نماذج تجسد بطولات وتضامن الفلسطينيين في مسيرات العودة

thumb_1524260378

على الرغم من كونها سلمية، سجلت الحدود الشرقية لقطاع غزة بطولات وملاحم للمتظاهرين الفلسطينيين بسلميتهم الذي احتشدوا منذ أربعة أسابيع للمشاركة في مسيرات العودة الكبرى التي ما زالت مستمرة حتى النصف من شهر مايو/أيار المقبل.

فكلٌ يُقاتل ويناضل بطريقته وأسلوبه وأدت مجمل هذه الحالات بنهايتها إلى تجسيد صورة الصمود الفلسطيني على النحو الذي هو عليه الآن.

مهمة إنقاذ الجرحى

كانت صور الأسير المحرر إسماعيل العثامنة التي انتشرت له بكثرة وهو ينقل الجرحى عبر مركبته النارية من خطوط الالتماس مع العدو في منطقة جباليا شرق محافظة الشمال، وصولًا إلى شارع الأسفلت الأول المقابل للحدود، حيث مكان وجود الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، قد أخذت صيتًا كبيرًا على مواقع الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى الرغم من أنه مُعرّض للاغتيال بأي لحظة كونه من الأسرى المحررين الذي تعتبرهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي منبع الإرهاب أحيانًا، فإنه قرر المجازفة بروحه والوصول إلى مناطق يصعب لأي شخص الوجود بها.


 صورة السيد إسماعيل العثامنة خلال نقله للجرحى

وقال الأسير المحرر العثامنة لـ”نون بوست”: “منذ بدء انطلاق مسيرات العودة الكبرى، قررت العودة للنضال ضد العدو وألا تتوقف مسيرتي النضالية بمجرد خروجي من سجون الاحتلال، وقد تجسد هذا القرار من خلال مهمة توصيل الجرحى وإبعادهم عن خط النار ومرمى قناصة الاحتلال، خاصة أن هذه المناطق يصعب وصول سيارات الإسعاف إليها، فينتشل المتظاهرون أحيانًا الجريح ويركضون به نحو خط الأمان بما يقارب 1000 متر وأكثر، فقررت توفير مركبة نارية للقيام بهذا الغرض”.

وتعد خطوة العثامنة مجازفة بمعنى العبارة، فقد سجلت الحدود الشرقية للقطاع قتل الاحتلال الإسرائيلي عدة متظاهرين حاولوا إنقاذ رفاقهم الجرحى مثل الشهيد عبد الفتاح عبد النبي والشهيد أحمد عرفة والشهيد ثائر رابعة، وغيرهم، ومن هنا أصبح الحديث يدور عن احتمالية اغتيال العثامنة بأي لحظة خصوصًا أنه من المطلوبين سابقًا لسلطات الاحتلال الإسرائيلي.

وفي منطقة خزاعة شرق محافظة خانيونس، تجمع عدد كبير من الأطباء والممرضين المتطوعين الذين شيدوا نقاطًا طبية بجانب مخيمات العودة، ليقوموا بدور الإسعاف والإنقاذ العاجل للمصابين، خاصة أن هذه المنطقة تبعد عن المستشفيات، وتعتبر خزاعة أكثر مناطق القطاع سخونة، حتى إن الجرائم الإسرائيلية وقناصة الاحتلال طالت طواقم الإسعاف والصحافة على الرغم من كونهم يرتدون ثيابًا ترمز للحماية الدولية.

وكان المسعف محمد الهس الذي انتشرت له صورًا وهو يسعف المصابين في الوقت الذي أصيبت يده بطلق ناري من الاحتلال الإسرائيلي، قد فجر استنكارًا دوليًا في وجه الاحتلال الإسرائيلي كونه أصبح يتخبط من مسيرات العودة، فلم يعد يُفرق بين سلمية أو غير سلمية.


 مسعف مصاب يعالج طفل مصاب

وقال المسعف محمد الهس لـ”نون بوست” إن رصاصة باغتته خلال قيامه بإنقاذ أحد الجرحى خلال الجمعة الثانية من مخيمات العودة التي سُميت بـ(جمعة الكاوتشوك)، فبعد أن ضمد جراحه بساعتين، عاد مباشرة إلى الميدان لمساعدة زملائه المسعفين على القيام بمهامهم، نتيجة كثرة ارتفاع عدد الشهداء حينها، وكثرة الإصابات بأعداد غير متوقعة.

وانتقد الناطق باسم وزارة الصحة في قطاع غزة الدكتور أشرف القدرة في حديث خاص لـ”نون بوست” استهداف الاحتلال الاسرائيلي النقاط والطواقم الطبية، مطالبًا بتوفير الحماية الدولية الكاملة لطواقمها العاملة في الميدان.

مهمة إطعام سقاية المنتفضين

ومن الحدود الشرقية لمدينة غزة نفسها، وتحديدًا حي الشجاعية، قامت مجموعة من النساء بحملة الطبخ اليومي المجاني لإطعام الشباب الثائر بصدورهم العارية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك الشيوخ والنساء والأطفال المقيمين في خيم العودة، بهدف مساعدتهم على المبيت هناك والصمود، وألا يتركوا فرصة للاحتلال الإسرائيلي بالتفاخر بإنجازاته التي يدعيها، وهو التقليل من حجم مسيرات العودة.

وقالت دعاء أبو حطب التي تقوم بمهمة طبخ أطباق (السماقية) لمحتشدي الساحات في حي الشجاعية لـ”نون بوست”: “النساء اخترن هذه الوجبة بالذات كونها تعتبر من الأكلات الشعبية الفلسطينية، ومن تراث الوطن التي تتماشى مع فعاليات العودة حاليًّا، كما أن مشاركتنا بمثل هذه الأعمال التطوعية بالذات، تحمل في طياتها رسالة، بأنها الدليل الأكبر على حقنا في العودة، وأن المسيرة سلمية وليست عبثية، كما ادعى الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي”.


دعاء أبو حطب ونساء يعدن طبق السماقية

وتتكون أكلة (السماقية) كما تُبين دعاء أبو حطب من ورق السلق والسماق وشطة ولحم وحمص وطحين والطحينية، حيث يقمن بإعداد أكثر من 450 طبقًا يوميًا، تكفي لـ1000 شخص تقريبًا.

وبالعودة إلى الشمال من قطاع غزة مرة أخرى، وفي منطقة جباليا، يعد الطباخ الحاج محمد غراب الذي جُرح خلال مسيرات العودة، وجبات يومية مكونة من الفلافل للمتظاهرين، وخاصة وجبة الفلافل السوري أو فراشيح الفلافل أو إعدادها من مقبلات أخرى مع أقراص الفلافل، ضمن الهدف المرجو منه مبادرة طباخات (السماقية) أيضًا.


محمد غراب يعد وجبة الفلافل

كما تسقي الحاجة أم العبد الدقس من منطقة جباليا أيضًا، الشباب الثائر والمنتفض في وجه القناصة الإسرائيلية التي تأتي يوميًا إلى الحدود الشرقية لشمال القطاع، مرتدية الثوب الفلسطيني القديم ذي الطراز اليدوي، وتحمل على رأسها وعاءً من الفخار مملوء بالماء، وتعلق بصدرها مفتاح الدار الفلسطيني القديم، واللذان يرمزان معًا لحق العودة، لترسخ من خلالها لأبناء الجيل الجديد الحياة العربية في المدن والقرى المهجرة قبل الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية.


 السقاية أم العبد الدقس

كما أنها تحضر معها عدد من حبات البصل والليمون، وذلك لإعادة الوعي للشباب الذين أصابهم اختناق من قنابل الغاز المسيلة للدموع أو الغازات السامة الجديدة التي يطلقها الاحتلال الإسرائيلي على المتظاهرين الفلسطينيين بشكل عام، عبر طائرات مخصصة لذلك.

الحلاقة بالمجان

“الحلاقة مجانًا على أرواح الشهداء”، عبارة كُتبت على قطعة من الكرتون علقها الشاب محمد أبو بريك على كرسي الحلاقة الذي اصطحبه معه إلى الحدود الشرقية للمحافظة الوسطى، وتحديدًا في مخيم البريج التي لفتت انتباه المتظاهرين، فيوميًا يخدم أبو بريك أكثر من 100 شاب بحلق شعورهم ولحاهم، بهدف بقائهم ودعم صمودهم في مخيمات العودة، تحديًا لجرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد المواطنين العزل.​


صورة الحلاق محمد أبو بريك

يقول الحلاق أبو بريك لـ”نون بوست”: “أردت أن أقدم شيئًا مفيدًا للمعتصمين على الشريط الحدودي بين قطاع غزة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي تكثر فيه خدمة الحلاقة بالديون نتيجة تردي الوضع الاقتصادي في البلاد من جهة، ومن أجل أن أحافظ على بقاء خطوط الالتماس مع العدو مشتعلة في وجه جنود الاحتلال وقناصته من جهة أخرى”.

التضامن من خلال الفن

كان للشهيد الفنان محمد أبو عمرو، أعمال فنية خلال مسيرات العودة، حيث رسخ الحقوق الفلسطينية وجسد صور شهداء العودة من خلال ريشته الفنية في حي الشجاعية شرق القطاع، ولم يدم هذا التضامن السلمي طويلاً، فقد أصابته رصاصة من القناصة الإسرائيلية، وغطت دمائه لوحته الفنية التي كان يعدها حينها، لتُعلن الطواقم الطبية عقب إصابته بساعتين عن استشهاده، وكان من ضمن أول 10 شهداء سجلتها ساحات التظاهر السلمية المنادية بحق العودة.


صورة أعمال للفنان محمد أبو عمرو

ووصلت الفنانة مديحة المجادية رسالته من بعده وجسدت صورته وصورة غيره من الشهداء في مخيمات العودة شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وكان آخرها الشهيد الصحفي ياسر مرتجى الذي قنصته قوات الاحتلال في منطقة خزاعة شرق خانيونس على الرغم من أنه يرتدي البزة الدولية لحماية الصحفي.


الفنانة مديحة مجايدة​

وتتركز مسيرات العودة في قطاع غزة في خمس نقاط على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، ابتداءً من منطقة جباليا شمال القطاع، وفي حي الشجاعية شرق مدينة غزة نفسها، مرورًا بمخيم البريج شرق المحافظة الوسطى، ثم إلى منطقة خزاعة شرق محافظة خانيونس جنوب القطاع، وصولاً إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة أيضًا.