بينما تلقى العالم العربي حظر موقع يوتيوب في تركيا كما تلقى سابقه بحظر تويتر، ما بين معارض من باب الحريات ومؤيد من باب الحرص على العدالة والتنمية، كان الحوار في تركيا مختلفاً جداً هذه المرة عنه حول أي تسريب سابق.
ذلك أن التسريب الأخير الذي أدى لحظر اليوتيوب في تركيا اعتبرته الحكومة والمعارضة على السواء تهديداً للأمن القومي، بل اعتبره وزير الخارجية داود اوغلو بمثابة إعلان حرب.
ذلك أن التسريب كان تسجيلاً صوتياً لاجتماع (أو حوار على هامش اجتماع) تم في وزارة الخارجية، بحضور وزير الخارجية داود أوغلو ومستشاره، ورئيس جهاز الاستخبارات فيدان ونائبه، ونائب رئيس هيئة أركان الجيش. ويفهم من التسجيل أن الاجتماع يناقش احتمالات التدخل التركي في سوريا (بما في ذلك الخيار العسكري) في حال نفذ تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية “داعش” تهديداته باستهداف ضريح “سليمان شاه” في سوريا، الأرض التركية الوحيدة خارج حدود الجمهورية.
وقد ذكر بيان الخارجية أن هيئة الاتصالات التركية طلبت من موقع يوتيوب حذف التسجيل، بناءً على طلب الوزارة التي صنفت التسجيل على أنه “تهديد من الدرجة الاولى” للأمن القومي التركي، ولما لم يستجب الموقع تم حظر الوصول إليه بعد أربع ساعات، هذه المرة بقرار إداري دون انتظار حكم محكمة كما حصل مع موقع تويتر.
المفارقة الأخرى في التسجيل أنه يأتي بعد أشهر من النزاع والحرب المعلنة من الحكومة على ما تسميه “التنظيم الموازي”، مما يوحي، إضافة إلى خصوصية الاجتماع ومستوى الحاضرين وحساسية الموضوع وسرية الطروحات، بأحد ثلاثة سيناريوهات:
الأول، أن يكون التنظيم الموازي قد وصل بقوته وتغلغله في مؤسسات الدولة حداً يمكنه من التنصت على كل هذه الشخصيات والمؤسسات، وهذا يوحي بخطورة هذا التنظيم ومدى نفوذه.
الثاني، أن لا يكون التنظيم الموازي سوى واجهة لأجهزة استخبارات دولية تنفذ عملياتها من خلاله أو باستغلاله، ساعدته على التسجيل أو سجلت وأعطته التسجيل.
الثالث، أن يكون هناك تيارات أو جهات داخل النظام/الدولة تساعد التنظيم الموازي أو تستتر به، وهي من سربت له التسجيل.
وبكل الأحوال، فهذا التسريب، قبل ثلاثة أيام من الانتخابات البلدية التي بات ترقى لمرتبة استفتاء عام، يؤكد أن الحرب الصفرية جارية على قدم وساق، وأنها تحرق المراحل بسرعة البرق. وهنا أن نذكر أن الصراع بدأ بهدف الوصول إلى حزب عدالة وتنمية بلا اردوغان، ثم ارتفع السقف إلى تركيا بلا حزب العدالة والتنمية، ونرجو أن لا يكون هذا التسريب من إرهاصات حلقة جديدة من النزاع عنوانها المنطقة بلا تركيا، كقوة وكدور.