رغم انتشار عدد كبير من الكتب المترجمة مؤخرًا، وإقبال القارئ العربي على ثقافات البلاد الأخرى، سواء بسبب تحول تلك الكتب إلى أفلام أم بسبب كونها الأكثر مبيعًا في العديد من الدول، ما زال هناك العديد من الروايات في انتظار أن نفك شفرتها ونترجمها للعربية، ولا أتحدث هنا عن الروايات الحديثة، فأنا أتحدث عن تلك الروايات الكلاسيكية التي رغم شهرتها وأثرها البالغ لم تترجم إلى العربية.
اليوم سأحدثكم عن خمس روايات كلاسيكية، لم تترجم – للأسف – إلى العربية.
1- أطفال الماء The Water Babies – لـ”تشارلز كينغسلي” Charles Kingsley
قد تكون أليس في بلاد العجائب المعيار لأدب الطفل، ولكن هناك تجربة مماثلة لها، وصدرت قبلها بنحو سنتين وهي “أطفال الماء – خرافة لأطفال الأرض” (The Water-Babies, A Fairy Tale for a Land Baby)، وهي رواية إنجليزية تعتبر من كلاسيكيات أدب الأطفال الإنجليزي، بل وعماده أيضًا.
تحكي تلك الرواية عن عدد من الأولاد الفقراء الذين استغلهم الأغنياء في تنظيف مداخنهم، دون أن يعطوهم أي حق من حقوقهم، سواء ملابس أو نقود؛ مما أثر على صحتهم وأمرضهم وفي النهاية أماتهم.
يستخدم كينغسلي مفهوم الحكاية الخرافية، وذلك عندما يقع الطفل (توم) -الذي يبلغ من العمر عشر سنوات ويعمل في كنس المداخن – في بركة غامضة، ويبدأ في استكشاف عالم غامض من المخلوقات، ويتعلم من خلالهم كيف يفهم هذا العالم المعقد.
كان تشارلز كينغسلي قسًا إنجليزيًّا وأستاذًا جامعيًّا ومؤرخًا وروائيًّا أيضًا، كتب روايته “أطفال الماء” بين عامي 1862 و1863، نشرت الرواية بشكل متسلسل في إحدى المجلات، وحققت شعبية كبيرة في إنجلترا، وكانت دعامة أساسية من دعامات أدب الطفل البريطاني لعقود عديدة، لكن تلك الشعبية لسبب ما تراجعت قليلًا بسبب زعم البعض أنها متحيزة ضد اليهود والفقراء الأمريكان والأيرلنديين.
2- المنزل بجوار شجرة البشملةThe House by the Medlar Tree لـ”جيوفاني فيرغا” Giovanni Verga
انطوائي وصعب المراس، شديد الحساسية ويكره الشهرة، إنه جيوفاني فيرغا الذي كره الأضواء لكنها تسلطت عليه بسبب كونه أحد أشهر الأدباء في أوروبا بل والعالم؛ ورغم هذا لم تترجم له رواية واحدة إلى العربية!
اليوم نتحدث عن رواية “المنزل بجوار شجرة البشملة”، والبشملة نوع من أنواع الفاكهة، أظنه أقرب إلى المشمش، تلك الرواية تحولت إلى فيلم إيطالي درامي عرف باسم “الأرض ترتعش” أو “لا تيرا تيرما” عام 1881.
جيوفاني فيرغا كاتب إيطالي واقعي، اشتهر بتصويره للحياة في جزيرة صقلية، وخاصة في روايته التي نتحدث عنها اليوم التي سجل فيها بدايات هذا التيار الواقعي.
أراد فيرغا في تلك الرواية تصوير حياة الصيادين وطريقة تصرفهم مع الواقع الذي يحيط بهم والحياة التي يعيشونها، وهذه سمة عامة في أدبه: الاهتمام بالشخصيات البسيطة، على وجه الخصوص شعب جزيرة صقلية، فقد عمل على تصوير أفراحهم وأحزانهم في روايته الرائعة التي للأسف ربما لم يسمع أحدكم عنها من قبل.
3- أناس مستقلون Independent people لـ”هالدور لاكسنس” Halldór Laxness
إنها الرواية التي مهدت للاكسنس الطريق إلى نوبل في الآداب عامل 1955، لاكسنس كاتب أيسلندي، روائي يملك روحًا شعرية ملحمية، ينسج حكاياته حول بلده وتاريخها، ويحمل روح تولستوي.
قد لا تكون سمعت بهذا الكاتب العظيم من قبل، الذي لم يترجم له سوى كتاب واحد هو “حين تغني الأسماك”، رغم أنك إذا سافرت أيسلندا لن تجد منزلًا واحدًا يخلو من كتبه.
كانت نشأة هالورد هادئة ساعدته على المطالعة والكتابة منذ الطفولة، فأولى الروايات التي لفتت النظر له في الأوساط الأدبية كانت “النساج العظيم من كشمير” التي نشرت عام 1929، ورغم بداية كتاباته التي اتخذت طابعًا دينيًّا فإن رواياته الأخيرة اتخذت مسلكًا اشتراكيًّا، رصد فيها الذين يكافحون من أجل البقاء على قد الحياة.
تلك المرحلة من حياته أزهرت رواية “سالكا فالكا” أو “فتاة أيسلندا” التي حققت نجاحًا واسعًا، وأكسبت الكاتب شعبية أكبر، وقد نشرت عام 1931، تحدثت الرواية عن صراع بين أم ضعيفة الشخصية وابنة معتدة بنفسها وطموحة.
بعد تلك الرواية حصل لاكسنس على منحة من الدولة وتفرغ للكتابة.
في عام 1935 صدرت الرواية التي نتحدث عنها اليوم وهي الرواية الملحمية “أناس مستقلون” التي مهدت لفوزه بجائزة نوبل.
رغم أهمية تلك الرواية لم تترجم للعربية إلى وقتنا الحاليّ
تجاوز لاكسنس كل إبداعه السابق؛ فترك لنا رواية مختلفة على جميع الأصعدة، السرد والنسيج الأدبي والشخصيات والحبكة وحتى التوجه الفكري.
تتحدث تلك الرواية عن علاقة فتاة بوالدها الأناني الذي يطردها إثر حملها من أحد زوار المنطقة، في الوقت نفسه كان يسعى جاهدًا لتحقيق استقلاله بشراء قطعة من الأرض بعدما عمل في الخدمة لفترة طويلة، تلك الفتاة بالفعل تترك والدها، وتبدأ في العمل على تحقيق ذاتها هي الأخرى، إنها صورة من والدها، لكن تلك الصورة لا تخلو من الاختلافات.
رغم أهمية تلك الرواية، لم تترجم للعربية إلى وقتنا الحاليّ، وليست هي فقط، بل نحن لن تستطيع العثور إلا على عمل واحد لهذا الكاتب مترجم إلى العربية وهو “حين تغني الأسماك” الذي صدر عن “المؤسسة العربية للعلوم ناشرون”.
4- كرانفوردCranford لـ”إليزابيث غاسكل” Elizabeth Gaskell
بين أعمال جين أوستين التي تألقت في أوائل القرن التاسع عشر والذروة التي وصل لها جورج إليوت في سبعينيات القرن ذاته، أرست إليزابيس غاسكل أو “السيدة غاسكل” أدبها الذي يعتمد على الصراعات الاجتماعية في الريف الإنجليزي بشكل مبسط، وحاولت عرضه من خلال رجال ونساء ولكن بنظرات متعاطفة.
تدور أحداث رواية “كرانفورد” حول مدينة إنجليزية صغيرة تحكمها النساء، وقد تحولت هذه الرواية إلى مسلسل تليفزيوني تحت العنوان ذاته عرض عام 2007، ورغم شعبية تلك الرواية، لم تترجم حتى الآن أيضًا إلى العربية.
نشرت الرواية لأول مرة بشكل غير منتظم في ثمانية أجزاء متقطعة بين 1851 و1853، في إحدى المجلات، وحررها تشارلز ديكنز، ثم نشرت في كتاب عام 1853، الرواية لم تنل شعبية كبيرة إلا بعد وفاة إليزابيث للأسف، وهذا حال العديد من الروايات التي لا يلتفت إليها إلا بعد موت كاتبها فتحظى بالتقدير الحقيقي.
5- الراهب The Monk لـ”ماثيو لويس” MG Lewis
رواية قوطية من تأليف إم جي لويس، نشرت عام 1796، كتبها في بداية حياته المهنية، وقد نشرت قبل أن يبلغ لويس العشرين من عمره، ونجحت الرواية نجاحًا شديدًا إلى الدرجة التي جعلته يلقب بالراهب لويس.
تدور أحداث الرواية حول راهب شاب منعزل، شديد التقوى، يقدسه جميع من حوله، وفي لحظة من اللحظات يشعر بأنه أعلى مقامًا من جميع البشر ولا يملك ضعفهم، لكنه يغرق في المعاصي واحدة تلو الأخرى، ثم تنتهي تلك المعاصي ببيع روحه للشيطان في مقابل إنقاذه.
سببت تلك الرواية صدمة كبيرة للمجتمع حين نشرت، فهي مليئة بالعنف والشر والأمور المرعبة، كما أنها انتقدت بشدة النظام الكنسي.
عام 2011 صدر فيلم فرنسي مقتبس عن هذه الرواية ويدعى أيضًا الراهب أو .Le Moine
الآن بعدما عرضت لكم خمسة من أهم الروايات الكلاسيكية التي لم تترجم إلى العربية، انتظروني في مقالي الجديد لأحدثكم عن أهم روايات الخيال العلمي التي لم تترجم حتى الآن أيضًا إلى العربية.