عاد النقاش من جديد في الجزائر بشأن ملف المهاجرين غير الشرعيين الأفارقة بعد حملة من الأخبار الكاذبة التي تتحدث عن استدعاء مالي سفيرها في الجزائر للتشاور لانزعاجها من معاملة رعاياها المقيمين في جارتها الشمالية، وهو ما جعل مختلف الجهات الرسمية تكشف بالأرقام واقع هذا الملف في البلاد، وتؤكد أنها لن ترضى أن تكون حدودها الجنوبية “لامبيدوزا إفريقيا”.
وتشهد الجزائر منذ التدخل الفرنسي في مالي في يناير/كانون الثاني 2013 تدفقًا مستمرًا للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول الساحل الصحراوي ووسط القارة السمراء، ما أدخل البلاد في تحدي التكفل بهؤلاء اللاجئين والتصدي لانتقادات المنظمات غير الحكومية الدولية التي ترى في كل مرة تقصيرًا من الجانب الجزائري رغم إنفاقها سنويًا ملايين الدولارات للتكفل بالرعايا الأفارقة المقيمين في ترابها بطريقة غير قانونية.
حملة
انتقدت السلطات الجزائرية الحملة التي تستهدفها في كل مرة بشأن تعاملها مع ملف المهاجرين الأفارقة، فقد فندت مصالح ولاية وهران (غرب البلاد) في 20 من أبريل/نيسان الحاليّ الأخبار التي تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن وجود جماعات ملثمة تقوم بـ”مداهمات واعتداءات على الرعايا الأفارقة”.
وقالت الولاية: “هذه المعلومات المغرضة التي راجت عبر شبكات التواصل الاجتماعي لا هدف لها سوى المساس بسمعة البلاد وتشويه صورتها أمام الرأي العام الوطني والدولي والإساءة إلى العلاقات الحسنة التي تربط بلادنا بالدول الإفريقية الصديقة والشقيقة بما فيها الرعايا الموجودين عبر إقليم الولاية”.
ودعت الأشقاء الأفارقة الموجودين بإقليم الولاية إلى عدم الانجرار وراء هذه الأكاذيب، وأكدت أن “التعامل مع ظاهرة الهجرة لا يكون إلا وفقًا للقوانين والأعراف وفي ظل الاحترام التام والكامل لحقوق الإنسان وطبقًا لالتزامات الجزائر الدولية في هذا المجال”.
في الصيف الماضي انتشرت حملة واسعة النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي تزعم أن الجزائريين يطالبون بترحيل الرعايا الأفارقة المقيمين ببلادهم، وهو ما تصدت لها منظمات مدنية
وقبل هذا، نقلت وسائل إعلام أن بماكو استدعت سفيرها في الجزائر للتشاور لانزعاجها من طريق معاملة الرعايا الماليين المقيمين في جارتها الشمالية، إلا أن وزارة الشؤون الخارجية المالية فندت الخبر قائلة في 21 من أبريل إنها تُعلِم الرأي العام الوطني والدولي أنه خلاف للمعلومات المتداولة عبر بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، لم يتم أبدًا استدعاء لاستشارة سفير مالي بالجزائر ولا كذا القنصل العام بتمنراست (جنوب الجزائر)”.
وجاء في بيان للخارجية المالية “تعبر حكومة مالي عن شكرها مرة أخرى للحكومة الجزائرية على الجهود الحثيثة للرقي بعلاقات التعاون إلى المستوى المطلوب وإنجاح مسار السلم في مالي”.
وأعلنت “سينعقد قريبًا اجتماع بباماكو يضم سفير مالي بالجزائر وسفير الجزائر بمالي والقنصل العام لمالي بتمنراست بغية دراسة كل المسائل ذات الاهتمام المشترك لا سيما المتعلقة منها بالهجرة والشؤون القنصلية”.
وليست هذه المرة الأولى التي تشهد الجزائر حملة كهذه، ففي الصيف الماضي انتشرت حملة واسعة النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي تزعم أن الجزائريين يطالبون بترحيل الرعايا الأفارقة المقيمين ببلادهم، وهو ما تصدت له منظمات مدنية وأكدت الحكومة وقتها أنها ستواصل دعم هؤلاء اللاجئين ولن يكون ترحيلهم إلا بالتنسيق مع سلطات بلادهم مثلما يحدث مع النيجر التي طلبت إعادة مواطنيها المقيمين بطريقة غير شرعية في الجزائر.
مساعدات واحتياطات
رغم حرصها على التزامها التضامني مع اللاجئين الأفارقة، إلا أن الجزائر يبدو أنها قررت أن تكون أكثر حزمًا وجدية في التعامل مع هذا الملف الذي صار يشكل تهديدًا لأمنها بالنظر إلى ارتباط عمل شبكات تهريب البشر مع المنظمات الإرهابية وبارونات المخدرات التي تحاول الاستثمار في الوضع المضطرب في منطقة الساحل لتنفيذ الأجندة الخاصة بها.
وقال المدير المكلف بالهجرة بوزارة الداخلية الجزائري حسان قاسيمي في تصريح للإذاعة الجزائرية إن بلاده خصصت غلافًا ماليًا قدره 20 مليون دولار لمواجهة التدفق غير المنطقي للمهاجرين غير الشرعيين على الجزائر.
الجزائر سجلت في 2016 توافد أكثر من 7 آلاف مهاجر إفريقي ببلدية برج الحواس بإليزي الجنوبية الحدودية مع ليبيا والنيجر وهو ما يفوق عدد سكان هذه البلدية (نحو 6 آلاف نسمة)
وأوضح قاسمي “الجزائر لا يقلقها المهاجر غير الشرعي إنما يقلقها ما وراء هذه الأعداد الهائلة من المهاجرين غير الشرعيين”، ووصف قاسمي هذه الظاهرة بـ”نقل السكان” إلى بلاده، رابطًا ذلك بما يشهده العالم حاليًّا من إعادة تصميم وتوازن للقوى خاصة في قارة إفريقيا وما تزخر به من ثروات.
ولفت قاسيمي إلى أن الجزائر سجلت في 2016 توافد أكثر من 7 آلاف مهاجر إفريقي ببلدية برج الحواس بإليزي الجنوبية الحدودية مع ليبيا والنيجر وهو ما يفوق عدد سكان هذه البلدية (نحو 6 آلاف نسمة).
وقال: “هذا الأمر يهدد النسيج الاجتماعي بهذه البلدية والبلديات الحدودية بعدما أصبح عدد المهاجرين يفوق عدد السكان، لذلك فالدولة مجندة ضد أي تهديد لسكان المناطق الحدودية ولن تسمح بأن تكون الولايات الحدودية لامبيدوزا إفريقيا”، وجزيرة لامبيدوزا التابعة لإيطاليا هي أكبر منطقة في البحر الأبيض المتوسط تعرف توافدًا للمهاجرين السريين.
وأشار قاسمي إلى أن “الجزائر تستقبل ما معدله 500 مهاجر يوميًا على مستوى الحدود الجنوبية، خاصة في ولايتي أدرار وتمنراست الحدودية مع النيجر ومالي، حيث يقطعون صحراء شمال مالي وصحراء شمال النيجر مستعينين بشبكات تهريب البشر على طريقي أغداس وباماكو التي تستغلهم ليصلوا إلى الجزائر في حالة جسدية ونفسية مزرية”.
وأشار إلى أن بلاده تضمن التكفل بالحالات الإنسانية على مستوى المراكز الحدودية، فيما يتم إعادة البقية من حيث أتوا لأن الجزائر لا يمكن أن تفتح أبوابها للجميع كما لا تتحمل المسؤولية عما يتعرض له المهاجرون غير الشرعيين في صحراء شمال مالي أو صحراء شمال النيجر.
ضغط ومساومة
لا يتردد ممثل وزارة الداخلية الجزائرية في تصنيف التقارير الدولية عن بلاده بشأن ملف اللاجئين الأفارقة ضمن الضغوط المستمرة عليها لرفضها الأجندة الغربية في منطقة الساحل، خاصة ما تعلق بالتدخل الأجنبي في المنطقة.
لفت قاسمي إلى أن بعض المهاجرين يعمدون إلى تزوير وثائق بالسنغال للحصول على جنسية مالية
وذكر قاسمي أن “موقف الجزائر واضح ولا يقبل المساومة فيما يتعلق بالتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول أو التدخل العسكري الذي ظهرت نتائجه الكارثية في ليبيا ومالي وما نجم عنه من انتشار للإرهاب والجريمة المنظمة والصراعات العرقية وهو ما تعمل الجزائر لحله بالطرق السلمية والسياسية بالتنسيق مع دول الجوار”.
واتهم المسؤول ذاته أطرافًا – لم يسمها – بمحاولة الضغط على الجزائر وفرض مخططات لا تتماشى ومصالح بلاده التي تعد “ضحية” في ملف الهجرة غير الشرعية وليس “جلادًا”، وأكد أن بلاده من واجبها حماية الممتلكات العامة والخاصة وضمان أمن المواطنين في إطار القانون، ومن لم يحترم القانون الجزائري سيتعرض للطرد.
وقال إن أرقام وزارة العدل تشير إلى أنه خلال السنوات الخمسة الأخيرة تم إدانة 56 ألف مهاجر إفريقي ارتكبوا جرائم وجنحًا، من بينهم 30 ألف من مالي و20 ألف من النيجر و8 آلاف آخرين من جنسيات مختلفة أو جنسيات مجهولة، ولفت قاسمي إلى أن بعض المهاجرين يعمدون إلى تزوير وثائق بالسنغال للحصول على جنسية مالية.
مهمة مشتركة
حسب رئيس دائرة الاستعمال والتحضير لأركان الجيش الجزائري اللواء شريف زراد، فإن معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية يستوجب تعزيز التعاون وتنسيق الجهود مع مختلف الفاعلين من أجل تبادل المعلومات المرتبطة بالإجرام متعدد الأشكال.
وقال زراد في أشغال ملتقى دولي عن “الهجرة غير الشرعية” احتضنته العاصمة الجزائر: “ديناميكية التعاون أضحت ضرورة حتمية من أجل ضمان التنسيق بين المتدخلين خصوصًا في مجال تبادل المعلومات المتعلقة بالإجرام متعدد الأشكال الذي يواكب هذه الظاهرة”.
في انتظار أن تجد هذه الدعوات لتجميع جهود مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية تجاوبًا من مختلف الفاعلين في المنطقة، تظل الجزائر برأي مراقبين أكبر المتضررين منها
ورافع زراد لـ”وضع مقاربة مشتركة مبنية على الاحترام التام للقانون وحقوق الإنسان، بهدف معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بفعالية أكثر لا سيما شقها المتصل بالجرائم العابرة للأوطان”.
وأكد زراد سعي بلاده إلى “توطيد علاقات التعاون مع مختلف الشركاء من أجل استتباب مناخ الأمن والاستقرار أمام التحديات الإقليمية الراهنة التي يميزها نشاط جماعات منظمة تمارس كل أشكال الإجرام، مستغلة في ذلك هشاشة أوضاع المهاجرين لتوظيفها في القيام بأعمال تمس الأمن العمومي”.
وفي انتظار أن تجد هذه الدعوات لتجميع جهود مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية تجاوبًا من مختلف الفاعلين في المنطقة، تظل الجزائر برأي مراقبين أكبر المتضررين منها بالنظر إلى أن هذا التدفق يتزامن مع مرور البلاد بوضع مالي صعب مرده تهاوي أسعار النفط أساس اقتصاد البلاد، وكذا بسبب غياب النية الصادقة من الدول الغربية التي تبقى سياستها في المنطقة من أهم أسباب تعقد ظاهرة الهجرة السرية بالمنطقة، وهي السياسة التي يبدو أن تغييرها يبقى خارج أجندة هذه الدول التي تعمل على تعزيز وجودها العسكري في دول جوار الجزائر، تعزيز تراه الأخيرة مدعاة لمزيد من التعقيد والتوتر بالمنطقة.