ترجمة وتحرير: نون بوست
إذا كان هناك أي غموض عالق حول عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المستمر منذ عقود، فقد أزاله حكم تاريخي صادر عن أعلى محكمة في العالم، ففي رأي استشاري مفصّل في 83 صفحة صدر الأسبوع الماضي، بحثت محكمة العدل الدولية في أنشطة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها منذ سنة 1967، وكانت النتيجة دامغة.
وقد وجدت المحكمة التابعة للأمم المتحدة أن جميع الإجراءات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية تنتهك القانون الدولي، من المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية التي يقطنها نحو 700,000 يهودي إسرائيلي، إلى القيود المفروضة على حرية حركة الفلسطينيين، وتهجيرهم القسري وهدم منازلهم، وخلصت إلى أن ممارسات إسرائيل ترقى إلى ضم أجزاء كبيرة من الأراضي المحتلة، مضيفةً أنها تهدف إلى “خلق آثار لا رجعة فيها على الأرض”، وأن وجود إسرائيل “غير قانوني” وهي ملزمة بإنهائه “بأسرع ما يمكن”.
هذا الرأي غير ملزم، ولن يخفف من سلوك حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، التي تضم مستوطنين قوميين متطرفين يؤيدون ضم الضفة الغربية. وبالفعل، تسارعت وتيرة بناء المستوطنات في عهد نتنياهو الذي يتباهى بإحباط الطموحات الفلسطينية في إقامة دولة فلسطينية، كما أن إسرائيل لديها تاريخ من تجاهل قرارات الأمم المتحدة وأحكام المحاكم الدولية التي تنتقد أفعالها، مع موافقة هادئة من حلفائها الغربيين.
لكن النتائج التي توصلت إليها محكمة العدل الدولية مهمة – وهي تنظر أيضًا في قضية منفصلة رفعتها جنوب أفريقيا تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة – فقد سلطت هذه الأحكام الضوء على المدى الكامل للممارسات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي المحتلة في وقتٍ سلطت فيه الحرب التي أشعلها هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر الضوء مجددًا على الحاجة إلى حل الدولتين.
ولا شك أنه من المتوقع أن يثير الرئيس الأمريكي جو بايدن قضية إقامة دولة فلسطينية إذا ما التقى نتنياهو في واشنطن هذا الأسبوع، ومن المحتمل أن يدفع باتجاه وقف إطلاق النار في غزة ويؤكد على إصرار واشنطن على انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع عندما تنتهي الحرب. ولكن كلما ازدادت المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ديمومةً وتوسعًا، كلما كان من الصعب إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. وينص رأي محكمة العدل الدولية على أن سياسات إسرائيل تنتهك “التزامها” باحترام حقوق الفلسطينيين في تقرير المصير.
ولا ينبغي أن يشكل أي من ذلك أي صدمة، فلطالما اعتبرت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ومعظم دول العالم المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية، بينما تعتبرها الولايات المتحدة غير شرعية. لكن الغرب تعامل مع إسرائيل بلطف، مما أعطاها بشكل أساسي تصريحًا مجانيًا لانتهاك القانون الدولي؛ حيث تتدفق البضائع بحرية بين المستوطنات والغرب، وعندما تكشف إسرائيل عن موجة جديدة من البناء في الضفة الغربية، تصدر الحكومات في أفضل الأحوال بيانات إدانة عادية، كما لم يكن هناك تقريبًا أي رد فعل في حزيران/يونيو؛ عندما أعلنت إسرائيل عن أكبر عملية استيلاء على الأراضي الفلسطينية منذ التسعينيات.
هذا التقاعس يغذي تصورات النفاق الغربي ويقوض فكرة النظام الدولي العادل القائم على القواعد، وقد تفاقم هذا الشعور بسبب فشل الغرب في كبح جماح الهجوم الإسرائيلي المدمر على غزة.
فالولايات المتحدة وحلفاؤها يضغطون على إسرائيل وحماس للتوصل لاتفاق لإنهاء الحرب وعودة الرهائن الإسرائيليين الذين احتجزوا خلال هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولكن ما دامت إسرائيل قادرة على تعميق ضمها الزاحف للضفة الغربية دون أي تكلفة، فإن احتمال التوصل إلى تسوية تفاوضية دائمة للأزمة الإسرائيلية الفلسطينية سيظل حلمًا بعيد المنال، ويجب أن يفرض قرار محكمة العدل الدولية إعادة تقييم لسياسات الغرب تجاه انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي في الأراضي المحتلة.
وفي أعقاب ذلك، قال منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن الفجوة بين القانون وما يحدث على الأرض لم تكن يومًا بهذه الدرجة من التعقيد، وكل هذا يحدث “تحت أنظار المجتمع الدولي العاجز”، ولا يجب أن يكون الأمر على هذا النحو.
المصدر: فاينانشال تايمز