لليوم الرابع على التوالي تتصاعد المناشدات الإنسانية التي تخرج من تحت الركام والحصار في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوبي العاصمة السورية دمشق، بعد اشتداد وكثافة القصف السوري والروسي لعمق المخيم ومحيطه بشكل عشوائي وهستيري.
ومنذ انطلاق العملية العسكرية للجيش السوري على المخيم الساعة السادسة من مساء الخميس الماضي، دفع الفلسطينيون الكثير من الثمن، فاستشهد حتى اللحظة 6 من اللاجئين وأصيب المئات بجراح مختلفة، إضافة لتدمير كبير في المنازل والبنية التحتية للمخيم جراء القصف المكثف.
بحسب مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، فإن أربعة لاجئين فلسطينيين استشهدوا في مخيم اليرموك في ثاني أيام قصف النظام السوري وهم: اللاجئ جمال سميح حميد “أبو خالد” الذي استشهد وهو يسعف جرحى قصف الطائرات السورية والروسية، وهو من أبناء المخيم وأحد كوادر الدفاع المدني.
وذكرت أن المسن الفلسطيني صالح محمود عموري ونجله الشاب مهند عموري “أبو ضياء” استشهدا إثر سقوط صاروخ على منزلهما في مخيم اليرموك، وأخيرًا استشهد اللاجئ أنس باسم عموري وقضى جراء القصف الذي استهدف محيط مخبز حمدان في المخيم. وبذلك ترتفع حصيلة ضحايا اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك منذ بدء حملة القصف العنيف منذ الخميس إلى 6 لاجئين وعشرات الجرحى.
للعام الخامس على التوالي يعاني أكثر من ثلاثة آلاف لاجئ فلسطيني ممن تبقّوا داخل المخيم، ويلات الحصار المشدد والمستمر منذ قرابة 1638 يومًا، ويعيشون أزماته الطاحنة ويتجرعون جرائم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” المتمثّلة بالإعدامات والقتل والحرق والتنكيل.
وجه أهالي المخيم نداءً إنسانيًا إلى الهيئات والمنظمات العربية والعالمية ومنظمة التحرير الفلسطينية، لإنقاذ المدنيين تحت الأنقاض، ونقل الضحايا وإسعاف الجرحى
حرب على اللاجئين
عالقون داخل المخيم أكدوا أن النظام السوري صعّد من حملته العسكرية التي بدأها يوم 19 من أبريل/نيسان 2018 التي استخدم فيها الطيران الحربي ومختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة والبراميل المتفجرة.
وأوضحوا أن المخيم المحاصر شهد موجة عنيفة من قصف الطائرات السورية والروسية وتعرض لقصف هستيري استهدف أحياء المخيم بالصواريخ وقذائف الهاون في حين شنت قوات النظام والمجموعات الموالية لها هجومًا واسعًا من عدة محاور في محاولة لاقتحام المخيم، استهدفت بالصواريخ وقذائف الهاون شارع المغاربة ومحيط المركز الثقافي وشارع العروبة وشارع المدارس وشارع 30 وشارع 15 بالتزامن مع اشتباكات عنيفة ومتقطعة استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
ووجه أهالي المخيم نداء إنسانيًا إلى الهيئات والمنظمات العربية والعالمية ومنظمة التحرير الفلسطينية، لإنقاذ المدنيين تحت الأنقاض ونقل الضحايا وإسعاف الجرحى. وقال ناشطون فلسطينيون: “الجثث والأشلاء مطروحة في شوارع المخيم وجرحى مصابون لا يمكن تحديد أعدادهم، وكلنا عاجزون عن إسعافهم نتيجة القصف الكثيف والمستمر وانقطاع وسائل الاتصال والغياب الفعلي للخدمة الطبية”.
أضاف الناشطون أنه لا يزال عدد كبير من المدنيين عالقين في بيوتهم أو في الأقبية، علمًا أن اثنين من هذه الأقبية تحت الأنقاض ولا معرفة لدينا بحال قاطنيها وعددهم، ومجرد فكرة الخروج من المنزل تحت مثل هذا القصف بمثابة مقامرة غير محسوبة.
يقول منتصر ربيعي أحد اللاجئين العالقين داخل حي “الحجر الأسود” جنوبي دمشق: “الأوضاع داخل المخيم تتدهور بشكل خطير”، مضيفًا: “هناك عشرات العائلات الفلسطينية المحاصرة، وبات مصيرهم مجهولًا ولا نعرف عنهم أي شيء حتى هذه اللحظة”.
كانت وسائل إعلام موالية للنظام السوري نقلت عن مصادر ميدانية أن الاتفاق مع تنظيم الدولة في الحجر الأسود واليرموك قد انهار
وفي ظل كثافة القصف وعشوائيته، يضيف ربيعي: “لا يمكنك أن تخرج من بيتك حتى لشراء الماء أو بعض المواد الغذائية لأطفالك، الموت يحيط بك من كل جانب سواء كنت داخل بيتك أم خارجه، وأصوات القصف والنيران تسمعها بكل مكان”.
ويشير الربيعي إلى أن هناك العديد من الإصابات بين سكان المخيم نتيجة القصف والاشتباكات المستمرة مع المسلحين، قائلًا إن الأمر مرجح للارتفاع خلال الساعات القليلة المقبلة؛ نظرًا لوجود عائلات لا يعلم مصيرها والحديث عن شهداء مجهولين الهوية، إضافة إلى الاثنين اللذين تم إعلانهما الخميس وهما: عماد ريان وصفوان الأردني. ويلفت اللاجئ ربيعي إلى أن دمارًا كبيرًا لحق بالمنازل وببعض المؤسسات الحيوية داخل المخيم وأحيائه المختلفة نتيجة القصف المكثف، مؤكدًا أن الأوضاع الإنسانية والمعيشية والصحية داخل المخيم دخلت مرحلة الخطر الحقيقي.
وأشار الربيعي إلى أن إغلاق المسلحين التابعين لـ”داعش” وهيئة “تحرير الشام” حاجز”العروبة” الإنساني الوحيد لسكان المخيم وخارجه مع “يلدا”، فاقم من أوضاع اللاجئين وأبقاهم محاصرين تحت قذائف وصواريخ وبراميل النظام من جهة، ونيران الجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء كبيرة من المخيم من جهة أخرى.
ووجه ربيعي نداء استغاثة عاجلًا لكل المؤسسات الدولية والحقوقية والإنسانية ومجلس الأمن والأمم المتحدة، لإيقاف “المجازر” التي ترتكب بحق اللاجئين المحاصرين، مؤكدًا أن أعداد الشهداء والمصابين سترتفع بشكل جنوني خلال الساعات المقبلة نتيجة كثافة القصف العشوائي والمواجهات المستمرة.
وكانت وسائل إعلام موالية للنظام السوري نقلت عن مصادر ميدانية أن الاتفاق مع تنظيم الدولة في الحجر الأسود واليرموك، انهار، وأوضحت أن التنظيم أراد وضع شروط جديدة بعد رفض مجموعة “ولاية الخير” في جنوب السخنة استقبال عوائل مسلحي التنظيم.
في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” قصفت قوات النظام الأحياء السكنية بالصواريخ وقذائف الهاون
قصف لم يرحم أحدًا
وبلغ عدد الغارات الجوية التي شنها الطيران الروسي والسوري على أحياء التضامن ومخيم اليرموك والحجر الأسود والقدم 230 غارة حتى اللحظة، وطال القصف مشفى فلسطين التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، حيث استهدف بشكل مباشر، مما أدى إلى قضاء اللاجئ الفلسطيني “جمال سميح حميد” أبو خالد وهو يسعف جرحى القصف وخروج المشفى عن الخدمة.
وفي مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” قصفت قوات النظام الأحياء السكنية بالصواريخ وقذائف الهاون، وبحسب مصادر “هيئة تحرير الشام” فقد حاولت قوات النظام السوري اقتحام المنطقة لكنها باءت بالفشل، وأكدت الهيئة أنها حاصرت مجموعة من المقاتلين وقتلت 10 منهم في أثناء محاولتهم اقتحام نقاط تمركز هيئة تحرير الشام في منطقة “الريجة”.
هذا ودارت اشتباكات عنيفة في محاولة جديدة لاقتحام المنطقة، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والدبابات في شارع راما وشارع الـ30 في مخيم اليرموك، وقالت مصادر مقربة للنظام إن قوات النظام استهدفت أحد مقرات “هيئة تحرير الشام” على قاطع راما، واعترفت بمقتل عنصرين من الجبهة الشعبية – القيادة العامة والثاني من الجيش السوري.
وأكدت المجموعة وقوع دمار كبير طال الأبنية السكنية في شارع وحارات عين غزال والمشروع والكتل غرب اليرموك وشارع المغاربة ومناطق أخرى جراء استهدافها بالغارات الجوية والصواريخ.
قال الناطق الرسمي باسم “الأونروا” سامي مشعشع: “إننا نقدر أن هنالك نحو 6.000 مدني من لاجئي فلسطين في اليرموك إلى جانب نحو 6.000 شخص آخر في المناطق المحيطة به”
وإزاء هذا التصعيد الخطير، أعربت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) عن قلقها البالغ حيال مصير الآلاف من المدنيين بمن في ذلك لاجئي فلسطين، “بعد أكثر من أسبوع على اشتداد عمليات العنف والقتال الكثيف حول مخيم اليرموك”.
وقال الناطق الرسمي باسم “الأونروا” سامي مشعشع: “إننا نقدر أن هنالك نحو 6.000 مدني من لاجئي فلسطين في اليرموك إلى جانب نحو 6.000 شخص آخر في المناطق المحيطة به، وتفيد تقارير بأن عددًا كبيرًا من الأشخاص قد نزحوا منه إلى المناطق المجاورة في يلدا، كما أن هنالك تقارير أخرى تفيد بوقوع صابات وسط المدنيين”. وأكد أن “أونروا” على استعداد لتقديم المساعدة للسكان في المنطقة إذا ما كان الوضع الأمني يسمح بذلك، وعندما تتم إتاحة سبل الوصول إليهم”.
مناشدات قبل الموت
وبشأن الوضع الطبي داخل المخيم، نوه الناشط والدكتور معاوية محمد أن مشفى فلسطين خارج الخدمة تمامًا، حيث تعرض قسم الإسعاف فيه لقصف صاروخي بصواريخ أرض-أرض، وطوابقه العليا استهدفت بغارات الطيران، فأصيب عدد من العاملين فيه بجروح، وقتل “جمال حميد” أبو خالد سائق سيارة الإسعاف.
وأوضح الناشط مجد المصري أن شهداء مخيم اليرموك المسن الفلسطيني “صالح محمود – عموري ونجله الشاب مهند والشاب أنس عموري، لم يدفنوا حتى الساعة 11 ليلًا أي بعد قرابة 12 ساعة بسبب القصف العنيف الذي لم يهدأ سوى 10 دقائق فقط، وأن جثثهم بقيت داخل قبو صغير مع نساء وأطفال وكبار السن.
ونوه إلى أن جثة المسعف الفلسطيني جمال سميح حميد ذات الرأس المقطوع أصبحت تحت أنقاض مشفى فلسطين الذي دمر وخرج عن الخدمة منذ أول أمس.
تبلغ مساحة مخيم اليرموك نحو كيلومترين، يسيطر تنظيم داعش على 70% منها، في حين تسيطر جبهة النصرة على 20% والفصائل الفلسطينية على 10%
واتهمت إحدى النساء المحاصرات في مخيم اليرموك، المؤسسات الدولية والأمم المتحدة والفصائل الفلسطينية، بالتغافل عن مأساتهم وعدم التحرك لإنقاذ اللاجئين الفلسطينيين في المخيم.
وفاقمت العملية العسكرية التي شنها النظام السوري على مخيم اليرموك والمنطقة الجنوبية من معاناة الأهالي المحاصرين داخله الذين يعانون من عدم توفر المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية، نتيجة الحصار الذي يفرضه النظام على المخيم منذ منتصف عام 2013، إضافة لإغلاق حاجز العروبة الشريان والمتنفس الوحيد لسكان اليرموك من المعارضة السورية، وكذلك إغلاق حاجز القدم.
وتبلغ مساحة مخيم اليرموك نحو كيلومترين، يسيطر تنظيم داعش على 70% منها، في حين تسيطر جبهة النصرة على 20% والفصائل الفلسطينية على 10%، ويوجد داخل المخيم نحو 2000 عنصر من تنظيم الدولة مسلحين بكامل العتاد العسكري، في حين يوجد نحو 130 عنصرًا من تنظيم جبهة النصرة.
ويقع المخيم على بعد 8 كيلومترات جنوب العاصمة دمشق، ويشكّل اللاجئون الفلسطينيون غالبية سكانه، ويقع تحت حصار قوات النظام والمليشيات الأجنبية الداعمة له منذ 5 سنوات، ويبلغ عدد سكان المخيم في الوقت الحاضر نحو 3 آلاف مدني، بعد أن كانوا أكثر من 150 ألف شخص قبل الثورة السورية.