يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، بأزمات إنسانية ومعيشية واقتصادية هي الأخطر منذ الـ12 عامًا الماضية، بفعل الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض عليهم، والعقوبات التي يفرضها الرئيس محمود عباس وأثقلت حياتهم وزادتها تأزمنًا.
في ظل تعثر المصالحة الداخلية بين حركتي فتح وحماس، وفشل مصر في إحداث أي تقارب بهذا الملف، إضافة للحصار الإسرائيلي الخانق والتهديد بحرب رابعة على القطاع وخطوات عباس العقابية، باتت الخيارات أمام الغزيين تكاد تكون معدومة وما توفر منها سيؤدي إلى الانهيار والانفجار في وجه الجميع.
على ضوء تلك التطورات التي أنهكت سكان غزة وفاقمت من معاناتهم بعد تشبعها بويلات ومرراة الحصار والخلافات الداخلية، خرجت أصوات داخل القطاع تهدد باللجوء لـ”العصيان الاقتصادي” كخيار أخير يسبق العاصفة الكبيرة، بعد أن أغلق البعض عينيه عما يجري في غزة وتآمر آخرون على حصارها وخنق أهلها.
ساعة الصفر
حذرت مؤسسات القطاع الخاص في غزة من إعلان “عصيان اقتصادي قريبًا جدًا” بسبب ما آل إليه الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، وأوضح بيان لتلك المؤسسات الإثنين أن ذلك العصيان قد يشمل إغلاق المعابر كافة ووقف حركة الاستيراد ودخول البضائع إلى قطاع غزة والتوقف عن دفع أي أموال للجهات كافة.
تكشف مؤشرات رسمية وأهلية أخرى عن تفاقم الأوضاع الاقتصادية بغزة، حيث تزيد نسبة البطالة على 42%، في حين تبلغ معدلات الفقر 65%، وتجاوز انعدام الأمن الغذائي 70%
كما حذَّر من أن انهيار غزة ليس في مصلحة أحد، وأن كل الأطراف ستتضرر جراء الانفجار المتوقع، قائلاً: “في حال استمرار الأوضاع على حالها الراهن واستمرار الصمت الإقليمي والدولي على جريمة ذبح غزة وأهلها الصامدين، فإننا في مؤسسات القطاع الخاص الفلسطيني سنعلن ذلك العصيان”.
وبات الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض على قطاع غزة، أقسى وأصعب وأكثر خطورة، في ظلّ إجراءات مستمرة تتخذها كل الأطراف المؤثرة، للضغط على سكان هذه البقعة السكانية الأكثر اكتظاظًا في العالم، بما وُصف بأنه “أكبر سجن”.
وتكشف مؤشرات رسمية وأهلية أخرى عن تفاقم الأوضاع الاقتصادية بغزة، حيث تزيد نسبة البطالة على 42%، في حين تبلغ معدلات الفقر 65%، وتجاوز انعدام الأمن الغذائي 70%، بينما يعتمد 80% من السكان على المساعدات المقدمة من المؤسسات الإنسانية كوكالة الغوث وغيرها.
وتعاني القطاعات الاقتصادية بمختلف مجالاتها من منع الاحتلال إدخال أصناف كثيرة من احتياجاتها الأساسية منذ شدد الحصار على غزة عام 2007، إضافة إلى منعه التصدير خارج القطاع إلا بحدود ضيقة للغاية.
في هذا السياق، يقول رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار النائب جمال الخضري: “أوضاع القطاع باتت واضحة للجميع، إذ باتت كارثية بشكل سريع ومتسارع بعد مرور 12 عامًا على الحصار وثلاثة حروب شنها الاحتلال ضد غزة”.
الانفجار القريب
ويوضح أن “معدلات الفقر باتت في ارتفاع كبير في الفترة الأخيرة ويتلقى أكثر من مليون ونصف مليون غزي مساعدات تشكل مصدرًا أساسيًا لهم للعيش، إذ يتقاضى مليون لاجئ مساعدات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) ونصف مليون من المؤسسات العربية والدولية”.
وشملت “عقوبات أبريل” خصم 30% لـ50% من رواتب موظفي السلطة، وتقليص كمية الكهرباء التي تراجع عنها بعد عدم خصمها من أموال المقاصة، والتحويلات الطبية، وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر الإجباري
المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان، ذكر أنّه “على مدار 12 عامًا، تسبب الحصار بأزمات إنسانية متكررة نتيجة لتقييد حركة السكان ونقص الأدوية والمعدات الطبية وقلة الوقود، إضافة إلى القيود المفروضة على دخول مواد البناء الأساسية”.
وفرض الرئيس عباس في أبريل العام الماضي إجراءات عقابية على قطاع غزة بدعوى إجبار حركة حماس على تسليم القطاع لحكومة الوفاق الوطني، وأعقبها فرض عقوبات جديدة على خلفية التفجير الذي استهدف موكب رئيس الوزراء الذي اتهم حركة حماس بالمسؤولية الكاملة.
وشملت “عقوبات أبريل” خصم 30% لـ50% من رواتب موظفي السلطة، وتقليص كمية الكهرباء التي تراجع عنها بعد عدم خصمها من أموال المقاصة، والتحويلات الطبية، وإحالة الآلاف إلى التقاعد المبكر الإجباري.
وتحجم السلطة حتى اللحظة عن صرف رواتب موظفيها في غزة لشهر مارس، دون ذكر أي أسباب، رغم صرفها لنظرائهم في الضفة الغربية؛ الأمر الذي فاقم معاناة قطاع غزة بشكل غير مسبوق.
رئيس غرفة تجارة وصناعة غزة وليد الحصري، اعتبر أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في قطاع غزة “وصلت لمرحلة كارثية ونقطة الصفر بحيث قاربنا على الانهيار الاقتصادي المحتوم”.
وقال الحصري: “نحذر من أن الانفجار قادم لا محال، ولم يعد هناك مجال للصمت، فاقتصادنا تهاوى وعمالنا لا يجدون لقمة خبز، ولن نقبل أن نعيش في غرفة الإنعاش، ولن نسمح لأحد أن يحول شعبنا وتجاره وصانعيه ومقاوليه ومزارعيه إلى متسولين”.
قال الخبير الاقتصادي محسن رجب: “قطاع غزة يعاني من انهيار كارثي في الأوضاع الاقتصادية”
وأضاف متسائلاً “ماذا بعد؟ وغزة تحتضر وتنهار اقتصاديًا واجتماعيًا وصحيًا، متى ستتدخلون؟ عندما يصبح قطاع غزة منطقة كوارث وأوبئة!”، موضحًا أن “المؤشرات الاقتصادية في قطاع غزة وصلت لمستوى غير مسبوق من التدني وأبرزها ارتفاع معدلات البطالة إلى 46% وارتفاع معدلات الفقر لتتجاوز 65%”.
ونبه إلى ارتفاع نسبة انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر في قطاع غزة إلى 50%، وانعدام القدرة الشرائية في كل القطاعات الاقتصادية؛ مما أدى إلى نقص في السيولة النقدية الموجودة في القطاع إلى أدنى مستوى خلال عقود.
الوضع الكارثي
وطالب الحصري بتدخل دولي للضغط على “إسرائيل” من أجل رفع حصارها عن قطاع غزة وفتح معابره ورفع قيودها عن إدخال البضائع والسلع، بما في ذلك كميات مواد البناء اللازمة لإعادة الإعمار، كما حث السلطة الفلسطينية على إعفاء قطاع غزة من الضرائب والجمارك حتى يتعافى الاقتصاد من كبوته لتجنيب القطاع من كارثة اقتصادية واجتماعية وصحية وبيئية محققة.
ودعا إلى خطة إنقاذ اقتصادية وطنية بمشاركة القطاع الخاص وإنشاء صندوق إقراض إغاثي عاجل؛ لدعم القطاعات الاقتصادية والمشاريع الصغيرة والمنهارة حتى تستطيع مجابهة الكساد الاقتصادي.
من جانبه قال الخبير الاقتصادي محسن رجب إن قطاع غزة يعاني من انهيار كارثي في الأوضاع الاقتصادية. وأضاف “بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة في القطاع ارتفعت معادلات البطالة إلى 46%، وبلغ عدد العاطلين عن العمل ربع مليون شخص، وارتفعت معدلات الفقر لـ65%، بينما ارتفعت نسبة انعدام الأمن الغذائي لتصل إلى 50% في 2017”.
ويعاني قطاع غزة، حيث يعيش قرابة مليوني نسمة، من أوضاع معيشية متردية للغاية، جراء الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 12 عامًا، بالإضافة إلى الانقسام الفلسطيني الداخلي وتعثر عملية المصالحة بين حركتي فتح وحماس.