نال مايك بومبيو المعروف بمواقفه اليمينية المتشددة موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي اللازمة لتعيينه في منصب وزير الخارجية الأمريكية، ليكون الأمريكي الأول الذي ينتقل من رأس الاستخبارات إلى رأس الدبلوماسية وتكون نائبته جينا هاسبل أول امرأة تدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
رحل ريكس تيلرسون من منصبه بعد 14 شهرًا بتغريدة وضعت حدًا لخلافاته المعلنة مع ترامب، وجاء بومبيو لينضم إلى فريق المحاربين القدامى في إدارة ترامب بتغريدة أخرى كتب فيها الأخير: “مع مايك بومبيو، لدينا عملية تفكير متشابهة جدًا”، ليكون بديلًا أكثر تناغمًا مع ألحان رئيسه في بيت لطالما عجَّ بالإقالات والاستقالات.
رحلة الصعود السريع من المخابرات إلى الخارجية
بعد قضائه عامًا مهمًا في رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية “سي أي إيه”، ينتقل مايك بومبيو (54 عامًا) لمحطته القادمة داخل البيت الأبيض، حاملًا معه انضباط شخص متميز في أكاديمية ويست بوينت العسكرية المرموقة، والحنكة السياسية لعضو في مجلس النواب على مدى سنوات.
اشتهر بومبيو بمواقفه المتطرفة ضد الأقليات الدينية والعرقية في الولايات المتحدة وبينها المسلمون
وقبل بلوغه هذا المنصب، عُرف عن بومبيو أنه صعد بسرعة في مسيرته المهنية، معتمدًا على الفرص السياسية التي أبلغته عتبة ترامب، حيث حصل على ثقته عبر تقديمه الموجزات الأمنية اليومية، وبدعمه النهج السياسي لقطب العقارات الثري.
وقبل أن يتولّى بومبيو منصب مدير “سي أي إيه” بداية 2017، كان عضوًا جمهوريًا متشددًا في الكونغرس الأمريكي عن ولاية كانساس، اُنتخب عام 2010 بدعم من أقطاب جمهوريين مثل الأخوين تشارلز وديفيد كوخ.
لكن اسمه عُرف من خلال لجنة الاستخبارت الخاصة التي شكلها الجمهوريون للتحقيق في الهجوم الذي أدى إلى مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين في القنصلية الأمريكية في بنغازي بليبيا 2012، واتهمت تلك اللجنة في تقريرها هيلاري كلينتون التي كانت وقتذاك وزيرة للخارجية، بالتضليل العمدي للأمريكيين بشأن طبيعة الهجوم للمساعدة على إعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما.
https://twitter.com/realDonaldTrump/status/988405962624118785
وقبل كل ذلك، كان بومبيو عسكري وسياسي أمريكي عمل بالجيش لمدة طويلة، واشتغل بالمجال القانوني لثلاث سنوات بعد تخرجه في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، قبل أن ينتقل للاستثمار الاقتصادي وإنشاء شركة متخصصة في المجال الفضائي.
نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2016 عُين لرئاسة المخابرات المركزية، عبر مدافعون عن الحريات المدنية وحقوق الإنسان عن قلقهم الشديد من هذا الاختيار بسبب شخصية بومبيو ومواقفه المثيرة للجدل، إذ اشتهر بومبيو بمواقفه المتطرفة ضد الأقليات الدينية والعرقية في الولايات المتحدة وبينها المسلمون، كما عرف بموقفه الرافض للاتفاق النووي مع إيران.
وزير بدرجة متطرف
منذ انضمامه إلى الحزب الجمهوري اشتهر بومبيو بمواقفه المثيرة من قضايا متعددة بينها العلاقات مع الأقليات الدينية والعرقية في الولايات المتحدة، إذ يعاني بحسب وصف مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية من “الإسلاموفوبيا”، ويؤخذ عليه اعتباره زعماء المسلمين في الولايات المتحدة “متواطئين” مع الجماعات المتطرفة.
وعقب شهرين من هجمات بوسطن التي وقعت في أبريل/نيسان 2013، مخلفة ثلاثة قتلى وأكثر من 260 مصابًا، أطلق بومبيو، في جلسة لمجلس النواب الأمريكي، تصريحات يجاهر فيها بهجومه على المسلمين.
يعد بومبيو من أشد الرافضين لإغلاق معتقل غوانتانامو الذي أقامه الرئيس السابق جورج بوش الابن في كوبا عقب هجمات 11 من سبتمبر/أيلول 2001
وجاء في تصريحاته: “عندما تأتي الهجمات الإرهابية الأشد إيذاءً لأمريكا في العشرين عامًا الأخيرة، من أتباع دين واحد، ويتم تنفيذها باسم ذلك الدين، فإن هنالك التزامًا خاصًا يقع على عاتق قادة ذلك الدين، لكنهم بدلًا من أن يردوا بإدانة الهجمات، فإن سكوت هؤلاء القادة الإسلاميين في مختلف أنحاء امريكا جعلهم متواطئين مع هذه الأفعال، والأهم من ذلك، الأحداث التي ستليها”.
ورغم أن بومبيو أصدر لاحقًا تصريحات تميز بين المسلمين والتطرف، فإن الحقوقيين ما فتئوا يعبرون عن مخاوفهم مما قد يقدم عليه بومبيو بحق المسلمين والمهاجرين بعد ترؤسه وزارة الخارجية الأمريكية.
وعقب توليه رئاسة المخابرات المركزية في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2016، عبر مدافعون عن الحريات المدنية وحقوق الإنسان عن قلقهم الشديد من هذا الاختيار، وتعالت أصوات محذرةً من عودة أيام “الممارسات السود” لـ”سي أي إيه” تحت حكم بومبيو، في الوقت الذي شهدت فيه الوكالة في عهد أوباما بعضًا من التحسن لم يسلم من انتقادات الحقوقيين.
بالإضافة إلى ما سبق، يعد بومبيو من أشد الرافضين لإغلاق معتقل غوانتانامو الذي أقامه الرئيس السابق جورج بوش الابن في كوبا عقب هجمات 11 من سبتمبر/أيلول 2001، فبعد زيارته للمعتقل عام 2013 قال: “بعض المساجين الذين أعلنوا إضرابًا عن الطعام زاد وزنهم”.
اتخذ هذا الرجل موقفًا متشددًا للغاية من سوريا، حيث اعتبر من أكبر المؤيديين للرئيس السابق باراك أوباما، في توجيه ضربة عسكرية للدولة السورية، ومن هذا المنطلق يذهب بومبيو لمعاداة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
ولم يكن بومبيو يفوت مناسبة إلا ويعبر عن تأييده لجمع بيانات الاتصال الذي ألغته وكالة الأمن القومي وتأييده لبرامج مراقبة الإنترنت بشدة بالغة، كما دافع بومبيو عن الاستخبارات الأمريكية بعد صدور تقرير لمجلس الشيوخ عن التعذيب، وقال: “القائمون على المعتقل من رجل ونساء ليسوا جلادين وإنما وطنيون، ويتصرفون في إطار القانون والدستور”.
ونقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية وقتها عن منظمة حقوق الإنسان أن هناك مخاوف بالغة بدأت تحوم بشأن استخدام بومبيو أجهزة مراقبة متطورة في الوكالة وبطرق من المرجح أن تنتهك حقوق الإنسان على نطاق واسع، وفي بيان نشر على موقعه على الإنترنت في سبتمبر 2014، انتقد أوباما لحظر استخدام أساليب قاسية في التعذيب “مثل محاكاة الغرق” بعد توليه منصبه في عام 2009.
بومبيو.. صقر ترامب
يُنظر لبومبيو باعتباره من الموالين لترامب، وخلال توليه منصب مدير لوكالة الاستخبارات المركزية، طابق بومبيو لهجة تصريحات السياسة الخارجية لترامب، وقال: “كي تكون وكالة الاستخبارات المركزية ناجحة، يجب أن تكون هجومية وقاسية وأن تعمل من دون رحمة وبلا هوادة”.
وكمدير لوكالة الاستخبارات المركزية، شق بومبيو طريقه للدائرة المقربة من ترامب، حيث نقل بنفسه الكثير من الموجزات الاستخباراتية اليومية للأمن القومي، وتكيف مع نفور الرئيس من قراءة التقارير الطويلة عبر تحضير المعلومات الاستخباراتية في رسوم بيانية مبسطة عن المخاطر والتهديدات الدولية.
وتفادى بومبيو مباشرة مناقضة إصرار ترامب على أن روسيا لم تعمل على دعم انتخابه في 2016، وفي محاولة لإرضاء الرئيس متقلب المزاج قلل بومبيو من المعلومات التي تشير إلى تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام الماضي رغم تصريحه بأن “موسكو سعت للتأثير على الانتخابات الأمريكية لعقود”.
يعتبر بومبيو من صقور التيار المناوئ لموسكو، وقد حذر في السابق من أن بوتين زعيم خطر، لكن ذلك لم يظهر إلا حين تعرض للضغط في العلن، إذ قال إنه يدعم التقرير الصادر في يناير/كانون الثاني 2017 من كبار قادة الاستخبارات في البلاد الذي خلص إلى أن روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية في 2016 في مسعى لمساعدة ترامب لهزيمة كلينتون.
واتخذ هذا الرجل موقفًا متشددًا للغاية من سوريا، حيث اعتبر من أكبر المؤيديين للرئيس السابق باراك أوباما، في توجيه ضربة عسكرية للدولة السورية، ومن هذا المنطلق يذهب بومبيو لمعاداة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كان بومبيو الذي دخل الكونغرس 3 مرات عن ولاية كنساس معارضًا شرسًا للاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عام 2015 للحد من برنامج طهران النووي مقابل تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها
وقد تجلت مواقف بومبيو بهذا الشأن، في مقال نشره مع عضو مجلس الشيوخ توم كوتون، في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، جاء فيه: “في الوقت نفسه يتحرك أعداؤنا داخل سوريا دون عقاب، فإيران وحزب الله يرسلون إلى الأسد آلافًا من القوات البرية والأسلحة لمقاتلة المتمردين المعارضة السورية، ومشاركتهم قلبت المعادلة لصالح الأسد في الأشهر الأخيرة، وروسيا تواصل دعمها لسوريا”.
ويشارك بومبيو ترامب في موقفه المتشدد ضد إيران وكوريا الشمالية، ويعتبر من أحد أكثر الأصوات تشددًا إزاء كوريا الشمالية في الدائرة المقربة من ترامب، إذ سبق أن مازح بخصوص اغتيال زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون؛ مما أثار مخاوف عن عودة الوكالة لنزعة تدعم اغتيال الديكتاتوريين المعاديين لواشنطن.
ودائمًا ما يدافع بومبيو عن موقف الرئيس ترامب الحازم تجاه كوريا الشمالية، ويحذر واشنطن من تقديم أي تنازلات لبيونغ يانغ خلال اللقاء المرقب بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
على هوى الرئيس
كان بومبيو الذي دخل الكونغرس 3 مرات عن ولاية كنساس معارضًا شرسًا للاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عام 2015 للحد من برنامج طهران النووي مقابل تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها، ودعا إلغاء إلى إلغاء الاتفاق، قائلًا: “إيران تقود مساعٍ حثيثة لتكون القوة المهيمنة في المنطقة”.
وقبل الاتفاق النووي كان بومبيو “كابوس إيران” الذي لا يهدأ، إذ اقترح في اجتماع مائدة مستديرة عقد في 2014 مع الصحفيين أن تقصف الولايات المتحدة المنشآت النووية في إيران، وهو اقتراح وصفه خبراء المخابرات الأمركيون بأنه سيؤجل فقط تطوير رأس حربي نووي إيراني، لكن لن يوقفه.
من المنتظر من بومبيو أحد أكثر أعضاء فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الموثوقين، ألا يعدو على قرار ترامب كما فعل تيلرسون، وأن يسير على خُطى رجل البيت الأبيض في مواقفه ضد إيران وكوريا الشمالية، ومع “إسرائيل” والسعودية
وبالنسبة لـ”إسرائيل” يؤيد بومبيو، كحال أعضاء الإدارة الأمريكية الآخرين، المصلحة الإسرائيلية بشدة، وقد دعا إلى تقارب سعودي ـ إسرائيلي أكبر في المنطقة، لحماية المصالح المشتركة على حد وصفه، بل وأشاد بالتغيّر الذي طرأ على السياسة الخارجية تجاه “إسرائيل” الذي نتج عنها تقارب بين الطرفين.
ويشير رفض ترامب للاتفاق مع إيران، وإشادته بتعاون المملكة العربية السعودية مع “إسرائيل” للتصدي للإرهاب في الشرق الأوسط، إلى أنه يرى في الخليج منطقة حيوية لمواجهة النفوذ الإيراني، والارتكاز عليها لتحقيق المصالح الأمريكية ـ الإسرائيلية الأمنية في الشرق الأوسط.
وفي ظل الترويج لبومبيو بمواقفه الحاسمة والقوية بشأن بعض القضايا مقارنة بتيلرسون الذي وصفته الأوساط السياسية في واشنطن بأنه انحاز للدوحة في الأزمة الخليجية، وأن الطريقة التي تصرف بها في إدارة الأزمة أثارت انطباعات، وهو موقف يختلف عما يؤمن به ويريده الرئيس دونالد ترامب.
وما يزيد الوضع سوداوية الوعود التي أطلقها دونالد ترمب بترحيل ملايين المهاجرين من الولايات المتحدة، وتطبيق سياسة صارمة ضد المواطنين الأمريكيين من الديانة الإسلامية بالداخل، علاوة على منع استقبال اللاجئين، وبناء جدار على الحدود مع المكسيك، وهي وعود ينتظر أن تضطلع الخارجية الأمريكية بدور كبير في تنزيلها على أرض الواقع إذا مضى ترمب قدمًا في تطبيق وعوده الانتخابية.
ومن المنتظر من بومبيو أحد أكثر أعضاء فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الموثوقين، ألا يعدو على قرار ترامب كما فعل تيلرسون، وأن يسير على خُطى رجل البيت الأبيض في مواقفه ضد إيران وكوريا الشمالية، ومع “إسرائيل” والسعودية، وإلا سيكون مصيره الإقالة.