توالت بعض الإدعاءات بأن المصريين شاركوا هذا الشهر بأكبر انتفاضة في التاريخ. ولعل المظاهرات العارمة ضد الحكومة جاءت إثباتا على قدرات الشعب الهائلة و لكن هل كانت اعداد الجموع فعلا كما اوردت بعض المصادر و كيف يتسنى لنا التأكد من ذلك؟
كانت مصر شهدت مظاهرات كبيرة في القاهرة و مدن اخرى ضد حكومة الرئيس الإسلامي محمد مرسي و هو أول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ البلاد قبل ان يتدخل الجيش و يزيحه في الثالث من تموز.
و زعمت بعض المصادر ان قرابة ثلاثين مليون مصري نزلوا الى الشوارع.
و يعلق مراسل البي بي سي في القاهرة وير ديفيس أن هذا رقم مبالغ به جداً. و يقول “الأعداد ليست اكبر من تلك التي شاركت في ثورة 2011. ويتسع ميدان التحرير لنصف مليون شخص لذلك يستحيل الإدعاء ان هناك ملايين من الأشخاص في ميدان التحرير في كل مرة ينظم إحتجاج هناك. ربما كان هناك بضعة ملايين متظاهر في مناطق مختلفة من البلاد نزلوا الى الشارع للإحتجاج على حكم الإخوان المسلمين و لكن هذا الرقم بعيد كل البعد عن الثلاثين أو الأربعين مليون التي اوردها البعض. هذا يعني ان 45% من الشعب شارك في الإحتجاجات و هذا مستحيل لأن عدد صغار السن في مصر كبير جدا.”
و ديفس محق لأن خمس الشعب المصري البالغ 80 مليون هم اطفال دون العاشرة.
فمن اين جاء الرقم “30 مليون”؟ من الصعب جدا تتبع مصدر هذا الرقم او أي تقديرات أخرى.
و يقول كريس جرينوي من وحدة البي بي سي للمراقبة و هو فريق متخصص بمتابعة الإعلام الدولي “هناك رقم يتردد بكثرة و هو 17 مليون. و لكن لم استطع تتبع مصدر هذا الرقم. وكالة الأنباء الرسمة المصرية نقلت عن وزير الداخلية انكاره ان تكون وزارته مصدر هذا الرقم لذا استبعد ان يكون صدر عنهم . وكالة رويترز للأنباء نقلت عن مصدر عسكري ان الأعداد كانت حوالي 14 مليون. و بعد ذلك سمعنا تقارير تتدعي ان الرقم حوالي 33 مليون”
و يعلق ديفيس أن الجانبين لعبا لعبة الأرقام لإظهار حجم الدعم لوجهة نظرهما. و يستطرد، “ليس هناك شك أن ما شهدناه الأسبوع الماضي كان انقلابا عسكريا. و لذلك كان لزاما تبرير ذلك بالقول انه إنقلاب عسكري يدعمه الشعب . انه من مصلحة هؤلاء الذين دعموا الإقلاب على مرسي القول ان ملايين تدعمهم”
و يقول وير ايضا انه منذ ازاحة مرسي، حاول الجانبان تضخيم ارقام مناصريهم في الشوارع، و هذا ليس بالأمر الجديد.
و تبين استاذة الرياضيات في جامعة لندن هنا فراي انه يتوجب توخي الحذر قبل تصديق اي من هذه الأرقام. و تضيف “من النادر جدا ان تغيب الدوافع الذاتية عن اسلوب تقديرر اعداد الجماهير. و لو اخذنا على سبيل المثال المظاهرات ضد الحرب في لندن في 2007 لوجدنا ان الشرطة قدرت عدد المتظاهرين بحوالي 10000بينما قال المنظمون انها كانت حوالي 60000”
و يؤكد البروفسور بول يب أنه حتى في غياب الدوافع السياسية ، تبقى تقديرات أعداد المتجمهرين متفاوتة. و يورد كمثال اعداد الذين تجمهروا لمتابعة عرس الأمير ويليام و كيت ميدلتون حيث تراوحت الأرقام بين نصف مليون الى مليون. و كذلك الحال بالنسبة لحفل تنصيب اوباما عندما قدرت مصادر حكومية غير رسمية عدد الجماهير بحوالي 1.8 بينما قدرها اخرون بحوالي مليون.
و هناك عدة وسائل لتقدير عدد الجماهير المحتشدة و لكنها جميعا ليست دقيقة.
أسهل وسيلة لتقدير عدد الجموع هو إلتقاط صور عن طرق الأقمار الصناعية و رسم شبكة مربعات فوقها و من ثم يتم عد الأشخاص في احدى المربعات ومضاعفة هذا الرقم حسب عدد المربعاات.
و لكن حدود الحشود متفاوتة و متغيرة و الناس لا يتجمعون عادة بشكل منظم لذلك من الصعب قياس كثافة التجمع بشكل دقيق.
“تقدير الأعداد عادة لا يعدو كونه مجرد لعبة تخمين” يقول البروفسر يب.
و التحدي الأكبر هو تقدير اعداد جموع متحركة حيث يشير البروفسر يب الى ان المسوحات التي تجرى بعد انتهاء الحدث لا يمكن الوثوق بها و الإعتماد عليها لأن ردود افعال الناس قد تكون غير صادقة.
و هناك طريق اخرى و هي القيام بعد الجموع التي تعبر نقطة معينة في مسار المظاهرة و لكن كيف يمكن احتساب الأشخاص الذين ينظمون الى التجمع في نقطة اخرى او الذين يمرون مرتين؟
و يقوم يب منذ عشر سنوات بمراقبة أعداد الأفراد الذين يشاركون في مظاهرات الأول من تموز في هونغ كونغ و الذي يصادف ذكرى عودة هونغ كونغ الى السيادة الصينية.
و يلجأ يب الى احتساب الأعداد في نقطتين أ و ب. حيث يقوم بسؤال الأشخاص عند نقطة ب اذا كانوا قد مروا في نقطة أ. و هكذا يتخلص من مشكلة احتساب بعض الأفراد مرتين.
و شهدت السنوات العشر الأخيرة تفاوتا مضطردا بين تقديرات المنظمين و الشرطة . هذا العام على سبيل المثال ادعت الشرطة ان عدد المشاركين حوالي 66000 بينما قدرها المنظمون بحوالي 420000 و يقول يب انها حوالي 100000.
و يعلق يب أن المنظمون يميلون عادة الى المبالغة بالأعداد لتحقيق مكاسب سياسية و لكن هذا يضر بقضيتهم. ووجود 100000 في الشارع يوجه رسالة قوية ان الناس يطالبون بتغييرات حقيقية “و لكن الذي يحدث هو ان المنظمون يقدمون ارقاما كبيرة و مبالغ بها تشعر الناس بالقلق و عدم الإرتياح. و هذا امر سلبي للقضية”
و يخلص الى ان اعداد الجماهير اصبحت قضية علاقات عامة بدلا من ان تسخر للبحث عن الحقيقة.
المصدر: مترجم من تقرير BBC