكون ضمن الفريق مدير مالي يضع ميزانية للحملة ويقسم الموارد على النشاطات بطريقة تضمن وصول المبالغ الكافية للنشاطات من غير إسراف ولا ضياع للأموال أو إنفاق الأموال في نشاط محدد وإغفال باقي النشاطات.
5- محاميون قانونيون لمتابعة أي شكاوى أو خروقات وتبيان الرأي القانوني في أي قرار أو بيان يصدر من الحملة الانتخابية.
6- إداري مميز يمكنه إدارة الحملة بطريقة تضمن عمل كل فرد من الفريق بمهمته وإنجازها بالشكل المطلوب، ومتابعة وقياس الأداء وحل اي مشكلة طارئة، ويكون حلقة الوصل بين المرشح والفريق حتى لا يكون هناك تضارب أو عدم وضوح رؤية في الأداء.
وسيقع على عاتق هذا الفريق الأساسي وضع الخطة الأساسية لطريقة سير الحملة ويمكن لهذا الفريق أن يستعين بعناصر إضافية لإنجاز نشاطات معينة مثل تعليق اللافتات أو المساهمة في النشاطات الجماهيرية، لكن تبقى مهمة المتابعة والإشراف حصرًا بيد الفريق الأساسي.
الاستعدادات والأدوات اللازمة لانطلاق الحملة الانتخابية
لأجل العمل على إطلاق خطة انتخابية وتحقيق أهدفها يجب توفير الأدوات والاستعدادات اللازمة للحملة ويعتبر من أبرزها:
– الميزانية المالية: تعتبر أهم عوامل نجاح الحملة الانتخابية، فتوفر الميزانية اللازمة بالطرق المشروعة لتغطي نفقات الحملة الانتخابية ويكون مشرفًا عليها محاسب كما ذكرنا أعلاه ويكون عنصرًا من عناصر الفريق الأساس.
تشمل الخطة للحملة الانتخابية وضع الهدف (عدد الأصوات المتوقع حصدها) وآليات العمل للوصول لهذا الجمهور وتقسيم خطة العمل على الزمن والأفراد بحيث يدرك كل عضو من الفريق ما يقع على عاتقه من مهمات والسقف الزمني لكل مهمة
المعلومات الأساسية: وهي المعلومات الكافية لوضع خطة العمل وتنظيم الآليات المناسبة للحملة وحجمها وأبرز مراكزها، تشتمل المعلومات على حجم الميزانية المالية ونقاط القوة والضعف في المرشح ودراسة جيدة لواقع الجمهور وميوله وأبرز ما يؤثر فيه والبرنامج الانتخابي للمرشح وأبرز الوعود الانتخابية والمرشحين المنافسين والفرص التي يمتلكها المرشح وكيفية استغلالها والتحديات وكيفية تجاوزها وقوانين الانتخابات واللوائح والنظم التي تصدرها مفوضية الانتخابات.
– بناء خطة الحملة: بعد توفر المعلومات الكاملة توضع خطة الحملة بناءً على المعلومات الأساسية التي توفرت للفريق، وتشمل الخطة للحملة الانتخابية وضع الهدف (عدد الأصوات المتوقع حصدها) وآليات العمل للوصول لهذا الجمهور وتقسيم خطة العمل على الزمن والأفراد بحيث يدرك كل عضو من الفريق ما يقع على عاتقه من مهمات والسقف الزمني لكل مهمة.
– المقر الانتخابي: وهو مكتب لفريق الحملة والمرشح الخاص بهم ويجب أن يكون مقرًا معلنًا ومعروفًا داخل الدائرة الانتخابية ويكون مجهزًا بالأدوات اللازمة للتواصل مع الجمهور ووسائل الإعلام.
أشكال الحملات الانتخابية
– التنازلي: ويمكن أن نسميه الصدمة أو البداية من الأعلى، حيث تبدأ الحملة بوتيرة عالية جدًا ثم يتم حفظ الوتيرة إلى أن تصل إلى أدنى مستوياتها مع نهاية الحملة وغالبًا تكون هذه الطريقة إذا كان لدينا فترة ترويج قصيرة نسبيًا وتم الاستعداد الكامل لها فتكون الانطلاقة قوية وصادمة ثم تنخفض.
– التصاعدي: وهي مغايرة بشكل تام للحملات التنازلية حيث تبدأ بوتيرة ضعيفة ثم تشتد مع اقتراب موعد النهاية، وتصل لذروة القوة في اليوم الأخير من الحملة وهذا في حال وجود فترة كافية ويفضل أن تستخدم لنوع الجمهور المتذبذب والمتردد الذي يغير قناعاته بسرعة فيكون التأثير النهائي عليه هو الأقوى.
– التوازن: هو النسق المتوسط الذي يكون على مستوى واحد من بداية الحملة وحتى نهايتها وغالبًا يكون هذا النوع مفيدًا للحملات الكبيرة التي تستخدم آليات ووسائل عديدة ولديها وقت مريح نوعًا ما فتعتمد نسق متوازن في الحملة.
وهذه الأشكال من الحملات يختار منها الفريق الأساسي الشكل المناسب له وفق الرؤية التي يتبناها وطبيعة الموارد التي تتوفر لديه.
لا بد من عدم إغفال مواقع التواصل الاجتماعي في الحملة الانتخابية وتحديد صفحة رسمية للمرشح
آليات التأثير على الجمهور
آليات مباشرة: وتشمل الندوات المصغرة في التجمعات الصغيرة أو الندوات العامة والمؤتمرات واللقاءات الفردية والعائلية والعشائرية أو النزول للأسواق والشوارع والحديث مع الناس ويقوم بها المرشح بشكل مباشر مع الجمهور بتنسيق وترتيب مسبق من فريق الحملة الانتخابية ويراعى فيها نوع الجمهور المخاطب والمناخ العام للحديث بداية باختيار ملابس المرشح ونهاية بنوع الملفات والوعود الانتخابية التي ستُطرح من التشديد على أهمية إبراز الجانب العفوي غير المتعالي للمرشح مع الحفاظ على الصورة القوية، وعدم الإفراط بالوعود الانتخابية التي قد تفقد المرشح مصداقيته.
آليات غير مباشرة: مثل اللافتات ويفضل أن تُوحد الهوية اللونية لكل الدعاية الانتخابية واختيار أماكن جيدة من ناحية زاوية الرؤية والكثافة العددية التي يمكن أن تشاهد اللافتة، الملصقات التي تكون ذات تكلفة قليلة ويفضل عدم الإكثار بالتفاصيل داخل الملصق لتكون واضحة الرسالة ويمكن فهم المكتوب عليها من مسافة جيدة، فيما يمكن استخدام المطبوعات التي تحتوى غالبًا على البرنامج الانتخابي بشكل عام وأيضًا المطبوعات الدعائية مثل الأقلام التي تحتوى على اسم المرشح ورقمه وهكذا.
يمكن تلخيص الآليات غير المشروعة بالتزوير وشراء الأصوات أو التهديد باستخدام العنف لحرف المسار الانتخابي، إضافة للجيوش الإلكترونية وهي عبارة عن صفحات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي تمجد المرشح وتقود حملات تسقيط غير أخلافية تجاه المنافسين
فيما يمكن اعتماد الدعاية التليفزيونية بشكل مقنن إذا توفرت الميزانية الكافية، ولا بد من عدم إغفال مواقع التواصل الاجتماعي في الحملة الانتخابية وتحديد صفحة رسمية للمرشح يعمل عليها فريق صغير مكون من ثلاثةة أشخاص (منتج محتوى بصري “مصمم” + منتج محتوى صحفي “محرر” وغالبًا يكون مرتبطًا بالمرشح لأخذ الموافقات على المنشورات ويرتبط بعناصر الفريق لتغطية نشاطات الحملة الانتخابية وكل ما يتعلق بتحركات المرشح في نطاق الحملة + مسوق يضع خطة للنشر والترويج ونشر المنشورات في الصفحات الصديقة والمجموعات.
تعتبر هذه هي الآليات المشروعة فيما يمكن تلخيص الآليات غير المشروعة بالتزوير وشراء الأصوات أو التهديد باستخدام العنف لحرف المسار الانتخابي، إضافة للجيوش الإلكترونية وهي عبارة عن صفحات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي تمجد المرشح وتقود حملات تسقيط غير أخلافية تجاه المنافسين، وغالبًا ما تنتج هذه التصرفات غير المشروعة نفورًا من المرشح من قبل الناخبين وتزعزع الثقة به وتقود لحالة من عدم الشرعية في الانتخابات وقد تعرض المرشح للمساءلة القانونية نتيجة هذه التصرفات.
يتوجب على فريق إدارة الحملات الانتخابية أن يقيس أداء الآليات المتبعة في الحملة وتأثيرها عبر ردود فعل الجمهور وتفاعله من الألية المتبعة ورأي الجمهور يمكن قياسه بالاستبيانات على الأرض أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عن طريق السؤال المباشر للجمهور وفسح المجال لاستقبال المقترحات والشكاوى أو الملاحظات عبر وسائل الاتصال المختلفة، لتقيم الأداء وتعديل الخطة في حال وجود خلل في ألية بالحملة الانتخابية.
ختامًا
إن إدارة الحملات الانتخابية علم يدرس ويحتوي على وسائل تحدث بشكل دوري وأليات يمكن تعلمها وإتقانها بما يجعل من عملية الدعاية الانتخابية لمرشح أو كتلة عملية مدروسة ومنطقية خالية من العبثية، وهذا الأمر يجب أن يدركه المرشحون والأحزاب والكتل في بلادنا مما يجعلهم ينفقون الأموال بالطريقة الصحيحة ويدربون كوادرهم ليخرجوا من حالة العمل غير المنظم الذي نشاهده اليوم للاحترافية التي ستقودهم بالتالي لكسب الناخب ورفع مستوى الوعي العام الذي سيقود لخلق مناخ ديمقراطي أفضل في بلادنا التي تصارع للوصول لديمقراطيات حقيقية راسخة تعزز قيم المواطنة والمشاركة الحقيقية في رسم مستقبل الوطن.