بعد غلق المساجد بالقوة ومنع ارتداء النقاب والتضيق على المسلمين والمسلمات في الأماكن العامة، وصلت الحرب ضد الدين الإسلامي في فرنسا حد الدعوة لإبطال آيات قرآنية بدعوة “معاداة السامية الجديدة” والخوف على حياة السكان اليهود في هذا البلد الأوروبي الذي لطالما نادى بحرية المعتقد.
“معاداة السامية الجديدة”
قبل 3 أيام نشرت صحيفة “لو باريزين” الفرنسية مقالًا يحمل عنوان “ضد معاداة السامية الجديدة” يتحدث عما وصفته “التطرف الإسلامي” ويدق ناقوس الخطر ضد ما اعتبره تطهيرًا عرقيًا صامتًا تتعرض له الطائفة اليهودية في المنطقة الباريسية.
على أن ينشر اليوم كتاب يحمل نفس اسم المقال للمفكرة الفرنسية أليزابيت فونتناي الذي شاركت في تأليفه 15 شخصية من عالم الفكر في فرنسا، ويتطرق الكتاب إلى ما حصل لكل من “سارة حاليمي” وهي يهودية فرنسية تبلغ من العمر 65 سنة، وجدت ميتة في حي باريسي بعد إلقائها من نافذة شقتها حيث أُشبعت ضربًا قبل ذلك، وتطلب كشف الطابع العنصري للجريمة 10 أشهر من التحقيق.
فكرة العريضة ولدت من رحم مبادرة أطلقها مدير النشر السابق لمجلة “شارلي أبدو” الساخرة “فيليب فال “
و”ميري كنول” البالغة من العمر 85 سنة التي عُثر عليها مقتولة في نفس الحي الباريسي في 23 من مارس الماضي، وهو ما أجج المشاعر بتعاظم مشاعر “معاداة السامية”، وأعطى دفعة للتعبئة اللاحقة على الجريمة الأولى، وانطلاقًا من الحالتين يتساءل الكُتاب: لماذا هذا الصمت؟ ولماذا الإحراج لتسمية الكراهية الجديدة لليهود في فرنسا؟
وحث الموقعون الـ300 على المقال – وعلى رأسهم الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي و3 رؤساء حكومة سابقين هم: جان بيير رافارين وبرنار كازنوف ومانويل فالس وعمدة باريس السابق برتران دلانوي والمغني شارل أزنافور والممثل جيرار ديبارديو والفيلسوف المثير للجدل برنار هنري ليفي – سلطات المسلمين على إبطال سور القرآن التي تدعو إلى قتل ومعاقبة اليهود والمسيحيين والملحدين، وفق نص المقال.
وطالب الموقعون على العريضة علماء المسلمين بإصدار موقف واضح بتعطيل ما قالوا إنها “آيات قرآنية تدعو إلى قتل وعقاب اليهود والنصارى والكفار” بحكم أن الزمن عفا عليها على حد قولهم، ضاربين المثل على ما يجب فعله بما قامت به الكنيسة الكاثوليكية قبل قرون من تعطيل لبعض النصوص الإنجيلية التي صُنفت معادية لليهود، ويزعمون أن هذه الخطوة ستحرم المتطرفين من كل سند ديني لتبرير أفعالهم.
Manifeste « contre le nouvel antisémitisme » : des réactions de soutien https://t.co/6vryUqTBiS
— Le Parisien (@le_Parisien) April 22, 2018
فكرة العريضة ولدت من رحم مبادرة أطلقها مدير النشر السابق لمجلة “شارلي أبدو” الساخرة “فيليب فال”، وترى الشخصيات العامة الموقعة على هذه العريضة أن معاداة السامية في حلتها الجديدة تتسع على نحو مخيف، وأنها لم تعد قضية اليهود وحدهم بل قضية كل الفرنسيين الذين يعيشون بعد كل اعتداء ينفذه المتطرفون المنتمون للإسلام حقيقة وجود معادة السامية العنيفة، حسب تعبير العريضة التي ترى أن مثل هذه الاعتداءات، وإن كانت تُقابَل بإدانة شعبية واسعة، فإنها تلقى صمتًا إعلاميًا مطبقًا.
وذهب هؤلاء إلى القول إن اليهودي يواجه تطهيرًا إثنيًا صامتًا، مستشهدين بأرقام وزارة الداخلية التي تبين أن اليهودي يُواجه خطرًا مضاعفًا 25 مرة لأصوله العرقية أكثر من المسلم، مع إبراز أن معاداة الإسلام “الإسلاموفوبيا” لا يمكن اعتبارها معاداة للعرب.
استنكار كبير
هذه العريضة لاقت استنكارًا كبيرًا من مسلمي فرنسا، حيث عبر أول أمس الإثنين العديد من ممثلي المسلمين في فرنسا عن غضبهم واستيائهم واستنكارهم للإدانة الظالمة وهذيان هذا النص بحق الإسلام، وفي بيان له قال دليل بوبكر عمدة مسجد باريس الكبير: “الدعوى الجائرة والمتوهمة بمعاداة السامية في هذا البيان بحق الإسلام وبحق مواطنين فرنسيين مسلمين يهدد بخطر إثارة الطوائف الدينية ضد بعضها البعض”.
#Antisemitisme #islamophobie #France
Réponse à tribune Parisien : Lutte contre l’antisémitisme et le racisme anti-musulman cause nationale, afin d’éradiquer les poisons extrêmement nocifs pour notre unité nationale. Voir communiqué https://t.co/fKOzkBdsFQ pic.twitter.com/q98Hs0Th68
— Grande Mosquée de Paris (@mosqueedeparis) April 23, 2018
من جانبه ندد عبد الله زكري رئيس المرصد الوطني الفرنسي ضد كراهية الإسلام بما اعتبره جدلًا مثيرًا للغثيان وكارثيًا، وأضاف أن رجال السياسة الفاشلين الذين يعانون من عدم الاهتمام الإعلامي بهم وجدوا في الإسلام والمسلمين في فرنسا كبش فداء جديد.
لم تكن هذه العريضة بمعزل عن ممارسات أخرى وصفت بـ”المشينة” تمارس ضد المسلمين في فرنسا
في حين قال رئيس مجلس الديانة الإسلامية أحمد أوغراس: “هذا المقال لا معنى له وخارج الموضوع، الأمر الوحيد الذي نتبناه (منه) هو وجوب أن نكون جميعًا ضد معاداة السامية”، فيما اعتبر طارق أوبرو إمام مسجد بوردو الكبير القول بإن القرآن يدعو إلى القتل قول بالغ العنف وسخيف، وأضاف “القرآن أنزل بالعربية، وأعتقد أن الذين وقعوا على المقالة قرأوا ترجمة للقرآن وتفسيرًا له، هذا يدل على نقص في الثقافة الدينية، كل نص مقدس يتضمن عنفًا حتى الإنجيل”.
فضلًا عن ذلك، نشرت صحيفة “لوموند” أمس الثلاثاء بيانًا تحت عنوان “لا يمكن الدفاع عن تلك النصوص أكثر من ذلك” أصدره 30 إمامًا مسلمًا في فرنسا، أبرزهم مدير مكتب مناهضة معاداة السامية في باريس سامي غزلان ورئيس أئمة فرنسا حسن شلجومي، وعبر الأئمة في بيانهم عن رفضهم للتصريحات التي تقول إن القرآن يدعو إلى القتل كما ورد في بيان ضد معاداة السامية.
عنف ضد المسلمين
لم تكن هذه العريضة بمعزل عن ممارسات أخرى وصفت بـ”المشينة” تمارس ضد المسلمين في فرنسا، فكثيرًا ما يتعرض البعض منهم إلى اعتداءات جسدية فردية من قبل فرنسيين متطرفين، الأمر الذي جعل المسلمين في حالة خوف وقلق.
ومنذ وقوع الهجوم على صحيفة “شارلي إيبدو” ومتجر للأطعمة اليهودية في باريس في يناير 2015، تضع السلطات الفرنسية أغلب المساجد تحت الحراسة درءًا لأي تهديدات أو مخاطر محتملة، لكنها عززت هذه الإجراءات مؤخرًا مع تزايد التهديدات باستهداف المسلمين.
ومع تقدم أحزاب يمينية متطرفة في أوروبا بشكل عام وفرنسا على وجه الخصوص، تزايدت حدة الدعاية الإعلامية والسياسية ضد المسلمين من إعلاميين وساسة محسوبين على اليمين المتطرف في فرنسا، والذي يطرح أن المسلمين يشكلون تهديدًا للقيم الأوروبية.
الإسلام في فرنسا
يبلغ عدد المسلمين في فرنسا قرابة 6 ملايين بما يُعادل 8% من إجمالي السكان، وتلك الأرقام لم تُحدّث رسميًا منذ العام 2003 حين أعلنها نيكولا ساركوزي، وكان وزير الداخلية آنذاك، حيث يمنع القانون الفرنسي منعًا مطلقًا القيام بأي تعداد للسكان وفقًا لانتماءاتهم العرقية أو الدينية أو مذاهبهم الفلسفية أو اتجاهاتهم السياسية، ولهذا لا تملك أي جهة إحصاءات رسمية بهذا الصدد، إلا أنه يتوقع وصولهم حاليًا إلى 10% من سكان البلاد.
وطبقًا لأحدث الإحصاءات التي أعدتها وزارة الداخلية، فقد صعد الإسلام ليصبح الدين الثاني في الدولة، وأشارت الوزارة إلى أن أكثر من 3600 فرنسي يعتنقون الإسلام سنويًا، ويُتوقع أن يُمثل المسلمون ربع سكان فرنسا بحلول 2025.
يعاني مسلمو فرنسا من تضييقات عديدة
توجد عدة هيئات تُمثل المُسلمين هناك، من أهمها المعهد الإسلامي ومسجد باريس الكبير المُؤسس عام 1926 واتحاد المنظمات الإسلامية الذي غير اسمه إلى “مسلمي فرنسا”، أما التمثيل الرسمي للإسلام فيشهد خللًا كبيرًا، فنظرًا لكون فرنسا دولة علمانية فلا يحق لها التدخل فيما يخص أي دين، ولو حتى بتنظيمه من أجل تسهيل التواصل الحكومي مع أتباع هذا الدين، ولكن ما حدث أن التمثيل الرسمي للإسلام مر بعدة مراحل.
أولها قيام بيار جوكس وزير الداخلية آنذاك بتأسيس مجلس استشاري (CORIF) يضم 15 عضوًا من بين مديري المساجد الكبرى وشخصيات إسلامية مرموقة، لكن خليفته شارل باسكوا تخلى عن هذا المجلس الاستشاري واعتمد كليًا على المعهد الإسلامي ومسجد باريس لإنجاز ما يُسمى “إسلام فرنسا”، وهذا ما لم يُعجب الوزير التالي جان لويس دوبري، إذ فضل استدعاء 10 شخصيات متعددة الرؤى، وبعد وصول اليسار إلى الحكم قام الوزير جون بيير شوفينيمان بعدة مُشاورات أسفرت في عهد الوزير نيكولا ساركوزي عن تأسيس هيكل رسمي، وهو ما يعرف اليوم بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية أن مؤسسة الإسلام في فرنسا بدأت عملها رسميًا، إلا أنه بموجب قانون عام 1905 للفصل بين الدين والسياسة لم تسند إليها سوى المشاريع ذات الطابع الاجتماعي والثقافي العامة مع إقصاء للمسائل الثقافية الجوهرية.