ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ انطلاق الاحتجاجات في قطاع غزة، قُتل 40 فلسطينيا وأصيب 1700 آخرون بجروح جراء إطلاق النار على المتظاهرين. ومن المقرر أن تبلغ هذه الحركة التي تدعمها حماس ذروتها في 15 أيار/ مايو القادم، من خلال مسيرة نحو الحدود مع “إسرائيل”.
– لماذا تعتبر هذه المظاهرات التي تتالت منذ 30 آذار/ مارس في قطاع غزة استثنائية؟
تمثلت المفاجأة الرئيسية في عدد المشاركين وتنوع سماتهم الشخصية، إذ أن الحضور لم يقتصر على عدد من الفقراء أو المؤيدين لحركة حماس أو الناشطين من فصائل أخرى، بل جمعت أناسا من جميع شرائح المجتمع الفلسطيني. كان التدفق الذي لوحظ في أول يوم جمعة بمثابة تذكير بأن الحركة تدار عن بعد؛ باعتبار أن حماس قد أجرت نداءات للتظاهر، وقامت بتنظيم تنقلات بالحافلات، وإدارة الشؤون اللوجستية في المخيمات القريبة من الحدود.
بعد أسبوع، عاد المتظاهرون بأعداد غفيرة، بينما لم تمارس الحركة الإسلامية نفس الوسائل السابقة. ويبدو أن السكان، الذين كان لديهم كل الأسباب التي تجعلهم يشككون في متانة الحركة، قد صدموا بهذه العفوية. وفي الواقع، تعد هذه التعبئة بمثابة نفس جديد، بعد عدة سنوات تصدرت خلالها النضالات السياسية العظيمة، سواء في الضفة الغربية أو غزة، فصائل ذات شعبية منكسة.
– بعد سنتين من الانتفاضة وخمسة وعشرين عاما من المفاوضات غير المجدية، استنفد السكان الفلسطينيون كل جهودهم. لماذا هذه الصحوة اليوم في غزة؟
من خلال التركيز على مشروع إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود سنة 1967، انتهى الأمر بنسيان كنه الصراع الذي مازال حيا في مكان آخر. ويتمحور الموضوع الذي حُشد من أجله الفلسطينيون بالأساس، واصطفت تحت رايته الفصائل، حول عودة اللاجئين الذين فروا من أراضيهم أو طردوا خلال حرب 1948. والآن، يمثل من بقي حيا من أحفاد هؤلاء ثلثي سكان قطاع غزة، لذلك من المنطقي أن تلقى “مسيرة العودة” صدى واسعا.
بعد مرور أربع سنوات على الحرب، ترى حماس أن الوضع قد تدهور أكثر، فضلا عن أنها أضحت تدرك جيدا أنه ليس هناك أمل في نشوب حرب جديدة
كما ينطبق هذا الأمر بشكل خاص على الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة ظروفا تزداد سوءا مع مرور الوقت؛ فهم يفتقرون إلى الكهرباء ومياه الشرب، ويضطرون إلى تفريغ مياه الصرف الصحي في البحر، في حين يحرم معظمهم من مغادرة المنطقة المحصورة. وبالنسبة لهم، تعتبر تعبئة الأسابيع الأخيرة وسيلة للفت أنظار العالم إلى هذه الكارثة، في الوقت الذي تلتفت فيه أنظار الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية إلى أماكن أخرى.
إن حماس التي نحتت سمعتها بالتفجيرات الانتحارية وإطلاق الصواريخ، تدعم مسيرات غير عنيفة نظمت على الحدود الإسرائيلية خلال الشهر الماضي. لماذا هذا التحول؟
اتخذ قادة حماس، الذين يديرون قطاع غزة منذ سنة 2007، قرارا إستراتيجيا بالتخلي عن هذه المسؤولية قبل عدة سنوات. لسوء حظهم، ترفض السلطة الفلسطينية، بقيادة محمود عباس، تولي المسؤولية حتى يستسلموا بشكل كامل. وفي أوائل صيف 2014، دفع هذا الجمود الحركة الإسلامية إلى التصعيد العسكري مع “إسرائيل”، مراهنة على أن يؤدي هذا إلى وقف لإطلاق النار، والذي من شأنه أن يحسِّن من ظروف السكان المعيشية.
بعد مرور أربع سنوات، ترى حماس أن الوضع قد تدهور أكثر، فضلا عن أنها أضحت تدرك جيدا أنه ليس هناك أمل في نشوب حرب جديدة. ولهذا السبب، تسعى الحركة إلى التخفيف من القيود المفروضة على قطاع غزة، عن طريق استخدام طرق أخرى. لكن هذا لا يعني حدوث تحول جذري في طبيعة إستراتيجيات الحركة، حيث باتت تدرك أنه يمكنها اعتماد المقاومة السلمية، التي تعد من التكتيكات المشروعة على الصعيد الدولي، إلا أنها في الوقت ذاته ترفض التخلي عن إستراتيجية الكفاح المسلح.
لماذا تزعم “إسرائيل” أن حماس تدفع المتظاهرين إلى الاقتراب من الحدود في محاولة منها للتسبب في حمام دم؟
لا أحد يستطيع أن ينكر أنه كلما سقطت المزيد من الأرواح أثناء هذه التجمعات، ازدادت فرصة الفلسطينيين في غزة للفت انتباه العالم إلى أوضاعهم المعيشية البائسة. وخلال الحروب السابقة، أدت اتهامات الاستخدام المفرط للقوة ضد “إسرائيل” إلى إثارة التعاطف نحو القضية الفلسطينية.
من المحتمل أن تقوم “إسرائيل” بنشر عدد كبير من الحافلات لمرافقة الفلسطينيين الذين اعتقِلوا على أراضيها إلى قطاع غزة.
في المقابل، قضت الحركة المناهضة للفصل العنصري في جنوب أفريقيا عدة سنوات في تنظيم حملات تدعو إلى المقاطعة دون أن تستطيع تحقيق أي نجاح يُذكر، إلى حين حدوث أعمال القمع العنيف أثناء اندلاع اضطرابات سويتو، التي دفعت المجتمع الدولي إلى فرض جزاءات إلزامية ضد النظام. أما فيما يخص “مسيرة العودة”، فإنه من الصعب القول إن المحتجين الفلسطينيين الذين قُتلوا في الأسابيع الأخيرة في قطاع غزة يشكلون تهديدًا للقناصة الإسرائيليين المتمركزين على الجانب الآخر من السياج.
– من المقرر أن تنتهي التعبئة للمسيرة يوم 15 أيار/مايو، الذي يوافق تاريخ الاحتفال بالذكرى السبعين للنكبة، تلك “الكارثة” التي ساهمت في طرد حوالي 700 ألف فلسطيني خلال الحرب العربية الإسرائيلية الأولى. فماذا يجب أن ننتظر من ذلك؟
يدعو منظمو المسيرة أهالي غزة إلى التوجه، بصفة جماعية، إلى الجدار الذي يحمي “إسرائيل” ثم عبوره للعودة إلى الأراضي التي كانت ملكا لهم في السابق. لكن خلال هذه المرحلة، من الصعب توقع أعداد الأشخاص الذين سيتبعون هذه التعليمات.
في الوقت الراهن، يلاحظ الفلسطينيون أن هذا الاحتمال يثير قلق الكيان الصهيوني. ومن جهتهم، يعتقد مسؤولو الأمن الإسرائيلي أن حدوث هذا السيناريو سيكون أكثر خطورة من كل الصواريخ والأنفاق الهجومية التي تصنعها حماس. لهذا السبب، يمكننا أن نتوقع أن تضم هذه المسيرة الآلاف، إن لم يكن عشرات الآلاف من المتظاهرين.
– ماذا يمكن أن تفعل”إسرائيل” لمواجهة هذا السيناريو؟
لست متأكدًا من أنني أملك إجابة شافية عن هذا السؤال. لكن من المؤكد أن الجيش الإسرائيلي سيضع الكثير من الأسلاك الشائكة، وسيتخذ جميع التدابير المضادة اللازمة، من بينها استخدام الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين، وخراطيم المياه، وحتى الرصاص المطاطي. ومن المحتمل أن تقوم “إسرائيل” بنشر عدد كبير من الحافلات لمرافقة الفلسطينيين الذين اعتقِلوا على أراضيها إلى قطاع غزة.
لكن، إذا كان عدد المتظاهرين مرتفعًا بالفعل، فمن المرجح أن تُزهق العديد من الأرواح؛ ما يجعل هذه المسيرة بمثابة تحد كبير بالنسبة “لإسرائيل”. وإذا شاهد العالم كله كيف يطلق الجنود الإسرائيليون النار على المتظاهرين العُزّل، فإن هذا يمكن أن يشكل نقطة تحول رئيسية في الطريقة التي يُنظر بها إلى “إسرائيل”. وفي غضون بضع سنوات، ربما ستتم الإشارة إلى مسيرة العودة على أنها اللحظة التي بدأت تتلاشى فيها المكانة المرموقة “لإسرائيل”.
المصدر: لو فيغارو