في الوقت الذي تعاني فيه تونس، من مصاعب عدة وأزمات كثيرة، ليس أقلها أزمة التعليم وارتفاع الأسعار وتزايد الاحتكار، ركّز وزراء حكومة “الوحدة الوطنية” عن حركة “نداء تونس” كل جهودهم على دعم حزبهم في الاستحقاق الانتخابي القادم وتصدر حملاته الانتخابية في مختلف أنحاء الوطن، دون أو يولوا أي اهتمام لمشاكل البلاد، مما أثار استنكار التونسيين.
الحياد؟
في الـ5 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدرت رئاسة الحكومة التونسية منشورًا حكوميًا يتعلّق بضرورة التزام الإدارة بواجب الحياد بمناسبة الانتخابات المحلية القادمة المقرّر إنجازها في الـ6 من مايو/أيار المقبل.
وجاء في هذا المنشور: “من رئيس الحكومة إلى السيدات والسادة الوزراء وكتاب الدولة والولاة ورؤساء النيابات الخصوصية والمديرين العامين للمؤسسات العمومية والرؤساء المديرين العامين للمنشآت العمومية، تحجير توزيع وثائق أو نشر شعارات أو خطابات متعلقة بالدعاية الانتخابية وذلك مهما كان شكلها أو طبيعتها بالإدارة والمؤسسات والمنشآت العمومية من قبل رئيس الإدارة أو الأعوان العاملين بها أو منظوريها أو الموجودين بها.
غير أن هذا المنشور، وضع كغيره من القوانين التي تنص على ضرورة الحياد في أدراج مكاتب المسؤولين وعلى رأسهم موقّعه يوسف الشاهد، مباشرة مع بدأ الحملة الدعائية الانتخابية التي انطلقت في الـ14 من الشهر الحاليّ.
وزراء “النداء” يتصدرون الحملة الانتخابية
نهاية الأسبوع الماضي، نشرت صفحة حزب “نداء تونس” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” صورًا لمشاركة رئيس الحكومة يوسف الشاهد في الحملة الانتخابية للحزب (رئيس الحكومة ينتمي لحزب نداء تونس)، في إحدى الضواحي الشمالية للعاصمة التونسية.
وقبل ذلك، شوهد العديد من الوزراء المنتمين لنداء تونس في أوقات عملهم الحكومي، في الشوارع والمقاهي والساحات، يروجون لبرامج حزبهم في هذه الانتخابات، دون أن يولوا أي اهتمام لمسألة الحياد أو حتى لعملهم الحكومي في هذه الظرفية الحرجة التي تمر بها تونس.
تصدر وزراء النداء حملات حزبهم الانتخابية، أثار موجة رفض واحتجاج كبيرة لدى التونسيين وأحزاب المعارضة
وكان حزب النداء قد كلف منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي 29 من قياداته السياسية والحكومية بالإشراف على الحملات الانتخابية المتعلقة بالانتخابات البلدية، ومن ضمنهم 10 وزراء و5 وزراء دولة و4 مستشارين لدى رئيس الدولة، وهم سليم العزابي الوزير مدير الديوان الرئاسي ونور الدين بن تيشة الوزير المستشار لدى الرئيس المكلف بالعلاقةَ مع الأحزاب والبرلمان وسعيدة قراش الوزيرة المستشارة المتحدثة باسم رئاسة الجمهورية وفراس قفراش مستشار الرئيس المكلف بالاتصالَ.
فيما كلف من الوزراء: الهادي الماكني الكاتب العام للحكومة، وحاتم بن سالم وزير التربية، ورضا شلغوم وزير المالية، ورضوان عيارة وزير النقل، وسلمى اللومي وزيرة السياحة، وماجدولين الشارني وزيرة الشباب والرياضة، وسليم الفرياني وزير الصناعة والطاقة، وحاتم الفرجاني كاتب الدولة للخارجية، وشكري بن حسن كاتب الدولة لدى وزير الشؤون المحلية، وعادل الجربوعي كاتب الدولة للهجرة، وعماد الجبري كاتب الدولة للشباب، وهاشم الحميدي كاتب الدولة للمناجم.
وتواصل الأحزاب والقوى السياسية في تونس لليوم الـ11 على التوالي، حملاتها الدعائية للانتخابات المحلية القادمة التي من المنتظر أن تستمر إلى الـ4 من مايو بمشاركة 2074 قائمة، تنقسم بين 1055 قائمة حزبية و860 قائمة مستقلة و159 قائمة انتخابية ائتلافية تضم أكثر من حزب سياسي، وتطمح هذه الأطراف في الفوز بـ7177 مقعدًا بلديًا، موزعًا على 350 دائرة بلدية.
تداخل بين أجهزة الدولة والحزب
تصدُر وزراء النداء حملات حزبهم الانتخابية، أثار موجة رفض واحتجاج كبيرة لدى التونسيين وأحزاب المعارضة التي حذرت من التداخل بين الدولة والحزب الحاكم وخطورة استغلال النفوذ وإمكانات الدولة في هذه الانتخابات المحلية، وحمّلت أحزاب تونسية، رئيس الحكومة يوسف الشاهد مسؤولية التداخل بين الحكومة والحزب الحاكم، وطالبت هذه الأحزاب الشاهد بضرورة وضع حد لما يحصل حتى لا يسخّر وزراء “نداء تونس” نفوذهم الحكومي في الحملة الانتخابية البلدية.
من جهته، اعتبر حزب “حركة مشروع تونس” في بيان له، أن مشاركة يوسف الشاهد في الحملة الانتخابية لحركة نداء تونس في إحدى مناطق العاصمة “يشكل خرقًا لمبدأ حياد السلطة التنفيذية الذي أعلنه رئيس الحكومة بنفسه، وتجاوزًا خطيرًا لروح ونصّ وثيقة قرطاج التي أدت إلى تشكيل حكومةٍ سُمّيت بحكومة الوحدة الوطنية لتكون على مسافة واحدة من جميع الأحزاب، ولتنكبّ حصريًا على تجاوز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة”.
تخشى أحزاب المعارضة من إعادة إنتاج تداخل أجهزة الدولة مع أجهزة الحزب الحاكم
وتسعى حركة “نداء تونس”، حسب عديد من التونسيين، إلى الاستعانة بالدولة وإمكاناتها، لاستعادة إشعاعها وللفوز بالانتخابات المحلية القادمة، خاصة بعد فشلها الذريع في تحقيق أيّ من وعوده الانتخابية التي تضمنها برنامجه الانتخابي سنة 2014.
وعجز النداء الفائز في انتخابات 2014، عن تحقيق آمال التونسيين، ويُردّد التونسيون في معظم مناطق البلاد المطالب نفسها منذ سنوات، منادين بالتنمية والقطع مع المركزية وبتقريب المصالح والخدمات وبالحق في التنمية والعدالة الاجتماعية والتمييز الإيجابي لصالح الفئات والجهات المهمشة.
وبلغ العدد الإجمالي للمترشحين في الانتخابات المحلية المقبلة، أكثر من 45 ألف شخص، 52% لا تتجاوز أعمارهم 35 سنة، إضافة إلى نحو 8300 شخص مسجّل في القائمات التكميلية، ويشترط القانون الانتخابي في تونس على كل قائمة مترشحة في الانتخابات البلدية أو التشريعية تقديم قائمات تكميلية لسد الشغور في حالات الانسحاب أو وجود موانع قانونية لترشح أحد أعضاء القائمة.
مصلحة الحزب قبل الوطن
فضلاً عن تجاوزهم مبدأ الحياد، قدّم وزراء “نداء تونس” مصلحة حزبهم على مصلحة البلاد، ذلك أنهم تركوا عملهم الحكومي جانبًا واهتموا بالحملة الانتخابية لحزبهم، في الوقت الذي تشكو منه البلاد من صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة، وتشكّك أحزاب المعارضة من نزاهة العملية الانتخابية، وتخشى من إعادة إنتاج تداخل أجهزة الدولة مع أجهزة الحزب الحاكم، مثلما كان الأمر عليه خلال فترة حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي”.
مشاركة وزيرة السياحة سلمى اللومي في الحملة الانتخابية للنداء
ووفق أحدث إحصاءات هيئة الانتخابات التونسية، بلغ عدد الناخبين المسجلين في الانتخابات البلدية 5 ملايين و369 ألفًا، دون احتساب الجالية بالخارج التي لا تشملها الانتخابات البلدية، ولأول مرة، سيشارك أكثر من 36 ألفًا من رجال الأمن والعسكر في الانتخابات البلدية التي ستمثل أول مشاركة لهم في العمل السياسي، ومن المنتظر أن يدلوا بأصواتهم في 29 من أبريل/نيسان الحاليّ، أي قبل أسبوع واحد من تصويت الناخبين المدنيين.