عرفت العلاقات التونسية التركية مباشرة بعد ثورة 14 من يناير/كانون الثاني 2011 في تونس، نموًا كبيرًا بعد أن اتسمت العلاقات بين البلدين بفتور طيلة عقود حكم النظام السابق في تونس برئاسة زين العابدين بن علي.
علاقات متينة بين البلدين
تحسّن هذه العلاقات بدا جليًا في ارتفاع عدد الزيارات الرسمية المتبادلة بين الطرفين، وفي ارتفاع مستوى التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، في هذا الشأن يقول محمد كوسة رئيس مؤسسة الأتراك في الخارج والمجتمعات ذات الصلة (YTB) التابعة لرئاسة الجمهورية، لـ”نون بوست” إن العلاقات بين تونس وتركيا لا تتلخص في أحداث أو بعض التفاصيل، بل هي علاقات كبيرة متجذرة في تاريخ طويل وعريق، هي علاقات متشابكة”.
ويضيف كوسة “هذه العلاقات تعمقت أكثر في الفترة الأخيرة، فنحن لا نؤمن أن هذه العلاقات هشة حتى تؤثّر فيها بعض الأشياء الجانبية، هي علاقات متينة بين شعوب البلدين، وما مهمّة السلطات الحاكمة إلا زيادة تمتينها”.
تعرف العلاقات الثقافية بين الشعبين التونسي والتركي نموًا ملحوظًا
وأوضح رئيس مؤسسة الأتراك في الخارج والمجتمعات ذات الصلة، أن العلاقات بين الشعبين التركي والتونسي لا تتلخص في الأتراك الموجودين في تونس أو التونسيين الموجودين في تركيا بل أيضًا في المهجر، فجاليات البلدين في ألمانيا وفرنسا وبلجيكيا وإيطاليا مرتبطة بدرجة كبيرة، فالعلاقات أخوية مهما كان الزمان والمكان.
وتعرف العلاقات الثقافية بين الشعبين التونسي والتركي نموًا ملحوظًا تُرجم ذلك من خلال ولع عدد كبير من التونسيين بالدّراما التركية ونجومها التي استطاعت خلال فترة وجيزة أن تكتسح الشاشات التونسية، وتوافد التونسيين بكثرة على تركيا خلال السنوات الأخيرة؛ الأمر الذي جعلهم يكتشفون خصوصيات المجتمع التركي وعاداته.
سعي مشترك لمضاعفة عدد المنح
في خصوص التعاون التركي التونسي في مجال التعليم، أثنى المسؤول التركي على الجهود المبذولة من الطرفين لمزيد من تدعيم هذه العلاقات، مؤكدًا ضرورة استغلال النقاط المشتركة بين الطرفين لتطوير هذه العلاقات، فالبلدان يعطيان أهمية كبرى لمجال التعليم، فضلاً عن امتلاكهما لبنية تحية قوية، وعدد كبير من خريجي الجامعات.
وأوضح محمد كوسة رئيس مؤسسة الأتراك في الخارج والمجتمعات ذات الصلة، أن “أحد أهدافنا التي نطمح لها هو إيجاد برنامج مشترك بين البلدين وتقوية التبادل الطلبة”، وأكد في هذا الشأن الاتفاق مع وزير التعليم العالي في تونس سليم الخلبوصي على زيادة عدد المنح التي تمنح للطلبة في الاتجاهين، حيث تتكفل تونس بإعطاء منح للطلبة الأتراك القادمين إليها للدراسة ونفس الشيء بالنسبة إلى تركيا التي تقدم منحًا للطلبة التونسيين القادمين إليها.
ارتفاع عدد الطلبة الأجانب في الجامعات التركية
إلى جانب ذلك تمّ الاتفاق على تشجيع المؤسسات الجامعية لبدأ برنامج ذي شهادتين، ونظمت الجمعية التركية الدولية لخدمات الطلاب ISSA، بداية شهر مارس/شباط الماضي بالعاصمة تونس معرضًا للتعريف بالجامعات التركية وفرص الدراسة فيها.
ويدرس 270 طالبًا تونسيًا في الجامعات التركية، ويقدر عدد الطلبة الأجانب فيها خلال العام الدراسي 2015-2016 بـ87 ألفًا و903 طلاب من 181 دولة، بعد أن كان 31 ألفًا و170 طالبًا في السنة الدراسية 2011-2012، فيما يوجد قرابة 100 طالب تركي في الجامعات التونسية، ويطمح البلدان إلى زيادة هذه الأعداد إلى الآلاف.
ويأتي الطلاب الأذريون في صدارة قائمة الطلاب الأجانب في مختلف الجامعات التركية، حيث بلغ عددهم 12 ألف و504 طلاب، يليهم التركمانستانيون بـ9 آلاف و903 طلاب، ويحتل الطلاب السوريون المرتبة الثالثة بـ9 آلاف و689، يليهم الطلبة الإيرانيون بـ5 آلاف و661 طالبًا، ثم العراق بـ4 آلاف و414، فيما تحتل أفغانستان المرتبة السادسة حيث بلغ عدد طلابها في الجامعات التركية 4 آلاف و338، ثم قرغيزستان بألف و994 طلاب.
عادت تونس السنة الماضية للعمل بنظام تدريس اللغة التركية، بشكل اختياري، في الثانويات العامة
وأشار المسؤول التركي أن التسجيل للدراسة في المرحلة الأولى في تركيا ما زالاً مفتوحًا إلى الآن على أن يغلق يوم 14 من مايو/أيار المقبل، وتتلقى تركيا سنويًا أكثر من 100 ألف طلب للحصول على منح دراسية من جميع أنحاء العالم.
وتعتبر منح الدراسة التركية برنامجًا يمول من الحكومة، وتقدم المنح التنافسية إلى الطلاب المتفوقين من جميع أنحاء العالم لمتابعة برامج الدراسة الخاصة بهم على أساس الدوام الكامل أو لمدة محدودة في أرقى الجامعات في تركيا.
التشجيع على تدريس اللغة التركية
في حديثه عن التعاون في مجال التعليم بين البلدين، أثنى محمد كوسة على تجربة تدريس اللغة التركية في تونس، مؤكدًا وجود برامج غنية لذلك، “فعديد من الجامعات والمعاهد الثانوية تدرس التركية في تونس، رغم النقص الكبير في عدد أساتذة تعليم اللغة التركية”.
وسعيًا من تركيا لتطوير علاقتها في المجال التعليمي مع تونس تم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي افتتاح “مدرسة المعارف” الدولية التركية بتونس، وهي “قناة تواصل بين الشعبين”، حسب مسؤولين أتراك، وتضم المدرسة 60 تلميذًا من المستويات الابتدائية، وستستقبل بداية السنة الدراسية القادمة طلبة الثانوية، كما سيكون لها فروع في مختلف دول العالم.
أمينة أردوغان تزور مدرسة وقف معارف التركية بتونس
وعادت تونس السنة الماضية، للعمل بنظام تدريس اللغة التركية، بشكل اختياري، في الثانويات العامة، إذ أصدرت وزارة التربية في مارس/آذار 2017 مرسومًا يحدد إجراءات المواد الاختيارية في السنتين الثالثة والرابعة من سلك الثانوية العامة ابتداءً من الموسم الدراسي القادم.
وجاء في مرسوم من وزير التربية إلى المندوبيين الجهويين للتربية أن اللغة التركية أضحت ضمن الاختيارات التي يمكن للتلميذ أن يدرسها، ويطالب كل تلميذ في تونس بأن يدرس واحدة من المواد الاختيارية وهي اللغات الأجنبية غير المعتمدة في التعليم الأساسي كالألمانية والإسبانية والروسية، ومن المواد الاختيارية كذلك التربية الموسيقية.
وكانت تونس قد بدأت التدريس الاختياري للغة التركية ابتداءً من الموسم الدراسي 2012/2013، وبرر وزير التربية آنذاك عبد اللطيف عبيد هذا القرار بكون التركية لغية حية وعصرية وتدريسها يدخل في إطار مزيد من الانفتاح على الشعوب.