ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد أشهر من الانتظار؛ حصلت فداء غانم على تصريح من إسرائيل ومصر لمغادرة غزة لتلقي العلاج العاجل من سرطان الغدد اللمفاوية في الربيع، لكن في صباح اليوم التالي، استولت القوات الإسرائيلية على المعبر الحدودي الوحيد من غزة إلى مصر، في رفح، كجزء من هجوم عسكري ضد حماس في المنطقة.
لقد توفيت السيدة فداء غانم، 42 سنة، بعد شهر واحد في أوائل حزيران/ يونيو، بينما كانت الحدود لا تزال مغلقة.
وقال زوجها، ماهر غانم: “كان ينبغي أن يُسمح لها بالمغادرة بمجرد اكتشافهم للسرطان، ولكن كان هناك تأخير تلو الآخر”.
بالنسبة لجميع سكان غزة تقريبًا؛ كان معبر رفح الجنوبي هو المنفذ الوحيد للخروج منذ بدء الحرب قبل تسعة أشهر، ولكن منذ استيلاء إسرائيل عليه في أوائل شهر أيار/ مايو، تم إغلاقه أمام جميع المدنيين ولم يتمكن المسؤولون الإسرائيليون والمصريون والفلسطينيون من الاتفاق على شروط إعادة فتحه.
وقد حذر عمال الإغاثة والأطباء من أن الإغلاق المطول يعرض بعض الأشخاص الذين لا حول لهم ولا قوة في غزة للخطر، بما في ذلك الأطفال المصابين بحروق شديدة ومرضى السرطان والأشخاص الذين يحتاجون إلى جراحة في القلب. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يحتاج أكثر من 10,000 شخص إلى علاج طبي فوري خارج القطاع.
وقالت تانيا هاري، التي تدير منظمة “غيشا”، وهي منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان تدافع عن حرية الحركة لأكثر من مليوني فلسطيني في غزة: “يدفع سكان غزة الأكثر ضعفًا – الأطفال والمرضى وكبار السن – الثمن الأعلى”.
وأدى الإغلاق أيضًا إلى قطع طريق حيوي للمساعدات الإنسانية إلى غزة، وعلى الأقل لبعض الوقت، مما أدى إلى انخفاض كبير في الكميات التي تدخل إلى السكان الذين يعانون بالفعل من الجوع على نطاق واسع.
وكانت حركة حماس تدير جانب غزة من معبر رفح منذ سيطرة الحركة على القطاع بشكل كامل في سنة 2007 وحتى سيطرة إسرائيل عليه في أيار/ مايو. وكثيرًا ما استخدمت مصر، التي تنسق بشكل وثيق مع إسرائيل في المجال الأمني، المعبر لممارسة الضغط على حماس، بما في ذلك فرض حصار مشترك مع إسرائيل على غزة لمدة 17 سنة.
وللتصدي لتعطيل المساعدات بعد إغلاق المعبر؛ وافقت مصر على تحويل بعض الشاحنات التي تنقل المواد الغذائية والأدوية إلى القطاع عبر طريق آخر، وهو معبر كرم أبو سالم، وهو بوابة تسيطر عليها إسرائيل.
وغالبًا ما يضطر سكان غزة العاديون إلى دفع آلاف الدولارات للوسطاء للحصول على تصريح لعبور الحدود. أما المواطنون مزدوجو الجنسية، الذين يتم ترتيب خروجهم عن طريق سفاراتهم في القاهرة، والمرضى ذوي الحالات الحرجة الذين يغادرون بالتنسيق مع السلطات المصرية؛ فلا يضطرون عمومًا إلى الدفع.
وتسيطر إسرائيل على جميع الطرق الأخرى للخروج من غزة. ويربط معبر كرم أبو سالم قطاع غزة بإسرائيل فقط، ولكن هناك نقطة حدودية منفصلة مع مصر على بعد حوالي 25 ميلًا جنوبًا، خارج قرية نيتسانا الإسرائيلية. وفي الشهر الماضي، سمحت إسرائيل ومصر لحوالي 20 طفلًا مريضًا وجريحًا من غزة بالمغادرة عبر كرم أبو سالم والدخول إلى مصر من معبر نيتسانا لاختبار جدوى هذا الطريق.
لكن آلاف آخرين ممن هم بحاجة ماسة للعلاج ما زالوا عالقين في غزة.
وقالت منى أبو هولي، وهي أستاذة جامعية من وسط غزة، إنها نجت من الانفجارات التي قتلت إحدى بناتها وأصابت اثنتين أخريين بشظايا عميقة. وتحتاج الابنتان الناجيتان، لمى وملك، إلى عملية جراحية وقد حصلتا على تصاريح للمغادرة عبر رفح في 7 أيار/ مايو، لكنهما لا تزالان تنتظران الخروج.
وقالت منى أبو هولي: “نحن نتمسك بأي أمل ممكن. وكل خبر نسمعه نتشبث به”.
وقد ضغطت الولايات المتحدة على مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاء من الضفة الغربية وكانت تدير غزة قبل استيلاء حماس على القطاع في سنة 2007، لإعادة فتح معبر رفح، لكن المسؤولين الإسرائيليين والمصريين والفلسطينيين لا يستطيعون الاتفاق على كيفية القيام بذلك.
وتطالب مصر بانسحاب إسرائيلي كامل، وفقًا لوسائل الإعلام الرسمية المصرية. وتقول إسرائيل إنها لن تسمح لحماس بالسيطرة على المعبر مرة أخرى، متهمة إياها باستخدام معبر رفح لتهريب الأسلحة إلى غزة.
وقد سعى المسؤولون الإسرائيليون في السر إلى إقناع السلطة الفلسطينية بإرسال موظفين لإدارة المعبر بشكل غير رسمي تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وفقًا لمسؤولين ودبلوماسيين فلسطينيين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالتعليق علنًا.
ورفضت السلطة الفلسطينية الفكرة، ورفضت تولي إدارة الحدود إلا إذا كان ذلك جزءًا من مسعى أوسع نطاقًا لفرض السيادة الفلسطينية الكاملة على غزة، وهو ما تعارضه إسرائيل. وبالمثل، اتصلت إسرائيل ببعثة من مراقبي الحدود التابعين للاتحاد الأوروبي الذين كانوا موجودين في المعبر حتى سنة 2007، لكنهم رفضوا العمل هناك دون السلطة الفلسطينية، بحسب دبلوماسيين.
وبحلول أواخر حزيران/ يونيو، كشفت الصور عن تدمير جزء كبير من معبر رفح، وهي عقبة أخرى أمام أي إعادة فتح سريع للمعبر.
ورفضت الحكومة الإسرائيلية في الغالب تحمل مسؤولية المرضى والجرحى من سكان غزة. فهذا الأسبوع، رفض بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، اقتراحًا قدمه وزير دفاعه، يوآف غالانت، لبناء مستشفى ميداني لأطفال غزة على طول الحدود مع القطاع.
وحتى قبل الحرب، أدى الحصار الإسرائيلي المصري على قطاع غزة الذي تحكمه حماس إلى شل القطاع الصحي في القطاع، مما أجبر الكثيرين على البحث عن العلاج في إسرائيل أو الضفة الغربية. كما أن المعدات الأساسية مثل أجهزة الأشعة السينية قد تستغرق سنوات حتى تصل، إن وصلت أصلاً، وأدى ذلك إلى هجرة بعض الأطباء.
وبعد الهجوم الذي قادته حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر والذي أشعل فتيل الحرب، توقفت إسرائيل عن السماح لسكان غزة بالدخول لتلقي الرعاية الطبية. واكتظت مستشفيات غزة بالقتلى والمصابين بأعداد كبيرة، فضلاً عن عشرات الآلاف من الباحثين عن الأمان من الهجوم الإسرائيلي.
وكافح الأطباء الذين يعانون أصلاً من نقص في التجهيزات الطبية للتعامل مع نقص الأدوية والوقود اللازم لتشغيل مولدات المستشفيات. كما اقتحمت القوات الإسرائيلية بعض المنشآت الطبية التي قالت إن حماس تستخدمها لأغراض عسكرية، بما في ذلك الأنفاق الموجودة تحت بعض المستشفيات. وقد نفت حماس ومسؤولو الصحة في غزة هذه الادعاءات.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، بدأت مصر، بالتنسيق مع إسرائيل، بالسماح لعدد قليل من الحالات الطارئة، مثل حالات الأطفال المصابين بالسرطان، بالمغادرة عبر معبر رفح. وتم نقل معظم الحالات التي تم إجلاؤها إلى مستشفيات مصرية، بينما تم إرسال البعض الآخر إلى قطر أو الإمارات أو عدة دول أوروبية. وتلقى عدد قليل منهم العلاج في الولايات المتحدة.
وقال الدكتور شانون باركلي، وهو مسؤول كبير في منظمة الصحة العالمية في غزة والضفة الغربية ومقرها في القدس، إنه في بداية الحرب، كان يُسمح لعشرة فقط من المرضى والجرحى من سكان غزة بالمغادرة يوميًا، وقد زاد العدد إلى حوالي 50 شخصًا بحلول أوائل شهر أيار/ مايو، قبل إغلاق المعبر، لكن الطلب كان دائمًا ما يفوق تلك الحدود.
ووفقًا لأرقام منظمة الصحة العالمية، قدم مسؤولو غزة ما لا يقل عن 12,760 طلبًا لمغادرة الأشخاص للحصول على الرعاية الطبية منذ بدء الحرب. وتمت الموافقة على حوالي 46 بالمائة من هذه الطلبات، وقد تمت الموافقة على العديد منها بعد تأخير لأسابيع أو أشهر.
وتدقق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والمصرية على حد سواء في قوائم الأشخاص الذين يمكنهم المغادرة، وفقًا للدكتور باركلي. ونادرًا ما يوافقون على طلبات نقل المرضى أو الجرحى الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و60 عامًا، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
وقال الدكتور باركلي: “إن الحاجة الطبية هائلة لأن النظام الصحي قد دُمر”.
وقال غانم، وهو ضابط سابق في قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، إنه دفن زوجته في شهر حزيران/ يونيو دون جنازة لائقة بسبب الهجوم الإسرائيلي على وسط غزة، مضيفًا أنها هي أيضًا كانت ضحية للحرب.
بالنسبة لأحد أطفال غزة، حتى الفرصة غير العادية للتحايل على إغلاق الحدود جاءت متأخرة جدًا. فقد شُخصت إصابة نبيل كحيل (5 سنوات) بسرطان الدم الحاد في منتصف نيسان/ أبريل، بينما كانت الحرب على أشدها، بينما كانت عائلته التي كانت ميسورة الحال تعيش في مخيم للنازحين الفلسطينيين في رفح.
وتقول والدته آية كحيل، 28 سنة: “كنا نعيش في الخيام، والذباب يتساقط علينا في النهار والبعوض في الليل. فجأة، غطته الكدمات التي تحولت إلى اللون الأحمر في البداية، ثم إلى اللون الأرجواني. وانتفخ بطنه، وأخبروني أن هناك نموًا في الطحال والكبد”.
في 6 أيار/ مايو، ظهر اسم نبيل على قائمة الأشخاص الذين يمكن إجلاؤهم في اليوم التالي مع ملاحظة تشير إلى أن حالته كانت عاجلة، ولكن بحلول صباح اليوم التالي، شنت إسرائيل هجومها على رفح واستولت على المعبر، وانتظرت العائلة لأسابيع.
في أواخر أيار/ مايو، تلقت أية كحيل خبرًا مفاجئًا: وافقت إسرائيل على علاج نبيل في مستشفى أوغستا فيكتوريا، وهو مستشفى يديره الفلسطينيون في القدس الشرقية، وهو أمر نادر الحدوث خلال هذه الحرب.
وفي صباح اليوم التالي، نُقل في سيارة إسعاف إلى معبر كرم أبو سالم، وكان محمومًا ويرتجف، حسبما قالت والدته التي رافقته.
ولم تعلن إسرائيل عن إجلائه، ربما خوفًا من رد الفعل العنيف في الداخل. وقد أعرب بعض الإسرائيليين اليهود، بمن فيهم أعضاء في الائتلاف الحاكم، عن معارضتهم للمساعدات الإنسانية لسكان غزة.
وقالت الدكتورة خضرة سلامي، طبيبة أورام الأطفال التي عالجته في القدس، إن نبيل “كان يعاني من ألم شديد، وكان يعاني من حمى شديدة، وكان متسخًا ومغطى بتغيرات زرقاء اللون”.
وأضافت: “كان من الواضح أن سرطان الدم قد تسلل إلى جميع أعضائه”.
بعد يومين، توفي نبيل بسبب عدوى مقاومة للأدوية كان قد التقطها في غزة. وقالت الدكتورة سلامي إن الانتظار لمدة ثلاثة أسابيع بعد إغلاق معبر رفح ربما كلفه حياته. وأضافت: “كل يوم من التأخير كان مهمًا”.
المصدر: نيويورك تايمز