في كل مرة تفتح فيها عبوة من عبوات المشروب الأكثر شعبية في العالم، لا تكون أنت وحدك من يفعلها، هناك نحو 80 مليون إنسان حول العالم يفتح عبوته الخاصة في نفس اللحظة معك ليستمتع بالطعم الرائع لمشروب الكوكاكولا ذي اللونين الأحمر والأبيض.
لكن السؤال هنا، هل تعرف ماذا تحوي تلك العبوة؟ ما الذي تصنعه كوكاكولا تحديدًا لتشربه أنت ومعك ملايين من الأشخاص حول العالم؟
في العام 2011 وفي احتفال ضخم أودع المدير التنفيذي لشركة كوكاكولا “موتار كنت” الوصفة السرية للمشروب واحدة من أضخم خزائن العالم والموجودة داخل متحف كوكاكولا في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا في الولايات المتحدة، ربما يكون كنت واحدًا من اثنين أو ربما ثلاثة في العالم فقط ممن يعلمون الوصفة المكونة لهذا المشروب.
بعدها أعلنت إحدى الإذاعات الأمريكية اكتشاف الوصفة الأصلية التي تتبعها كوكاكولا في تصنيع مشروبها الغازي، صرح عنها صحفي متقاعد هو تشارلز سوالتر الذي نشرها في إحدى الصحف القديمة.
يتحدث عن ذلك السبق، بأن أحد أصدقائه الصيادلة أطلعه على ورقة مكتوبة بخط اليد تعود للعام 1910 بها معلومات عن المكونات المستخدمة في إعداد المشروب وتحوي البرتقال وجوزة الطيب وحامض الليمون وحامض الستريك والكوكايين والكحول والسكر والكزبرة ومستخرج أوراق الكوكا.
نبتة الكوكا موطنها الأصلي أمريكا الجنوبية وتستوردها الولايات المتحدة لغرضين، أولهما طبي ومخصص للصناعات الدوائية والآخر من أجل استخلاصه واستعماله في تصنيع الكوكاكولا
لماذا الكوكايين؟
جون ستيث بمبرتون صيدلي أمريكي اكتشف مشروب الكوكاكولا في القرن التاسع عشر، في أثناء الحرب الأهلية الأمريكية كان جون ضمن صفوف المحاربين وتعرض لإصابات لم تشفها العقاقير المعتادة فتوجه لدراسة نبتة الكوكا التي منها انبثق مشروب الكوكاكولا، حيث أضاف له الكوكايين الذي كان قد أدمنه للحد من آلامه.
من هنا أصبح المشروب يروج كعقار للتخفيف من الآلام وشفاء أي شيء وتداوله الجنود ومنها انتقل للعوام من خلال الصيدليات.
في فترة متأخرة انتزع منه مكون الكوكايين مع الإبقاء على باقي المكونات كما هي، مع تغييرات في التركيبة على مدى 130 عامًا تقريبًا احتفظت بها الشركة ولم تفصح عنها، لكن بعض المركبات تلك ظلت معروفة وأمكن دراستها وتحليلها.
الصودا والكوكا
نبتة الكوكا موطنها الأصلي أمريكا الجنوبية وتستوردها الولايات المتحدة لغرضين: أولهما طبي ومخصص للصناعات الدوائية، والآخر من أجل استخلاصه واستعماله في تصنيع الكوكاكولا.
راي روجرز أحد المناهضين لشركة كوكاكولا يقول إن الشركة تغلف استيرادها لتلك النبتة بكم كبير من السرية، لا أحد يعرف كيف تستخدم ولا الطريقة التي يتعاملون بها معها لتكون جزءًا من المشروب وليس لأي شركة أخرى الحق في استعمالها بخلافهم.
بينما الصودا التي تعطي المشروب إحساسه المميز، يقول عنها بعض العاملين في الشركة إنها تأتي في أوعية ضخمة وتأتي مركزة بحيث لا يستطيع أحد التعامل معها أو لمسها، إذ تكون في شكل حمض مركز يتسبب في تآكل معادن الأرضيات إذا تسرب إليها، بعد التخفيف تضاف للمكونات بواسطة العاملين الذين يعرفون جليًا أن المشروب ليس مجرد نكهات ممزوجة بالسكر فقط.
عند تحليل عبوة واحدة “كان” من مشروب كوكاكولا وجد أنها تحتوي على ما يقارب 9 ملاعق سكر
ربما يفسر لنا هذا المكون لمَ الإفراط في تناول الكوكاكولا يتسبب في هشاشة العظام وتآكل الأسنان والتهابات المثانة والمسالك البولية وغيرها، فالصودا التي نتناولها باستمرار في زجاجات الكولا تتسبب في ذلك وأكثر على المدى البعيد.
السكر
عند تحليل عبوة واحدة “كان” من مشروب كوكاكولا وجد أنها تحتوي على ما يقارب 9 ملاعق سكر وهي نسبة تتجاوز الكمية المسموح بها للشخص البالغ من السكر في اليوم الواحد.
تقريبًا يحتسي المواطن الأمريكي 45 جالونًا من المشروب سنويًا = 170 لترًا = 20 كيلو سكر، لذا يعبر دكتور روبيرت لوستيج – بروفيسور طب الأطفال بجامعة كاليفورنيا – عن قلقه إزاء كمية السكر تلك ويصفها “بالسامة”.
جرعة السكر الكبيرة في العبوة تؤثر على مراكز في الدماغ تجعل من الاستغناء عن السكر أمرًا مستحيلاً، ويعطي إشارات للمخ تشبه إشارات الإدمان التي يسببها الكوكايين والمورفين وغيرها، فكلما يزيد استمتاعك بها يزيد الدوبامين في المخ وهو ما يحفز المتعة، لذا عند محاولة التخفيف أو منع كميات الصودا التي يمررها الشخص لجسده يوميًا ما يلبث أن تظهر عليه أعراض الانسحاب التي تظهر عند العلاج من الإدمان تمامًا.
يعبر دكتور لوستيج عن تأثير كميات السكر تلك على الأطفال بأنه “مروع وكارثي”، فالأطفال في عيادات البدانة وبقياس درجة بلازما الدهن في أجسادهم نجد كمية دهون كنفس النسبة التي في أجساد من هم في الخامسة والستين، فالأمراض التي قد تصيب الأشخاص في سن الرشد والتي بسبب التقدم في السن، تصيب أطفال الآن في سن الثامنة والعاشرة وكل ذلك بسبب كميات السكر.
تناول المشروب المخصص للحمية “الدايت” يحمل أخطارًا من نوع آخر، فمُحلي أسبرتام الذي تضيفه الشركة للمياه الغازية بدلاً من السكر يعد من أخطر المركبات التي قد تدخل للجسم البشري
هذا الأمر سيؤدي بالأطفال للوفاة المبكرة وتخسر الدول مليارات الدولارات وتنهار الرعاية الصحية التي لن تحتمل مصاريف العلاج الباهظة، لذا فإن تناول علبيتين من الصودا يوميًا يوازي تدخين عبوتين من السجائر يوميًا، نفس التأثير ونفس الأضرار.
ماذا عن مشروبات الدايت؟
أما تناول المشروب المخصص للحمية “الدايت” يحمل أخطارًا من نوع آخر، فمُحلي أسبرتام الذي تضيفه الشركة للمياه الغازية بدلاً من السكر يعد من أخطر المركبات التي قد تدخل للجسم البشري، وله تأثيره المدمر على الغدد واستهلاك الطاقة.
الدكتورة علياء كيوان الباحثة في السرطان تقول: “مادة أسبرتام أخطر من السكر، فاستقلابها في الجسم ينتج عنه: فينيل الأنين أسبارتيك أسيد وميثانول، وعملية استقلاب الميثانول تزيد من كمية الفورمالدهايد في الدم، وبالتالي تؤثر على القوى العصبية في الدماغ، وأن المُحليات التي أساسها أسبرتام تعطل المستقبلات العصبية في الدماغ وتسبب ضعفًا في الذاكرة والصداع المزمن والإرهاق العام”.
عند سؤال الشركة نفسها عن هذا التأثير يقول روبيرت أليرمان ممثل شركات المياه الغازية كاليفورنيا بأن الشركة لا تتحمل مسؤولية الأشخاص الذين لا يراقبون الكميات التي يتناولونها من السكر، هذا لا يعني تشجيع الشركة لعملائها بتناول السكر بكثرة ولكن هم على يقين تام بأن منتجاتهم غير ضارة بالصحة.
في هذا الوثائقي يجرب شخص المنتجات المخصصة للحمية التي تدعي الشركات أنها خالية من السكر، ومن ضمنهم شركات المياه الغازية ويوضح حقيقة الأمر:
الكاراميل الملون
الذي يعطي الكوكاكولا لونها المميز هو كاراميل كبريتيد الأمونيا، ذلك المركب يحتوى على مواد مسببة للسرطان، عند مزج الأمونيا مع السكر والأحماض ووضعهم تحت ضغط عالٍ يعطي لون الكاراميل، لكنه ينتج مواد كيميائية جديدة أحدها فورميثيل أميتازول وهي مادة تم دراستها وتأكد بالفعل أنها مسببة للسرطان وتحديدًا سرطان الدم.
دكتور مايك جايكو بسن مدير مركز العلوم في الصحة العامة، يلفت الانتباه لأن ولاية كاليفورنيا طلبوا من الشركة وضع ملصق يحذر من السرطان أو يتخلصوا من تلك المادة وتعهدت الشركة بتقليل كميتها في عبواتها تم الاتفاق على كمية أقصاها 29 ميكروجرامًا من هذه المادة فقط، لكن عند تحليل العبوات أظهرت النتائج أن محتوى العبوة الواحدة نحو 79 ميكروجرامًا أي ضعف النسبة المسموحة تقريبًا.
تعتبر ولاية كاليفورنيا المنطقة الوحيدة التي وقفت أمام استخدام الشركة لهذه المادة، أمريكا وأوروبا وباقي دول العالم لا تمانع استخدامها.
المياه
الحديث عن قضية المياه التي تستعملها كوكاكولا قد لا يكون صحيًا بقدر ما هو أخلاقيًا، ويتعرض مباشرة للمسؤولية الاجتماعية والبيئية التي تتجاهلها الشركة العملاقة.
عام 1980 افتتحت الشركة أحد مصانعها في المكسيك في منطقة سان كريستوفال الغنية بمصادر المياه الطبيعية، لأن لتر المشروب الواحد يستلزم إنتاجه 3 لترات من الماء العذب، لذا افتتحت الشركة مصنعها الجديد فوق منبع المياه مباشرة ويستهلكون يوميًا نحو 750 ألف لتر من المياه وهو ما يكفي نحو 10 آلاف شخص تقريبًا من سكان سان كريستوفال.
تعد كوكاكولا أحد أكثر العلامات التجارية قيمة في العالم
الخبير في مجال المياه أنطونيو جارسيا يقول إن الشركة لا تدفع المقابل المادي الذي يمكن من خلاله تعويض هذا الفاقد من المياه، ففي عام 2003 دفعوا تقريبًا 25 ألف يورو مقابل استهلاك المياه للسنة الواحدة وهو ما لم يغط هذا العجز.
استطاعت الشركة من خلال علاقتها بالحكومة ورئيس الجمهورية وقتذاك أنطونيو جارسيا من الاستمرار في الاستثمار والتصنيع بالمنطقة دون عوائق رغم ما تعرض له السكان المحليون من مشكلات صحية نتيجة نقص المياه.
وصل الأمر إلى أن مشروب الكوكاكولا أصبح بديلاً للمياه، ويستعمله السكان للشرب بدلاً منها، يتناول الشخص تقريبًا 3 زجاجات يوميًا، بسبب انتشارها ورخص ثمنها مقارنة بالمياه التي ارتفع ثمنها لندرتها.
في هذه المنطقة من المكسيك يعاني نسبة 70% من السكان من أمراض السمنة والسكر ووفقًا لإحصاءات الصحة المكسيكية فإن في العام 2020 ستكون النسبة 100%.
الشركة تتسبب للسكان بالمخاطر الصحية من جهتين، إحداهما من جهة منع الماء عنهم واستغلاله لصالحها ومن الجهة الأخرى رفع نسبه استهلاكهم للسكر ومكونات المشروب الغازي.
تعد كوكاكولا أحد أكثر العلامات التجارية قيمة في العالم، تبيع الشركة أكثر من 28 بليون عبوة سنويًا، نسبة 47% منها من نصيب مشروب الكوكاكولا نفسه، بلغ إجمالي عائدات الشركة عام 2013 نحو 46.9 بليون دولار بإجمالي أرباح نحو 8.6 بليون دولار وميزانية إعلانية تجاوزت 3 بليون دولار، ويبلغ عدد العاملين فيها نحو 130600 موظف حول العالم.
غير أن الشركة لا تزال تخفي واحدًا من أكبر الأسرار الصناعية في العالم دون الإفصاح عنه للمستهلكين أو المؤسسات الطبية المعنية بالمراقبة على المنتجات الغذائية لمعرفة ما يشربه المستهلكون بالتحديد، واحد من أهم أسباب قوة شركة كوكاكولا واعتبارها نفسها فوق الجميع ليس فقط وضعها المادي القوي وإنما في استطاعتها شراء السياسيين ورجال القرار في الدول التي تعمل بها من أجل إيقاف أي قوانين من شأنها التأثير على رغبة المستهلك في استهلاك السكر أو استهلاك المنتج نفسه.
بالإضافة لدعمها البحث العلمي الذي تعلق بدراسة مكوناتها، حسب الدكتورة ماريون نستله فإن صحيفة النيويورك تايمز حصلت منذ عامين على رسائل عبر البريد الإلكتروني تكشف علاقة بين شركة كوكاكولا للمشروبات الغازية وباحثين يجرون أبحاثًا تقلل نتائجها من آثار المشروبات السكرية على السمنة.