ترجمة وتحرير: نون بوست
لم يتغير الوضع في سوريا بعد الضربة الغربية ضد نظام الأسد، في حين لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في الانسحاب تماما من الأراضي السورية. أما الاتحاد الأوروبي فلن يتمكن من تطبيق خطته في إحلال السلام في سوريا، في حال لم يمتلك وسيلة للضغط على روسيا.
مرّ أسبوع كامل على الضربات التي وجهها الغرب لنظام الأسد في سوريا، إلا أن التفاعل الإعلامي مع هذه العملية ما زال باهتا، ويرجع ذلك إلى أن الضربة لم تحدث أي تأثير يذكر على النظام السوري. وقد أظهرت الضربة أن الغرب ليس على استعداد لتحمل تبعات حرب ضد موسكو وطهران ودمشق. ومؤخرا، حاول أعضاء الحزب اليساري في الكرملين وآخرون من الحزب اليميني الألماني، البديل من أجل ألمانيا، وصم الضربة بأنها مخالفة للقانون الدولي. ولكن يجب أن نسأل هؤلاء الأعضاء سؤالا مهما: ما هي جدوى القانون الدولي، الذي يتحدثون عنه في مواجهة الإجراءات التعسفية ضد المدنيين، وآخرها استخدام الغاز السام؟
في الحقيقة، أصبح مبدأ “مسؤولية الحماية” من الماضي. وعلى مدى عقود طويلة، سعت الأمم المتحدة لإحراز بعض التقدم على مستوى القانون الإنساني الدولي، ولكن دون جدوى. ويذكر أن جميع أعضاء الأمم المتحدة وافقوا على مبدأ “مسؤولية الحماية”، الذي يلزم المجتمع الدولي بالتحرك فورا ضد أي حكومة ترتكب مجزرة في حق شعبها. ويدرك الجميع أن روسيا متواطئة مع نظام الأسد، حيث استغلت حق الفيتو، لمنع أي تدخل دولي ضد هذا النظام المستبد.
تمكن ترامب من تحصيل قيمة العقوبات الجديدة، التي أعلنت عنها السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ضد الشركات الروسية الضالعة في إنتاج الأسلحة الكيميائية السورية، بعد يوم واحد فقط من الهجمات
لقد كانت العملية العسكرية ضد النظام السوري محدودة للغاية، ولم تؤثر بأي حال من الأحوال على حلفاء النظام السوري، إيران وروسيا، أو حتى تدفعهم للتراجع عن موقفهم. وفي هذا السياق، تدعي وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير لاين، أن الهجمات العسكرية “أعادت الحياة لمبادرة السلام” في سوريا مرة أخرى. ولكن في واقع الأمر، لا تعدو هذه الادعاءات أن تكون سوى مجرد أوهام. فحتى الآن، لا توجد أي مؤشرات تدل على أن فلاديمير بوتين أو حلفاءه الإيرانيين والأسد التابع لهم على استعداد لوقف الحرب أو وضع حد للإبادة التي يتعرض لها السوريون.
على النقيض تماما، يبدو أن هذه الجهات تستعد للقيام بمجزرة أخرى، ومن الواضح أنها ستكون في مدينة إدلب. وفي حال أقدمت على فعل ذلك، سيصبح مئات الآلاف من السوريين هناك عرضة للقتل والتهجير من منازلهم، حيث بات منهج الأسد في الحرب معروفا، حيث يرتكز على التجويع والقصف المستمر للبنية التحتية في مختلف المناطق. في الأثناء، تم إعاقة الخبراء عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من الوصول إلى مدينة دوما، التي تسيطر عليها قوات الأسد حاليا. وقد تعرضت المدينة لهجوم بالغاز السام، ويبدو أن قوات الأسد تحاول محو آثار هذا الهجوم أو تزييفها.
الولايات المتحدة لم تعد لاعبا أساسيا في سوريا
في الوقت الحالي، قد يستغني محور “روسيا – إيران – نظام الأسد” عن استخدام الغاز السام في سوريا مرة أخرى، ولكنه بالطبع، سيستمر في حربه ضد الشعب السوري. وقد كانت الضربات، التي نفذها الغرب، بسبب انتهاك معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وحتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد يعزز الضربات العسكرية الأولى بضربات أكثر عنفا ضد صديقه بوتين.
يعتبر الالتزام بالحوار مع موسكو من منطلق “الوحدة والقوة” مجرد وهم، ويبرز عجز الدول الغربية، التي لا يمكنها أن تتخذ خطوات جريئة ضد روسيا
تمكن ترامب من تحصيل قيمة العقوبات الجديدة، التي أعلنت عنها السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ضد الشركات الروسية الضالعة في إنتاج الأسلحة الكيميائية السورية، بعد يوم واحد فقط من الهجمات. بالإضافة إلى ذلك، أكد ترامب على عزمه الانسحاب بشكل تام من سوريا، خاصة وأنه قد أعلن في وقت سابق أن تدخل الولايات المتحدة في سوريا يقتصر على محاربة تنظيم الدولة، وأنها لن تتدخل أبدا في الجانب السياسي المتعلق بإدارة شؤون البلاد. وبذلك، انسحب ترامب من الساحة تاركا الفرصة سانحة لبوتين وحلفائه، ليفعلوا ما يحلو لهم في سوريا.
في الواقع، تستند المبادرة الحالية التي يقودها الاتحاد الأوروبي، وخاصة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والتي تهدف لإعادة إحياء عملية السلام في سوريا، على مجموعة من الأحلام والأمنيات. ومن جانبه، أكد وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، أن أي عملية سلام في ظل وجود الأسد ستبوء بالفشل. وفي الوقت ذاته، لا توجد أي استراتيجية واضحة، قابلة للتطبيق، بين يدي الاتحاد الأوروبي أو واشنطن حول مستقبل سوريا دون أن يكون الديكتاتور السوري، بشار الأسد، في الصورة.
شأنها شأن المبادرات السابقة، ترتكز المبادرة الأوروبية الحالية على أمل مزيف بإقناع “الشريك الروسي العنيد” بالعودة إلى “الحوار” والتعاون من أجل الخروج من الأزمة. في هذا الشأن، أفادت فون دير لاين أن “بيان وزارة الخارجية الألمانية يؤكد أنه على المدى الطويل لن تكون هناك مصالحة في سوريا في ظل وجود الأسد”. وأضافت فون دير لاين أنه “من المهم حاليا أن نفتح باب الحوار مع كافة الأطراف المعنية من أجل ضمان عدم تلاشي هياكل الدولة في سوريا”.
الوحدة والقوة
تزعم برلين أنها قبلت بوجود الأسد في السلطة لأجل غير مسمى، على أمل أنه سيحقق الحد الأدنى من الاستقرار في البلاد. ولكن هذا التصور، في ظل سياسة الأسد القائمة على الدمار والدم، يعد خطأ فادحا. في الأثناء، يعتبر الالتزام بالحوار مع موسكو من منطلق “الوحدة والقوة” مجرد وهم، ويبرز عجز الدول الغربية، التي لا يمكنها أن تتخذ خطوات جريئة ضد روسيا. من جانبه، يميل بوتين حاليا إلى قبول مبادرة السلام التي اقترحها الاتحاد الأوروبي. ويرجع ذلك إلى أن الاتحاد الأوروبي بصدد تحمل تكاليف إعادة إعمار سوريا، التي دمرها الرئيس السوري ودميته، بشار الأسد.
دعا 60 عضوا من أعضاء البرلمان الأوروبي كافة الحكومات الأوروبية لمقاطعة كأس العالم لكرة القدم في روسيا
في الآن ذاته، يرغب بوتين في الحفاظ على علاقته بالاتحاد الأوروبي قدر الإمكان، حتى يضمن تحقيق جميع أهدافه في سوريا دون إزعاج من الدول الأوروبية. وفي حال أذعن الاتحاد الأوروبي لما يرنو إليه بوتين، فإنه بذلك يتخلى عن كل المبادئ والقيم التي ينادي بها.
كأس العالم دون سياسيين غربيين
يجب تقييد جميع المساعدات التي ستقدم لسوريا بحزمة من الشروط السياسية، التي يتوجب على الأسد وحلفاؤه الالتزام بها. ويأتي على رأس هذه الشروط احترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وقوانين الحرب. ولتحقيق ذلك، لابد من وجود وسيلة ضغط اقتصادية وسياسية، بالإضافة إلى الإبقاء على الخيار العسكري، على اعتباره أحد وسائل الضغط. ومن بين التهديدات التي ستوجه لموسكو بشكل فعلي، نذكر تجميد مشروع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2″، الأمر الذي سيدفع روسيا للتعامل بجدية معها.
توجد طريقة أخرى بسيطة للغاية ستجعل الكرملين يدرك جيدا أن التمسك بمنهجه العدواني في سوريا سيؤدي إلى عزله عن العالم. في هذا الشأن، دعا 60 عضوا من أعضاء البرلمان الأوروبي كافة الحكومات الأوروبية لمقاطعة كأس العالم لكرة القدم في روسيا. وفي حال أقر السياسيون الأوروبيون بهذا الإجراء، وعمدوا إلى النأي بأنفسهم عن المشاركة في حفل بوتين الكروي في إطار المساعي لإثبات الذات، سيكون ذلك بمثابة ضربة قوية للغاية لزعيم الكرملين. فضلا عن ذلك، سيظهر بوتين وحيدا في الصورة، وهو ما لا يتناسب تماما مع البروباغندا المحيطة به.
المصدر: فيلت