إغراء مؤقت: كيف يهدد رفع سعر النفط المصالح السعودية على المدى البعيد؟

oil

حالة من التفاؤل تخيم على أجواء الدول المصدرة للنفط على رأسها المملكة العربية السعودية بعد أن قفز سعر برميل النفط إلى 75.20 دولار، وهو مستوى لم يبلغه منذ 27 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، إثر توقعات بفرض المزيد من العقوبات ضد إيران ومواصلة دولة “أوبك” خفض إمداداتها وسط تصاعد مستوى الطلب على الخام.

الآمال السعودية المعقودة على هذه الزيادة لضخ مئات المليارات في خزائن المملكة لسد عجزها المالي المستمر للعام الرابع على التوالي، فضلًا عن الوفاء بالتزاماتها الخارجية سواء في اليمن أم سوريا، أو حتى إرضاء نهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يبدو أنها لن تدوم كثيرًا.

خبراء الطاقة الدوليين يذهبون إلى ما هو أبعد من مجرد تلك القفزات التي منيت بها أسعار النفط الخام، مشككين في احتمالية الوصول إلى المعدل الذي تنشده الرياض وهو الوصول إلى حاجز الـ100 دولار للبرميل، ومن ثم وفي ضوء بعض المستجدات الأخيرة التي تدفعها تلك الزيادات ربما ترتد عكسيًا على الاقتصاد السعودي الذي يمثل فيه النفط قوامه الأكبر والأكثر خطورة في ذات الوقت.

نجاح سياسة خفض الإنتاج

في 30 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي اتفقت الدول المنتجة للنفط، سواء الأعضاء في منظمة “أوبك” أم غيرهم من غير الأعضاء وفي مقدمتهم روسيا، على تمديد تخفيضات إنتاج النفط حتى نهاية 2018، في محاولة لتقنين المعروض من الخام بما يحسن من منحنى أسعاره الذي كان في طريقه إلى الهبوط يومًا تلو الآخر.

ونتاجًا لهذه الخطوة، وبعد أن تم تقليل المعروض من النفط بمقدار نحو 1.8 مليون برميل يوميًا، قفز سعر برميل النفط بداية العام الحاليّ ليصل إلى 66.57 دولارًا للبرميل، واستمر في الصعود حتى كسر حاجز الـ70 دولارًا في 15 من يناير الحاليّ ليستقر في النهاية بختام تعاملات الأسبوع الماضي عند حاجز الـ75.20 دولار، مع توقعات بمزيد من الصعود الطفيف خلال الفترة القادمة.

التقديرات التقييمية للوكالات الدولية تحذر من تكرار الرياض أخطاء الماضي مرة أخرى في البحث عن مزيد من المكاسب عبر التلاعب والتحكم في معدلات الإنتاج

لم يكن خفض الإنتاج السبب الوحيد الذي قاد أسعار النفط إلى هذه القفزة خلال الفترة الأخيرة، إذ جاء الإعلان الأمريكي لتمديد فرض عقوبات ضد طهران التي تعد واحدة من كبريات الدول المنتجة للنفط في العالم، ليلقي بظلاله القاتمة على سوق النفط العالمي، خاصة بعد زيادة الطلب على المعروض الذي قل بطبيعة الحال بسبب اتفاق “أوبك”.

من جهة أخرى هناك من يشكك في حقيقة هذه القفزة متهمًا إياها بأنها مفتعلة وغير حقيقية، كما جاء على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي استنكر عبر تغريدة له هذا الارتفاع، إذ يرى أنه مبالغ فيه ولا يتناسب مع الإنتاج الكبير للخام.

ترامب قال في تغريدته: “هناك كميات قياسية من النفط في كل مكان، بما فيها السفن المحملة بالخام في كل مكان في البحر”، وتابع “أسعار النفط مرتفعة بشكل مصطنع”، مشيرًا إلى أن ذلك شيئًا غير جيد ولا يمكن القبول به.

فوائد لمنتجي النفط جراء سياسة أوبك تخفيض الإنتاج

الرابحون والخاسرون

منطقيًا.. فإن الحديث عن زيادة أسعار النفط يرافقه مكاسب للمنتجين والعكس صحيح، غير أن الفوائد التي يحصل عليها المنتجون ستكون متفاوتة ولها حسابات مختلفة، فعلى سبيل المثال أمريكا وروسيا بوصفهما دولتان خارج منظمة أوبك فوائدهما أكثر من الدول الأعضاء في المنظمة، كما أن إيران التي لم ترتبط بسقف للإنتاج بحسب الاتفاق ستستفيد أكثر من السعودية وجيرانها الخليجيين الذين يتحملون النصيب الأكبر من الخفض.

التقارير تشير إلى أن نسبة التزام بعض دول المنظمة والدول من خارجها باتفاق خفض الإنتاج بلغت 125% خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، إذ كشفت مؤشرات أن حجم صادرات النفط الإيراني وصل خلال شهر سبتمبر إلى 3.81 مليون برميل يوميًا بعد أن كان 3.79 مليون برميل يوميًّا خلال شهر أغسطس، إذ ذكر مسح أجرته “رويترز” أن إيران عززت إنتاجها حيث ارتفع إنتاج إيران من النفط يوميًّا إلى 20 ألف برميل، بحسب تصريحات أدلى بها وزير النفط الكويتي بخيت الرشيدي.

وفي سياق متصل فإن قفزة أسعار النفط ستنعكس إيجابيًا – على الأقل في الوقت الراهن – على اقتصادات دول الخليج التي بدأت بموازنات تقشفية بداية هذا العام معتمدة أسعار النفط المنخفضة حينها (تشير التقديرات إلى أن موازنة السعودية 2018 تعتمد على سعر يتراوح بين 51 دولارًا إلى 55 دولارًا لبرميل النفط) لكن مع الأسعار الجديدة للنفط (75.2 دولارا للبرميل)، فمن المرجح أن تنتعش خزائن تلك الدول خاصة أن النفط يشكل ما يقرب من 90% من إيرادات معظم الموازنات الخليجية.

وفي المقابل وبعكس الوضع بالنسبة للمنتجين فإن المستهلكين سيكونون الأكثر تضررًا من ارتفاع الأسعار، وعلى رأس الدول المستهلكة كل من الصين والهند واليابان، إذ إن هذه الدول حققت وفرات ضخمة في موازناتها خلال فترة هبوط الأسعار، بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي التي تعد من المستهلكين كذلك، أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط يمكن القول إن كل من تركيا ومصر والمغرب وتونس أبرز الدول الخاسرة من عودة الأسعار للصعود.

لم يكن خفض الإنتاج السبب الوحيد الذي قاد أسعار النفط إلى هذه القفزة خلال الفترة الأخيرة، إذ جاء الإعلان الأمريكي بتمديد فرض عقوبات ضد طهران التي تعد واحدة من كبريات الدول المنتجة للنفط في العالم، ليلقي بظلاله القاتمة على سوق النفط العالمي

إغراء سعودي مؤقت

ساهم ارتفاع أسعار النفط في إحداث حالة من الرضا والاستقرار لدى صانع القرار السعودي وإن كان لم يصل بعد إلى الرقم الذي يتمناه وهو الـ100 دولار سعرًا للبرميل، بيد أن المملكة ليست في عجلة من أمرها لإلغاء تخفيضات إمدادات النفط من “أوبك”، على الرغم من أن وفرة مخزونات النفط العالمية قد استنزفت إلى حد كبير، حسبما أشارت وكالة “بلومبرج” في تقرير لها.

الوكالة كشفت أن هناك قائمة من الأولويات السعودية في حاجة إلى مزيد من الضخ، داخليًا وخارجيًا، ولعل هذا ما دفع المملكة ولأول مرة في تاريخها إلى الاقتراض وطرح سندات دولية، فالمليارات التي تنفقها الرياض في اليمن وسوريا فضلاً عن تسويق سياسة ولي العهد الجديدة في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط، أرهقت الخزائن السعودية بصورة غير مسبوقة، وهو ما تسبب في تفاقم معدلات العجز في الموازنة العامة للمملكة للعام الرابع على التوالي.

غير أن ومع الإيرادات المتوقعة لوصول سعر برميل النفط الخام إلى هذا الرقم الذي لم يصل إليه منذ 2014 فمن المتوقع انتعاش الخزانة السعودية مجددًا، وهو ما يساعد المملكة على الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها خلال الفترة المقبلة، إلا أن إغراء زيادة أسعار النفط ربما لم يدم كثيرًا، وهذا ما حذرت منه الوكالة الأمريكية.

تحذيرات خبراء من تداعيات ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد السعودي

قفزة أسعار النفط ستنعكس إيجابيًا – على الأقل في الوقت الراهن – على اقتصادات دول الخليج، والتي بدأت بموازنات تقشفية بداية هذا العام

تهديد على المدى البعيد

لا شك أن أسعار النفط إن استمرت على هذا المنوال من الارتفاع، سينعكس ذلك على المدى البعيد على الطلب العالمي على هذه السلعة الغالية، خاصة في ظل الأزمة المالية التي تعاني منها معظم اقتصاديات العالم، مما دفع الحكومات والأنظمة إلى تبني سياسات تقشفية على المدى المتوسط والطويل.

علاوة على ذلك فإن جنوح العالم نحو الطاقة النظيفة والرخيصة في نفس الوقت ربما يكون سببًا نحو تقليل الطلب على النفط الخام، أو على الأقل على الغالبية العظمى من مشتقاته، وهو ما دفع خبراء الطاقة إلى الجزم بأن محركات الاحتراق الداخلي ستواجه خلال السنوات القادمة تهديدًا تنافسيًا مقنعًا وموسّعًا من السيارات الكهربائية والهجينة.

التقديرات التقييمية للوكالات الدولية تحذر من تكرار الرياض أخطاء الماضي مرة أخرى في البحث عن مزيد من المكاسب عبر التلاعب والتحكم في معدلات الإنتاج، مما يقوّض الطلب ويعني التخلي عن حصة السوق للمنافسين، وهو سلاح ذو حدين ربما يحدث عزوفًا جماعيًا لدى المستهلكين، خاصة بعد اكتشافات الطاقة المتجددة التي يتوقع خبراء أنها ستكون بديلًا قويًا ربما يسحب البساط من تحت أقدام النفط الخام التقليدي؛ مما يضع الاقتصاد السعودي الذي يعتمد كليًا على عائدات الذهب الأسود في تحد خطير، ربما يكون المسمار الأول في نعشه إن لم تعد المملكة النظر في مواردها الاقتصادية خلال العقود القادمة.