“أغادر الآن في زيارة مهمة للغاية للولايات المتحدة، في وقت تقاتل فيه إسرائيل على سبع جبهات، وفي وقت يشوبه قدر كبير من عدم اليقين السياسي في واشنطن”.. بهذه الكلمات التي قالها قبل صعوده إلى الطائرة كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن رؤيته للزيارة الاستثنائية التي يقوم بها للولايات المتحدة، والتي بدأها أمس الإثنين، ومن المقرر أن تستمر حتى نهاية الأسبوع الجاري.
تأتي الزيارة في الوقت الذي يعاني المشهد السياسي الأمريكي من حالة ارتباك جراء انسحاب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من السباق الانتخابي ودعمه لترشيح نائبته كامالا هاريس بدلًا منه، والارتدادات الناجمة عن محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب في 13 يوليو/تموز الجاري، وما ألقته من ظلال قاتمة على الساحة الداخلية.
كان يُتوقع أن تحظى زيارة نتنياهو التي كان يعول عليها البعض في حلحلة الأزمة وكسر العناد الذي يتشبث به رئيس وزراء الاحتلال فيما يتعلق باتفاق التبادل مع المقاومة الفلسطينية، بزخم إعلامي وسياسي كبير، لكن يبدو أن كرة النار التي ألقاها بايدن بانسحابه من الانتخابات سحبت الأضواء من تحت الزيارة وغيرها من أحداث مهمة.
لكن في المقابل ورغم تراجع زخم تلك الزيارة، فإن ذلك لا يقلل من أهميتها في هذا الوقت الحساس، إذ تعاني منطقة الشرق الأوسط، ومعها مصالح أمريكا والعديد من القوى الدولية، من اضطرابات وهزات عنيفة جراء حرب غزة التي دخلت شهرها العاشر، وأسفرت عن سقوط أكثر من 120 ألف ما بين شهيد ومصاب، ليبقى السؤال: أي تأثير من الممكن أن يُحدثه انسحاب بايدن من تلك الزيارة، سواء من حيث جدول الأعمال أم نتائجه واحتمالات التوصل إلى اتفاق تبادل مع حماس؟
سياق مهم
– تعد تلك الزيارة إلى واشنطن هي الأولى لنتنياهو منذ تشكيل حكومته اليمينية في ديسمبر/كانون الأول 2022، على وقع التوتر بينه وبين إدارة جو بايدن، كذلك هي الأولى له خارجيًا منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
– تأتي الزيارة في وقت تعاني فيه العلاقات بين حكومة نتنياهو والإدارة الأمريكية من تباينات محورية في إدارة حرب غزة، حيث كان يؤمل بايدن نفسه بحسم ملف الاتفاق مع المقاومة وإنهاء الحرب لتوظيفه سياسيًا خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة في ظل تصاعد الانتقادات حول سياسة بلاده بشأنها، فيما كان يتعمد نتنياهو عرقلة مسار المفاوضات بشكل يبدو منه استهداف إحراج بايدن وتفويت تلك الفرصة عليه.
– هذا ما دفع البيت الأبيض لإعادة النظر في بعض شحنات السلاح لتل أبيب ودراسة فرض عقوبات على وزيري المالية والأمن القومي، بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، كإحدى أدوات التعبير عن الامتعاض والغضب، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة الإسرائيلية وتيارها اليميني المتطرف الذي شن هجومًا حادًا على الإدارة الأمريكية واتهمها بالتخلي عن حماية “إسرائيل” ومنح المقاومة قبلة الحياة.
– يذهب نتنياهو إلى واشنطن دون تقديم أي بادرة حسن نوايا بشأن الاستجابة لواشنطن وإبداء المرونة حول إبرام صفقة مع حماس، حيث أجل إرسال وفد التفاوض الإسرائيلي للدوحة لما بعد الزيارة، وهو الإرجاء الذي وصفه البعض بـ”المماطلة” التي تكشف عن إصرار رئيس الحكومة على عدم إحراز أي تقدم في هذا الملف.
– ثم جاء إعلان بايدن الانسحاب من السباق الانتخابي ودعم ترشيح هاريس مكانه، الخطوة التي أربكت كل حسابات نتنياهو وبعثرت أوراق حقيبته قبل صعوده سلم الطائرة، والتي وصفها بـ”عدم اليقين السياسي” والتي من المتوقع أن يكون لها صداها على مضمون الزيارة ونتائجها المتوقعة.
لقاء ثلاثي.. شكوك حول جدول أعمال الزيارة
– بحسب جدول الأعمال الأصلي، كان يفترض أن يسافر نتنياهو، الأحد 21 من الشهر الجاري، على أن يتلقي بايدن في اليوم التالي، لكن بعد إصابة الرئيس الأمريكي بفيروس كورونا تأجل اللقاء يومًا إضافيًا، وعليه سافر نتنياهو، أمس الاثنين.
لكن هناك وسائل إعلام عبرية تقول إن اللقاء مع بايدن المحدد له اليوم قد يتم تأجيله بسبب إصابة الرئيس، حسبما نقل موقع “والا” عن مسؤول كبير لم يسمه في الوفد المرافق لنتنياهو، مضيفًا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية ما زال في انتظار رد البيت الأبيض وتأكيد الموعد.
كما يتوقع أن يشمل جدول الأعمال لقاء نتنياهو مع نائبة الرئيس، كامالا هاريس، وذلك بعد ترشيح بايدن لها لخلافته في السباق الانتخابي، وهو اللقاء المتوقع أن يكون مثيرًا في ظل تباين وجهات النظر بين الطرفين إزاء العديد من الملفات والقضايا، لا سيما أن الإسرائيليين يرون في هاريس النسخة المحدثة من باراك أوباما.
يؤمل نتنياهو نفسه خلال تلك الزيارة بلقاء المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب، وبحسب “والا” العبري، فإنه “في الأسابيع الأخيرة، تودد رئيس وزراء إسرائيل إلى الرئيس السابق الذي كان يحمل ضغينة ضده منذ عدة سنوات”، دون مزيد من التفاصيل.
وبحسب ما نقلته صحيفة “بوليتيكو” عن مصادرها المطلعة، فإن فريقي نتنياهو وترامب التقيا في الأيام الماضية لبحث فكرة ترتيب اجتماع مشترك، لكن ترامب لم يُوافق عليه بعد ولم يَرفض الفكرة بشكل قاطع، لافتة إلى أنه إذا تم التوصل إلى عقد هذا الاجتماع، فمن المرجح أن يتم ذلك في وقت لاحق من الأسبوع، بعد تجمع ترامب في ولاية كارولينا الشمالية، الخميس 25 يوليو/تموز الحالي.
خطاب الكونغرس.. نتنياهو يبحث عن تسويق نفسه
للمرة الرابعة سيلقي نتنياهو خطابًا أمام الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، وهو الخطاب الذي ينتظره رئيس الوزراء الإسرائيلي على أحر من الجمر، ويمثل أهمية محورية له ربما تفوق بقية جدول أعمال الزيارة بما فيها لقاؤه ببايدن وترامب وهاريس، وذلك لتقديم عدد من الرسائل على رأسها تسويق نفسه كقائد لدولة الاحتلال وزعيمها القوي الذي حقق ما لم يستطع غيره تحقيقه خلال فترة حكمه، محاولًا ترميم صورته التي شوهها طوفان الأقصى وفشله في تحقيق أهداف الحرب.
يعلق “والا” على هذا الخطاب قائلًا: “يريد نتنياهو استغلال زيارته لواشنطن وخاصة خطابه أمام الكونغرس يوم الأربعاء، لمحاولة إعادة ترسيخ زعامته في الولايات المتحدة، وكذلك ترسيخ وضعه السياسي في إسرائيل واستعادة صورته باعتباره السياسي الإسرائيلي صاحب السلطة الأكبر والنفوذ في الولايات المتحدة”.
يحاول نتنياهو عبر هذا الخطاب استعادة دعم الأمريكان له، ديمقراطيين وجمهوريين، في محاولة لترميم الخلافات بين حكومته وواشنطن جراء تباين وجهات النظر بشأن عدد من الملفات والتي جعلت من نتنياهو شخصًا منبوذًا في الداخل الأمريكي، هذا في الوقت الذي أعلن فيه بعض النواب مقاطعتهم للخطاب وعدم حضوره.
في حديثه من مطار بن غوريون قبيل مغادرته، قال نتنياهو: “في هذه الزيارة، سأخاطب مجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب) للمرة الرابعة كرئيس لوزراء إسرائيل”، وأضاف “في خطابي، سأؤكد على أهمية دعم الحزبين لإسرائيل، وسأخاطب أصدقاءنا من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) وأخبرهم أنه بغض النظر عمن سيتم انتخابه لقيادة الشعب الأمريكي، فإن إسرائيل هي أهم حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وهي حليف لا يمكن استبداله”، وفق القناة 12 العبرية.
انسحاب بايدن واحتمالات التوصل إلى اتفاق تبادل
لا شك أن غياب بايدن عن المشهد الانتخابي سيكون له أثره الواضح على جولة نتنياهو من جانب، وعلى مخرجاتها – لا سيما احتمالات التوصل إلى اتفاق تبادل مع حماس – من جانب آخر، وعليه انقسمت الآراء إزاء هذا التأثير إلى فريقين:
الفريق الأول: يرى أن تلك الخطوة ستسحب معها فرصة الضغط على نتنياهو للقبول باتفاق، كما ذهب المعلق في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع، الذي أوضح أن أهمية لقاء نتنياهو-بايدن ستكون محدودة للغاية، مضيفًا “سينظر بايدن من فوق كتف نتنياهو إلى القرارات السياسية الضاغطة التي تنتظره؛ وسينظر نتنياهو من فوق كتف بايدن إلى الرئيس المقبل”، في إشارة إلى أن زمن بايدن وأهمية قراراته قد انتهى.
واستدل الكاتب العبري على هذا الرأي بأن نتنياهو لم يحمل خلال زيارته لواشنطن أي خبر جديد يعكس مرونته بشأن الاتفاق، لا عن المحتجزين ولا عن اليوم التالي للحرب، وهي المسائل الخلافية مع إدارة بايدن، متوقعًا أن انسحاب بايدن سيقلل بشكل كبير من فرصة التقدم في المفاوضات حول الصفقة مع حماس، وتابع: “عندما يغادر نتنياهو اللقاء، سيسأله كثيرون عن حالة الرئيس، هل كان يقظًا، هل تحدث عن الأمر، هل تعافى من فيروس كورونا، قليلون هم الذين سيستمعون إلى رسائله حول غزة وحزب الله واليمن وإيران والمختطفين”، بحسب تحليله.
الرأي ذاته ذهبت إليه المحللة في صحيفة “معاريف” آنا بارسكي، التي ترى أن نتنياهو سيقابل هذه المرة بايدن مختلف، ليس المعروف من قبل، “سيكون متألمًا وخائب الأمل، لأنه يشعر بالخيانة. هدفه الكامل، بدءًا من اليوم، هو إنهاء مسيرته بأفضل وأنظف طريقة ممكنة”، مضيفة: “في هذا الواقع الجديد، فقدت إسرائيل والشرق الأوسط وجميع الشؤون الخارجية معظم حصصها، وأصبحت قضايا هامشية، لا تكاد تهم أحدًا، بما في ذلك الرجل في المكتب البيضاوي (بايدن)”.
الفريق الثاني: وهو الذي يميل إلى أن انسحاب بايدن سيخلصه من الضغوط الانتخابية الواقعة عليه، وسيحاول الضغط بكل السبل، وبأريحية كاملة، لإرغام نتنياهو على قبول صفقة يتم توظيفها سياسيًا لاحقًا للدعاية للديمقراطيين في الانتخابات القادمة التي من المتوقع أن تكون معركة تكسير عظام مع الجمهوريين وترامب.
أنصار هذا الرأي يرون أن تنحي بايدن أربك حسابات نتنياهو الذي بات عليه التفكير مع احتمالية التعامل مع رئيسة للولايات المتحدة تنتمي للديمقراطيين، وهو ما أشار إليه أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الفلسطينية، حسن أيوب، الذي قال إن انسحاب بايدن “لم يكن خبرًا سارًا لنتنياهو ولا الحزب الجمهوري الأمريكي”، بحسب تصريحاته لـ”الجزيرة“.
ويشير الأكاديمي الفلسطيني إلى أن هذا ليس الظرف المناسب لنتنياهو ليلعب على وتر التناقضات السياسية الداخلية في واشنطن كما يشير البعض، منوهًا إلى أنه بات اليوم مضطرًا لإمكانية التعامل مع “نسخة نسائية من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما”، والتي كانت دائمة التصويت ضد سياسات الحزب الجمهوري بالشرق الأوسط.
ويستند أيوب إلى أن بايدن خلال الفترة المتبقية من ولايته سيركز على المحافظة على إرثه السياسي، والعمل لأجل التوصل لوقف إطلاق النار بغزة، وذلك بعدما تخلى عن كل الضغوط الواقعة عليه، فسيحاول الرجل بذل المستطاع لتحقيق أي إنجازات أو نجاحات، داخلية كانت أو خارجية، تخدم فرص وحظوظ الديمقراطيين في الماراثون الانتخابي.
ويتفق نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق للشرق الأوسط، مايكل مولروي، مع هذا الطرح، لافتًا إلى أن بايدن وبعدما أصبح في حل من همومه وضغوطه الانتخابية، سيركز على ملفات السياسة الخارجية كما فعل سلفه، بيل كلينتون، قبل انتهاء عهدته الرئاسية، موضحًا أن الحرب في غزة ستكون على رأس تلك الملفات.
وفي الأخير وفي ظل حالة عدم اليقين السياسي في المشهد الأمريكي كما يقول نتنياهو، واستسلامه لضغوط اليمين المتطرف حفاظًا على تماسك حكومته، ليس من المتوقع – على الأقل في الوقت الحالي – أن تُسفر تلك الزيارة عن جديد فيما يتعلق باحتمالات التوصل لاتفاق مع حماس، لتبقى معادلة الميدان أولًا، ثم ما يمكن أن تشهده الساحة الأمريكية من مستجدات قبيل الانتخابات، الأكثر تأثيرًا في تحديد مستقبل ومسار الحرب في غزة.