بعد تمكن قوات النظام من بسط سيطرتها على كامل الغوطة الشرقية وإخراج مقاتلي المعارضة مع عشرات الآلاف من المدنيين من المناطق الثائرة بريف دمشق، بدأت المناطق الأخرى في محيط العاصمة بالتساقط تباعًا، فقد أُفرغت مدينة الضمير بريف دمشق وخرج 5 آلاف شخص بينهم 500 من المقاتلين بحافلات النظام باتجاه جرابلس شمال سوريا.
في حين كانت الضربة القاصمة في منطقة القلمون الشرقي حيث تم الاتفاق على خروج المقاتلين مع عائلاتهم باتجاه الشمال، وتسليم ترسانة ضخمة من الأسلحة الثقيلة للنظام من بينها نحو 30 دبابة تابعة لكبرى الفصائل المقاتلة هناك من بين تلك الفصائل طبعًا جيش الإسلام الفصيل الأكبر على مستوى سوريا.
آليات من السلاح الثقيل الذي سلم لقوات الأسد في القلمون الشرقي- 21 من أبريل/نيسان 2018 (سانا)
مع هذه التطورات الخطيرة بدأ النظام حملة عسكرية باتجاه مناطق ريف حمص الشمالي قد تعتبر ضمن سياسته الممنهجة للتغير الديمغرافي وتهجير المعارضين له وبسط سيطرته على مساحات جديدة بقيت لسنوات تحت نفوذ المعارضة المسلحة.
الواقع الميداني والإنساني في ريف حمص الشمالي
لم تشهد جبهات ريف حمص الشمالي منذ اتفاق خفض التصعيد الذي وُقع بين الدول الضامنة في مايو/أيار عام 2017 أي عمليات عسكرية كبيرة بين قوات النظام والمعارضة، ولكن المنطقة تقع تحت حصار من جميع الجهات إلا أن الحصار ليس مطبقًا كما كان الحال في حصار الغوطة التي منع عنها أدنى مقومات الحياة، فالمواد الغذائية تدخل إلى ريف حمص وأسعارها متوسطة، ويستطيع الناس هناك توفير أدنى مقومات الحياة، رغم ارتفاع الأسعار مقارنة بالمناطق المحررة في أرياف حلب وإدلب وحماة.
مع هجوم النظام الأخير شهدت قرى حر بنفسه وعقرب وما حولهما بريف حماة الجنوبي، حركة نزوح لنحو 5 آلاف شخص إلى منطقة الحولة والرستن بريف حمص الشمالي مما فاقم الوضع الإنساني
أما الواقع الإنساني فإن عدد سكان ريف حمص الشمالي وصل إلى ما يقارب 300 ألف نسمة، معظمهم يعيش في مدينة الرستن وريفها، وبعضهم نزح من مدينة حمص ومناطق مجاورة، وبعضهم نزل في مدينتي الحولة وتلبيسة، هذا العدد الكبير من الناس يعيشون في منطقة ضيقة تقدر مساحتها بـ592 كيلومترًا مربعًا ويتوزع كثير منهم على القرى الفقيرة في حمص ويعانون نتيجة الحصار على جميع المستويات، فلا فرص عمل ولا تعليم ولا عناية طبية ولا مستشفيات تستطيع تلبية احتياجات الأهالي.
ومع هجوم النظام الأخير شهدت قرى حر بنفسه وعقرب وما حولهما بريف حماة الجنوبي، حركة نزوح لنحو 5 آلاف شخص إلى منطقة الحولة والرستن بريف حمص الشمالي مما فاقم الوضع الإنساني.
يقول مصطفى لـ”نون بوست”: “أدركنا في ريف حمص الشمالي المحاصر ومنذ شهر أن مصيرنا المحتم هو التهجير كما حصل في الغوطة ومناطق متعددة في سوريا وكما حصل لأهلنا في حي الوعر آخر معاقل الثورة في حمص، وأنا شخصيًا أفكر أن أدفع مبلغًا كبيرًا من المال لأخرج عن طريق مهربين من المنطقة باتجاه إدلب قبل أن يبدأ النظام بحرق المنطقة ويهدد الآلاف بالموت بالقصف العشوائي الذي يمارسه الطيران الحربي على الشعب السوري منذ 7 سنوات”.
بدء هجوم النظام على ريف حمص بمساندة الطيران الروسي
صورة خريطة ريف حمص الشمالي ومحاور تقدم النظام
بدأ هجوم النظام البري بتاريخ 15 من أبريل/نيسان 2018، مع تغطية جوية لطيرانه وقصف مدفعي وصاروخي لوحدات النظام العسكرية في محيط ريف حمص المحاصر مع مشاركة ملحوظة للطيران الروسي في الغارات في الأيام الماضية وهو ما يكون له دلالة على أن عملية التهجير القسري قد انطلقت بالفعل.
واستطاع النظام خلال الأيام الماضية من السيطرة على قرى وادي الحبية وأرض قبر الشيخة وظهرة جبابي وظهرة الجاسية وأرض الجاسية ووادي القرباط في ريف حمص المحاصر، في حين أطلقت قوات النظام يوم الأحد 23 من أبريل/نيسان عملية واسعة، فقوات النظام بدأت هجومًا واسعًا على سليم والحمرات وعيدون بريف حمص الشمالي المحاصر، بالتزامن مع استهداف تلك القرى بعشرات الغارات الجوية من طائرات النظام وحليفه الروسي.
كما استهدف النظام بالغارات الجوية المكثّفة والقصف المدفعي والصاروخي عددًا من المناطق السكنية منها مدينتا تلبيسة والرستن في ريف حمص الشمالي، وقرى دير فول والمشرفة وتير معلة والزعفرانة.
ويهدف النظام حسب مراقبين من عمليته العسكرية تأمين الطريق السريع حمص – حلب، تمهيدًا للسيطرة على كامل ريف حمص الشمالي الذي خرجت أجزاء منه عن سيطرته بشكل كامل مع توسع الحراك الثوري قبل 7 سنوات.
مبادرة فراس طلاس لتجنب عملية تهجير حتمية
فراس طلاس وهو ابن وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس ورجل أعمال يمتلك مجموعة “ماس” الاقتصادية، قدم مبادرة يرى فيها إنقاذًا لأهالي ريف حمص الشمالي وحماية لهم من عملية تهجير شاملة ينوي النظام تنفيذها في المنطقة.
وتنص المبادرة التي تسربت بعض بنودها لوسائل الإعلام على: “تشكيل مجلس مدني لإدارة شؤون المنطقة، مؤلف من ثلاثة ممثلين عن المعارضة وثلاثة ممثلين يختارهم الجانب الروسي، وضع الجانب الروسي يده على السلاح الثقيل وتشكيل شرطة عسكرية وجيش يتبعون إلى قاعدة حميميم، تطبيع العلاقات مع الجوار”، والمقصود بالجوار طبعًا نظام الأسد.
استمرار العمليات العسكرية وتقدم النظام بمشاركة الروس يعني أن هدف التهجير ما زال قائمًا مع إفشال أي مساعي للفعاليات المدنية والعسكرية للتفاوض مع الجانب الروسي
وقد عرض طلاس مبادرته على القيادة العسكرية المشتركة في المنطقة الوسطى وهي تجمع لفصائل المعارضة في ريف حمص الشمالي، وعلى القيادة الروسية في قاعدة حميميم العسكرية، واصفًا مبادرته بأنها تعيد الأمن والأمان للمنطقة، وحفظ كرامة السوريين بعد ربط الريفين عسكريًا ومدنيًا بقاعدة حميميم بتوافق من قبل أهالي المناطق المعنية.
وقد لاقت مبادرة طلاس استنكارًا واسعًا على شبكات التواصل الاجتماعي، ووصفها الكثيرون بأنها تهدف إلى تمكين الوجود الروسي، وتمهد إلى عودة قوات النظام إلى ريف حمص المحرر، كما وصفوا طلاس بالعميل شأنه شأن والده الذي لم يتخل عن تأييد الأسد وأخيه مناف الذي عاد لحضن الوطن بعد مسرحية انشقاقه التي لم تقنع أحد.
هل حسم أمر ريف حمص الشمالي؟
لم ترفض فصائل المعارضة مبادرة فراس طلاس ولم تقبل بها وأعلنت أنها تدرسها في حين لم يعلق الجانب الروسي عليها وإن كان من الواضح أنها تخدمه تمامًا في بسط سيطرته على ريف حمص دون قتال ولا جهد ولا عناء.
إلا أن استمرار العمليات العسكرية وتقدم النظام بمشاركة الروس يعني أن هدف التهجير ما زال قائمًا مع إفشال أي مساعي للفعاليات المدنية والعسكرية للتفاوض مع الجانب الروسي ولعل المدنيين سيعلنون موافقتهم على الخروج بأقل الخسائر ولن يخاطروا بإمكانية تعرضهم للقصف الشديد أو لضربات كيماوية كما حصل في الغوطة.
رغم ذلك فقد يكون لمقاتلي المعارضة في المنطقة رأي آخر وقد يعلنون الصمود وهم لديهم إمكانات هائلة للتصدي لقوات النظام التي تحاول أن تتقدم برًا، فالمقاتلون ذوو خبرة قتالية عالية، فقد كبدوا النظام خلال 5 سنوات من الحصار خسائر كبيرة منعته من التفكير بالتقدم بتجاه الريف الحمصي المحاصر.