جاءت المشاركة القطرية في “تمرين درع الخليج 1” في الفترة بين 21 من مارس/آذار الماضي و16 من أبريل/نيسان الحاليّ في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، لتضيف محطة جديدة في مسيرة قطار الأزمة الخليجية الذي استهل رحلته في 5 من يونيو/حزيران الماضي.
العديد من التساؤلات فرضتها مشاركة القوات المسلحة القطرية بجانب قوات 24 دولة عربية وغربية أخرى، من بينها دول الحصار (السعودية – الإمارات – البحرين – مصر) لا سيما فيما يتعلق بما تحمله من دلالات بشأن مستقبل الأزمة التي دخلت شهرها الـ10 تأرجحت خلالها بين موجات المد والجذر.
البعض ذهب في تفسيره لهذه الخطوة كونها تحمل انفراجة نحو حلحلة الأزمة وكسر حالة الجمود الذي انتابتها خلال الأشهر الماضية، فيما قلل آخرون منها على اعتبار أنها لم تتجاوز سقف التنسيق الأمني والعسكري الإقليمي وليس لها أي علاقة بمستقبل الأزمة.
مؤشرات الحلحلة
بداية من الصعب فصل تلك المشاركة عن محطات أخرى سُجّلت في الأيام الماضية، مثل مشاركة قطر في القمة العربية الأخيرة في الظهران، حتى إن كانت بتمثيل منخفض تمثّل في المندوب القطري لدى جامعة الدول العربية سيف بن مقدم البوعينين.
الدعوة التي تلقتها قطر من السعودية للمشاركة في القمة خطوة فسرها البعض بمحاولة لتخفيف حدة التوتر بين طرفي الأزمة، حتى إن لم تتطرق القمة إلى بحثها بطريقة مباشرة، غير أن المشاركة والحضور في حد ذاته كسر ما عزف عليه البعض في السابق بشأن عزلة قطر السياسية.
لولوة راشد الخاطر المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية القطرية أعربت عن أملها في أن تكون مشاركة بلادها في تلك المناورات – التي استمرت شهرًا كاملاً بجانب كل من السعودية والأردن وأفغانستان والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا وباكستان والبحرين وبنغلاديش وبوركينافاسو وتركيا وتشاد وجيبوتي والسودان وسلطنة عُمان وزامبيا وغينيا والكويت ومصر وماليزيا وموريتانيا والنيجر واليمن وجمهورية جزر القمر – نوعًا من التطور لحلحلة أزمة دول الخليج مع قطر.
الأحداث الأخيرة كافة تندرج في إطار تجميد الأزمة الخليجية عند النقطة التي وصلت إليها دون تصعيد ولا حلحلة، في انتظار تطورات ربما تدفع دول الحصار إلى التخلي عن عنادهم في مقابل تقديم بعض التنازلات من الجانب القطري
وفي تصريحات لها أمس الجمعة لصحيفة “الشرق” القطرية قالت الخاطر: “حتى الآن لا نرى حلحلة على المستوى المطلوب، ولكن بشكل عام أعلنت وزارة الدفاع وجود وفد عسكري قطري في السعودية للمشاركة في مناورات درع الخليج، ونأمل أن يكون ذلك نوع من التطور لحلحلة الأزمة، ورغم هذه الشواهد فإنه لا يوجد تحرك حقيقي على الأرض”.
علاوة على ذلك فقد أكدت موقف بلادها مرة أخرى بشأن ترحيبها الدائم بفكرة الحوار والجلوس على طاولة المفاوضات، فيما استنكرت ما وصفته بـ”تعنت دول الحصار” ورفضها الانخراط في الحوار لحل الأزمة الخليجية، لافتة إلى صعوبة التنبؤ بردود فعل الدول الرباعية أو قراراتها في اللحظات الأخيرة، على سبيل المثال ما حدث في القمة الخليجية بالكويت، حيث توقع الجانب القطري أن تكون على مستوى القادة، ولكن دول الخليج خفضت تمثيلها.
المتحدثة باسم الخارجية القطرية تعرب عن أملها في حلحلة الأزمة قريبًا
كانت وزارة الدفاع القطرية قد أعلنت يوم الأربعاء الماضي عودة الوفد العسكري الذي مثَّل قطر في “تمرين درع الخليج 1” المشترك بالسعودية، وأكدت في بيان أصدرته أن المشاركة القطرية في التمرين كانت لتعزيز أواصر الأخوة وتبادل الخبرات والمشاركة في كل ما من شأنه المحافظة على أمن واستقرار دول مجلس التعاون والمنطقة العربية الإسلامية.
وفي السياق ذاته رأت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن على السعودية والإمارات إنهاء الأزمة الخليجية التي لا معنى لها التي كان من الممكن حلّها بالحوار، معتبرة في افتتاحيتها أمس الجمعة أن ما تناقلته وسائل الإعلام العربية بشأن مشروع سعودي إماراتي مصري لإنجاز قناة بحرية “سلوى” على طول الحدود مع قطر – قالت إنه سيحيلها إلى جزيرة – مشروع مشكوك في أمره وآخر فصول الحملة ضد الدوحة التي فشلت في الضغط عليها للرضوخ لرغبة أبوظبي والرياض.
كان من الممكن حل الخلافات بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى، لكن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وبتناغم مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، اختارا عوضًا عن الحوار تصعيد الخلاف، ليحولاه إلى أزمة جديدة لا تحتاج إليها المنطقة في الوقت الحاضر، هكذا أشارت الصحيفة.
واختتمت الصحيفة البريطانية افتتاحيتها بالتأكيد أن المسؤولية تقع على الدول التي خلقت الأزمة لإنهائها، معتبرة أن ابن سلمان وابن زايد، وبالنظر إلى المدى الذي سارا فيه بالتحريض وإثارة المشاعر ضد الدوحة، فإنه من غير المرجح رؤية تراجع سريع في موقفيهما.
إلا أنها استدركت قائلة “لكن الوقت حان بشدة ليفعلا ذلك، على أن يكون تخفيف حدة نبرة الخطاب المعادي نقطة البداية، ويتبعه رفع الحصار تدريجيًا”، منوهة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البداية أذكى النار بوقوفه علنًا في صف السعودية، لكن يبدو أنه بدأ يفقد صبره لإنهاء الأزمة.
الرياض أعادت – بطريقة سرية – ضابط الارتباط السعودي للعمل مع القوات الأمريكية والقطرية في قاعدة العديد، وهي العودة التي تمّت دون إعلان رسمي، سواء من السعودية أم قطر
تجميد للأزمة
وفي المقابل قلل آخرون من الشواهد التي ساقها البعض بشأن حلحلة الأزمة، ذاهبين إلى أنها على أبواب مرحلة التجميد الكامل، مستندين في ذلك إلى ما سجلته الأيام الماضية من أحداث تؤكد انعدام وجود نية لدى معسكر الحصار لحلّ أزمتهم مع الدوحة،على رأسها تأجيل القمة الأمريكية – الخليجية – التي كان مقررًا لها مايو/آيار القادم – إلى سبتمبر/أيلول، لإعطاء فرصة للدول المعنية بالأزمة لحلها حسبما نقلت بعض وسائل الإعلام الأمريكية.
علاوة على ذلك فإن إعلا مشروع قناة “سلوى “المائية الذي تستهدف من خلاله دول الحصار عزل قطر جغرافيًا، في هذا التوقيت، يعكس النوايا السيئة للمعسكر السعودي الإماراتي، إضافة إلى استمرار استهداف الدوحة الممنهج في الخطاب الإعلامي الذي تبثه الأذرع الإعلامية للدول الرباعية.
المشاركة القطرية في “تمرين درع الخليج 1” ليست الأولى من نوعها ومن ثم فهي ليست بالمستغربة أو المفاجئة كما ذهب أنصار الفريق الأول الذي يأمل إحداث انفراجة في الأزمة على وقع تلك المشاركة، فقد سبق أن شارك وفد عسكري قطري في التحضير لهذا التمرين في اجتماع عقد في الدمام، كما شارك رئيس الأركان القطري الفريق الركن طيار غانم بن شاهين الغانم في اجتماعات شارك فيها رؤساء أركان للقوات المسلحة لدول الخليج العربية في واشنطن قبل أشهر.
ضغوط أمريكية لتفعيل التنسيق بين دول الخليج رغم استمرار الأزمة
الخارجية القطرية: “حتى الآن لا نرى حلحلة على المستوى المطلوب، ولكن بشكل عام أعلنت وزارة الدفاع وجود وفد عسكري قطري في السعودية للمشاركة في مناورات درع الخليج، ونأمل أن يكون ذلك نوع من التطور لحلحلة الأزمة”
البعض قد يتساءل عن دوافع المشاركة القطرية في مثل هذه التمرينات في الوقت الذي تصعد فيه دول الحصار ضدها عبر استحداث وسائل ضغط بين الحين والآخر؟ الإجابة هنا تتعلق – وفق محللين – بضغوط أمريكية مورست على معسكر السعودية من أجل استئناف التعاون والتنسيق العسكري الخليجي المشترك، ولو بحدوده الدنيا، حفاظًا على ترابط حلفاء واشنطن في المنطقة في ظل التحديات التي تواجهها من خصومها.
الضغوط هنا سعت إلى فصل الأزمة الخليجية عن مسار التعاون الخليجي والحفاظ على بنيته المترابطة في مواجهة التهديدات الروسية الإيرانية في المنطقة، وهو ما تجسد في استمرار العلاقات العسكرية بين السعودية وقطر في مستوياتها الطبيعية رغم الحصار السياسي والاقتصادي.
هذا التفسير عززه تقرير منشور بموقع “ذا هيل” الأمريكي كشف أن الرياض أعادت – بطريقة سرية – ضابط الارتباط السعودي للعمل مع القوات الأمريكية والقطرية في قاعدة العديد، وهي العودة التي تمّت من دون إعلان رسمي، سواء من السعودية أم قطر.
يبدو أن قرار القيادة العسكرية المركزية الأمريكية قبل أشهر بوقف عدد من تدريباتها مع دول خليجية بسبب الأزمة الأخيرة أثار حفيظة وقلق دول الحصار؛ مما دفعها وخصوصًا السعودية إلى استئناف التعاون والتنسيق العسكري مع قطر، رغم استمرار الأزمة وجمود مساراتها.
أنصار هذا الرأي يرون أن الأحداث الأخيرة كافة تندرج في إطار تجميد الأزمة الخليجية عند النقطة التي وصلت إليها، دون تصعيد ولا حلحلة، في انتظار تطورات ربما تدفع دول الحصار إلى التخلي عن عنادهم في مقابل تقديم بعض التنازلات من الجانب القطري، وتبقى القمة الخليجية الأمريكية المقررة في سبتمبر/أيلول المقبل أقرب الفرص نحو تحريك المياه الراكدة في تلك الأزمة التي ربما – لو ظلت الأوضاع على ما هي عليه – تستمر لعقود قادمة.