ترجمة وتحرير: نون بوست
عمل نائب رئيس الموساد السابق، رام بن باراك، في أقوى جهاز مخابرات في العالم. وقد تحدث بن باراك عن الأشكال النمطية الحقيقية للموساد، ووضح إلى أي مدى تعتبر حياة الجاسوس معقدة. قبل خمس سنوات، عمل رام بن باراك نائبا لمدير جهاز المخابرات الإسرائيلي، الموساد. أما اليوم، أصبح جندي النخبة السابق متقاعدا ويعمل مستشارا أمنيا للسفارة الإسرائيلية في الولايات المتحدة. وفي أيام العطل الرسمية، يذهب بن باراك إلى مزرعته في مستوطنة “نهلال” بالقرب من تل أبيب.
التقى المخرج دوكي درور وفريق عمله برام بن باراك من أجل تسجيل فيلم وثائقي تحت عنوان “من داخل الموساد”، (إنسايد موساد)، لقناة “آر تي” التلفزيونية. ويعتبر ذلك أول لقاء مع عميل سابق ذو رتبة عالية في الموساد الإسرائيلي. ولم يتحدث بن باراك عن أخطر عملياته فحسب، وإنما تطرق أيضا إلى المشاعر المختلفة التي تجتاح حياة الجاسوس.
السؤال: السيد بن باراك، قبل عشر سنوات، لم يكن ممكنا تصوير فيلم على غرار “من داخل الموساد”، ولكنه أصبح ممكنا الآن. لماذا؟
رام بن باراك: لقد أصبح العالم أكثر انفتاحا، فضلا عن أن هذا الفيلم يلقي الضوء على أزمات شخصية، ولا يتطرق إلى الكشف عن أي معلومات سرية. كما أنني لم أبح بأي سر.
ولكن لماذا لم يكن اسم رئيس جهاز الموساد معروفا لأحد قبل عشر سنوات؟
بن باراك: آنذاك، كان هذا الأمر بالفعل سرا، أما الآن فلم يعد كذلك. سيكون من المضحك، إذا حاولنا إخفاءه.
بن باراك: يتمتع الموساد بالقدرة على الوصول لأي شخص ولأي مكان في العالم. وأنا أتحمل مسؤولية ما أقول.
وكيف تفاعل المحيطون بك مع الفيلم؟
بن باراك: عموما، كانت ردود الأفعال إيجابية، بما في ذلك، مواقف بعض الأشخاص الذين يعملون في الموساد. في المقابل، أبدى بعض الأشخاص تحفظهم إزاء الفيلم، وأكدوا أن كل المعطيات يجب أن تبقى سرية. ولكني أعتقد أننا نعيش في مجتمع ديمقراطي، ويجب أن نقدم له كشف حساب، ففي نهاية المطاف، ذلك المجتمع هو من يدفع رواتبنا.
لقد شاركت في مجموعة من العمليات الخطيرة التابعة للموساد. وفي سنة 1991، تعرضت للاعتقال في قبرص، على خلفية محاولتك تهريب بعض التسجيلات الصوتية من داخل السفارة الإيرانية هناك. فما هو أغلى ثمن اضطررت لدفعه مقابل عملك عميلا للموساد أو نائبا لرئيس جهاز الموساد؟
بن باراك: لا تعتبر هذه الوظيفة سهلة بالنسبة لرب عائلة، وخاصة في حال كان لديك ثلاثة أبناء. ففي بعض الأحيان، أودعهم على اعتبار أنني سأغيب لمدة يومين، ولكني أعود إليهم بعد أسبوعين كاملين. يعد الغموض حول طبيعة عملي مبعثا للقلق بشكل كبير. كان لزوجتي عمل خاص بها، وفي أغلب الأوقات، كانت وحيدة، ولكننا تمكنا في النهاية من تجاوز كل ذلك.
لم يعد حمل السلاح حلا في الوقت الحالي، وبالتالي هل يمكن القول إنه لم يعد هناك حاجة إلى عملاء سريين مدربين على أعلى مستوى، على غرار جيمس بوند، بل إلى خبراء في التكنولوجيا متخفين وراء ستراتهم وخلف نظاراتهم؟
بن باراك: بالطبع، فالعالم قد تغير. في الوقت الحالي، يستطيع أي شاب جالس في روسيا، اختراق أنظمة الحاسوب ونشر أخبار كاذبة. نتيجة لذلك، يستطيع ذلك الشاب زعزعة أوروبا بأسرها دون أن يطلق رصاصة واحدة. ومن المرجح أن يتنامى هذا الشكل من الحرب أكثر فأكثر.
بن باراك: لا يحق لرئيس أركان الجيش أو رئيس الموساد ولا حتى رئيس جهاز الأمن الداخلي، الشاباك، إتخاذ قرار سياسي، وهذا أمر جيد في حد ذاته
لطالما كان الموساد محاطا بأسطورة تفيد بأنه يستطيع مطاردة أي عدو “لإسرائيل” في أي مكان في العالم والإيقاع به دون رحمة. ولكن مؤخرا، ارتكبت مجموعة من الأخطاء في هذا الصدد. فهل انتهت أسطورة الموساد؟
بن باراك: لا أعتقد أن هذا الأمر صحيح على الإطلاق. بالفعل، لا يعد ذلك مجرد أسطورة، حيث يتمتع الموساد بالقدرة على الوصول لأي شخص ولأي مكان في العالم. وأنا أتحمل مسؤولية ما أقول.
ولكن قبل 20 سنة، تعرض رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، خالد مشعل، لمحاولة اغتيال من قبل عملاء إسرائيليين، بيد أنه الآن في صحة جيدة
بن باراك: ولكن هذا لا يعني أننا لم نتمكن من الوصول إليه. وفي حين أن الجميع يعلم بشأن العمليات التي فشلت في تحقيق الأهداف المرجوة، ولكن ما لا يعرفه أحد أن آلاف العمليات الأخرى كُللت بالنجاح. ولكي تنجح أي عملية، لابد أن نقترب بشكل كبير من حافة الهاوية.
ما مدى تدخل جهاز الموساد في تحديد ملامح السياسة الإسرائيلية؟ فمنذ سنوات، بات لعملاء الموساد دور في إيجاد حل للأزمة مع الفلسطينيين، ولكن دون جدوى.
بن باراك: يدل ذلك على أن هناك اختلافا في الآراء حول إدارة هذه الأزمة، ولكن في النهاية، يتخذ السياسيون القرار بتفويض من الشعب. ولا يحق لرئيس أركان الجيش أو رئيس الموساد ولا حتى رئيس جهاز الأمن الداخلي، الشاباك، إتخاذ قرار سياسي، وهذا أمر جيد في حد ذاته. عموما، لن يتعارض القرار في النهاية مع وجهة نظر أجهزة الأمن، ويرجع ذلك إلى أنها تمتلك آليات أفضل للحصول على المعلومات وتقييم الوضع. في الأثناء، قد يتبنى السياسيون رأيا خاصا بهم.
بن باراك: لم تعد “إسرائيل” تمثل تهديدا للسعودية ولا لقطر ولا لدول الخليج، بالإضافة إلى أن السعوديين متعاونون معنا بصورة جيدة
وهل يمتلك الموساد في نهاية المطاف القدرة على التدخل، على سبيل المثال، فيما يتعلق بالتعامل مع إيران؟
بن باراك: فيما يتعلق بإيران، يتفق الجميع على وجوب تأجيل البرنامج النووي إلى حين التوصل إلى اتفاق مقبول.
في الآونة الأخيرة، حدث تقارب كبير بين “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية في ظل وجود عدو مشترك بينها، إيران، وقد دفع ذلك جهاز الموساد إلى الكشف عن بعض آلياته، لأجهزة المخابرات السعودية. فهل يعد هذا التحالف الجديد خطوة استراتيجية؟
بن باراك: لم تعد “إسرائيل” تمثل تهديدا للسعودية ولا لقطر ولا لدول الخليج، بالإضافة إلى أن السعوديين متعاونون معنا بصورة جيدة. علاوة على ذلك، تعتبر هذه فرصة سانحة بالنسبة لنا، لا يجب تفويتها، من أجل أن نعيش في سلام.
هل تعتقد أن الرئيس السابق لجهاز الموساد، مئير داغان، منع حربا محتملة سنة 2010، عندما تصدى لأمر أصدره رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بضرب مراكز بحث نووية إيرانية؟
بن باراك: هل تقصد أنه في حال عدم تدخل داغان في ذلك الوقت الحرج ووجوده في ذلك المنصب الحساس، كانت ستندلع حرب؟ بالطبع لا. لا أعتقد ذلك البتة.
إذن، هل لا يزال الموساد يمتلك تأثيرا على سياسة الدولة أكبر من تأثير جهاز الأمن الداخلي، الشاباك؟
بن باراك: تقدم المؤسستين معلومات على قدر من الاحترافية والدقة وليس آراء سياسية. وؤ. في المقابل، يعتبر ذلك الموضوع هامشيا بالنسبة للموساد. في الواقع، اتفق جميع رؤساء جهاز الشاباك على أن حل هذه الأزمة لا بد أن يقع على المستوى السياسي، على أن يتأتى ذلك من خلال اتفاق سلام حقيقي.
بن باراك: في الوقت الحالي، يمثل تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة وكذلك الحرس الثوري الإيراني، خطرا أكبر بكثير من منظمة التحرير الفلسطينية.
هل تتفق مع الرأي القائل بأن التهديد الداخلي أكبر، حيث أن منظمة التحرير الفلسطينية لا يمكن أن تحتجز رياضيين إسرائيليين في ميونخ مرة أخرى.
بن باراك: هل تقصد أن الموساد لم يعد لديه ما يفعله؟
المواجهة على الأبواب…
بن باراك: ستبقى المواجهة دائما بالنسبة لنا على الأبواب، وفي الوقت ذاته، غير واردة. وتتمثل مهمتنا في ضمان عدم تعرض “إسرائيل” لأي تهديد من خلال أي أسلحة غير تقليدية، وأن ينتصر جيش الدفاع الإسرائيلي في أي حرب يخوضها، بغض النظر عن الخصم. بالإضافة إلى ذلك، نعمل على أن يبقى الإسرائيليون واليهود بعيدين عن خطر الإرهاب في أي مكان في العالم. وفي الوقت الحالي، يمثل تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة وكذلك الحرس الثوري الإيراني، خطرا أكبر بكثير من منظمة التحرير الفلسطينية.
ألا يعتبر تنظيم الدولة حاليا في حالة تراجع؟
بن باراك: لا يمكن الاعتماد على هذا المعطى. فعندما يصبح الرئيس السوري، بشار الأسد، ضعيفا، من المرجح أن يعود تنظيم الدولة. وفي حال تراجعت قوة تنظيم الدولة، يبزغ نجم الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية. وهنا تظهر مشكلة أخرى، حيث أن مواجهة دولة منظمة يعد أفضل بكثير من مواجهة حركة أو تنظيم، فهؤلاء لا يهتمون كثيرا لحياة السكان المحليين.
نفهم من ذلك، أننا سنبقى على الدوام محاطين بالإرهاب؟
بن باراك: الإرهاب الديني لن يتوقف أبدا، حيث تعاني غالبية البلدان الإسلامية من الفقر، كما أنهم محكومون من قبل حكومات ديكتاتورية. وحاليا، يستطيع أي طفل في الثانية عشر من عمره أن يطلع على شكل الحياة في أوروبا من خلال هاتفه النقال، ليقول لنفسه: “أريد أن أعيش في هذا المكان، بدلا من أن أعيش في ظل نظام قذر”، فهنا لم يبق سوى المتطرفون.
هل يمثل تنامي ظاهرة معاداة السامية في العالم مشكلة بالنسبة للموساد؟
بن باراك: لا يوجد تهديد حقيقي، يجدر الاهتمام به فيما يتعلق بهذه القضية، ولكن بمجرد أن يظهر سنسعى للتصدي له. ففي النهاية، الأمر يتعلق دائما بالديانة اليهودية، التي يبغضها الكثيرون. في الواقع، لا أعرف السبب الكامن وراء ذلك، ولكني متأكد من أن الفجوة ستزداد اتساعا مع الوقت، حيث لا تمثل اليهودية في النهاية سوى فصلا في قصة طويلة.
المصدر: صحيفة فيلت الألمانية