تناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي أغنية لبنانية ساخرة ذات طابع عنصري ضد اللاجئين السوريين، طُرحت عبر برنامج “قدح وجم” على قناة الجديد؛ الأمر الذي أحدث جدلًا واسعًا بسبب رسائل التمييز والتجريح التي تحملها كلمات الأغنية ضد السوريين وسخريتها من سوء الأماكن التي يعيشون فيها وكثرة انتشارهم في الأراضي اللبنانية.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تُظهر فيها بعض الجهات الإعلامية اللبنانية وجهها العنصري إزاء النازحين السوريين، فعلى مر السنوات السبعة الأخيرة، سقطت هذه الأصوات بفخ العنصرية بحجة نقل صوت الشارع اللبناني، وللأسف، لم تتغاض البرامج الحوارية أو التقارير الصحفية عن بث هذا السم بين الطرفين في الحياة الواقعية والافتراضية.
استغلال الفن لتخطي الحدود الإنسانية والأخلاقية
رأى نشطاء السوشيال ميديا أن هذه الأغنية تشوه صورة الشعب السوري واللبناني على حد سواء، فكلمات الأغنية التي تصور السوري على أنه الأكثرية والمتحرش، تعزز مشاعر الكراهية والرفض تجاه هذا النازح، وتتعامى عن الظروف القاسية التي مر بها السوري وهرب منها قسرًا.
في الجهة الأخرى، اعتبرت هذه الأغنية إساءة للإعلام والمواطن اللبناني الذي غفل عن مبادئ الإنسانية والاحتواء والضيافة في الثقافة العربية، إضافة إلى تشويهه للأغنية الفلكلورية اللبنانية واستخدامها للتقبيح في صورة السوريين، كما وضح البعض بأن استخدام هذه الأغنية الشعبية – عالعين موليتين- كان مقصودًا، فألحانها وشهرتها الواسعة بين الأوساط الشعبية وسهولة إيقاعها جعلتها وسيلة مثالية لتسويق أفكارها وملامستها لعواطف المستمع اللبناني وبالتالي التأثير عليه.
كما توضح الأغنية سوء الأماكن التي يعيش فيها السوريون، وعلى هذا الأساس، اعتبر البعض أن هذه الأغنية توضح جزءًا من مسؤولية الدولة اللبنانية تجاه النازحين وتقاعسها عن إعداد برامج لاحتوائهم وتوزيعهم بشكل مخطط تجنبًا للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
استخدام الأغنية الشعبية – عالعين موليتين – كان مقصودًا، فألحانها وشهرتها الواسعة بين الأوساط الشعبية وسهولة إيقاعها جعلتها وسيلة مثالية لتسويق أفكارها وملامستها لعواطف المستمع اللبناني
ردًا على انتقادات العنصرية والاستهزاء، قال خليل شربل، معد ومخرج البرنامج: “لم ندع في الأغنية إلى طرد أو ضرب أو قتل السوريين، أو الاعتداء عليهم بأي شكل”، وأضاف “هي وصف للواقع الحاليّ بعدم قدرة لبنان على استيعاب عدد السوريين الذي فاق عدد المواطنين اللبنانيين، كما أنها نقل لرؤية الحكومة اللبنانية وأحاديث الشارع بطريقة كاريكاتورية، دون الإساءة للشعب السوري أو تخطي الحدود الأخلاقية”.
لكن هذا الرد لم يلق إعجاب الذين رأوا أن الأغنية جاءت للتحريض على الكره والتعبير عن الاستياء من الوجود السوري، والمثير للاهتمام أن طرحها تزامن مع الانتخابات النيابية التي قد تكون جاءت لخدمة أحزاب لبنانية معينة لجذب الشعب اللبناني من خلال الخطاب السياسي العنصري لكسب الأصوات.
السوري مادة مغرية للتهكم والسخرية
اخترقت قنوات تليفزيونية لبنانية المبادئ الإنسانية واستغلت النازح السوري في برامجها كمادة للسخرية أو الاستهزاء، وكان أسوأها برنامج كاميرا خفية “هدي قلبك” على قناة “أو تي في” التي نفذ مقلبًا على عامل سوري في حلبة “كارتينغ” وطلب منه أوراقه الثبوتية ليبدأ مقدم البرنامج مارسيل خضرا، بالصراخ عليه طالبًا منه الركوع أمامه على الأرض وخلع ملابسه والسخرية منه ليعلق في نهاية المشهد علمًا أحمر داخل ملابسه الداخلية وأمره بالركض بوضعيته هذه وهو يهتف “بدي حرية”.
هذا المشهد أثار استياءً كبيرًا وصل حد المطالبة بإيقاف البرنامج، رغم ورود أخبار توضح وجود اتفاق مسبق بين مقدم البرنامج والعامل السوري ومعد البرنامج لم يكن على علم بجنسية الشخص، لكن هذه التصريحات لم تمتص الغضب الشعبي بما فيه الكفاية مما أدى إلى حذف هذا المشهد لاحقًا.
على خطى هذا التيار الإعلامي، عرض موقع قناة “أم تي في” قبل عامين تقريرًا بعنوان “يمارسون الجنس حيث لا يجرؤ الآخرون” طرحت فيه كاتبة المقال سينتيا سركيس، مسألة ارتفاع نسبة المواليد السوريين في لبنان في ظل الظروف المريرة التي يعيشون فيها واتهامهم بقلة المسؤولية والجهل.
فكتبت: “في بلادنا التي تستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري، كثيرًا ما نرى سوريات حوامل، أو نلتقي بأسر مؤلفة من أطفال لم يتجاوزوا السنة أو الأشهر، هذا عدا عن أولئك الذين يشحذون على أطفالهم الرضع”، وتتساءل “كيف لهم أن يفكروا بإنجاب أطفال، فيما هم أنفسهم لم يدركوا بعد ماذا يخبئ لهم المستقبل؟ كيف يمكن أن يندفعوا إلى هذا الحد بقلة مسؤوليتهم، فينجبون ويتزايدون من دون الاكتراث لما ستكون عليه حياة أطفالهم؟”.
جاءت التفاعلات غاضبة من أسلوب المقال البعيد عن المهنية والعنوان الذي يهدف إلى جذب القراء بغض النظر عن حساسية القضية السورية وأوضاعهم الحرجة، إلى جانب تضارب المعلومات المنشورة في المقال وعدم دقتها، فوفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، انخفضت معدلات الولادة في سوريا بنسبة 50% بين العامين 2011 و2013 بسبب الحرب وهذا عكس ما تنقله الصحفية سركيس في مقالها.
يشير هذا التقرير إلى ظاهرة زواج اللبنانيين من السوريات، مما يضع الفتيات اللبنانيات في منافسة مع السوريات ضد “العنوسة”، وهي محاولة لإثارة الغيرة والحقد الاجتماعي
أثارت نفس القناة قضية اجتماعية أخرى بين السوريات واللبنانيات، فنشرت على موقعها مقالًا آخر بعنوان “سوريات ينافسن اللبنانيات.. حتى في هذه”، ويشير هذا التقرير إلى ظاهرة زواج اللبنانيين من السوريات، مما يضع الفتيات اللبنانيات في منافسة مع السوريات ضد “العنوسة”، وهي محاولة لإثارة الغيرة والحقد الاجتماعي.
والمقال الأكثر شهرة في هذا الشأن، هو تقرير نشرته صحيفة “النهار” تحت عنوان “زيادة تدهور نوعية الهواء بعد اللجوء السوري” على الصفحة الأولى، وهو عبارة عن اتهام واضح وصريح للاجئين السوريين بارتفاع نسبة التلوث في البلاد، إذ يقول وزير البيئة محمود المشنوق: “هذه النسبة ارتفعت بشكل ملحوظ لأسباب عدة وأهمها توافد ما يزيد على مليون وثمانمئة ألف لاجئ إلى لبنان بسبب الأزمة السورية، وتكلفة تدهور نوعية الهواء 151 مليون دولار أمريكي سنويًا”.
في حال كانت هذه الأصوات الإعلامية لا تعبر سوى عن لسان الشارع اللبناني فعلًا دون أي أجندة سياسية خلفية، فكان الأجدر بها أن تستخدم صوتها الإعلامي بنشر رسائل السلام والإخاء بين الشعبين
لم يكن هذا المقال العنصري الوحيد الذي تحتضنه هذه الصحيفة، فقد نشرت تقريرًا آخر بعنوان “الحمرا ما عادت لبنانية… التوسع السوري غير هويتها“، وفيه يعرض الكاتب مسألة انتشار السوريين بشكل كثيف في الأراضي اللبنانية مما حول هذه المنطقة الشهيرة إلى “سوداء” بسبب امتلاء شوارعها بالغرباء والعمالة والمتسولين ولوحات السيارات الدمشقية، ويشرح كيف أثر اللجوء السوري على اليد العاملة اللبنانية، كما يعبر عن مدى أسفه إزاء التوسع السوري في المناطق السياحية في لبنان.
هذه بعض المنابر الإعلامية التي سمحت لكوادرها بتشوية الرسالة الإعلامية المهنية والأخلاقية عبر التقليل من شأن اللاجئ السوري ووصفه دائمًا بصورة الغريب أو المنافس، وفي حال كانت هذه الأصوات الإعلامية لا تعبر سوى عن لسان الشارع اللبناني فعلًا دون أي أجندة سياسية خلفية، فكان الأجدر بها أن تستخدم صوتها الإعلامي بنشر رسائل السلام والإخاء بين الشعبين، فالإعلام أداة بالغة الأهمية في تغيير توجهات وأفكار المشاهدين في مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية.