على الحد الفاصل بين لوائي غزة ويافا، كانت تقع المسمية الكبيرة، آخر قرية في ريف لواء غزة من شماله الشرقي، إذ ظلّت أقرب جغرافيا لمدينة يافا من غزة، فكانت تبعد عن يافا في جنوبها مسافة 39 كيلومترًا، بينما كانت تبعد إلى الشمال من غزة المدينة نحو 43 كيلومترًا.
أحاطت المسمية الكبيرة عدة قرى منها المسمية الصغيرة إلى الشرق على مسافة أقل من كيلومترَين، وإلى الشرق من المسمية الصغيرة قرية الخيمة، فيما كانت قرية ياصور تحدّ أراضيها من الغرب على نحو 4 كيلومترات، بينما أحاطت المسمية الكبيرة من الشمال قطرة، وهي قرية كانت تتبع لقضاء الرملة على بُعد 8 إلى 9 كيلومترات، وفيها كوبانية “غديره” الصهيونية، أما من جنوبها، فكانت تحدّها أراضي قرية تل الترمس على بُعد 6 كيلومترات.
كانت أراضي المسمية الكبيرة سهلية تكاد لا تجد فيها حجرًا بحجم بيضة الدجاج لنعومة تربتها، كما يقول الحاج عبد المطلب ياغي في مقابلة معه عن قريته على موقع “فلسطين في الذاكرة“. إذ بلغت مساحة أراضيها ما يقارب الـ 21 ألف دونمًا، وحتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر كانت أراضيها أكبر من ذلك، قبل أن تقتطع الدولة العثمانية أراضي تُعرف باسم “المخيزن” من أهالي المسمية تبلغ مساحتها 18 ألف دونمًا، لتهبها بعد نزاع عليها لـ”عرب الوحيدات” في قضاء الرملة.
ظلّت أرض المخيزن غصّة في صدور أهالي المسميين بحسب ما يروي الحاج إسماعيل سيف ابن المسمية، في مقابلة معه على موقع “فلسطين في الذاكرة”، إذ كانت المخيزن على ما ظل يتذكر خصبة تغلُّ قمحًا صلبًا مثل الصوان، قد أنهك مطاحن قمح لوائي يافا وغزة.
ورغم سهليتها، إلا أن وادي أبو العينين ظلَّ أقرب وادي إليها ينحر تربتها السهلية، قادمًا من الشرق مارًّا من شمالها باتجاه البحر غربًا، إذ كانت تبعد المسمية عن البحر مسافة 15 كليومترًا تقريبًا، كما أحاط بالقرية وادٍ آخر، أطلقوا عليه بحسب الحاج عبد المطلب ياغي اسم “وادي القبلية” لأنه كان يحفُّ القرية من جنوبها، قادمًا أيضًا من الشرق نحو البحر إلى الغرب.
كانت المسمية الكبيرة قرية كبيرة، لناحية تعداد سكانها الذي وصل قبيل النكبة عام 1948 إلى ما يقارب الـ 4 آلاف نسمة، واعتقد أهالي المسمية بحسب رواية الحاج إسماعيل، أن مسميتهم هي ثاني أكبر قرية في قضاء غزة بعد الفالوجة، مع العلم أن قرى أخرى كان تعداد سكانها أكثر، منها حمامة عسقلان مثلًا.
مع ذلك كانت المسمية الكبيرة قرية من كُبرى قرى ريف غزة فعلًا، فقد أمضى فيها الرحالة الأمريكي تومسون خلال رحلاته الاستكشافية لجنوب فلسطين ليلة في سنة 1857، وأشار إلى موقعها على الطريق الذي كان يربط غزة بكل من يافا والقدس، ووصف بيوت المسمية “متراصة ومبنية من الطوب، والحياة في القرية تدبُّ كل صباح مع طلوع تباشير الفرج كخلية نحل”.
المسمية وأصل المسمّى
أُطلق عليها المسمية الكبيرة لتمييزها عن شقيقتها الصغرى “المسمية الصغيرة” التي كانت تقع شرقيها على مسافة أقل من كيلومترَين. حتى نهاية القرن التاسع عشر كانت القرية تعرَف بالمسمية فقط، إلى أن قرر ربع القرية كما يقول الحاج عبد المطلب ياغي في مقابلة معه عن قريته على موقع “فلسطين في الذاكرة”، أي أحد أرباعها من آل الحوارنة، مغادرة القرية والإقامة خارجها في أراضيهم الشرقية إثر نزاع داخلي، فأقاموا المسمية الصغيرة فصارت الأولى تُعرف بالكبيرة.
أما عن تسميتها المسمية، فبحسب صاحب موسوعة “غزة عبر التاريخ” إبراهيم سكيك، إن أهل القرية القادمين من منطقة حوران السورية عندما أقاموها في نهاية القرن الثامن عشر، أطلقوا عليها اسم القرية التي جاءوا منها وكان اسمها المسمية، فتيمّنًا بمسميتهم التي هجروها في سوريا سمّوا مكان إقامتهم الجديد في فلسطين المسمية.
مما يؤكد الأصل الحوراني لبعض أهالي المسمية، هو وجود عائلة الحوراني في القرية قبل انقسامها إلى مسميتَين كبيرة وصغيرة، حيث اُعتبروا آل الحوراني ربعًا من أربع أرباع المسمية قبل مغادرتهم القرية وتأسيسهم المسمية الصغيرة شرقي الأولى.
يؤكد الحاج عبد الرحمن الحوراني ابن قرية المسمية الصغيرة في مقابله معه عن قريته رواية سكيك، الأصل السوري الحوراني لبعض أهالي المسمية، وتحديدًا عائلته التي كانت تحمل اسم محاميد قبل مجيئها إلى فلسطين، حيث ارتحلت العائلة من درعا إلى منطقة أم الفحم -لا يزال من تبقى منهم في أم الفحم يحمل اسم محاميد إلى يومنا- وبعدها إلى قرية العباسية قضاء يافا، كانت العباسية لا تزال تسمّى في حينه بقرية اليهودية، ومن ثم جنوبًا إلى حيث قامت المسمية.
غير أن الحاج إسماعيل سيف يورد رواية أخرى عن أصل تسمية قريته، فيقول إن أجداده الذين أقاموا القرية عندما نزلوها اختلفوا فيما بينهم على تسميتها أو احتاروا ماذا يسموها، وبعد ذلك اتفقوا على أن يسموها المسمية كما لو كان حلًّا توافقيًا بينهم.
التشكيل
كانت المسمية الكبيرة تقسم إلى 4 أرباع، أي 4 حارات انقسمت على 4 حمائلها (عائلاتها) الكبرى، مهنا وياغي وخشّان والحوراني. اُعتبرت عائلة مهنا من أكبر حمائل القرية وأكثرها تملكًا للأرض، وأقامت ربعها في شمالي القرية، بينما حمولة ياغي نزلت في جنوب القرية، فيما حمولة خشّان أقامت في الحارة الشرقية، وحمولة الحوارني في غربيها قبل أن تغادرها.
هذا فضلًا عن العائلات المصرية التي نزلت في القرية بعد بقاء بعض المصريين فيها إثر حملة إبراهيم باشا المصري على البلاد (1831-1840)، إذ تكاد لا توجد قرية في قضاء غزة إلا وكانت فيها حارة مصرية أو عائلة المصرية على الأقل إثر تلك الحملة، وقد أقام معظم مصريو المسمية الكبيرة في حارة مهنا، حيث التحق معظمهم بعائلة مهنا كونها كانت العائلة الأكبر والأكثر تملكًا للأرض في القرية.
كانت المسمية قرية مركزية، كما يقول الدكتور عبد الرحمن الياغي في مقابله معه أيضًا عن قريته على موقع “فلسطين في الذاكرة”، والدكتور الياغي هو من مواليد سنة 1924 في المسمية الكبيرة، وقد بلغ في القرية وعرفها جيدًا قبل تهجيرها في النكبة سنة 1948.
يذكر الياغي مركزية قريته بين القرى التي أحاطت بها، بوصفها القرية الأكبر والأكثر حضورًا، كما لو أن المسمية الكبيرة كانت “الطبل الكبير” الذي اعتادت القرى المحيطة الرقص حوله، إذ كان لأهالي المسمية الكبيرة دور بارز في التدخل لفضّ النزاعات وعقد رايات الصلح في القرى الأخرى المحيطة.
إضافة إلى أن المسمية كانت وجهة أهالي القرى المجاورة، لأن كان فيها مدرسة كبيرة للبنين تأسّست في عشرينيات القرن الماضي. في البداية كانت مدرسة المسمية الكبيرة الواقعة شرقي القرية مكونة من 4 غرف صفية، تدرّس حتى الصف الرابع تأسيسي، ثم توسعت في سنوات الأربعينيات إلى 8 غرف صفية درسَ فيها أولاد المسميتين لأنها كانت مدرسة مشتركة حتى الصف السابع.
ويشير محمد سعيد مهنا ابن قرية المسمية الكبيرة في كتابه عن قريته بعنوان “المسمية الكبيرة: قريتي”، إلى أهمية تعليم الكتّاب وشهرته في المسمية قبل بناء المدرسة الحديثة فيها، ما جعل القرية مقصد أولاد القرى المجاورة مثل المسمية الصغيرة وقطرة والخيمة وتل الصافي والقسطينة وغيرها، من أجل تعلم “فك الحرف” فيها منذ وقت مبكّر.
كما أقيمت في الأربعينيات قبل النكبة بسنتَين تحديدًا مدرسة للبنات أيضًا، ما أتاح لبنات القرية التعليم، واللائي وصل عددهن فيها إلى نحو 40 بنتًا من المسميتين، هذا بالإضافة إلى أن المسمية الكبيرة القرية الوحيدة من بين القرى المحيطة بها التي كان فيها مستوصف صحي.
معالم وعوالم
بحسب صاحب كتاب “إتحاف الأعزة في تاريخ غزة” الشيخ عثمان الطبّاع، فقد قامت المسمية على مواقع وخرب أثرية منها خربة صلوجة، يلفظها أهالي القرية “سلوجة”، كانت تقع في شمالها، وخربة برج الجاج.
فيما مسجدها التاريخي كان يُطلق عليه جامع البلد، يقع وسط القرية وكانت له مئذنة قصيرة، وذكر الطبّاع العالمَ الفاضلَ الشيخ محمد الطنطاوي الذي اُعتبر عالمًا مؤسّسًا للجامع القديم في المسمية. وفي الأربعينيات أقامت حمولة ياغي مسجدًا خاصًّا بها في حارتها، لتحل النكبة وفي المسمية الكبيرة مسجدان.
كما كان في المسمية عدة مقامات، أشهرها كان مقام الشيخ العتيّق، وهو عبارة عن قبر تحت شجرة سدر، اعتاد أهالي المسمية على التبرُّك والتشفُّع به وإضاءته بالزيت. غير أن الذي اشتهرت به المسمية الكبيرة كان زوايا الصوفية أو المتدروشة، أشهرها وأكبرها زاوية الشيخ الحانوتي نسبة إلى الشيخ محمد موسى الحانوتي، وزاوية المصريين، وزاوية الشيخ أحمد عابد.
أهالي القرية اشتهروا بزرع السمسم، الذي اعتبرته مدينة اللد موردًا أساسيًا لها من أجل صناعة الطحينة وحلاوة النبي صالح، والأهم منهما صناعة زيت السيرج
اُعتبرت بركة ماء المسمية الكبيرة من أبرز معالم القرية تمامًا مثل جامعها القديم، ومثل بئر القرية الشهير ببئر البلد، كانت بركة القرية تسمّى بحسب الحاج إسماعيل سيف “بركة المِسنة”، دون أن يفسّر سيف سبب تسميتها بذلك الاسم.
كانت بركة كبيرة تقوم على مساحة 10 دونمات، تتجمع فيها مياه شتاء المسمية وتبقى البركة مملوءة بالماء حتى آخر شهر آب/ أغسطس من كل عام، حيث اعتاد المسميون سقي دوابهم فيها، وتغطيس أغنامهم بها في طقس موسمي ظلَّ الدكتور عبد الرحمن ياغي يتذكره إلى يوم حديثه في مقابلته عن قريته.
يذكر الشيخ الطبّاع أن في المسمية سوق تجاري، وقد ذكر محمد سعيد مهنا ذلك في كتابه، على طريقة الأسواق الأسبوعية مثل سوق الفالوجة في يوم الجمعة، غير أن الحاج إسماعيل سيف يذكر أن أهالي قريته المسمية الكبيرة وكبارها تحديدًا، منعوا ذلك السوق في محاولة أرادوا منها ثني نساء المسمية الكبيرة عن امتهان البيع في السوق.
وبالتالي يقول إن سوق القرية تحوّل إلى سوق لـ”الخرّازين” فقط أثناء عودتهم من سوق الجمعة في الفالوجة، والخرّازون هم الذين تعودوا إقامة بسطات بيع حُلي النساء وألعاب الأطفال وبعض الحاجيات المنزلية، مثل الخيطان والإبر وما شابه.
زرع أهالي المسمية الحبوب والبقول والخضار، ومع عشرينيات القرن الماضي شتلوا البيارات التي كثرت في محيط القرية. إلا أن أهالي القرية اشتهروا بزرع السمسم، الذي اعتبرته مدينة اللد موردًا أساسيًا لها من أجل صناعة الطحينة وحلاوة النبي صالح، والأهم منهما صناعة زيت السيرج الذي كان يستخرج من السمسم، وتحديدًا السمسم المَسمي نسبة إلى المسمية.
في الأخير
سقطت قرية المسمية الكبيرة بحسب الخالدي صاحب كتاب “كي لا ننسى” في 11 يوليو/ تموز 1948، خلال عملية “آن-فار” التي شنّها الصهاينة في صيف ذلك العام، وذلك استنادًا إلى ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
ولا تزال بعض أبنية القرية قائمة إلى يوم تهجيرها هذا، منها مبنى مدرسة البنين. وأقامت دولة الاحتلال بعد الإعلان عن تأسيسها 4 مستعمرات على أراضي قرية المسمية الكبيرة، هي “كيرم ريعيم” و”حتساف” في عام 1949، ثم مستعمرتا “مشميعات شلوم” و”حفات بيرويم” في الخمسينيات، ولاحقًا في عام 1976 أُقيمت على أجزاء من أراضي المسمية الكبيرة المهجّرة أيضًا مستعمرة “ينون”.