بعد قرابة السنتين والنصف عاد الفرقاء الليبيين مجددًا للمغرب لبحث سبل إيجاد حل لأزمة بلادهم المتواصلة منذ سنوات، بعد تعثر جولات سابقة في تونس ومصر وفرنسا والإمارات وروسيا، وفي الداخل الليبي أيضًا.
لقاء أول من نوعه
لقاء اليوم جمع عقيلة صالح رئيس مجلس النواب وخالد المشري رئيس مجلس الدولة الليبي في العاصمة المغربية الرباط برعاية الخارجية المغربية، الأمر الذي اعتبره العديد من المتابعين خطوة جيدة لكسر حالة الجمود السياسي لحل الأزمة الراهنة في البلاد.
ورحب صالح بالاجتماع برئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، وقال عقب لقائه رئيس مجلس النواب المغربي الحبيب المالكي بمقر البرلمان في الرباط إن مجلس النواب الليبي يتطلع إلى استمرار المغرب في دعم الاتفاق السياسي والتعديلات التي اقترحها مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة التي سبق أن اعتمدها البرلمان الليبي.
وتتعلق التعديلات – التي أشار إليها صالح – بتعيين حكومة يكون لها رئيس ونائبان للرئيس، إضافة إلى تطبيق الاتفاق السياسي خاصة الوظائف السيادية مثل محافظ البنك المركزي ورئيس المحكمة العليا ورئيس المفوضية العليا للانتخابات وأعضائها.
منذ فشل اتفاق الصخيرات في إحلال السلام في البلاد، عرفت ليبيا انقسامًا سياسيًا كبيرًا
وفي سبتمبر/أيلول الماضي طرح المبعوث الأممي الخاص لليبيا غسان سلامة خطة عمل تتضمن تعديل اتفاق الصخيرات ومؤتمر وطني للمصالحة واستفتاء على الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وذلك لإنهاء المرحلة الانتقالية والانقسام السياسي والإداري ووضع حد للأزمة في البلاد.
من جهته قال رئيس المجلس الأعلى للدولة بليبيا، عقب اجتماع مع رئيس مجلس المستشارين المغربي حكيم بن شماس إن دور الرباط كبير في إنجاح عملية التوافق بين الليبيين، وأضاف “جئنا للمغرب اليوم من أجل طرح ومناقشة بعض القضايا العالقة في اتفاق الصخيرات”.
وأضاف المشري أن لقاءه مع صالح بالمغرب يرمي إلى محاولة الاتفاق على آلية اختيار مجلس رئاسي فعال، وأوضح أنه سيبحث كذلك تقليص أعضاء المجلس الرئاسي إلى 3 بدلاً من 9 مما سينعكس إيجابًا على أداء الحكومة والوضع الاقتصادي.
تأكيد مشترك على ضرورة إيجاد حل للأزمة
والخميس الماضي قال خالد المشري عقب لقائه بالسفيرة الفرنسية لدى ليبيا بريجيت كورومي إنه سيعمل خلال الفترة المقبلة على كسر الجمود في الاتفاق السياسي بالتعامل المباشر مع مجلس نواب طبرق، وأوضح المشري آنذاك أنه يعتزم لقاء صالح بصفة رسمية لمناقشة تقليص أعضاء المجلس الرئاسي، وأوضح كذلك أنه يسعى من خلال اللقاء لتعديل المادة 15 من الاتفاق السياسي المتعلقة بالمناصب السيادية والاستفتاء على الدستور.
ومنذ فشل اتفاق الصخيرات في إحلال السلام في البلاد عرفت ليبيا انقسامًا سياسيًا كبيرًا، حيث أصبحت تدار بـ3 حكومات منفصلة، واحدة في الشرق يقودها عبد الله الثني، في حين تدار العاصمة طرابلس بحكومتين هما حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج المدعومة دوليًا وحكومة الإنقاذ الوطني التي يقودها خليفة الغويل؛ الأمر الذي مهد لغياب أجهزة ومؤسسات الدولة وإحكام الميليشيات المسلحة سيطرتها على البلاد ومدخراته الطبيعية والمالية.
لماذا المغرب؟
اختيار الفرقاء الليبيين المغرب ناتج عن “حياد” المغرب ووقوفه على مسافة واحدة بين جميع الأطراف حسب العديد من الخبراء، وفي هذا الشأن تقول الباحثة في الشؤون السياسية المغربية شريفة لموير “المغرب هو الأقدر على تشكيل فضاء لتسوية الخلافات الليبية، على اعتبار علاقاته بالدول المتدخلة في الأزمة الليبية، وفي نفس الوقت لكونه غير معني بشكل مباشر بالصراع خلاف دول جوار ليبيا”.
وأكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة، مساء أمس الإثنين، في ندوتين صحافيتين منفصلتين، بعد محادثات جمعته بكل من صالح والمشري، أن المغرب يقف على مسافة واحدة من كل الفرقاء الليبيين، ولا مصلحة له إلا ما يراه الليبيون فيه صلاح لهم، مؤكدًا ضرورة دعم المسلسل السياسي في البلاد، لأن أمن ليبيا من أمن المنطقة المغاربية.
يستخدم حفتر مليشياته لزعزعة أمن واستقرار ليبيا
وفي 17 من ديسمبر/كانون الأول 2015 وقع الفرقاء الليبيون اتفاقًا سياسيًا بمنتجع الصخيرات قرب العاصمة المغربية الرباط، حمل إعلاميًا اسم “اتفاق الصخيرات”، تمخض عنه مجلس رئاسي لحكومة الوفاق الوطني ومجلس أعلى للدولة (هيئة استشارية) إضافة إلى تمديد عهدة مجلس النواب باعتباره الجسم التشريعي للبلاد.
من جانبه قال الباحث السياسي المغربي رشيد لزرق “المغرب مفاوض مثالي بحكم علاقته مع فرنسا والتقارب الفرنسي الأمريكي، وعلاقته مع دول الخليج خاصة الإمارات وقطر، وهي كلها أطراف لها دور في الأزمة الليبية”، وأضاف “كل ذلك يجعل الوساطة المغربية مجدية، خاصة أن المغرب يريد لعب دور على مستوى إفريقيا، بفعل التطورات التي يعرفها البلد بعد مرض حفتر الذي كان المعرقل الأول للاتفاق الصخيرات”.
وتعتبر العديد من الأطراف أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يعالج في أحد المستشفيات الخاصة في العاصمة الفرنسية باريس، أهم معرقل لاتفاق الصخيرات الذي أقيم تحت إشراف الأمم المتحدة من أجل تسوية الملف الليبي من الحرب الأهلية.
ويستخدم حفتر مليشياته لزعزعة أمن واستقرار ليبيا، يقينًا منه بخسارته في أي انتخابات رئاسية قادمة، واستفاد حفتر كثيرًا من حالة الانهيار الأمني والاحتقان الشعبي في البلاد – خاصة مناطق الشرق التي عرفت استمرار الاغتيالات والتفجيرات – لفرض سلطته إلا أنه فشل في تطويع كامل الأراضي الليبية تحت إمرته.
خشية من فشل المفاوضات
رغم توقهم إلى إيجاد حل لأزمة بلادهم المتواصلة منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير 2011، لا يخفي الليبيون خشيتهم من إمكانية فشل هذه المفاوضات بين عقيلة صالح وخالد المشري، ذلك أنهم متيقنون أن الحل ليس في يد هؤلاء بل في الأطراف الخارجية التي لا تريد الخير لليبيا حسب قولهم.
فطيلة السنوات الـ7 الماضية ما فتئت الأمم المتحدة ودول الجوار (تونس، الجزائر، مصر) والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الإقليمية والدولية تقدم مبادرات لحل الأزمة الليبية، إلا أن مصير جميعها كان الفشل ورف الطاولات، فكل طرف يقدم مبادرة يرغب من خلالها تحقيق أهدافه الخاصة دون التفكير في الليبيين، مما أضعف فرص نجاح عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.
وتسعى العديد من الأطراف الخارجية – من ذلك فرنسا ومصر وروسيا والإمارات – إلى تأزيم الوضع الليبي أكثر ودفعه نحو مزيد من التعقيد وإطالة أمد الأزمة هناك والاستفادة منها قدر المستطاع، فالسلام في ليبيا ووجود دولة قوية تبسط سلطتها على كامل البلاد لا يخدم مصالح هذه الدول وأجنداتها المشبوهة.