أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس النواب)، مساء أمس الأحد، مشروع قانون الهجرة المثير للجدل الذي من شأن بنوده أن تسهل على حكومة إدوارد فيليب، إجراءات تسريع وتيرة طرد عدد كبير من المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم الأصلية، خصوصًا تلك التي تعتبرها فرنسا مستقرة سياسيًا وأمنيًا.
بنود “لا إنسانية”
يتضمّن مشروع هذا القانون عن الهجرة الذي يحمل عنوان “هجرة مضبوطة ولجوء فاعل”، خمسة محاور تهدف إلى ضبط الهجرة وتطوير مراكز اللجوء، حيث ستعمد السلطات الفرنسية إلى إنشاء 7500 مركز جديد، والتصدي للهجرة غير النظامية والعمل على جذب الكفاءات.
ويمكن مشروع هذا القانون، مؤسسات الدولة الفرنسية من إتمام معاملات ترحيل أو طرد المهاجرين غير النظاميين بطريقة أسهل وأسرع مما كانت عليه سابقًا، حيث يحدد المدة الزمنية للمهاجرين للتقدم بطلبات اللجوء عند وصولهم إلى فرنسا، إذ بات لا يتمتع طالب اللجوء في فرنسا إلا بتسعين يومًا للتقدم بطلبه الرسمي، بعدما كانت 120 يومًا، ولم يُعط سوى أسبوعين للتقدم بطعن علمًا أن المدة الزمنية للحصول على موعد للتقدم بطلب الطعن تتعدى الشهر.
يعطي مشروع القانون الشرطة الفرنسية الحق في احتجاز مهاجر أو طالب لجوء بين 16 و24 ساعة
فضلاً عن ذلك، ضاعفت السلطات في مشروع القانون الذي أعده وزير الداخلية جيرار كولومب، فترة احتجاز المهاجر إن رأت فيه خطرًا على أمن الدولة الفرنسية من 45 إلى 90 يومًا، مع إمكانية تمديد فترة التوقيف 15 يومًا إضافيًا، وهو ما يسمح بزيادة عدد المرحَلين بأكثر من الضعف بالنظر الى إطالة مدة الاحتجاز.
يحرم مشروع القانون الجديد في إحدى مواده 30% من طالبي اللجوء من إمكانية البقاء على التراب الفرنسي إلى انتهاء القاضي من دراسة ملفاتهم وحتى من اتخاذ قراره، كما يمكن مشروع القانون قوات الأمن من القيام بمداهمات في مراكز إيواء ترعاها مؤسسات دينية أو منظمات غير حكومية، ويعطي الشرطة الفرنسية الحق في احتجاز مهاجر أو طالب لجوء بين 16 و24 ساعة، لحين التأكد من أوراقه الثبوتية.
انتقادات كبيرة
يثير مشروع هذا القانون المصادق عليه، والمنتظر أن يناقش مجددًا في مجلس الشيوخ في يونيو/حزيران المقبل، جدلاً كبيرًا في فرنسا، حيث كان محلّ انتقادات من الأحزاب الفرنسية المعارضة ومن داخل الحزب الحاكم أيضًا “الجمهورية إلى الأمام”، فضلاً عن جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية.
وفي أثناء جلسة التصويت على مشروع القانون، قال النائب جان ميشيل كليمنت، وهو عضو في حركة ماكرون، صوت ضد مشروع القانون: “لست واثقًا من أننا نرسل إلى مواطني العالم الرسالة العالمية التي كانت دائمًا رسالتنا”، وصوت 228 عضوًا في الجمعية الوطنية لصالح مشروع القانون بينما عارضه 139 عضوًا وامتنع 24 عضوًا عن التصويت، وتعتبر هذه المرة الأولى بعد انتخابات ماكرون سنة 2017 التي يصوت فيها أحد نواب حزبه الحاكم ضد سياسات الحزب.
وسجلت فرنسا ما يزيد على مئة ألف طلب لجوء عام 2017، مما يشكل رقمًا قياسيًا بزيادة 17% عن العام 2016، كما منحت اللجوء إلى 36% من مقدمي الطلبات، وكان هذا البلد يعد ستة ملايين مهاجر عام 2014، وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “بي في آ” أن الفرنسيين يؤيدون بغالبيتهم حق اللجوء، غير أن 63% منهم يرون في المقابل أن هناك عددًا طائلاً من المهاجرين، مقابل 37% فقط يؤيدون سياسة ماكرون على صعيد الهجرة.
وتعتبر عدد من المنظمات الحقوقية داخل فرنسا وخارجها، مشروع هذا القانون انتهاكًا لحقوق الإنسان، فهو يتنافى مع مبادئ وقيم فرنسا في مجال حقوق الإنسان، ويهدف إلى فرز المهاجر الجيد وغير الجيد، وذلك اعتمادًا على معيار الجنسية أو الحالة الإدارية لطالب اللجوء في فرنسا، حسب قولهم.
وترى هذه المنظمات أن مشروع القانون الجديد يهدف إلى الرفع من وتيرة توقيف المهاجرين وطالبي اللجوء، وتسهيل إجراءات عملية ترحيل وطرد آلاف المهاجرين غير النظاميين.
انتقدت منظمة العفو الدولية ترحيل السلطات الفرنسية لمهاجرين إلى إيطاليا وأفغانستان
ومن بين المنظمات والجمعيات التي انتقدت مشروع القانون الجديد “فرانس – أرض اللجوء” التي اعتبرته “غير متوازن”، ورابطة حقوق الإنسان التي انتقدت الرغبة في الفرز بين المهاجرين، كما أن مسؤولين في المحكمة الوطنية لحقوق الإنسان وفي المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية عبروا عن آراء منتقدة مشابهة.
وقبل شهرين، قالت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي إن فرنسا لا تزال غير ملتزمة بمسؤولياتها بشأن استقبال المهاجرين واللاجئين، ولم تكن متحملة لمسؤولياتها قبل انتخاب إيمانويل ماكرون، وهي لا تزال على الحال نفسه”، واعتبر التقرير أن فرنسا “لا تزال بعيدة عن الصورة المثالية التي تضع احترام حقوق الجميع في قلب سياستها”.
وانتقد تقرير المنظمة الحقوقية الدولية ترحيل السلطات الفرنسية لمهاجرين إلى إيطاليا وأفغانستان، كما استهجن الإجراءات العقابية التي تستهدف المهاجرين الذين عادوا إلى منطقة كاليه، شمالي فرنسا، بعد تفكيك مخيم الغابة، ولام على السلطات الفرنسية متابعاتها القضائية للناشط الفرنسي سيدريك هيرو، المتهم بتقديم العون لعشرات من المهاجرين القاصرين.
الانقلاب على وعوده الانتخابية
تقديم نص مشروع هذا القانون على أنظار الجمعية الوطنية ومصادقة نواب حزبه عليه، يرى فيه عديد من الخبراء انقلابًا من ماكرون على وعوده الانتخابية، فخلال حملته الانتخابية، أدلى الرئيس ماكرون بجملة من التصريحات ذات الطابع الإنساني والواقعي، وشدد ماكرون على فكرة أن “استقبال اللاجئين يعد شرفًا لفرنسا”، وعقب فوزه بالانتخابات، وعد رئيس الجمهورية الفرنسية بأنه “لن ينام أحد في الشوارع ولا في الغابات”.
لكن مع مرور الوقت تبيّن أن ما قاله وعودًا وهمية، فالمتأمل لسياسة حكومته، يرى التناقض بين ما قيل وما يحدث، ففي بلدة “كاليه”، لم تتردد الشرطة الفرنسية في أن ترمي بطانيات تعود لنحو 700 مهاجر، وتدمير الملاجئ المؤقتة التي تأويهم على الرغم من انخفاض درجات الحرارة في فصل الشتاء.
وفي العاصمة باريس، تم تمزيق خيام تعود لقرابة 800 مهاجر يعيشون في الشوارع، وتهدف الحكومة من وراء هذه الإجراءات إلى منع أي محاولة لإعادة التخييم في العاصمة، وفي كل ليلة، تجد العديد من العائلات نفسها وقد وقع القبض عليها داخل مراكز الاحتجاز الإداري.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يزور مركز لجوء
تؤكد وسائل إعلام فرنسية أن ماكرون قد أعطى الضوء الأخضر لوزير داخليته من أجل الإسراع في تطبيق جملة من الإجراءات التي تهدف إلى ترحيل المهاجرين الذين تتنافى مطالب لجوئهم مع الإجراءات المتخذة، إلى بلدانهم، وفي غرة نوفمبر/تشرين الثاني، وأمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، برر إيمانويل ماكرون اعتماد هذه السياسة على اعتبارها “ثورة صغيرة” تتبناها حكومته.
واستقبلت فرنسا خلال سنة 2017، أكثر من 100 طلب لجوء، وفقًا للمكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية، ومثلت ألبانيا المصدر الأول لطالبي اللجوء رغم كونها تعتبر دولة “آمنة” (7630 طلبًا)، تليها أفغانستان (5987) وهايتي (4934) والسودان (4486)، وفي حين بلغت زيادة أعداد طلبات اللجوء نسبة 17% تناقصت نسبة الموافقة عليها من 38% إلى 36%، وتعتبر فرنسا ضمن أبرز دول طلبات اللجوء في أوروبا بعد ألمانيا التي وصل العدد فيها إلى قرابة مئتي ألف طلب.