أقر مجلس الوزراء الصومالي، مساء الجمعة الماضي، في اجتماعٍ استثنائي، اتفاقية دفاعية مع مصر كان قد تم التوقيع عليها بين البلدين في يناير/كانون الثاني الماضي، وهي خطوةٍ قد تكون ذات دلالات متعددة،
During Friday night’s extraordinary meeting, the cabinet approved the defense agreement between #Somalia and #Egypt. pic.twitter.com/tX2m7Ys5bl
— SNTV News (@sntvnews1) July 19, 2024
يتزامن إقرار مجلس وزراء الصومال للاتفاقية في اجتماعه الاستثنائي مع ما تشهده منطقة القرن الإفريقي من تطورات متسارعة، بدأت مطلع العام بتوقيع مذكرة تفاهم بين إثيوبيا وإقليم “أرض الصومال” تقضي بتمكين الأولى من تحقيق حلمها في الوصول إلى البحر عن طريق الإقليم الانفصالي مقابل الاعتراف باستقلاله، وما تبع ذلك من طلب مقديشو من سفير إثيوبيا مغادرة أراضيها، وأمرٍ بإغلاق قنصليتي أديس أبابا في غروي “ولاية بونتلاند” وهرجيسا “أرض الصومال”، وسط مخاوف من اندلاع صراع مسلح.
كما يأتي القرار الصومالي بإجازة اتفاقية الدفاع مع مصر، تزامنًا أيضًا مع استعداد تركيا لإرسال قوات بحرية إلى المياه الصومالية بعد أن اتفق البَلَدان على أن ترسل أنقرة سفينة استكشاف قبالة سواحل الصومال للتنقيب عن النفط والغاز في ثلاث مناطق بحرية بالصومال، وفي وقتٍ سابقٍ وقعا اتفاقية في مجال التعاون الدفاعي لمدة 10 سنوات.
جولة مكوكية للرئيس الصومالي
عندما وقعت إثيوبيا مذكرة التفاهم مع “أرض الصومال” مطلع العام الحالي، انخرط الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، سريعًا في جولة مكوكية لحشد الدعم ضد المذكرة، فكانت القاهرة ثاني محطاته بعد إريتريا المجاورة، حيث عقد جلسة مباحثات مع نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، وأكد الأخير خلال مؤتمر صحفي مشترك أنّ مصر لن تسمح بأي تهديد للصومال وأمنه، مُجدِّدًا رفضه للاتفاق الموقع بين إقليم “أرض الصومال” وإثيوبيا بشأن الاستحواذ على ميناء على البحر.
وقال السيسي: “إن مصر تدعم الصومال وترفض التدخل في شؤونه والمساس بسيادته”، مؤكدًا أن الاتفاق بين “أرض الصومال” وإثيوبيا غير مقبول لأحد.
المحطة الثالثة التي قصدها الرئيس شيخ محمود كانت الدوحة التي أُقيمت له فيها مراسم استقبال رسمية، بعدها عقد اجتماعًا مع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وذكرت وكالة الأنباء القطرية الرسمية في بيانٍ لها أن الزعيمين القطري والصومالي بحثا “العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، والموضوعات ذات الاهتمام المشترك”، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
ورغم العلاقات الإستراتيجية التي تجمع بين قطر والصومال، فإنّ وسائل الإعلام الرسمية القطرية لم تشر إلى ما يفيد بتضامن الدوحة بشكل صريح مع مقديشو، ويمكن تفسير ذلك بحرص قطر على الاحتفاظ بموقفٍ متوازنٍ في العلن بين مقديشو وأديس أبابا، نظرًا لأن قطر عرفت باستثمارها في دبلوماسية الوساطة بين الدول في الأزمات المختلفة، كما أنّ هناك مؤشرات قوية على انخراط قطر في وساطة على نار هادئة بين الجارتين، سبق وأن انفرد “نون بوست” بالتطرق إليها في تقرير سابق.
ولا أدل على قوة العلاقات بين الصومال وقطر من استضافة الأخيرة في هذه الأثناء مؤتمرًا للمغتربين الصوماليين بمشاركة الرجل الثاني في الحكومة الصومالية رئيس الوزراء، حمزة عبدي بري، ووزراء ومسؤولين آخرين إلى جانب ممثلين عن الجاليات الصومالية في دول الخليج وأوروبا وأمريكا، حيث يستمر المؤتمر ثلاثة أيام، ويأتي بهدف تعزيز دور المغتربين في بناء الدولة وإقناعهم بالعودة إلى البلاد والاستثمار فيها.
وعلى هامش المؤتمر، اجتمع رئیس الوزراء الصومالي برئیس مجلس الوزراء وزیر الخارجية القطري، الشیخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، في الدوحة، وجدد رئیس الوزراء القطري دعم دولة قطر الثابت للصومال وكل الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار وضمان سيادة البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها.
Today, in #Doha, Prime Minister @HamzaAbdiBarre held talks with his Qatari counterpart @MBA_AlThani_. The leaders focused on further strengthening ties between #Somalia & #Qatar and fostering collaboration in areas of security, trade, education, and social development. pic.twitter.com/isMtONuJkn
— SNTV News (@sntvnews1) July 22, 2024
تركيا تتحرك لنشر قوات بحرية في المياه الصومالية
توازيًا مع إقرار مجلس الوزراء الصومالي، الأسبوع الماضي، للاتفاقية الدفاعية مع مصر، قدّم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اقتراحًا إلى برلمان بلاده للحصول على إذن لنشر القوات التركية في المياه الإقليمية الصومالية.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب اتفاق التعاون الدفاعي والاقتصادي بين تركيا والصومال، الذي تم توقيعه في فبراير/شباط الماضي، بهدف تعزيز قدرات الدفاع البحري للصومال وإنشاء قوة بحرية للدولة الإفريقية.
وبحسب ما ورد تم إبرام الصفقة الصومالية مع تركيا ردًا على مذكرة التفاهم الإثيوبية مع “أرض الصومال” في يناير/كانون الثاني الماضي، والتي تمنح أديس أبابا الحق في قاعدة عسكرية هناك.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، استضافت تركيا وزيري خارجية الصومال وإثيوبيا، في محاولة للتوسط وحل الأزمة التي تلت ذلك، ورغم أن الاجتماعات انتهت بإعلان مشترك يعبر عن الاستعداد للمشاركة، فإن إثيوبيا أبدت تحفظات فيما يتعلق بإلغاء مذكرة التفاهم والتفاوض من جديد مع الحكومة الصومالية بشأن الوصول إلى البحر عبر خليج عدن.
ومن الواضح أن الرفض الإثيوبي أدى إلى تسريع التزام تركيا تجاه الصومال، فقد وقع وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، الخميس الماضي، اتفاقية لاستكشاف وإنتاج المواد الهيدروكربونية مع نظيره الصومالي عبد الرزاق عمر محمد، في إسطنبول. وتسمح هذه الاتفاقية لشركة TPAO الحكومية التركية بإجراء أنشطة التنقيب في ثلاث مناطق مختلفة داخل المناطق البحرية الصومالية.
يقول مراقبون في أنقرة إن الحكومة ربما تستعد لإرسال قوات لحماية سفن TPAO التي ستجري عمليات حفر في المياه الصومالية في الأشهر المقبلة، نظرًا لحالة عدم الاستقرار التي تعصف بالمنطقة جراء التوترات والصراع بين الغرب والحوثيين، إلى جانب انتشار حوادث القرصنة والنهب المسلح.
ويطالب الاقتراح المقدم إلى البرلمان التركي بتفويض لمدة عامين قابل للتجديد، إلى جانب مَنح الرئيس أردوغان سلطة نشر القوات اللازمة، والتي من المرجح أن تأتي في هذه الحالة من القوات البحرية التركية، وبحسب الاقتراح فإن هذا الإجراء يأتي استجابة لطلب رسمي من الحكومة الصومالية.
وينص الاقتراح على أن “دعم تركيا سيشمل المساعدة في مكافحة الإرهاب والقرصنة والصيد غير القانوني والتهريب وغيرها من التهديدات”، مشيرًا إلى أن “قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في الأول من ديسمبر 2023 بشأن حرب الصومال ضد الإرهاب يوفر أيضًا أساسًا قانونيًا لهذا التعاون”.
إحكام الصومال سيطرته على كل المنافذ المائية
كان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، قد قال إنّ حجر الأساس لهذه الاتفاقية بين البلدين قد تم وضعه خطوة بخطوة منذ عام 2011، وأوضح نور أنه على الرغم من أن توقيت هذه الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي يتزامن مع التوترات الجيوسياسية الأخيرة التي تشهدها المنطقة، فإنّ تركيا لم تتوانَ يومًا عن تقديم كل الدعم الذي تستطيعه للصومال عسكريًا أو اقتصاديًا منذ عام 2011، لذلك “يعرب شعب الصومال في كل فرصة ممكنة عن امتنانه لتركيا بقيادة السيد رجب طيب أردوغان”.
وأضاف في مقالٍ له “إن الإنجاز الأهم الذي سيتم تحقيقه في نطاق الاتفاقية والذي يهم المجتمع الدولي بأكمله هو إعادة تنشيط القوات البحرية الصومالية من خلال الدعم التركي”، موضحًا بالقول “في إطار هذه الاتفاقية، سيتم العمل على إنشاء قوات بحرية صومالية مختصة ومكتفية ذاتيًا بدعم من أصدقائنا الأتراك. هذه العملية سوف تُحدث تأثير الدومينو”.
“سوف تقوم البحرية الصومالية بدورها بإحكام سيطرتها على المنافذ المائية للصومال ومياهه الإقليمية. كما ستقوم بالقضاء على جميع أنواع الأنشطة غير القانونية سواء المحلية منها أو الخارجية في المياه الإقليمية الصومالية”، بحسب ما ورد في مقال الوزير الصومالي.
وذلك يعني بوضوح أن الحكومة الفيدرالية الصومالية لن تسمح بقيام القاعدة العسكرية الإثيوبية على شواطئ الصومال، باعتبار أنّ مكانها المقترح يقع داخل نطاق المياه الإقليمية الصومالية، فالأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية لا تعترف بـ”أرض الصومال”.
فوائد متعددة للصومال من الاتفاقيات الدفاعية
من الواضح أن الاتفاق العسكري بين الصومال ومصر الموقع في يناير/كانون الثاني الماضي – الذي أجازه مجلس الوزراء الصومالي الجمعة الماضي – يمثل ردًا من مقديشو على مذكرة التفاهم التي أبرمتها إثيوبيا مع أرض الصومال، حيث سارع الرئيس الصومالي، شيخ محمود، إلى طلب المساعدة العسكرية من مصر.
ورغم تراجع الدور المصري إقليميًا ودوليًا، فإنّ استجابة القاهرة وتضامنها مع الصومال ضد محاولات انتهاك سيادته يشير إلى الأهمية التي تُولِيها مصر لأمن واستقرار الصومال، البلد الذي يتمتع بموقع إستراتيجي مهم، كما تدل استجابة مصر للطلب الصومالي على رغبتها في الضغط على إثيوبيا التي تخوض معها صراعًا آخر في ملف المياه على وقع قضية سد النهضة.
وتحمل الاتفاقية كذلك العديد من الرسائل والدلالات السياسية، خاصةً في ظل احتدام الصراع بين القوى الإقليمية والدولية في منطقة القرن الإفريقي، حيث تسعى مصر إلى إثبات حضورها وتعزيز تعاونها مع دول منطقة القرن الإفريقي، نظرًا لما تشهده هذه المنطقة من تنامٍ للدور الإثيوبي، الأمر الذي شكل دافعًا جديدًا لمصر للتحرك لمواجهة المخاطر الناجمة عن تهديد الأمن القومي المصري.
ومن خلال الاتفاق، يمكن لمصر أن تقدم خبراتها للجيش الصومالي في مجال التدريب والتعاون الاستخباراتي والأمني في ظل الحرب الشرسة التي يخوضها ضد حركة الشباب.
التحركات الصومالية المتمثلة في توقيع اتفاقيات دفاع مع كل من تركيا ومصر تعد رسائل واضحة إلى إثيوبيا بعد مذكرتها مع أرض الصومال
أما اتفاقية التعاون الدفاعي التركي مع الصومال، التي وقعها وزيرا دفاع البلدين في فبراير/شباط الماضي، فإنها تتيح للبلدين فوائد جمة تضمن حماية الشواطئ الصومالية من أي تهديد خارجي، وتنص على بناء وتأهيل تركيا للقوات البحرية الصومالية ومساعدتها في تأمين سواحل البلاد، كما تمنح السفن التركية حق تنفيذ دوريات في المنطقة الاقتصادية البحرية للصومال ومياهه الإقليمية، وهو ما يعمق النفوذ التركي بالبلاد.
هذا بالتأكيد إلى جانب الفوائد الاقتصادية للبلدين المتمثلة في الاتفاقية الملحقة المتعلقة بالتنقيب عن النفط والغاز، ما يعزز مستقبلًا الموارد الاقتصادية للصومال ويساهم في تحقيق المصالح والفوائد للجانبين.
أخيرًا، صفقة “أرض الصومال” التي تنص على تأجير 20 كيلومترًا (12 ميلًا) من ساحلها البحري لمدة 50 عامًا لإثيوبيا غير الساحلية لاستخدامها كقاعدة عسكرية مقابل اعتراف أديس أبابا بالإقليم الانفصالي كدولة مستقلة، تسببت في إعادة رسم التحالفات السياسية في المنطقة، فالصومال أصبح يحظى بدعم كبير من إريتريا وجيبوتي المجاورتين، إلى جانب دعم مصر والسعودية وقطر وتركيا، بينما تصطف في الجانب المقابل كل من الإمارات وإثيوبيا و”أرض الصومال”.
يمكن القول إن التحركات الصومالية المتمثلة في توقيع اتفاقيات دفاع مع كل من تركيا ومصر تعد رسائل واضحة إلى إثيوبيا بعد مذكرتها مع أرض الصومال، وإشارةً إلى أن الصومال لن يتردد في استخدام تحالفاته وعلاقاته لأجل الرد على الخطوات الإثيوبية.
ومن المرجح أن تكون الحكومة الصومالية برئاسة، حسن شيخ محمود، قصدت تنويع شراكاتها الدفاعية مع تركيا ومصر بهدف تحقيق توازن في العلاقات بين أنقرة والقاهرة، رغم الأهمية الكبيرة التي يوليها الصومال بطبيعة الحال إلى علاقته بتركيا باعتبار الأخيرة شريكًا إستراتيجيًا لا بديل له.