ترجمة حفصة جودة
عندما هاجمت قوات الأمن السعودية منزل عبد الله في العوامية (أكبر مدينة بها تجمع شيعي في محافظة القطيف الشرقية) شهر فبراير الماضي لم يتمكنوا من العثور عليه، فقد كان يختبئ منذ أن اقتحمت قوات الأمن منزله في شهر مايو من العام الماضي، ومنذ ذلك الحين يتنقل عبد الله بين بيوت ومحلات مختلفة كل يومين.
يخشى عبد الله أن لا يرى أسرته ثانية إذا أُلقي القبض عليه، فحتى الآن لم ير ابنته ذات الستة أشهر، يقول عبد الله: “لم أر زوجتي منذ 9 أشهر، وليس لدي سوى بعض الصور لابنتي، من المؤلم أن لا أكون بجانبهم كل هذا الوقت”.
يقول النشطاء إن عشرات الشباب يختبئون في العوامية حيث لا يستطيعون الخروج منها بسب نقاط التفتيش التي أقامتها القوات السعودية منذ أغسطس الماضي عندما دمر الربع القديم من المدينة وأجبرت سكانها على الانتقال.
يقول عبد الله: “ما زلت لا أعلم لماذا يبحثون عني، أعتقد لأنني شاركت في الاحتجاجات ضد الدولة في أثناء الربيع العربي، المجتمع في العوامية كله خائف، فأنا أعرف على الأقل 50 شخصًا تعرضوا للاعتقال”.
صورة لحي العوامية بعد هدمه
تعرض 6 أفراد من عائلة عبد الله للاعتقال العام الماضي، وفي شهر فبراير اعتقلوا ابن اخته عندما ذهبوا لإلقاء القبض عليه ولم يجدوه ويقول عبد الله إنهم يرسلوا المعتقلين إلى السجن في الدمام الشرقية ويحاكموهم بعد ذلك بتهمة إيواء الإرهابيين أو محاولة الإطاحة بالدولة.
هذه الاتهامات تم تلفقيها للأشخاص الذي تظاهروا ضد الأسرة الحاكمة في فترة الربيع العربي عام 2011، حيث خرج العديد من الشيعة في ذلك الوقت خلف رجل الدين الشيعي المعروف نمر النمر الذي دعا إلى إنهاء الملكية في السعودية وتحدث عن التمييز الديني والسياسي للشيعة في المملكة.
قبضت السلطات السعودية على النمر عام 2012 وأعدمته عام 2016 مع 46 سجينًا آخر بتهمة الإرهاب، مما أثار العديد من الاحتجاجات في المنطقة، تشتهر المملكة بعدم تسامحها مع الأقليات الدينية خاصة الشيعة الذين ما زالوا يواجهون الاعتقال والإعدام بتهم جائرة.
نساء الشيعة يشاركن بتظاهرة في القطيف الشرقية ضد إعدام النمر عام 2016
وفي تقرير صدر عام 2017 قالت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إن السعودية شهدت زيادة كبيرة في عدد حالات الإعدام ضد خصومها السياسيين بما في ذلك الشيعة، فقد حُكم بالإعدام على 38 مواطنًا شيعيًا مؤخرًا، ويشكل الشيعة نحو 10 إلى 15% من عدد السكان في السعودية.
مذنبون بالتبعية
تلاحق الحكومة الآن أفراد عائلة النمر، ويخشى أحد أبناء عمومته على حياته ويحاول الهرب من العوامية، يقول جهاد النمر: “أعتقد أنهم يلاحقونني لأنني تظاهرت مع النمر واحتججت على إعدامه، كما أنني تظاهرت عندما رفضت السلطات تسليم جثته لنمنحه مدفنًا كريمًا”.
بعد عدة أيام من اختباء جهاد، هاجمت السلطات منزله واعتقلت إخوته وأبناء إخوته، واحتجزوا النساء في إحدى غرف البيت عندما بدأن بالصراخ من أجل أبنائهن وأزواجهن، يقول جهاد: “لقد اعتقلوا أخواي وأبناء إخوتي وتحاول الأمهات والزوجات الوصول إليهم لكن السلطات لم تخبرهم بأي شيء”.
في الوقت نفسه ادعى ولي العهد محمد بن سلمان أن المملكة ليس لديها أي مشكلة مع الشيعة ومشكلتها مع إيران، لكن جهاد يعتقد أن المزيد من الشيعة سيموتون في عهده.
المُصلح؟
يعاني الشيعة من عقود طويلة من التهميش تحت الحكم السني السعودي، ويقول البعض إن القمع ازداد سوءًا بعد أن أصبح ابن سلمان وليًا للعهد، وتقول دانا أحمد الناشطة في منظمة العفو الدولية إن هناك 26 رجلًا أيدت المحكمة العليا أحكام الإعدام الصادرة بحقهم منذ تولي ابن سلمان السلطة مما يجعل إعدامهم وشيكًا، وأضافت: “ما زالت السلطات تستخدم عقوبة الموت كسلاح ضد الأقلية الشيعية في المملكة السعودية”.
“يتصرف ابن سلمان كأنه الملك بالفعل ويخبر الغرب أنه سيصلح الإسلام، لكن الهجمات ما زالت مستمرة على بيوت الشيعة وليس لهم أي حقوق سياسية” – عباس
بعد فترة وجيزة من تولي ابن سلمان السلطة، هاجمت القوات السعودية العوامية عدة مرات واشتبكت مع السكان الشيعة المسلحين في المنطقة، يقاوم السكان هدم حي المسورة التاريخي، هذا الحي الذي حذرت الأمم المتحدة من هدمه الذي بُني قبل 400 عام وحذرت من تدمير التاريخ الثقافي للمدينة.
لكن الحكومة السعودية تخطط لبناء مشروع تنموي في المنطقة بما في ذلك مركزًا تجاريًا، بعد أن ادّعت أن الحي يأوي مسلحين شيعة، وكانت العوامية (مسقط رأس النمر) مركزًا دائمًا لتظاهر الشيعة منذ الربيع العربي عام 2011.
وبينما توقف القتال في أغسطس الماضي، أقامت القوات السعودية نقاط تفتيش على كل مخارج المنطقة وكثفت وجودها في المدينة، وبسبب الهجمات البوليسية المستمرة يقول الشيعة في العوامية وفي المدن السعودية الأخرى إنهم يعيشون في خوف دائم.
حطام المباني التي هدمتها الجرافات في القطيف
منذ أن أصبح ابن سلمان وليًا للعهد وهو يصور نفسه أنه “المُصلح”، فقد أعلن السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، لكن عباس – أحد مواطني العوامية – يقول: “ما زالت الأقلية الشيعية خارج الصورة التي يسوقها ابن سلمان لنفسه، إنه يتصرف كأنه الملك بالفعل ويخبر الغرب أنه سيصلح الإسلام، لكن الهجمات ما زالت مستمرة على بيوت الشيعة وليس لهم أي حقوق سياسية”.
طابور الموت
تقول زكية – زوجة عباس الحسن أحد المحكوم عليهم بالإعدام – إن الحسن قُبض عليه منذ يونيو 2013، وعندما جاء البوليس للقبض عليه تشبثت به ابنتاه في منزلهم بجدة، وما زالت ابنته ماريا – 15 عامًا – تتذكر قبضة يده للمرة الأخيرة وقتها، تقول ماريا: “سحبتني أمي من بين ذراعي والدي حتى يتمكن البوليس من القبض عليه، أتمنى أن يعود والدي مرة أخرى فنحن نفتقده بشدة ونحتاج إليه”.
متظاهرون شيعة في قرية العوامية ضد إعدام نمر النمر
بعد أن قضى الحسن 3 سنوات في سجن جدة، حُكم عليه بالموت في ديسمبر 2016 بتهمة التواصل مع السلطات الإيرانية وتشكيل خلية تجسسية في السعودية، لكنه وأسرته أنكروا تلك التهم، كانت الأدلة المستخدمة ضد الحسن اعترافاته التي قالها تحت التعذيب، لكنه لم يخبر زوجته بسوء المعاملة التي يتعرض لها سوى أنهم يربطون قدميه ويديه ولا يتمكن من النوم لعدة أيام، وكانت السلطات قد هددته أيضًا باعتقال زوجته وأطفاله إذا لم يخبرهم بما يريدون سماعه.
تقول الناشطة دانا أحمد إن العديد من المساجين تحدثوا عن صفعهم على الوجه وجلدهم على ظهورهم والتهديد بالمزيد من التعذيب إذا لم يوقعوا على الاعترافات أمام القاضي، وأضافت أن السلطات لم تحقق في قضية تعذيب المعتقلين مطلقًا.
بعد أسابيع من الحكم بالإعدام على الحسن استأنف محاموه القرار، وفي تلك الفترة كانت زكية تزوره كل أسبوعين، تقول زكية: “في كل مرة أزوره فيها أجد أن صحته تتدهور عن ذي قبل، وقد أصبح يعرج الآن ونحيفًا للغاية”.
احتجاجات القطيف بعد إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر
في ديسمبر الماضي أخبر حراس السجن زكية أن زوجها انتقل إلى سجن الرياض ولم يعد مسموحًا لها بزيارته، فسافرت إلى العاصمة لتسأل عنه في المحكمة العليا فأخبرها القضاة أن الحكم بالإعدام قد تم التصديق عليه مع 11 سجينًا شيعيًا آخر، هذ الحكم الذي وصفته منظمة العفو الدولية بأنه “محاكمة جماعية ظالمة”، كما اتضح أن المحكمة تصدق على أحكام الإعدام دون إبلاغ عائلات المحكومين ومحاميهم، لكن زكية لم تتقبل الحكم بعد وتصفه بأنه حكم ظالم.
يقول طه حجي – محامي حقوق الإنسان الذي تتواصل معه زكية في ألمانيا – إن محاميين المعتقلين السياسيين معرضين للخطر إذا تحدثوا للإعلام، وقال إنه اضطر للرحيل من البلاد بعد أن حاول لمدة عامين إقناع السلطات بعدم إعدام النمر، وقال: “لقد تلقيت مكالمة من مكتب النائب العام بعد إعدام النمر يخبرونني فيها أنني مطلوب القبض عليّ، لم أتمكن من معرفة التهم الرسمية لكني حلقت إلى إسطنبول سريعًا وكنت محظوظًا لأنني لم أتعرض لمضايقات في المطار”.
لكن الحسن لا يملك الحظ الذي يملكه حجي، وتقول زكية إنها لا تملك أي شيء بعد التصديق على حكم الإعدام، لكنها ما زالت تزور زوجها بعد عودته إلى سجن جدة، ولعدم وجود جدول زمني لتنفيذ الحكم فهي لا تعلم كم مرة ستتمكن من زيارته، تقول زكية: “لا أستطيع أن استكمل حياتي دون زوجي، أشعر بألم شديد في قلبي لكنني أتظاهر بالقوة أمامه”.
المصدر: ميدل إيست آي